بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إنّ المؤمن لصبور في المصائب، بل راضٍ بقضاء الله وقدره، وإنّ مقام الرضا أعلى درجة من الصبر، حتى قال بعض العرفاء: نسبتهما كنسبة المعصية والطاعة، والرضا ثمرة المحبّة، فمن أحبّ شيئاً أحبّ فعله، والمحبّة ثمرة المعرفة، فمن عرف الله ونظر بعين البصيرة إلى جلاله وجماله وكماله فقد أحبّه، والذين آمنوا أشدّ حبّاً لله، ومتى أحبّه استحسن كلّ أثر صادر منه، وهذا يفضي إلى الرضا بالله سبحانه وبما فعل، حتى لو أمات له الولد العزيز، فالرضا من الفضائل العظيمة للإنسان في كمال إنسانيّته وجمالها، وقرن الله رضا عبده برضاه بقوله تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (المائدة/ 119)، إلّا انّه (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ) (التوبة/ 72)، وهذا نهاية الإحسان وغاية الإمتنان.
والرضا دليل الإيمان، بل ذروة الإيمان: الصبر لحكم الله والرضا بقدره.
سأل رسول الله (ص) بعض أصحابه: ما أنتم؟ قالوا: مؤمنون، فقال: ما علامة إيمانكم؟ قالوا: نصبر على البلاء ونشكر عند الرخاء ونرضى بمواقع القضاء، فقال: مؤمنون وربّ الكعبة.
قال النبي (ص): "إذا أحبّ الله عبداً ابتلاه، فإن صبر إجتباه، فإن رضي إصطفاه".
وإذا إصطفى الله عبداً أعطاه جناحاً ليحلّق في سماء المعارف ديناً ودنياً وآخرة.
أحبّتي: كنت أدعوكم إلى الصبر، والآن أدعوكم إلى الرضا بالله وبقضائه وحمده وشكره فإنّه يفعل ما يريد.
في الحديث القدسي: "أنا الله لا إله إلّا أنا، من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتّخذ ربّاً سوائي".
وأوحى الله إلى داود (ع) وقال: "يا داود تريد وأُريد، وإنّما يكون ما أُريد، فإن سلّمت لما أُريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلّم لما أُريد أتعبتك فيما تريد، ولا يكون إلّا ما أُريد".
وفي الحديث: "أوّل من يدعى إلى الجنّة يوم القيامة الذين يحمدون الله تعالى على كلّ حال".
أجل: لك الحمد يا ربّ على كلّ حال وفي جميع الأحوال، ونسلّم ونفوّض الأمر إليك، ونرضى بما تريد، ولا نقول ولا نفعل إلّا ما يرضيك، بحول وقوّة منك يا ربّ العالمين.
قال النبي (ص): "إنّ الله تعالى بحكمته وجلاله جعل الروح والفرج في الرضا واليقين، وجعل الغمّ والحزن في الشك والسخط".
وقال الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين (ع): "الزهد عشرة أجزاء: أعلى درجة الزهد – الذي جمع في قوله تعالى: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) (الحديد/ 23)، أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا".
وهذا الحديث الشريف من جوامع الكلم يُبيّن النسب وتفاوت الدرجات والمراتب بين الفضائل والمحامد من الأخلاق والصفات، فامّهات درجات الزهد عشرة، فأعلى درجاته هي أوّل وأدنى درجات الورع، فالورع عن محارم الله يزيد على الزهد بعشر درجات، وأعلى درجات الورع هو أدنى وأوّل درجات اليقين، فالزاهد يطوي مراحل وصفوف الزهد إلى أن يدخل في كليّة الورع، ولهذه الكليّة عشرة صفوف أيضاً، فيطويها بنجاح وفوز إلى أن يدخل كليّة اليقين، فيطوي درجات اليقين بنجاح وإخلاص، حتى يدخل في كليّة الرضا، فأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضا، ثمّ كليّة الرضا فيها درجات لم تذكر في الخبر الشريف، فتدبّر.
