بـسـم الله الـرحـمـٰن الـرحـيـم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن زرارة بن أعين قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إنَّ للقائم غيبة قبل أن يقوم ، قلت له : ولم؟ قال : يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ. ثمّ قال : يا زرارة وهو المنتظر ، وهو الّذي يشك النّاس في ولادته ، منهم من يقول : هو حمل ، ومنهم من يقول : هو غائب ، ومنهم من يقول : ما ولد ، ومنهم من يقول : ولد قبل وفاة أبيه بسنتين. غير أنَّ الله تبارك وتعالى يحب أن يمتحن الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون.
قال زرارة : فقلت : جعلت فداك فإنْ أدركت ذلك الزَّمان فأيَّ شيء أعمل قال : يا زرارة إن أدركت ذلك الزَّمان فأدم هذا الدُّعاء : « اللّهمّ عرّفني نفسك ، فانّك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيّك ، اللّهمّ عرّفني رسولك فانّك إن لم تعرِّفني رسولك لم أعرف حجّتك ، اللّهمّ عرفني حجّتك فانّك إن لم تعرفني حجّتك ضللت عن ديني ».[1]
لهذا الدعاء أهمية كبيرة ، لجهة التأكيد عليه فهو مروي بأسانيد متعددة ، وكما أن الامام الصادق عليه السلام قد علم زرارة ماذا يصنع لو أدرك زمان الغيبة فإن العمري سفير الامام الحجة الثاني قد علمه بعض أصحابه من شيعة الامام عليه السلام .
ومنها ما يرتبط بمضمونه حيث التركيز فيه على المعرفة العقدية بالله عز وجل وبالنبي والامام ، وهي متقدمة بمراتب على سائر المعارف .. فلو فرضنا أن معرفة اللغة والتفسير مهمة لأنه يتوقف عليها معرفة مرادات الآيات القرآنية الكريمة إلا أنها من حيث رتبتها وأهميتها لا ترقى معرفة الإمام أو معرفة النبي فضلاً عن معرفة الله عز وجل لأن هذه مرتبتها مرتبة الأصول. وخريطة الطريق، البوصلة وهذه مرتبتها مرتبة الفروع وتفاصيل المعرفة.
ولو فرضنا أن شخصا لم يعرف الله أو عرفه بشكل ناقص فإنه لا ينفعه كثيرا ان يتعلم مسألة شرعية، وهكذا لو تعلم تفسير القرآن أو تجويده ولكنه لم يتعرف على النبي الأكرم صلى الله عليه واله فلن يكون ذلك نافعا له أو شافعأ له، وكذا الحال في عقيدتنا الإمامية معرفة الإمام المعصوم عليه السلام
ضمن هذا الإطار وجدنا أحاديث النبي صلى الله عليه واله عن قضايا معرفة الإمامة بلغت عدداً كبيراً جداً عند الإمامية وبلغت حداً معقولاً يشكل دليلاً علمياً عند غير الإمامية لمن تدبر وتأمل قضية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هي واحدة من هذه القضايا أصل القضية المهدوية ووجود مخلص إلهي يأتي في الزمن الأخير لكي يغير وضع العالم ويقيم العدل ويرفع الظلم ويطهر الأرض هذا الأمر تتفق عليه الديانات السماوية وإن اختلفت آراؤهم حول المخلصين فيها.
أصل القضية وجود المخلص الإلهي الذي يكون دوره هذا الدور، هو أمر مشترك ومتفق عليه بين جميع الديانات في الحالة الإسلامية أصل القضية المهدوية أن هذا المخلص الإلهي اسمه المهدي وأنه من ذرية النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم ذا أيضاً من الأمور المتفق عليها بين المسلمين إلا من شذ منهم ولا يعبأ به لخرقه للإجماع بل لمخالفته صريح الروايات الكثيرة . أحدهم كتب كتاب قبل مدة من الزمان بعد النبي خير البشر لا مهدي ينتظر فاستقبل بالإستهجان من المدرسة السلفية التي ينتمي إليها هذا المؤلف بحسب الفرض قبل سائر المسلمين، لماذا ؟
لأن الروايات التي تتحدث أن القضية المهدوية، قضية إسلامية وأن الروايات الموجودة فيها صحيحة، صححها كبار أئمتهم السابقين واللاحقين، فإذا جاء أحد وقال لا مهدي ينتظر يكون خرقا للإجماع ودفعا للأحاديث الكثيرة ولا يعبأُ به نعم هناك خلاف بين فريق من اتباع مدرسة الخلافة وبين الإمامية في أن الإمام المهدي الموعود الذي هو من ذرية النبي والذي يهيأ الأرض ويبسط فيها العدل ويدفع عنها الظلم والفساد هل إنه ولد في الزمن السابق أو قبل ظهوره بمدة كافية يولد؟
محل الخلاف هنا.. ويظهر اول من شكك في ولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حسب ما يظهر كان ابن حزم الظاهري محمد ابن علي ابن حزم الظاهري[2] المتوفى سنة ٤٥٦ هـ بعد قريب من مئتين سنة، قرنين من الزمان من الولادة الفعلية للإمام حسب رأي الشيعة طول هذه المدة لم يوجد هناك من يشكك في هذا الأمر بل كان يتعامل المؤلفون قبل ابن حزم وبعد ابن حزم على ان القضية ثابتة وكثير من علماء مدرسة الخلفاء ألفوا كتبا في ذلك مثل : مطالب السؤول والبيان لمحمد بن طلحة الشافعي، والكنجي الشافعي، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي على اختلاف مراحلهم الزمنية صرحوا فيها ان الحسن بن علي العسكري عليه السلام ولد له ولد يقال له محمد ويلقب بالمهدي وهو الذي وردت فيه الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله .
