بسم الله الرحمن الرحيم
اللّهم صلِ على محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللّهم صلِ على محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدَّارُ الآخرةِ الّتي آمنَ بِهَا المؤمنُ وعِمِلَ في دُنياهُ عَلَى أساسِ أنْ يكونَ مِنْ أهلِهَا في جَنَّاتِ الخُلدِ وبَحَثَ فيِ الأدَّلَةِ المُتَيَسِّرَةِ مِنْ حَولِهِ سَواءٌ كانَ الدَّليلُ نَقلياً أو عَقلياً بِالمُباشرةِ أو بِالسماعِ وألتَزَمَ بِالخطِّ الّذي يُنجِيِهِ وهوَ خَطُّ أهلِ البيتِعَليهم السّلام سُفنُ النجاةِ وأعلامُ الهُدَى الأبرارُ العامِلينَ في الدُّنيَا لخلاصِ شِعيتِهِم ومُتبيعيِهِم مِنَ النَّارِ والفوزِ بالجنَّةِ { تِلكَ الدَّارُ الأَخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فيِ الأَرضِ وَلَا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ } سُورَةُ القَصصِ الآيةِ (83) ،
وهذا البيانُ القُرآنيُّ إنَّمَا جاءَ لِكَي يَعرِفَ هؤلاء حقيقةَ وماهيَّةَ الإتِّباعِ مِنْ خلالِ الإيثارِ والإطعامِ والصبرِ والتَقوى ، وهذهِ ميزاتٌ لَهمُ َعليهم السّلام وَلِمَنْ سارَ على نَهجِهِم ، وفي قِبَالِ ذَلِكَ نَهجُ المُستكبرينَ والمُتسلطينَ والمُفسدينَ المُتمثلينَ بفرعونَ وهامانَ وقارونَ خصوصاً قبلَ هذهِ الآيةِ المباركةِ { إنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَومِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيهم وَءَاتَينَاهُ مِنَ الُكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالعُصبَةِ أُوليِ القُوَّةِ إِذ قَالَ لَهُ قَومُهُ لَا تَفرَح إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الفَرِحِينَ (76) وَابتَغِ فِيمَا ءَاتَاكَ اللهُ الدَّارَ الأَخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا وَأَحسِن كَمَا أَحسَنَ اللهُ إِلَيكَ وَلَا تَبغِ الفَسَادَ فيِ الأَرضَ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفسِدينَ (77) } سُورَةُ القَصصِ ، وَبَعدَ بَيانَها المُثيرُ لِمَا حَدثَ لِثريٍ مُستكبرٍ ومُتسلطٍ ويَدَعي العُلوُ وهوَ قارونُ ، تَبدأُ هذهِ الآيةُ باستنتاجٍ كُلٍّيِ لِهذا الوَاقعِ وهذا الحَدَثِ ، بِجعلِ الدَّارِ الآخرةِ للمُتَقينَ الّذينَ لَا يُريدونَ عُلواً وفَساداً فيِ الدَّارِ الأولى أي الدُّنيَا ، أَجَلْ فَهُمْ غيرُ مُستكبرينَ وَلَا مَفسدينَ فيِ الأرضِ وليسَ هذا فَحَسبْ ، بَلْ قُلوبُهم مُطَّهرةٌ مِنْ هذه المَسائل ، وارواحُهم مُنزهةٌ مِنْ هذهِ الأوساخ ! فلا يُريدونَ ذَلِكَ وَلَا يَرغبونَ فيهِ أصلاً .
وفيِ الحقيقةِ إنَّ مَا يكون سبَّباً لحرمانِ الإنسانِ مِنْ مواهبِ الرحمانِ في الدَّارِ الآخرةِ ، هوَ هذانِ الأمرانِ وَهُمَا مِنْ أوضحِ أمثلةِ الذنوبِ...
لأنَّ كلَّ مَانَهى اللهُ عَنْهُ فهوَ على خِلافِ نِظامِ حياةِ الإنسانِ ، لِذا فَهوَ أساسُ الفَسادِ في الأرضِ ، وَنَجِدُ في الرَّواياتِ الإسلاميَّةِ إهتماماً بهذه المَسألةِ حَتى أنَّنَا نقرأُ حَدِيثَاً عَنِ الإمامِ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام يقولُ: ( إنَّ الرَجُلَ لَيُعْجِبُهُ أنْ يكونَ شِراكُ نَعْلِهِ أجْوَدُ مِنْ شِراكِ نَعْلِ صَاحِبِهِ فَيَدْخُلَ تَحْتَها ) وسائلُ الشِيعَةِ ، ج ،12 ص 17 الحديث 5 من الباب 16 من أبوابِ مُقدماتِ التِّجارَةِ ، وهذا أيضًا فرعٌ مِنْ فروعِ الإستعلاءِ.
في قِبَالِ ذلكَ نَقرأُ في حديثٍ آخرَ عَنِ الإمامِ أميرِ المؤمنينَعليه السّلام أنَّهُ كانَ يَسيرُ في الأسواقِ أيامَ خِلافتِهِ الظاهريَّةِ ، فَيَرْشُدُ التائهينَ إلى الطريقِ ويُسَاعِدُ الفقراءَ ، وكانَ يمرُّ على الباعةِ والكسبةِ ويتلوا هذهِ الآيةِ الكريمةِ :
{ تلك الدار......... } فيضيفُ عليه السّلام( نَزَلَتْ هذهِ الآيةِ في أهل العدل والتواضع من الولاةِ وأهلِ القُدرةِ مِنَ النَّاسِ) تفسير الفخر الرازي ، ذيل الآية محل البحث .
فالتَقوى كلُّ التَقوى أنَّكَ تَزهدُ في هذهِ الدُّنيَا وتَتَبِعَ إمَامَكَ المُغَيَّبُ الّذي يَنتظرُ مِنكَ هذا العملُ كَي تَكونَ مِنْ أتبَاعِهِ وأعوانِهِ والنَّتيجَةُ أنَّكَ تُستَخلفُ على هذهِ الأرضُ معَ إمامٍ مهديٍ يملأُ الأرضَ عدلاً وقسطاً كَما مُلئَتْ ظُلماً وجَورا ، لقولِهِ تَعالى في كِتابِهِ العزيزِ: { وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فيِ الأَرضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أتَجعَلُ فِيهَا مَنْ يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّ أَعلَمُ مَا لَا تَعلَمُونَ } سُورَةُ البَقَرَةِ الآية (5) .
تعليق