♥ ண√جمال سورة الفاتحة√ண ♥
ألا ترى أنك تقرأ سورة الفاتحة فتجد فيها من حسن النظام وبديع التناسب ما لا تحصل عليه في كثير من النصوص ؟ !
بسم الله الرحمن الرحيم
«الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيِّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ».
ولعل العربية فريدة بين اللغات القديمة والحديثة التي أَحَسَّ بحسن أصواتها المعربون، فدَرَجوا على نمط من المشاكلة يوفّر الحسن والجمال.
قد تدرك أن الميم والنون قد تَوَزَّعا هذه الآيات البيِّنات، فجعلا منها قطعة بالغة في الحسن، مستوفية في نظمها وبنائها ما لا يمكن أن تجده في المأنوس من فرائد الشعر .
قال جلَّ وعلا:
«الحمدُ للهِ ربِّ العالمين* الرحمنِ الرحيم ...»
نلاحظ أنّ أسلوب هذه السورة يؤدي مادة الدعاء والتقرب إلى العليّ العظيم وإن جاء أول السورة جملةً خبرية.
ومن المعلوم أن لغة الدعاء ينبغي لها أن تُشحَن بمادة عاطفية، فجاء قوله على لسان النبي وجمهرة المسلمين:
«الحمد لله رب العالمين»، وانتهت الآية «بربّ العالمين».
وكانت النون في هذا الجمع المذكَّر نهايةً جميلة بعد أن وصف هذا الموصوف العلي العظيم بقوله:
«الرحمنِ الرحيم».
فلو قُدِّرَ لك أن تفارق الحسن والذوق والبلاغة فقلت:
«الرحيم الرحمن»
ولم تُخِلَّ بالصفتين، ولكنك أخللت بالترتيب، لرأيت أن في قوله
«الرحمن الرحيم»
فائدة أية فائدة، في توفير التناسب في هذا التقسيم البديع.
ثمّ إن هذا الحسن لم يتم بطريقة السجع، ولكنه إخاء بين صوتين التَأَما في العربية التئاماً عجيباً .
لم يفطن اللغويون لمادة الإبدال التي تقع في الميم والنون ويَقِفوا على السر في ذلك. لقد تم هذا التناسب في هاتين الآيتين بعيداً عن السجع، ولله في ذلك حكمة بالغة.
ثمّ جاءت الآية الثالثة
«مالك يوم الدين »
فتم هذا التناسب من النون إلى الميم إلى النون ثانية .
إنا لَنجد في القراءات، ولا سيما غير المشهورة، أن أحداً من القراء قرأ:
«مَلِكِ يوم الدين»،
وهذه القراءة مخالفة للقراءات الكثيرة التي توفر لها ما يشبه الإجماع .
والتزام القراءات الكثيرة بلفظ «مالك» قد يكون دليلاً على أن الآية ـ وهي مشتملة على اسم الفاعل «مالك» ـ أوفر للحسن وإتمام الوزن منها لو أنها اشتملت على «مَلِك ».
ونأتي إلى الجملتين من الآية الشريفة الخامسة، وهما:
«إياك نعبُدُ، وإيّاك نستعين »..
نجد أنهما بَدَأتا بلفظ «إيّاكَ» وهو المقصود بالعبادة والاستعانة، وهو الله جل شأنه . والتقديم يوفّر نظام الفواصل الذي انعقدت عليه السورة. وليس كما ذهب غير واحد من أن التقديم لغرض الحصر. وهذا يعني أن العناية بالشكل في نظام الفواصل هذا هي وحدها استدعت هذا التقديم وليس من أجل غرض آخر .
ثمّ ناتي إلى الآية السادسة فنجد أسلوب الدعاء المتوصَّل إليه بفعل الأمر
«إهدِنا الصِراطَ المستقيم».
ونعود إلى نظام الفواصل وليس السجع منتقلين من النون إلى الميم .