فالراضي بقضاء الله وقدره لا يكون إلّا من كان كامل اليقين، والمتيقّن الكامل لا يكون إلّا من كان من أهل الورع والتقوى، والورع المتقي لا يكون إلّا من كان زاهداً في دنياه، لا يأسوا على ما فاته من الدنيا ونعيمها وزخرفها وزبرجها، ولا يفرح بما هو آت له في المستقبل، فتكون الدنيا عنده كقشّة حبّة الحنطة لا يحسّ بها إن وقعت على ثوبه، كما لا يحسّ بها إن طارت وذهبت، فيكون إياب الدنيا وذهابها عنده على حدّ سواء، إنّما يفرح بما آتاه الله من فضله، ويحزن ويأسى على ما فاته من معاصيه وذنوبه.
وإذا أردت أن تعرف الرضا إجمالاً فاقرأ ما يقوله الإمام الصادق (ع) في تعريفه: "صفة الرضا أن ترضي المحبوب والمكروه، والرضا شعاع نور المعرفة، والراضي فانٍ عن جميع اختياره، والراضي حقيقة هو المرضي عنه، والرضا اسم يجمع فيه معاني العبوديّة، وتفسير الرضا سرور القلب".
وإذا أردت أن تعرف العالم حقاً في مدرسة الثقلين، ذلك الذي يخشى الله سبحانه كما أخبر عزّ وجلّ ويرث الأنبياء (عليهم السلام) كما ورد في الأثر، فأعلم إنّه ليس من تعلّم المصطلحات الحوزويّة أو الجامعات الأكاديميّة وحسب، بل كما ورد في الخبر الشريف: "ليس العلم بكثرة التعلّم، إنما العلم نور يقذفه الله في قلب من شاء أن يهديه".
ومن هذا النور الإلهي الرضا بالله وبقدره، فإنّ الرضا شعاع نور المعرفة، فيجمع في قلبه ووجوده الملكي والملكوتي الشهودي والغيبي – الجسدي والروحي – معاني العبوديّة لله سبحانه، فيكون عبداً لله حقّاً، فلا يرى من ربّه إلّا جميلاً، فيستّر قلبه وتقرّ عينه، ويكون أعلم الناس بالله سبحانه وتعالى.
كما قال الإمام الصادق (ع): "أعلم الناس بالله تعالى أرضاهم بقضاء الله عزّ وجلّ".
فما أعظم الرضا وأجل مقاماً من الصبر، فإنّه في منازل السائرين والسالكين إلى الله جعلها في قسم الأخلاق.
(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ) (النحل/ 127)، والصبر: حبس النفس على المكروه وعقل اللسان عن الشكوى، ثمّ للصبر مراتب فاضعفها الصبر لله من أجل الثواب والأجر وهو صبر العامّة، وفوقه الصبر بالله أي بقوّته وهو صبر المريدين، وفوقها الصبر على الله في أحكامه، وهو صبر السالكين.
وأمّا الرضا: (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) (الفجر/ 28)، والرضا اسم للوقوف الصادق مع الله وإرادته حيث ما وقف العبد لا يلتمس متقدّماً ولا متأخّراً، ولا يستزيد مزيداً ولا يستبدل حالاً، فيريد أن لا يريد، وهو من أوائل ما سلك أهل الخصوص، وأشقّها على العامّة وهو على ثلاث درجات: الأولى: رضا العامّة: وهو الرضا بالله ربّاً ويسخط عباده ما دونه، وهذا أصل الإسلام، ويطهر الإنسان من الشرك الأكبر، فيكون الله أحب الأشياء إليه، وأولى بالتعظيم، وأحق بالطاعة.
الثانية: الرضا عن الله تعالى وبهذا الرضا نطقت آيات التنزيل كما جاء في الأخبار التي ذكرنا جملة منها وهو الرضا عنه في كلّ ما قضى وقدر، وهذا من أوائل مسالك أهل الخصوص فتستوي الحالات عند العبد، ولا يخاصم الخلق بالخلاص من المسألة الإلحاح.
الثالثة: الرضا برضا الله تعالى فلا يرى العبد لنفسه سخطاً ولا رضاً، فيبعثه على ترك التحكّم وحسم الاختيار، وإسقاط التمييز، ولو أدخل النار، فلا يراها أميز عنده من الجنّة، لأنّه يستغنى عن إرادته بإرادة الحقّ سبحانه وتعالى، وهو لا يحصل إلّا لأهل مقام المحبّة ثمّ من بعد الصبر والرضا، يأتي مقام الشكر (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ/ 13
تعليق