الشيخ كاظم القره غولي
مثّلت الإمامة محطة الابتلاء، وباب الاصطفاء، من دخله نجا، ومن أعرض عنه غوى. وشكّلت غربالاً لإيمان المؤمنين. فكثر الكلام وزلّت الأقدام في هذه الحيثية التي عندما رآها إبراهيم (عليه السلام) على علو شأنه وقرب منزلته بَهَرَته فسألها لذريته: ﴿قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: ١٢٤).وصار الناس بين منكرٍ لها وبين مطبِّقٍ لها على غير أهلها.
وبين قِلَّةٍ شَمَلَتْها رحمة من ربها فآمنت بالهداة والذادة الكماة. عملوا بوصية نبيهم وأذعنوا بإمامة سادتهم.
﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾ (سبأ: ١٣).
﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ﴾ (المؤمنون: ٧٠).
إن عظم منزلة الإمامة جعلها نقطة افتراق داخل الجسد الإسلامي، فمن لم تدركه لفتة الرحمة من ربِّه أبعده حسده أو قعد به جهله أو أسره هواه.
وكانت حيثيات الإمامة مثاراً للبحث والتدقيق، فبعضٌ حظه الرفض، وآخر كفله التصديق.
ولطالما كان من سمة الفكر والمعتقد الجذب والدفع، وبمرور الليالي والأيام تجلّى في الإمامة ذلك في الأنام.
فكم من ناصب أدار التوفيق دفّة مركبه لبحر الولاء، وكم من موال عصف به كيد الشيطان في مستنقع العداء. والإيمان منه ثابت ومنه مستودع. ومن عثر فيه على مرتع لا يضمن دوام المهجع، فغربال الابتلاء ما فتئ يعمل ووابل الامتحان ما انفك يهطل. يتجلّى في أرضٍ حياةً ورحمةً، وينزل في أخرى بلاءً ونقمةً. شأنُ هذه الحياة لا يتبدل وقانونٌ لها لا يتعطل. والنار تحرق الخشب وتُنقّي الذهب.
ومن لم يُسلم عنانه للشيطان في أصل الإسلام كَمَنَ له اللعين في معرفة الإمام. وقبول القضايا في تناسب عكسي مع مقدار غرابتها. ومن أغرب القضايا أن يعيش إنسان لقرون متمادية، وأغرب من ذلك أن لا يعرفه أحد على مر العصور وتوالي الدهور، ومن هنا خُصت مسألة الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) بالكثير من الاهتمام، وصار الحديث فيها مورداً للنقض والإبرام. فأنكر قومٌ ولادته وبنى آخرون على وفاته، وأعلمنا آباؤه الكرام (عليهم السلام) أنه سيقال فيه «هلك في أي وادٍ سلك»(١).
وقد شكّك البعض في تواتر الأخبار -على بعض المباني- في ولادته (عليه السلام). ونظراً لأهمية المسألة ومحوريتها في معتقدنا رأيت أن أتعرض إلى الأدلة التي يمكن أن تكون دالة على ولادته، ولم أقتصر في الاستعراض على ما يدل على ذلك مطابقة، وإنّما طفت في طوائف الأخبار التي تدلّ عليه التزاماً. ولم أُرْخِ العنان لقلم البحث لاستيعاب كلّ ما يمكن أن ينفع في ذلك من آحاد الأخبار، بل تعرّضت لطوائف وانتقيت بعضاً من كلٍ منها، مع إشارة إلى وجه الدلالة. ولو لم يكن في هذه الطوائف إلّا خصوص ما سقته من الروايات لكان فيها ما يزيد على الكفاية.
دعوى خفاء ذكره (عجّل الله فرجه) في كلمات الأوائل:
لقد أثيرت مسألة ترك التعرض لإمامة الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) بعد وفاة والده (عليه السلام) لمدة من الزمن في كتب علمائنا المتقدمين ولم يتحدثوا عن ولادته (عليه السلام) فكان ذلك مثاراً للتشكيك في وجوده، بل وربما التشكيك في دواعي الحديث عنه بعد ذلك. وكان المناسب البحث عن سبب عدم الحديث في أوائل الغيبة لا البحث عن الحديث اللاحق. ولا نرى تأييداً ولا شهادة فضلاً عن دلالة في عدم الحديث في أوائل الغيبة على عدم وجوده (عجّل الله فرجه).