ثمّ إنك لو نظرت إلى هذه الفِقَرِ ـ أي الآيات ـ وجدتها موجزة مقدَّرة على طول معيّن، تفي عنه ما يخرم هذا القياس الذي يشبه الوزن. ألا ترى أن الفعل «إهدنا» وصل إلى مفعوله بغير «إلى» وقد وجدناه في آيات أخرى يلتزم بهذه الأداة، كما في قوله تعالى : وَاهْدِنَا إلى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (1) ؟ !
إنه من غير شك قد وصل الفعل «إهدِنا» إلى مفعوله «الصراط» ليتم بناء حسن يكاد يكون موزوناً، ولو جيء بالأداة «إلى» فقلنا:
«إهدنا إلى الصراط المستقيم»
لعَرِيَ التركيب من هذا النظام المقدَّر الذي يُشعرك بالوزن حفاظاً على النمط البديع الذي يقوم على الشكل طولاً وقصراً .
وأنت تحسّ هذه العناية بشكل الآية وطولها في الآية السابعة في قوله تعالى:
«صِرَاطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ»
وقد وُصفوا أخيراً بقوله:
«غير المغضوب عليهم»،
ثمّ لم يَقُل وغير الضالين بل تجاوزها إلى أداة النفي فقال: «ولا الضالين ».
إنّ جملة هذه العناية بطول الآية واستبدال بعض الكلم ببعض مقصود لِما يؤدي إليه من نظام حسن، هو أسلوب «بديع القرآن ».
و قد يقال أنّ «السجع» قد يكون ثقيلاً، مُخِلاًّ بالكلام؛ لأنه يجور على المعنى، فقد تُؤثَر السجعة وهي تنال من إصابة الغرض فلا يوصل إلى المراد إلا بعد لأي. غير أن هذا النظام من السجع الذي دُعي بـ «الفواصل»، قد نُفِيَ عنه ما يؤدي إلى شيء من هذا النقص، وتلك حكمة الله في كلامه المقدَّر الموزون على قدر المعاني0
نسألكم الدعاء
ألا ترى أنك تقرأ سورة الفاتحة فتجد فيها من حسن النظام وبديع التناسب ما لا تحصل عليه في كثير من النصوص ؟ !
بسم الله الرحمن الرحيم
«الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيِّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ».
ولعل العربية فريدة بين اللغات القديمة والحديثة التي أَحَسَّ بحسن أصواتها المعربون، فدَرَجوا على نمط من المشاكلة يوفّر الحسن والجمال.
قد تدرك أن الميم والنون قد تَوَزَّعا هذه الآيات البيِّنات، فجعلا منها قطعة بالغة في الحسن، مستوفية في نظمها وبنائها ما لا يمكن أن تجده في المأنوس من فرائد الشعر .
قال جلَّ وعلا:
«الحمدُ للهِ ربِّ العالمين* الرحمنِ الرحيم ...»
نلاحظ أنّ أسلوب هذه السورة يؤدي مادة الدعاء والتقرب إلى العليّ العظيم وإن جاء أول السورة جملةً خبرية.
ومن المعلوم أن لغة الدعاء ينبغي لها أن تُشحَن بمادة عاطفية، فجاء قوله على لسان النبي وجمهرة المسلمين:
«الحمد لله رب العالمين»، وانتهت الآية «بربّ العالمين».
وكانت النون في هذا الجمع المذكَّر نهايةً جميلة بعد أن وصف هذا الموصوف العلي العظيم بقوله:
«الرحمنِ الرحيم».
فلو قُدِّرَ لك أن تفارق الحسن والذوق والبلاغة فقلت:
«الرحيم الرحمن»
ولم تُخِلَّ بالصفتين، ولكنك أخللت بالترتيب، لرأيت أن في قوله
«الرحمن الرحيم»
فائدة أية فائدة، في توفير التناسب في هذا التقسيم البديع.
ثمّ إن هذا الحسن لم يتم بطريقة السجع، ولكنه إخاء بين صوتين التَأَما في العربية التئاماً عجيباً .
