بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إن شرف الدعاء وكرامته على الله سبحانه وتعالى سر كشف عنه التنزيل من حيث قال الجليل {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا }[1] ويتلو تلوها الآية الأخرى:{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ...}[2]، كما وحددت لنا مناجمه ومغانمه الثرَ منابرُ الوحي وحلقات الذكر التي نقلت إلينا عن لسان الرسول، وبيان آل الرسول صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولا يخفى هذا على أحدٍ مهما أنحط به الجهل أو طار به الهوى فعصى وغوى !
والمثير في هذه التبليغات النبوية والوَلـَوية الخاصة بمادة الدعاء أنها دعوة مفتوحة للإقبال عليه من قِـبَـل ِ الجميع فلا تتعلق بفئة دون أخرى، بل جاءت هذه النصوص المتحدثة عن جنة الدعاء وفردوس الذكر بمائدة لا ينقصها كثرة أخذ الآخذين إلا وفرة فيمكن أن يجلس حولها كل من ألقى السمع وهو شهيد، ناطقا كان أم أخرسا، وطفلا كان أم فحلا أم كهلا...
فتلك أمور لا اعتداد بها في تعريفة الدخول على مائدة الدعاء فيما يبقى المُعَرّفُ الحقيقي هو الإدراك و التوجه الصادق من تلقاء الداعي نفسه.
الدعاء في اللغة:
هو الطلب للتأمين والأمن، أو السعي بالرغبة والرهبة، وهذا ما يصدق على الإشارة المفهومة من الأخرس، والوافية بإبراز المقصود منه صِدقـَـه على العبارة والتركيب الصوتي من الناطقين حذو القذة بالقذة..؛ إذ أن العقل الجمعي والقانون النوعي يتعامل مع كلا الموقفين على أنهما طلب.
ألا ترى أنه لو انتهت الحاجة بالأخرس إلى باب الحاكم والقائم بالأمر في بلده مثلا، ثم أشار إلى مبررات قدومه إليهم، و كشف أمام نيابة الاستقبال عن حاجته عن طريق عقد أنامله الدالة على ما في خوافي نفسه لما اُجّـِـلَ من قبلهم ريثما يأتي بوكيل ينطق عنه، ولكن ستعاملون معه مثله مثل الآخرين !!
ما يتقوم به الدعاء:
يقول السيد السبزواري رحمه الله أن الدعاء من الأمور المتقومة بإضافتين إضافة إلى الداعي وإضافة إلى المدعو ..
وتتحقق الإضافة الأولى بالتوجه إلى الله تعالى وبث الحاجة إليه بذاته وهذا شرف للنفس الإنسانية ومن كمالاتها المعنوية ولا تتم هذه الأفعال من الداعي حتى تسيل في داخله مياه المشاعر سيل كلمات العشق على الورق من المحابر، وهي إضافة تقع ممن يدس جسمه في محراب الخضوع ويجلس على بساط الخشوع، وإن كان أخرسا !!
وتتحقق الثانية برؤية جلال الله تعالى وقدرته لعباده؛ لأن العبد لا يدعو إلا إذا عرف أن تقدير الأمور على طبق مشية الله تعالى .. وهذا يعني سطوع نور الحقيقة على أرجاء قلبه، و لا غرو فإن هذه المعرفة قلبية وليست بيانية تلقينية فانتفاء القدرة على البيان لدى الأخرس لا يحجب القلب عن الاستئناس والإحساس بطعم اللقاء أبدا [3]
الخصائص النسقية للدعاء:
يتم أداء الدعاء بعنصرين اثنين سيجد الأخرس بصمته فيهما وهما:-
- ـــ الهيئة التي تأخذ شكل التبتل، والتضرع، والقنوت، والبكاء والتباكي، ... فهذا وغير هذا من الخصائص يتفق للقلب المخلص سواء كان حرَ اللسان أم حبيسَه ..
- ـــ الحديث (التعبير)، وهو قد يفرض مقروءا ـــ إعداد مسبق ـــ أو جاري الإنشاء ـــ جديد شخصي ــــ كما أن رواية الإنسان عن رغباته وإملاؤه لحاجته قد يمر من الطريق المعتاد الذي هو الكلام والإفصاح الشفاهي .. وقد يمر من الطريق غير المعتاد ـــ مع المضطرين أخرى ـــ الذي هو الإشارة الوافية بإبراز المقصود تارة جديدة وهذا هو شأن الأخرس ..
