بسم الله الرحمن الرحيم
اللّهم صلِ على محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللّهم صلِ على محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المُتتبِّعُ لِسَيرِ الأنبياءِ عَليِهمُ السُلامُ يَجدُ الكثيرَ مِنَ الأفعالِ الأخلاقيَّةِ الّتي يَحتاجَها الرَجُلُ في حَياتِهِ مِنْ خلالِ تَعامُلِهِ مَعَ المُجتمعِ كَسلوكٍ عامٍ ينتمي الى دين الله الحنيف مما يؤدي الى تأثرِ مَعشَرَ الرجالِ بهِ ويعملونَ على أساسِهِ ، وقد مَثَّلَ البارئ عَزَّوجَلَّ له في كتابه العزيز:{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} سُورةُ القَصصِ-آية-25، فأوَّلاً أشار عَزَّ وجَلَّ الى أمرٍ فطريٍ تَحملَهُ المرأةُ بِحسبِ الخِلقَةِ والجِبِّلةِ الّتي وَضَعَهُ فيها وكذلكَ الرُجل ، إنّ الحياءَ مَطلوبٌ مِنَ الإنسانِ بِشكلٍ عامّ، ولكنّه مطلوبٌ مِنَ النِساءِ بشكلٍ أكيدٍ، فَعَنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم (إنَّ الله قسَّمَ الحياءَ عشرةَ أجزاءٍ فَجعلَ في النِساءِ تِسعةً وفي الرِجالِ واحداً)كَنزُ العمالِ ج 3، ص 127
وقد ذُكِرَ للحياءِ في الرَّواياتِ على اقسامٍ نَذكرُ مِنها:-
أ- مِنَ اللهِ تَعالى:
قِيلَ للنَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أوصِني، فقالَ صلى الله عليه وآله وسلم: (إستحي مِنَ اللهِ كَما تَستَحيي مِنَ الرَجلِ الصالحِ مِنْ قَومِكَ )بحارُ الأنوارِ، ج68، ص336
ب- مِنَ النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّةِ عَلَيهم السّلام :
فعنِ الباقرِ عَلَيه السّلام (إنّ أعمالَ العبادِ تُعرَضُ على نَّبيّكُم كلَّ عشيَّةِ خَميسٍ، فليَستحي أحَدُكُمُ أنْ يُعرَضَ على نَّبيّه العملُ القبيحُ ) بحارُ الأنوارِ، ج23، ص344
ج- الحياءُ مِنَ الملائكةِ:
عَنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم (لِيستَحِ أحَدُكُم مِنْ مَلَكَيهِ الّلذين مَعهُ كما يَستحي مِنْ رَجُلينِ صالحينِ مِنْ جِيرانِهِ وَهُما مَعَهُ باللَّيلِ والنَّهارِ)كنزُ العُمالِ، ج3، ص11
د- الحياءُ مِنَ النَّاسِ:
عن عليّ عَلَيه السّلام (مَنْ لمْ يستحِ مِنَ النَّاسِ لمْ يستحِ مِنَ اللهِ سُبحانَه) ميزانُ الحِكمةِ، ج1، ص 718 .
هـ- الحياءَ مِنَ النَّفسِ:
عن علي عَلَيه السّلام: (أحسنُ الحَياءِ إستحياؤكَ مِنْ نَفسِكَ )ميزانُ الحِكمةِ، ج1، ص719.
فَلمَّا يكونُ حَياءُ المرأةِ تِسعةَ أعشارِ حياءَ الرُجلِ وهو واضحٌ في إبنَتِي النَّبيُّ شُعيبٍ عَلَيه السّلام { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣)فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤)فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ (٢٥) } سُورةُ القَصصِ ،
وعنْدَما جاءتْ إحدَاهُما وَصَفَها تَعالى بالإستحياءِ تَطبيقاً مِنْها للحَياءِ مَعَ اللهِ أولاً ومَعَ النَّاسِ ثانياً مِنْ خلالِ مُوسى عَلَيه السّلام ، وتنكيرُ الاستحياءِ للتفخيمِ والمُرادُ بكونِ مَشيَها على إستحياءٍ ظهورَ التَعًفُفِ مِنْ مَشيتِها ، في قِبالِ ذلكَ واجَهَ مُوسى المرأةَ بِالحياءِ الرِجالي والعِفَةِ والتَورعِ عَنْ مَحارمٍ اللهِ { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ(26) قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ(27) } سُورةُ القَصصِ ،
وقولُهُ عَزَّ و جَلَّ في مقامِ التَعليلِ لِقولِهِ: {إستأجره} وهو مِنْ وضع السَّببَ مُوضعَ المُسَّببِ والتَقديرُ إستأجِرهُ لأنَّهُ قويٌّ أمينٌ وخيرَ مَنْ إستأجرتَ هو القويٌّ الأمينٌ ،
وفي حُكمِها بأنَّهُ قويٌّ أمينٌ دِلالةً على أنَّها شَاهدتْ مِنْ نَحوِ عَملِهِ في سَقي الأغنامِ مَا إسْتَدلتْ بِهِ على قوَّتِهِ وكذا مِنْ ظهورِ عِفتِهِ في تَكليمِهما وسَقي أغنامِهما ثُمَّ في صُحبَتِهِ لَها عِندَما إنْطلقَ إلى شَعيبٍ وطِبقاً لبعضِ الرَّواياتِ، فإنَّ البِنتَ كَانتْ تَسيرُ أمامَ مُوسى لِتَدُلَهُ على الطَّريقِ، إلّا أنَّ الهواءَ كانَ يُحرِكُ ثيابَها وربَّما إنكشَفَ ثَوبَها عَنْها، ولكنَّ مُوسى لِمَا عِنْدَهُ مِنْ عِفةٍ وحياءٍ طَلبَ مِنْها أنْ تَمشيَ خَلفَهُ وأنْ يسيرَ أمَامَها، فإذا ما وَصلا إلى مفترقِ طُرقٍ تَدُلُهُ وتُخبِرُهُ مِنْ أيِ طَريقٍ يَمضي إلى دارِ أبِيها شُعيبٍ حتى أتَاهُ مَا استدلتْ بِهِ على أمَانَتِهِ، انتهى .
وأنْتُم يَا مَعشرَ الرِجالِ والنِساءِ والشَّبابِ والشَّاباتِ عَليَكم أنْ تَستَسقوا مِنْ غمامِ هذه الآياتِ والرّواياتِ والقَصصِ وتَعمَلوا على أساسِها لإنَّها لَكم ، ولمْ يُنَزِلَ اللهُ القرآنَ الكريمِ على قَلبِ رَسولِ اللهِ لِكَي يُطَبِقَ على أقوامٍ آخرينَ مِنَ الكواكبِ الأُخرى فَتَدبَروا.
تعليق