لم يفطن اللغويون لمادة الإبدال التي تقع في الميم والنون ويَقِفوا على السر في ذلك. لقد تم هذا التناسب في هاتين الآيتين بعيداً عن السجع، ولله في ذلك حكمة بالغة.
ثمّ جاءت الآية الثالثة
«مالك يوم الدين »
فتم هذا التناسب من النون إلى الميم إلى النون ثانية .
إنا لَنجد في القراءات، ولا سيما غير المشهورة، أن أحداً من القراء قرأ:
«مَلِكِ يوم الدين»،
وهذه القراءة مخالفة للقراءات الكثيرة التي توفر لها ما يشبه الإجماع .
والتزام القراءات الكثيرة بلفظ «مالك» قد يكون دليلاً على أن الآية ـ وهي مشتملة على اسم الفاعل «مالك» ـ أوفر للحسن وإتمام الوزن منها لو أنها اشتملت على «مَلِك ».
ونأتي إلى الجملتين من الآية الشريفة الخامسة، وهما:
«إياك نعبُدُ، وإيّاك نستعين »..
نجد أنهما بَدَأتا بلفظ «إيّاكَ» وهو المقصود بالعبادة والاستعانة، وهو الله جل شأنه . والتقديم يوفّر نظام الفواصل الذي انعقدت عليه السورة. وليس كما ذهب غير واحد من أن التقديم لغرض الحصر. وهذا يعني أن العناية بالشكل في نظام الفواصل هذا هي وحدها استدعت هذا التقديم وليس من أجل غرض آخر .
ثمّ ناتي إلى الآية السادسة فنجد أسلوب الدعاء المتوصَّل إليه بفعل الأمر
«إهدِنا الصِراطَ المستقيم».
ونعود إلى نظام الفواصل وليس السجع منتقلين من النون إلى الميم .
ثمّ إنك لو نظرت إلى هذه الفِقَرِ ـ أي الآيات ـ وجدتها موجزة مقدَّرة على طول معيّن، تفي عنه ما يخرم هذا القياس الذي يشبه الوزن. ألا ترى أن الفعل «إهدنا» وصل إلى مفعوله بغير «إلى» وقد وجدناه في آيات أخرى يلتزم بهذه الأداة، كما في قوله تعالى : وَاهْدِنَا إلى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (1) ؟ !
إنه من غير شك قد وصل الفعل «إهدِنا» إلى مفعوله «الصراط» ليتم بناء حسن يكاد يكون موزوناً، ولو جيء بالأداة «إلى» فقلنا:
«إهدنا إلى الصراط المستقيم»
لعَرِيَ التركيب من هذا النظام المقدَّر الذي يُشعرك بالوزن حفاظاً على النمط البديع الذي يقوم على الشكل طولاً وقصراً .
وأنت تحسّ هذه العناية بشكل الآية وطولها في الآية السابعة في قوله تعالى:
«صِرَاطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ»
وقد وُصفوا أخيراً بقوله:
«غير المغضوب عليهم»،
ثمّ لم يَقُل وغير الضالين بل تجاوزها إلى أداة النفي فقال: «ولا الضالين ».
إنّ جملة هذه العناية بطول الآية واستبدال بعض الكلم ببعض مقصود لِما يؤدي إليه من نظام حسن، هو أسلوب «بديع القرآن ».
و قد يقال أنّ «السجع» قد يكون ثقيلاً، مُخِلاًّ بالكلام؛ لأنه يجور على المعنى، فقد تُؤثَر السجعة وهي تنال من إصابة الغرض فلا يوصل إلى المراد إلا بعد لأي. غير أن هذا النظام من السجع الذي دُعي بـ «الفواصل»، قد نُفِيَ عنه ما يؤدي إلى شيء من هذا النقص، وتلك حكمة الله في كلامه المقدَّر الموزون على قدر المعاني0
نسألكم الدعاء
تعليق