جاء ابن حزم الظاهري الذي يلقب احياناً باليزيدي أو الأموي [3] نظراً لأن جده الأعلى من موالي يزيد بن ابي سفيان أخ معاوية بن أبي سفيان وكان واليا على الشام من قبل الخليفة الثاني، أسس مذهبا سمي باسم الظاهرية ذكر في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل) بأن الإمامية تذهب إلى ان محمد المهدي بن الحسن العسكري الذي لم يولد قط، يقولون انه ولد للحسن العسكري وهو المهدي عندهم.
بالطبع فإن إنكار وجود المهدي وولادته يخلص هؤلاء من متواليات مشكلة عقدية، فلا بد أن يؤمنوا به لو أقروا بوجوده! إذ أن الروايات بشأنه أوضح من الشمس وأبين من الأمس! فربما رأى بعض هؤلاء أن السبيل الأفضل للخروج من هذا المأزق هو إنكار وجوده، بمعنى أنه وإن كان عقيدة ثابتة إلا أنه ليس موجودا ولا مولودا!
العقيدة المهدوية هل هي نتاج الحرمان السياسي ؟
هذا وقد زاد أحد الدعاة من مدرسة الخلفاء في طنبور الإنكار نغمة وقال في إحدى الجرائد المحلية؛ بأن الذي دفع الشيعة إلى الإيمان بالمهدي عاملان:
الأول: أن الشيعة كانوا يعيشون الحرمان السياسي في أغلب فتراتهم، وأئمتهم عُزلوا عن إدارة الحياة فأثّر هذا الأمر فيهم نفسياً وجعلهم يتطلعون الى مخلص ومنقذ يغير هذه الأوضاع فكانت فكرة المهدي أحسن طريق لهم .وهي بهذا أشبه بردة فعل على الحالة السياسية المتأزمة ، والعزلة السياسية ، فهم بهذا يوجدون عزاء لأنفسهم بأن المستقبل معهم وأنهم سينتصرون .
والثاني: ـ قال ـ أن قسما من الناس يرغبون بالتغيير الكلي الفوري و لذا لا يعملون على السنن الطبيعية العادية، بل يريدون ان يأتي أحدهم ويضغط زرا هكذا وينقلب الوضع تماما إلى الصلاح والعدل ، فرغبة هؤلاء في التغيير الفوري جعلتهم يؤمنون بفكرة المهدي.
وأما الجواب :
عن القسم الأول من كلامه فهو : إذا كان نشوء العقائد هو نتيجة لحالات نفسية عند البشر فهذا الكلام ننقله إلى موضوع الإيمان بالله، وآنئذ سيتم الاتفاق مع الماديين والماركسيين.. فإن هؤلاء
يقولون: إن إيمان البشر بالله قائم على خيال، حيث وجدوا في الطبيعة قوى ضخمة وعاتية، من زلازل، وبراكين، وعواصف وغيرها، ولم يعرفوا تفسيرها العلمي، فنشأ لديهم خوف داخلي دفعهم إلى الاعتقاد بوجود قوة خارقة غير مرئية سموها الله وإلا فلا وجود له!! إنما خلقته ـ كما زعم الماديون ـ حاجة الناس للاحتماء بهذه المظاهر الطبيعية الخارقة التي لا يتمكنون من مواجهتها ولا يعرفون تفسيرها العلمي!.
لهذا الداعية نقول: اذا كنت تعتقد ان الماديين خاطئون وأن الإيمان بالله حاجة فطرية موجودة في داخل أعماق الإنسان لا يستطيع التنكر لها وقامت عليها الأدلة والبراهين.. فمثل ما يقال هناك يقال هنا .
