إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مع الإمام الكاظم (ع) في ذكرى وفاته :حركة في العلم والعطاء والابتهال إلى الله تعالى

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مع الإمام الكاظم (ع) في ذكرى وفاته :حركة في العلم والعطاء والابتهال إلى الله تعالى



    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
    يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً}. من أئمة هذا البيت الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، الذي نلتقي بذكرى وفاته في الخامس والعشرين من شهر رجب، وهذا الإمام هو نموذج من نماذج هذه السلسلة الطاهرة المباركة من أهل البيت (ع)، التي أعطت الإسلام كل الوضوح والصفاء والنقاء، وواجهت كل قضايا المسلمين في حلّ كل مشاكلها، وعاشت معهم كما يعيش أحدهم مع الآخر، فأهل البيت (ع) هم المتواضعون الذين اقتدوا بجدّهم (ص) الذي قال له الله تعالى: {واخفض جناحك للمؤمنين}، وقال سبحانه له: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدو عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا}.

    كان أئمة أهل البيت (ع) يعيشون مع الصغير والكبير، ومع الشريف ومع الحقير، كانوا يحترمون إنسانية الإنسان، ويجيبون عن كل سؤال، فإذا لم يسألهم الناس ابتدأوهم، وأعطوهم من العلم الذي أعطاهم الله إياه إلهاماً، وقد عاش الإمام الكاظم(ع) فترةً من أقسى الفترات مع أكثر من خليفة من خلفاء بني العباس، الذين كانت الأمة تخضع لهم من خلال ما يملكونه من سيف ومال، لذلك كان كل واحد منهم يعيش الحسد لأهل هذا البيت (ع) لمكانتهم في وجدان المسلمين، ولذلك كانوا يدبّرون المكائد والغوائل للإيقاع بهم والتضييق عليهم، لأنهم كانوا يشعرون أن الأمة تنجذب للأئمة لما يملكونه من روحانية وعلم ورسالية وأخلاقية إنسانية في كل مجالات الإنسان.

    المعاناة تتجسد في القدوة

    وقد عانى الإمام موسى الكاظم (ع) من هارون الرشيد ما عاناه، وهو الذي كان يعترف له بأن الأمة لو عرفت من فضل موسى بن جعفر ـ قالها لولده ـ ما نعرفه، لما تركتنا لحظة في مواقعنا في الخلافة، لأن الأمة تعرف ما يتميّزون به من فضل وعلم وورع وتقوى وخبرة في الواقع الإسلامي كله، وقد سُجن في سجون هارون الرشيد، فكان ينقله من سجن إلى آخر، حتى انتهى به الأمر إلى سجن السندي بن شاهك الذي دسّ إليه السم وهو في سجنه بأمر من الرشيد.

    وهكذا كان الإمام الذي عاش مدة من عمره سجيناً، وكان كل سجّان يرسل إلى الرشيد: إما أن تأخذه مني وإما أن أُطلق سراحه، لأنه كان يقضي وقته في العبادة، حيث نراه يقول(ع) في أول سجن له في البصرة: "اللهم إني كنت قد طلبت منك أن تفرّغني لعبادتك، وفقد فعلت فلك الحمد"، وأرسل هذا السجّان إلى الرشيد: إني لم أسمع منه أيّ كلمة يدعو بها عليّ أو عليك، لأن الإمام (ع) كان فوق الحقد والعداوة والبغضاء، وهكذا ينقل الآخرون ممن مكث الإمام (ع) في سجونهم أنه كان يقضي وقته بالعبادة وفي مناجاة الله والابتهال إليه.

    وكان الإمام الكاظم (ع) يملك سعة الصدر، وروحية العفو، وقوة كظم الغيظ، ولذا سُمّي بـ،"الكاظم"، لأنه كان يعيش الوداعة الإنسانية في مواجهة الذين يؤذونه ويغيظونه ويعادونه، كان كجدّه رسول الله (ص) على خلق عظيم، كان ليّن القلب، ليّن اللسان، كان القدوة في القيمة الأخلاقية الإسلامية، كما كان القدوة في القيمة الروحية الإيمانية، ولذلك كان الناس يحبونه ويجلّونه ويعظّمونه.