وهذا ما تحدث فيه الأئمة عليهم السلام حديثا مُـَطـمْئِنـًا لمواليهم الخرسان، ففي نقل مسعدة بن صدقة يقول: "" سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه...""[4].
وفي خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام:"" تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه""[5].
يقول الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله :
"" قد أقام الشارع وله الحمد إشارة الأخرس في أقواله في عباداته ومعاملاته وأحكامه ...إلى أن يقول: وكذا جميع الطاعات والآثام المتعلقة بالكلام من الواجبات والمستحبات من قرائة قرآن أو أذكار أو زيارات أو دعوات أو تعقيبات...""[6].
بالتطمين الشرعي ـــ ويصل بصلاته إلى الأثر الذي يبلغه المصلي الآخر من ذوي النطق، أعني به النهي عن الفحشاء والمنكر{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }[7]، لا شك أنه سيضمن له نتائج الدعاء الصحيح من قبيل حلاوة المناجاة، و القرب، والجذبة، والطراوة واللذة... سيما بعد صدق الطلب على دعائه كصدقه على المتميزين عليه بالنطق، وتتصاعد نسبة التوفيق إلى ذلك بعد حسن إدارته بشخصه لموقف الدعاء من حيث تمثله بحركات التبتل، والتضرع، والبكاء، والإشارة، والتحريك للشفتين، واللسان أيضا..
وإن ظني بالأخرس المتحنث المتعبد بالرغم من قاصريته في النطق أقوى إيمانا وأقرب إلى الله سبحانه وأوفى في اللذة.
كيف لا..
وإن الله عز وجل يقول : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[8].
------------------------------اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إن شرف الدعاء وكرامته على الله سبحانه وتعالى سر كشف عنه التنزيل من حيث قال الجليل {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا }[1] ويتلو تلوها الآية الأخرى:{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ...}[2]، كما وحددت لنا مناجمه ومغانمه الثرَ منابرُ الوحي وحلقات الذكر التي نقلت إلينا عن لسان الرسول، وبيان آل الرسول صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولا يخفى هذا على أحدٍ مهما أنحط به الجهل أو طار به الهوى فعصى وغوى !
والمثير في هذه التبليغات النبوية والوَلـَوية الخاصة بمادة الدعاء أنها دعوة مفتوحة للإقبال عليه من قِـبَـل ِ الجميع فلا تتعلق بفئة دون أخرى، بل جاءت هذه النصوص المتحدثة عن جنة الدعاء وفردوس الذكر بمائدة لا ينقصها كثرة أخذ الآخذين إلا وفرة فيمكن أن يجلس حولها كل من ألقى السمع وهو شهيد، ناطقا كان أم أخرسا، وطفلا كان أم فحلا أم كهلا...
فتلك أمور لا اعتداد بها في تعريفة الدخول على مائدة الدعاء فيما يبقى المُعَرّفُ الحقيقي هو الإدراك و التوجه الصادق من تلقاء الداعي نفسه.
الدعاء في اللغة:
هو الطلب للتأمين والأمن، أو السعي بالرغبة والرهبة، وهذا ما يصدق على الإشارة المفهومة من الأخرس، والوافية بإبراز المقصود منه صِدقـَـه على العبارة والتركيب الصوتي من الناطقين حذو القذة بالقذة..؛ إذ أن العقل الجمعي والقانون النوعي يتعامل مع كلا الموقفين على أنهما طلب.
ألا ترى أنه لو انتهت الحاجة بالأخرس إلى باب الحاكم والقائم بالأمر في بلده مثلا، ثم أشار إلى مبررات قدومه إليهم، و كشف أمام نيابة الاستقبال عن حاجته عن طريق عقد أنامله الدالة على ما في خوافي نفسه لما اُجّـِـلَ من قبلهم ريثما يأتي بوكيل ينطق عنه، ولكن ستعاملون معه مثله مثل الآخرين !!
ما يتقوم به الدعاء:
يقول السيد السبزواري رحمه الله أن الدعاء من الأمور المتقومة بإضافتين إضافة إلى الداعي وإضافة إلى المدعو ..