نعم يمكن للحاجة النفسية أن تخلق فكرة او عقيدة لشخص أو شخصين، أما ان تتحول الى مسار لدى كل المؤمنين بالله.. في أنهم خافوا من قضايا الطبيعة فخلقوا لهم إلها!! هذا شيء غير معقول!
وهكذا الحال بالنسبة لقضية الإمام المهدي ، فإن شيعة أهل البيت في أدوار التاريخ المختلفة وفيهم العباقرة، والعلماء، فيهم الفقهاء، والمحققون المدققون، بل إن أعظم فلاسفة الإسلام هم من شيعة أهل البيت عليهم السلام هؤلاء كلهم حدث لديهم إحباط سياسي وخلقوا لهم قضية المهدي.
لم يقف أحد هؤلاء العلماء والفقهاء والفلاسفة ليتساءل، او ليفكر في الأمر ويرى أن القضية هي عبارة عن انفعال نفسي سلبي بالأوضاع السيئة فخلقوا لهم هذه العقيدة !! لم يلتفت أي من هؤلاء العباقرة والمدققين إلى ما التفت إليه هذا الداعية ؟
ثم لنفترض جدلا أن هذا الكلام صحيح في أزمنة الحرمان السياسي، والاحباط!! ماذا عن أزمنة السيطرة والحكم ؟
في هذا العصر بل في عصور سبقت كان لديهم الحكم وصاروا رؤساء دول ! ومع ذلك بقوا متمسكين بقضية الإمام المهدي؟ بل ربما زاد حضور القضية المهدوية في تلك الفترات مثل فترة حكم الدولة الصفوية !
لقد حكم شيعة أهل البيت مناطق كبيرة أو صغيرة من العالم الاسلامي في فترات تاريخية متعددة وامتد بعضها قرونا ، فلو راجعت تاريخ الاسلام[4] ، لوجدت فيه الدولة البويهية ودولة الأدارسة والحمدانيين والفاطميين وغيرها إلى زمان الدولة الصفوية .. فلماذا لم يتخل هؤلاء عن الاعتقاد بالإمام المهدي إذا كان ذلك الاعتقاد ناتجا عن الاحباط السياسي ؟
وأما القسم الثاني من كلامه: أن الشيعة يرغبون في التغيير الكلي الفوري ولا يتبعون السنن الطبيعية، يريدون بضغطة زر ويتغير العالم ... هذا به مجافاة للواقع، وغير صحيح.
بل إن الذين يتحدثون عن النهضة المهدوية يتحدثون عن عمل جاد، عن حركة طويلة تعتمد على ان الخير لا ينتشر إلا من حيث انتشر الشر اي ان الارض كما ملئت، و(كما) فيها إشارة إلى الطريقة كما جاء في احد تفاسيرها.
ـــــــــــــــــ المصادرــــــــــــــــ
[1] ذكره الشيخ الصدوق في كمال الدين 1/ 342 في مواضع متعددة وبأسانيد كذلك ، ويلحظ فيه أن أصل الحديث عن الامام الصادق وأنه يتحدث مع أصحابه عن غيبة الامام المهدي ، ويعين الوظيفة لمن يدرك ذلك الوقت ماذا يصنع ! كما نقله في موضع آخر 1 / 512 راويا هذا القسم من دعاء طويل عن السفير الثاني للإمام الحجة محمد بن عثمان العمري.
[2] ابن حزم ؛ علي بن أحمد بن حزم الظاهري ، أبو محمد : ولد بقرطبة الاندلس ت 456 هـ. كان حافظا للأحاديث يستنبط الاحكام منها ومن الكتاب والسنة واجه كثيرا من العلماء والفقهاء ، حيث أجمعوا على تضليله فأقصته الملوك وطاردته ، فرحل إلى بادية ليلة ( من بلاد الأندلس ) فتوفي فيها . وكان يقال : لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان . أشهر مصنفاته " الفصل في الملل والأهواء والنحل ، والمحلى وغيرها .
[3] فكان جده يَزِيدُ مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي -أَخِ معاوية بن أبي سفيان كما عن الذهبي في سير أعلام النبلاء 13/ 373.
[4] حتى ليعد القرن الرابع إلى الخامس هو قرن الدول الشيعية في العالم الاسلامي ، وللتفصيل يمكن مراجعة كتاب (دول الشيعة في التاريخ ) للمرحوم العلامة الشيخ محمد جواد مغنية .
الامام المهدي عدالة منتظرة، فوزي آل سيف، ص157- 165.
تعليق