وهل يُخِلُّ في حقيقة أن لا تعرفها عامة الناس في زمان؟ حين تطبق الدنيا على عبادة الأصنام وتنكر وجود الباري تبارك وتعالى، فهل أوجب ذلك خللاً في حقيقة الوجود المقدس؟
وحين تتفق الناس على أنّ عيسى (عليه السلام) ابنٌ لله تعالى، فهل خدش ذلك في واقع كونه عبداً لله اصطفاه لحمل أعباء النبوة؟
وحين اتفقت الناس على محاربة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمدة من الزمن، أكان ذلك موجباً للتشكيك بنبوّته (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن قام الدليل القطعي عليها؟
لقد جهلت أجيال حقيقة إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل لم يعرفوا أصلها ولم نر في ذلك مؤشراً موجباً للتردد في قبولها. وهكذا باقي الأئمة (عليهم السلام). بل والأنبياء (عليهم السلام).
فنوح (عليه السلام) من أولي العزم من الرسل جهل الناس قدره وأنكروا منه أمره لألف سنة إلّا خمسين عاماً، فما ضرّ جهل العالمين بحقانية دعوة الأولياء والصالحين.
إن القرآن الكريم (كما ورد في الروايات) لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه، ومازال مغدقاً بالعطاء على من ورد باب التأمل في آياته. والعطاء الجديد مما جادت به السور والآيات لم يكن معلوماً للسابقين، ولم تمنعنا حداثة المعنى المستفاد من قبوله، ولا أوقفنا عدم تمكن الآخرين من استفادته.
بل في بعض الروايات ما يصرّح بأنّ بعض آياته وسوره لم تنزل ليفهمها أهل زمان النزول ومن كان يحيى في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ففي الخبر الصحيح الذي رواه الكليني عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) عَنِ التَّوْحِيدِ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ (عزّ وجل) عَلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ مُتَعَمِّقُونَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ وَالْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ الْحَدِيدِ إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ فَمَنْ رَامَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ»(٢).
لقد خفيت إمامة بعض الأئمة (عليهم السلام) لمدة من الزمن، ولم يضر ذلك في حقانية إمامتهم، كالإمام الرضا (عليه السلام).
وكلّ هذه المفردات المتفرقة لم تُعدَم المعتقِد بها في زمانها، وولادة الإمام (عجّل الله فرجه) كسواها من هذه القضايا في زمانها حيث لم تُعدَم المتحدث بها والناقل لها فضلاً عن المعتقدين من خواص الإمام العسكري (عليه السلام).
ونحن إذ ننفي التأييد لعدم تعرض الأوائل لذكره (عجّل الله فرجه) على عدم ولادته فضلاً عن الشهادة أو الدلالة. نجزم بالخلاف لوجود الأدلة التي هي أكثر بكثير من الحد الأدنى للتواتر الموجب للجزم والقطع بولادته (عجّل الله فرجه) وتشرّف الأرض بوجوده المبارك، وما قيمة الاستبعاد أمام الدلالة القطعية لو كان في البين مجال للاستبعاد؟ إذ بعد تصوّر الحكمة الداعية إلى الإخفاء وقبولها ينتفي أي استبعاد، بل يتضح أن المناسب هو التكتم من قبل الأئمة (عليهم السلام) وأصحابهم القريبين في زمن الغيبة.
على أننا نشكك في أن الأوائل من علمائنا لم يتعرضوا لذلك، فما أكثر الروايات في الكافي عنه (عجّل الله فرجه) والتي تناولت جوانب متعددة من القضية المهدوية، وقد كُتِبَ الكافي في زمن الغيبة. وأمّا الصدوق فولادته بعد انتهاء الغيبة الصغرى، وما أكثر ما جمعه الصدوق في ذلك، وكتابه كمال الدين، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) والخصال وغيرها مصدر أساسي للباحث في القضية المهدوية.