    حركية في العلم والعطاء

    ونحن نحاول في ذكراه أن نلتقط بعضاً مما قاله، من أجل أن نستفيد منه في كثير مما نحتاج إلى تحريكه في حياتنا على مستوى المبادىء. نبدأ من طفولته، وبدايات شبابه الأول وهو في أحضان أبيه الإمام الصادق(ع)، حيث ينقل صاحب "تحف العقول" عن "أبي حنيفة النعمان" الذي تلمّذ على أبيه الإمام الصادق(ع) وكان يقول: "لولا السنتان لهلك النعمان"، قال: حججت أيام أبي عبد الله الصادق، فلما أتيت إلى المدينة دخلت داره، فجلست في الدهليز أنتظر إذنه، إذ خرج صبي فقلت: يا غلام، أين يضع الغريب الغائط من بلدكم؟ قال: "على رسلك"، ثم جلس مستنداً إلى الحائط، فقال له: "توقّ شطوط الأنهار ـ لأن هذه الشطوط يأتي إليها الناس ليستقوا منها، فلا يجوز أن يؤذي الناس بقضاء حاجته عندها ـ ومساقط الثمار وأفنية المساجد، وقارعة الطريق، وتوار خلف جدار، وشل ثوبك، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، وضع حيث شئت". فأعجبني ما سمعت من الصبي، فقلت له: ما اسمك؟ قال: "أنا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)"، فقلت له: يا غلام: ممن المعصية؟ فقال: "إن السيئات لا تخلو من إحدى ثلاث: إما أن تكون من الله، وليست منه، فلا ينبغي للرب أن يعذّب العبد على ما لا يرتكب، وإما أن تكون من العبد وهي منه، فإن عفا فبكرمه وجوده، وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته"، فانصرفت ولم ألقَ أبا عبد الله، واستغنيت بما سمعت ـ وفي رواية ـ وقلت: "ذرية بعضها من بعض".

    ونعرف من هذه الرواية التي رواها أبو حنيفة ـ وهو إمام المذهب الحنفي الذي يأخذ به أغلب المسلمون السنّة ـ أن الأئمة (ع) كانوا يملكون منذ طفولتهم علماً لا بدّ أن يكون إلهاماً من الله تعالى. وفي رواية وقد سأله رجل عن الجواد ـ أي الكريم ـ قال (ع): "إن كنت تسأل عن المخلوقين فإن الجواد من يؤدي ما افترض الله عليه ـ أن يؤدي حقوق الله بأن ينفق على عائلته ولا يضيع من يعول، ويدفع الحقوق الشرعية التي افترضها الله عليه ـ والبخيل من بخل بما افترض الله عليه، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى، والجواد إن منع، فإن أعطاك أعطاك ما ليس لك، وإن منعك منعك ما ليس لك".

    انفتاح على المسؤوليات العبادية والاجتماعية

    وفي بعض كلمات الإمام الكاظم (ع) يقسّم وقت الإنسان، لأن هناك عدة مسؤوليات للإنسان في الحياة، هناك المسؤوليات مع ربه ومع عائلته ومع مجتمعه ومسؤولياته عن نفسه، يقول (ع): "اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله ـ القيام بما أراد الله تعالى منكم أن تقوموا به من عباداتكم، سواء كانت الصلاة أو الدعاء وقراءة القرآن ـ وساعة لأمر المعاش ـ بأن تسعى في سبيل قضاء حاجاتك وحاجات عيالك وأرحامك ـ وساعة لمعاشرة الإخوان، والثقاة الذين يعرّفونكم عيوبكم ـ فلا بدّ للإنسان أن يختار الأصدقاء الموثوقين ممن ينصحونه ولا يغشّونه، لأن المؤمن مرآة أخيه ـ ويخلصون لكم في الباطل، وساعة تخلّون فيها للذاتكم في غير محرّم ـ لأن للإنسان شهوات ولذات من الحلال، فلا بد أن لا يكبت نفسه ويحرمها، بل أن يعطيها حريتها في اللعب الحلال، واللذة الحلال، والشهوة الحلال ـ فإنها عون على تلك الساعات"، لأن النفس عندما تنحبس وتضيق فإنها تؤثر على كل النشاط العملي، والإسلام لا يريد للإنسان أن يعيش الكبت، بل أن يعيش الانفتاح على حاجاته الشخصية من خلال المسؤولية التي فرضها الله تعالى عليه.

    دعوة لاستقلال الشخصية

    وفي كلمة له، يعالج الإمام (ع) ذهنية موجودة في مدى التاريخ، وهي ذهنية الناس الذين يعيشون الحياة على أساس اللاموقف واللارأي، فللإنسان عقل ورأي وإرادة، وما يتعلّمه الإنسان وما يفكر به ويتعلّمه يعطيه وعياً لكل حياته، في كافة الأمور السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية، فكل إنسان عنده ثقافة بحجمه، فعندما يُطلب من الإنسان أن يحدد موقفه في أيّ مسألة في جوانب الحياة، فإن البعض الناس يتصرف على طريقة أن يكون مع الناس أو الحزب أو المنظمة أو العشيرة، فيكون الإنسان الذي لا يفكر بل يفكر له الآخرون، وهذا الموقف يرفضه الإسلام، لأن هناك فرقاً بين أن نقول للناس: فكّروا لنا، وبين أن نقول لهم: فكّروا معنا، لأن الآخر عندما يفكر لك فسوف يفكر على أساس مصالحه، والإسلام يريد منا أن نتحمّل مسؤولية الفكر الذي نملكه، لأنك أنت من سيقدّم الجواب أمام الله تعالى.