وتتحقق الإضافة الأولى بالتوجه إلى الله تعالى وبث الحاجة إليه بذاته وهذا شرف للنفس الإنسانية ومن كمالاتها المعنوية ولا تتم هذه الأفعال من الداعي حتى تسيل في داخله مياه المشاعر سيل كلمات العشق على الورق من المحابر، وهي إضافة تقع ممن يدس جسمه في محراب الخضوع ويجلس على بساط الخشوع، وإن كان أخرسا !!
وتتحقق الثانية برؤية جلال الله تعالى وقدرته لعباده؛ لأن العبد لا يدعو إلا إذا عرف أن تقدير الأمور على طبق مشية الله تعالى .. وهذا يعني سطوع نور الحقيقة على أرجاء قلبه، و لا غرو فإن هذه المعرفة قلبية وليست بيانية تلقينية فانتفاء القدرة على البيان لدى الأخرس لا يحجب القلب عن الاستئناس والإحساس بطعم اللقاء أبدا [3]
الخصائص النسقية للدعاء:
يتم أداء الدعاء بعنصرين اثنين سيجد الأخرس بصمته فيهما وهما:-
- ـــ الهيئة التي تأخذ شكل التبتل، والتضرع، والقنوت، والبكاء والتباكي، ... فهذا وغير هذا من الخصائص يتفق للقلب المخلص سواء كان حرَ اللسان أم حبيسَه ..
- ـــ الحديث (التعبير)، وهو قد يفرض مقروءا ـــ إعداد مسبق ـــ أو جاري الإنشاء ـــ جديد شخصي ــــ كما أن رواية الإنسان عن رغباته وإملاؤه لحاجته قد يمر من الطريق المعتاد الذي هو الكلام والإفصاح الشفاهي .. وقد يمر من الطريق غير المعتاد ـــ مع المضطرين أخرى ـــ الذي هو الإشارة الوافية بإبراز المقصود تارة جديدة وهذا هو شأن الأخرس ..
وهذا ما تحدث فيه الأئمة عليهم السلام حديثا مُـَطـمْئِنـًا لمواليهم الخرسان، ففي نقل مسعدة بن صدقة يقول: "" سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه...""[4].
وفي خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام:"" تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه""[5].
يقول الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله :
"" قد أقام الشارع وله الحمد إشارة الأخرس في أقواله في عباداته ومعاملاته وأحكامه ...إلى أن يقول: وكذا جميع الطاعات والآثام المتعلقة بالكلام من الواجبات والمستحبات من قرائة قرآن أو أذكار أو زيارات أو دعوات أو تعقيبات...""[6].
بالتطمين الشرعي ـــ ويصل بصلاته إلى الأثر الذي يبلغه المصلي الآخر من ذوي النطق، أعني به النهي عن الفحشاء والمنكر{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }[7]، لا شك أنه سيضمن له نتائج الدعاء الصحيح من قبيل حلاوة المناجاة، و القرب، والجذبة، والطراوة واللذة... سيما بعد صدق الطلب على دعائه كصدقه على المتميزين عليه بالنطق، وتتصاعد نسبة التوفيق إلى ذلك بعد حسن إدارته بشخصه لموقف الدعاء من حيث تمثله بحركات التبتل، والتضرع، والبكاء، والإشارة، والتحريك للشفتين، واللسان أيضا..
وإن ظني بالأخرس المتحنث المتعبد بالرغم من قاصريته في النطق أقوى إيمانا وأقرب إلى الله سبحانه وأوفى في اللذة.
كيف لا..
وإن الله عز وجل يقول : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[8].
[1] سورة الأنبياء. 90.
[2] سورة الفرقان. 76.
[3] السيد عبد الأعلى السبزواري. مهذب الأحكام. ج 6. 147. بتصرف وتضمين غير يسير.
[4] الحر العاملي. وسائل الشيعة. ب 59 من أبواب القراءة في الصلاة . ح 2.
[5] ن/م: ح1 .
[6] الشيخ جعفر كاشف الغطاء . كشف الغطاء . ج1 . 282.
[7] سورة العنكبوت . 45.
[8] ن/م: 69.
تعليق