خفاء ولادته (عجّل الله فرجه) سبب عدم معرفة عامة الناس به:
حين تعلّقت إرادة الله تعالى بأن يكون للناس إمام هو الثاني عشر (عليه السلام) بترتيب الأئمة (عليهم السلام)، وأن يكون هذا الإمام حاملاً للواء النصر وناشراً لراية الهدى، واقتضت الحكمة أن يخرج شيء من البيان ومقدار من التنويه باسمه، ووصل ذلك إلى السلاطين وحكّام الجور وأذنابهم، أجمع القوم أمرهم على أن يقفوا في وجه ذلك المشروع فينقضّوا على الإمام (عجّل الله فرجه) ويطووا صفحته، كما طويت صفحات آبائه (عليهم السلام) على أيدي أسلافهم، والملك عقيم، لو نازع الولد أباه فيه لأخذ منه الذي فيه عيناه.
صحيح أن الله تعالى غالب على أمره، وأنه تعالى إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، لكن طريقة الحق تعالى في تحقيق ما يريد من الناس هو سلوك السبل المألوفة وعدم الخروج عنها إلى الإعجاز إلّا في الحالات الاستثنائية.
فتوسطت الأسباب المألوفة للناس بين إرادته تعالى ومراده، فكان ما كان مع الأنبياء والأولياء والصالحين في دعوتهم إلى صراط الله المستقيم. نُشر البعض بالمناشير، وقُرّض آخرون بالمقاريض، ورُمي آخرون بالمنجنيق، وخرج آخر خائفاً يترقب ليموت في سنوات التيه، وغير ذلك ليفعل الله أمراً كان مقدوراً.
وكان من جملة التدابير الإلهية ليبلغ الكتاب أجله وينجو الإمام من كيد الظالمين أن خفي أمر حَمْله وولادته ذلك في التكوين وأن حرم ذكر اسمه في التشريع(٣).
ولئلا ينقطع خبره عن الناس أظهره والده العسكري (عليه السلام) لبعض الخواص في مرّات متعددة لتتمّ الحجة عن طريق ذلك على الناس ولله الحجة البالغة على خلقه.
وقد مهَّد الأئمة السابقون (عليهم السلام) لذلك من خلال التعرض له وأنه ستخفى ولادته (عليه السلام). وهذه جملة من الروايات عن الباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام) في خفاء ولادته.
روى الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار عن أحمد بن الحسين عن عثمان بن عيسى عن خالد بن نجيح عن زرارة بن أعين قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم. قلت: ولم ذاك؟ قال: يخاف، وأشار بيده إلى بطنه وعنقه، ثم قال: وهو المنتظر الذي يشك الناس في ولادته، فمنهم من يقول: إذا مات أبوه، مات ولا عقب له، ومنهم من يقول: قد ولد قبل وفاة أبيه بسنتين... الخبر(٤).
والرواية تامة سنداً، فعثمان بن عيسى وإن كان لفترة من وجوه الواقفة، لكن لم يشكّك في وثاقته، بل عدّه البعض من أصحاب الإجماع، وخالد بن نجيح وإن لم يُنَصّ على وثاقته لكن نَقْلَ ابن أبي عمير عنه كاف في توثيقه على المشهور من قاعدة مشايخ الثلاثة. وباقي الرواة لا مشكلة فيهم.
وفي رواية الحسين بن خالد عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام):
... فقيل له: يا بن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء يطهّر الله به الأرض من كل جور ويقدسها من كل ظلم، وهو الذي يشك الناس في ولادته وهو صاحب الغيبة قبل خروجه ... الخبر(٥).
وفي سندها علي بن معبد الذي له كتاب على ما ذكر النجاشي إلّا أنه لم يوثق. والحسين بن خالد الراوي المباشر عن الرضا (عليه السلام) ممدوح فلا يضر عدم النص على وثاقته.
وفي الخبر الصحيح الذي رواه الكليني عن العدّة عن سعد بن عبد الله عن أيوب بن نوح، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إنا نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر وأن يسوقه الله إليك عفواً بغير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك. فقال (عليه السلام): «ما منا أحد اختلف الكتب إليه وأشير إليه بالأصابع وسُئل عن المسائل وحملت إليه الأموال إلّا اغتيل أو مات على فراشه، حتى يبعث الله لهذا الأمر غلاماً منا خفيّ المولد والمنشأ غير خفي في نفسه»(٦).