    يقول الإمام الكاظم (ع): "أبلغ خيراً ـ عندما تريد أن تقوم بعملية الإبلاغ لما تريد للناس أن يتحركوا فيه فليكن إبلاغك بلاغ الخير ـ وقل خيراً، ولا تكن إمّعة"، قلت: وما الإمعة؟ قال (ع): "بأن تقول أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس ـ أحارب إذا حاربت العشيرة أو الحزب أو الطائفة، وأُسالم إذا سالمت ـ فإن رسول الله (ص) قال: إنما هما نجدان: نجد خير ونجد شر، فلا يكن نجد الشر أحبّ إليكم من نجد الخير".

    وهذا النهج يعلّم الإنسان أن يكون مستقل الشخصية، أن تكون حراً، فلا تستعبد نفسك لغيرك، وليس معنى ذلك أن تكون إنساناً مستبداً، بل لا بد أن تحاور الآخرين وتستشيرهم وتفكر معهم، ثم تجمع رأيك على موقف وتتخذه، أن لا تكون ظلاً للآخرين وصدى لأصواتهم، وهذا ينعكس على الجانب الفردي والاجتماعي والسياسي، فالأمة الإسلامية لو كانت دائماً تعطي قيادها وخططها الفكرية والسياسية للمحاور الدولية الكبرى على أساس أن تخطط لنا وتفكر لنا، فإنها سوف تخطط لنا على أساس مصالحها، وأنا قول لكم دائماً: إن علينا أن لا ننسجم مع أي جهة تقول لا تفكروا، نحن نفكر ونقبل أن تنبهونا على الأخطاء، وعلينا أن نربي أولادنا على أن يفكروا، لأن الأمة التي لا تملك حركة عقلها وفكرها هي أمة يسقطها الآخرون، وبقدر ما تكون الأمة واعية مفكرة بقدر ما تملك من حرية، لأن الحرية لا تصدر بمرسوم بل تنبع من الداخل، من عمق إنسانية الإنسان.

    مدرسة في التواضع والإباء

    وفي كلمة للإمام الكاظم (ع) تعيش في أجواء الكلمة السابقة، وهي وصية لصاحبه هشام بن الحكم، يقول (ع): "يا هشام، لو كان بيدك جوزة، وقال الناس إنها لؤلؤة، وأنت تعرف أنها جوزة، ما نفعك، ولو كان في يدك لؤلؤة، وقال الناس إنها جوزة، وأنت تعلم أنها لؤلؤة فما ضرّك". ونفهم من هذه الكلمة أن على الإنسان أن لا يستعير ثقته بنفسه من الآخرين، فعندما أسمع المدح أو الذم فعليّ أن أدرس نفسي قبل أن أنفعل ـ سلباً أو إيجاباً ـ فلا تسقط أمام السب، ولا تنتفخ أمام المدح.

    وقد علّمنا أهل البيت (ع)، كما في دعاء "مكارم الأخلاق"، أن يزداد الإنسان تواضعاً عند المدح: "اللهم لا ترفعني في الناس درجةً إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها"، فلا يسقطنا الذين يثيرون نقاط الضعف فينا، ولا يضخّمنا الذين يريدون أن يثيروا نقاط القوة فينا.

    وفي نهاية المطاف، علينا أن نتابع تعلّم آثار أهل البيت (ع)، ماذا قالوا وماذا فعلوا، لأن قولهم وفعلهم قول رسول الله وفعله، ولذلك نستطيع أن نأخذ من رسول الله (ص) وأئمة أهل البيت (ع) الينبوع الإسلامي الصافي الذي يمكن لنا أن نشرب منه ماءً سلسبيلاً في الدنيا والآخرة.




  • #2
    الأخت الفاضلة عطر الولاية . أعظم الله لنا ولكِ الأجر بذكرى إستشهاد الإمام المظلوم المسموم المغيب في قعر السجون وظلمته كاظم الغيظ موسى بن جعفر (عليه السلام) . وأحسنتِ وأجدتِ وسلمت أناملكِ على نقل ونشر هذه المقالة القيمة عنه . جعل الله عملكِ هذا في ميزان حسناتكِ . ودمتِ في رعاية الله تعالى وحفظه .

    تعليق


    • #3
      عظم الله لنا ولكم الأجر والثواب بحق محمد وال محمد هذه الايام الكاظميه العظيمه
      نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الفائزين بشفاعته يوم الورود

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X