بسم الله الرحمن الرحيم
اللّهم صلِ على محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدُّنيَا لا تكونُ دُّنيا إذا لَمْ يَكنْ فِيها مَوتٌ ومَرضٌ وفَقرٌ وخَسارةٌ وآلامٌ وأحزانٌ وفِراقٌ للأحبّةِ و... وإنْ كانَ أيضاً لجودِ اللهِ وكرمِهِ وحكمتِهِ، فيها حياةٌ وصحّةٌ وغنىً وربحٌ ووصالٌ ولذّةٌ وسعادةٌ وفرحٌ وسرورٌ... بَلْ لا يُمكن - بِحسبِ عَالَمِ المَادّةِ الّذي يَحكُمُ قوانينَ الدُّنيا - إلّا أنْ يكونَ فيها مِنَ الصِنفينِ .اللّهم صلِ على محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فلا غنىً إلّا بفقرٍ، ولا ربح إلّا بخسارةٍ ، ولا مساكنَ وقصورَ فاخرةً إلّا بعمّالٍ فقراءٍ يكدحونَ أكثرَ وقتِ يومِهم بالعملِ الشاقِّ المُضنِي، ولا زواجَ إلّا بفراقِ البنتِ لأهلِها والولدِ لوالدَيَهِ، ولا أولادَ إلّا بجهدٍ وعناءٍ وألمٍ ، والأمثلةُ على هذا مِنْ حَياتِنا فوقَ حدِّ الإحصاءِ.
فليسَ فِي الدُّنيا خيرٌ مُطلقٌ وسعادةٌ بلا شقاءٍ، كذلكَ ليسَ فيها شرٌّ مُطلقٌ وشقاءٌ بلا سعادةٍ ، وفي هذهِ الدَّارِ خلقَ اللهُ تعالى الإنسانَ واقتضتْ حِكمتِهِ أنْ يَمتحنَهُ ويختبرَهُ، أيَشكُرُ على النِّعمِ ويَستعمِلَها في الخيرِ ورِضا اللهِ تَعالى، أمْ يغرقُ في شهواتِ الدُّنيا ولذائذِها ويَسيرُ خلفَ رغباتِهِ وميولِهِ ولو كانتْ في سخطِ اللهِ تعالى؟
وإنْ عَرَضَتْ عليِهِ مُّصيبةٌ وبلاءٌ هل يَصبرُ ويَستعينُ باللهِ تَعالى حتّى يَرفَعُ عنْهُ مُصيبتَهُ وُيخرِجَهُ مِنْ شِدّتِهِ، أمْ يَكفرُ ويتّهمُ اللهَ في عَدلِهِ ورحمتِهِ ويَطغى على سيّدِهِ وَمولاهُ؟
والدليل على ذلك قوله تعالى:{ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} سُورَةُ الحَديدِ آية 22 ، وقال الفيض الكاشاني في تفسير الآية بحسب الرّوايات:
وفي العِللِ: عَنْ أميرِ المؤمنينَ عَليهِ السّلام (إنَّ مَلَكَ الأرحامِ يَكتبُ كُلَّ ما يُصيبُ الإنسانَ في الدُّنيا بَينَ عَينيِهِ، فذلكَ قولَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: { ما أصابَ مِنْ مُّصيبةٍ } )
عِلَلُ الشرائعِ ص ٩٥، ح ٤، باب ٨٤ - العلّةُ الّتي مِنْ أجلِها يَغتَمُّ الإنسانُ ويَحزنُ مِنْ غيرِ سَببٍ ويفرحُ ويُسَّرُ مِنْ غيرِ سَببِ
التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٧ - الصفحة ١١٨، إنتهى .
إذاً: المُهمُّ هوَ كَيفَ نَتعاطى مَعَ المُصيبةِ والبلاءِ؟ وكيفَ نَتصرّفُ عندَ الفتنةِ والاختبارِ؟ ولا يَنبغي أنْ نَتوقّعَ في هذهِ الدَّارِ أنْ نَبقى فيها ونَخلُدُ، وأنْ تُرفعُ عنّا كلَّ مِحَنِها ومصائبِها ، فهذا لنْ يكونَ في الدَّنيا أبداً .
إنَّ جميعَ المَصائبُ الفَرديَّةِ والاجتماعيَّةِ الّتي تُصيبُ البَشرَإمّا أنْ تكونَ وليدةَ سوءِ الإستفادةِ مِنَ الحُريّةِ وسوءِ الإختيارِ، فَيبتلي نَفسَه قال تعالى: ﴿... وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ...﴾ سُورةُ النِساءِ، الآية 79
وإمّا أنْ تكونَ نتيجةً لِعواملٍ طَبيعيَّةٍ خاضعةٍ لنظامِ العليّةِ والمعلوليَّةِ العامِّ، كَما لو حصَلَ إنهيارٌ أو خسفٌ أو زلزالٌ أو غيرَ ذلكَ، عنِ الإمامِ العَسكري عَليهِ السّلام (مَا مِنْ بليَّةٍ إلّا وللهِ فيِها نَعمةٍ تُحيطُ بِها ) .
نَعم، نَحنُ نَعلمُ أنَّ الإنسانَ موجودٌ ذو بُعدينِ، أحَدَهُما الجسمُ والآخرُ الرُّوحُ ، فكما أنَّ جِسمَ الإنسانِ لا يَقوى إلّا في ظِلِّ المُشكلاتِ والشدائدِ، ولا بدَّ لأجلِ تَكاملِهِ مِنَ المَصاعِبِ، فرُّوحُ الإنسانِ ونفسِهِ أيضاً لنْ تتكاملُ إلّا بالتغذيَّةِ بالمُشكلاتِ ، وَكمْ هوَ جميلٌ بَيانَ الرَّسولِ الأكرمِ صلى الله عليه و آله( إنّ اللهَ لَيُغذّيَ عَبدَهُ المُؤمنُ بالبلاءِ كما تُغذّي الوالدةُ ولدَها باللَّبنِ ) الريشهري، محمّد، ميزانُ الحِكمةِ،ج1، ص 305،
وبناءً عَليِهِ فإنَّ الابْتلاءَ هوَ طريقُ التكاملِ، والارتقاءِ في مَدارجِ الكَمالِ لا يَتحقّقُ بدونِ الإبتلاءِ، وعَليِهِ فهوَ خيرٌ لِمَا يؤدّي إليِه مِنْ هدفٍ سامٍ ومقامٍ رفيعٍ ...
تعليق