كمال الدين، الهمداني عن علي عن أبيه عن محمد بن زياد الأزدي عن موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه قال عند ذكر القائم (عليه السلام): «يخفى على الناس ولادته ولا يحلّ لهم تسميته حتى يظهره الله (عزّ وجل) فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(٧).
كمال الدين، الشيباني عن الأسدي عن سهل عن عبد العظيم الحسني عن محمد بن علي (عليه السلام) قال: «القائم هو الذي يخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته، وهو سمي رسول الله وكنيّه...» الخبر(٨).
وفي كمال الدين، عن أحمد بن هارون وابن شاذويه وابن مسرور وجعفر بن الحسين جميعاً عن محمد الحميري عن أبيه عن أيوب بن نوح عن العباس بن عامر. وحدثنا جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة عن جده الحسن عن العباس بن عامر عن موسى بن هلال الضبى عن عبد الله بن عطاء، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن شيعتك بالعراق كثير ووالله ما في أهل البيت مثلك كيف لا تخرج؟ فقال (عليه السلام): «يا عبد الله بن عطاء قد أمكنت الحِشوةَ من أذنيك، والله ما أنا بصاحبكم» قلت: فمن صاحبنا؟ قال (عليه السلام): «أنظروا من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم»(٩).
وبعد ملاحظة خفاء الولادة وتحريم الاسم يكون من الطبيعي أن لا ينتشر ذكره (عليه السلام). وإنّ أجلّة الأصحاب لا يتحدثون بما رأوا ولا ينقلون ما سمعوا. ولا يعني ذلك أبداً أنه (عجّل الله فرجه) غير موجود، وأن القول بولادته فرية افتراها المتقدمون طمعاً في فتات دنيا، أعوذ بالله تعالى من غضبه.
إنّ مقتضى ما ذكرنا من مقتضيات الإخفاء أن لا تعلم العوام، وأن لا يتحدث الخواص حتى إذا مرّت الأيام والسنين واطمأنت نفوس الظالمين بعد رحيل العسكري (عليه السلام) بعقود يخفّ الطلب فيصبح بالإمكان أن يسرّب أمر ولادته، فدوّن في الكافي الذي كتب في زمن الغيبة الصغرى، وفيما سطرته يدا الصدوق بعد ذلك بمدة ليست بالطويلة جداً.
أسأل الدعاء لـ(باداشاله) وقد حبسه ابن عبد العزيز وأستأذن في جارية أستولدها فخرج: «استولدها ويفعل الله ما يشاء، والمحبوس يخلصه الله»، فاستولدت الجارية فولدت فماتت، وخلي عن المحبوس يوم خرج إليّ التوقيع(٣٥).
والرواية صحيحة ظاهراً لأن والد الصدوق علم في الوثاقة والتقوى، وسعد يراد به بن عبد الله الأشعري القمي، ومحمد بن صالح وكيل كان من أصحاب العسكري (عليه السلام).
وهل تراه كان ينتظر توقيعاً من شخص غير الإمام (عجّل الله فرجه)؟
الطائفة الرابعة: النص على أسماء الأئمة
لقد وردت جملة من الروايات التي ذكر فيها أسماء الأئمة (عليهم السلام) وأن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) هو ابن العسكري (عليه السلام).
منها: ما رواه الكليني عن عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام) قَالَ أَقْبَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَمَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَجَلَسَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَاللِّبَاسِ فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَأَنْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى عَلِمْتُ أَنَّكَ وَهُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ قَالَ أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ وَعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَيَنْسَى وَعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ وَلَدُهُ الْأَعْمَامَ وَالْأَخْوَالَ فَالْتَفَتَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَجِبْهُ قَالَ فَأَجَابَهُ الْحَسَنُ (عليه السلام) فَقَالَ الرَّجُلُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَأَشَارَ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَأَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ (عليه السلام) وَأَشْهَدُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَصِيُّ أَخِيهِ وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَهُ وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ بَعْدَهُ وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَشْهَدُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ وَأَشْهَدُ عَلَى مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ أَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ لَا يُكَنَّى وَلَا يُسَمَّى حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ فَيَمْلَأَهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ثُمَّ قَامَ فَمَضَى فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اتْبَعْهُ فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ فَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) فَقَالَ مَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجاً مِنَ المَسْجِدِ فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اللهِ فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَأَعْلَمْتُهُ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَ تَعْرِفُهُ قُلْتُ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ قَالَ هُوَ الْخَضِرُ (عليه السلام)(٣٦).
والرواية صحيحة السند، فمن ضمن عدة الكافي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، علي بن إبراهيم الثقة الجليل صاحب تفسير القمي، وأحمد بن محمد البرقي ثقة بلا شك وإن أُشكل عليه أنه يكثر من النقل عن الضعفاء لكن ذلك لا يخدش وثاقته، وأمّا داوود بن القاسم الجعفري، فهو داوود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وكان ثقة جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة (عليهم السلام) شهد أبا جعفر وأبا الحسن وأبا محمد (عليهم السلام).
فسندها قصير، والطبقات الثلاث فيها اتّسموا بجلالة القدر فضلاً عن الوثاقة.
وقال الكليني: حدثني محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبي هاشم مثله، وهذا يعني أن هناك طريقاً تاماً آخر للبرقي في عرض العدة، فمحمد بن يحيى الذي يروي عنه الكليني هو العطار وهو ثقة، والصفار أيضاً ثقة جليل. وأحمد بن أبي عبد الله هو البرقي.
ولكن في ذيل هذا النقل الثاني زيادة وهي: قال محمد بن يحيى: فقلت لمحمد بن الحسن: يا أبا جعفر وددت أنّ هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد الله، قال: فقال: لقد حدثني قبل الحيرة بعشر سنين.
وفي ذلك شهادة أخرى على صدق الحديث لأنه خبر صدّقه الواقع بعد مدة، إذ ولد للحسن (عليه السلام) وغاب كما جاء في الخبر.
ومنها: ما رواه الكليني عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ظَرِيفٍ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ قَالَ أَبِي لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَمَتَى يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهَا فَقَالَ لَهُ جَابِرٌ أَيَّ الْأَوْقَاتِ أَحْبَبْتَهُ فَخَلَا بِهِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَقَالَ لَهُ يَا جَابِرُ أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّوْحِ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي يَدِ أُمِّي فَاطِمَةَ ݝ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وَمَا أَخْبَرَتْكَ بِهِ أُمِّي أَنَّهُ فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ مَكْتُوبٌ فَقَالَ جَابِرٌ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّي دَخَلْتُ عَلَى أُمِّكَ فَاطِمَةَ ݝ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَهَنَّيْتُهَا بِوِلَادَةِ الْحُسَيْنِ وَ رَأَيْتُ فِي يَدَيْهَا لَوْحاً أَخْضَرَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ مِنْ زُمُرُّدٍ وَرَأَيْتُ فِيهِ كِتَاباً أَبْيَضَ شِبْهَ لَوْنِ الشَّمْسِ فَقُلْتُ لَهَا بِأَبِي وَأُمِّي يَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) مَا هَذَا اللَّوْحُ فَقَالَتْ هَذَا لَوْحٌ أَهْدَاهُ اللهُ إِلَى رَسُولِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فِيهِ اسْمُ أَبِي وَاسْمُ بَعْلِي وَاسْمُ ابْنَيَّ وَاسْمُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي وَأَعْطَانِيهِ أَبِي لِيُبَشِّرَنِي بِذَلِكَ قَالَ جَابِرٌ فَأَعْطَتْنِيهِ أُمُّكَ فَاطِمَةُ ݝ فَقَرَأْتُهُ وَاسْتَنْسَخْتُهُ فَقَالَ لَهُ أَبِي فَهَلْ لَكَ يَا جَابِرُ أَنْ تَعْرِضَهُ عَلَيَّ قَالَ نَعَمْ فَمَشَى مَعَهُ أَبِي إِلَى مَنْزِلِ جَابِرٍ فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مِنْ رَقٍّ فَقَالَ يَا جَابِرُ انْظُرْ فِي كِتَابِكَ لِأَقْرَأَ أَنَا عَلَيْكَ فَنَظَرَ جَابِرٌ فِي نُسْخَةٍ فَقَرَأَهُ أَبِي فَمَا خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفاً فَقَالَ جَابِرٌ فَأَشْهَدُ بِاللهِ أَنِّي هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي اللَّوْحِ مَكْتُوباً:
.
يتبع
تعليق