تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ))[1] صرحت الآية الكريمة بنزول هذا القرآن من الله وانه حق ومصدق اي مطابق لما عند الله من الكتاب ومهيمناً عليه، ومعنى ذلك – كما هو ظاهر الآية الكريمة – ان هناك كتاباً عند الله تعالى وهذا الكتاب النازل على محمد صلى الله عليه واله وهو القرآن الكريم مطابق له.
وقد عبر القرآن الكريم عن هذا الكتاب – الموجود عند الله – بأم الكتاب تارة وباللوح المحفوظ تارة اخرى، وبالكتاب المبين ثالثة والكتاب المكنون رابعة، فيقول تعالى: ((وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ))[2]، والأم في اللغة هي الأصل فإذن القران المكتوب لدينا له اصل ويسمى (ام الكتاب) ومن صفات هذا الأصل انه لا يمسه إلا المطهرون كما في قوله تعالى: ((إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ))[3]، فهو كتاب مخفي – مكنون – ولا يمسه إلا من وصل الى درجة العصمة والطهارة كما وضح ذلك المفسرون.
صفات الكتاب الذي عند الله تعالى:
يبيّن القرآن الكريم صفات هذا الكتاب المنزل بعدة صفات هي:
- ان هذا الكتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون، كما في قوله تعالى: ((إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ))[4]، فمن الواضح ان هذا الكتاب الذي بين ايدينا في متناول الطاهر وغيره، فالمقصود من الكتاب في الآية الكريمة هو الكتاب الذي عند الله تعالى.
- هذا الكتاب لا يعرض عليه التبدل والتغير، كما في قوله تعالى: ((بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ))[5]، و من المعلوم أن القرآن المنزل تدريجا لا يخلو عن ناسخ و منسوخ و عن التدريج الذي هو نحو من التبدل، فالمراد من القرآن المذكور في الآية هو ما عند الله تبارك وتعالى.
- ان هذا القرآن ليس من قبيل الكتب المكتوبة بإحدى اللغات وان العربية عرضت عليه بعد نزوله، وهذا ما يشير اليه قوله تعالى: ((حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ))[6]، فظاهر الآية الكريمة يدل على عروض العربية على هذا الكتاب المبين وان الغاية من جعله عربيا بعد نزوله هي (لعلكم تعقلون)، وهي تتحقق بعد نزوله ولا معنى لجعل الكتاب الذي عنده عربياً لعدم اطع الناس عليه، فلا مرجح حينئذ لجعله بهذه اللغة دون غيرها، فهذا القرآن بعد نزوله عرضت له العربية واما هو – اي القرآن – في مرحلة (ام الكتاب) اي اصل هذا الكتاب الذي بين ايديكم عليٌ عن افهامكم لا تملكون تعقله.
- تشير نفس الآية السابقة ان هذا القرآن في مرحلة الكتاب المبين او ام الكتاب او اللوح المحفوظ ما شئت فعبر هو غير مجزئ لآيات وسور كما هو الحال في كتابنا المقروء، وانما عرض عليه التجزئة والتفكيك الى سور واجزاء بعد نزوله، فقد وصفته الآية السابقة ب(الحكيم) اي المحكم، وهو في قبال المفصل.
يقول السيد الطباطبائي (ره) في تفسيره: ومما يشير الى هذا قوله تعالى: ((إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ))[7]،فإنه ظاهر في أن هناك كتابا مبينا عرض عليه جعله مقروا عربيا، و إنما ألبس لباس القراءة و العربية ليعقله الناس و إلا فإنه - و هو في أم الكتاب - عند الله، عليٌّ لا تصعد إليه العقول، حكيم لا يوجد فيه فصل و فصل[8].
[1] المائدة: 48.
[2] الزخرف: 4.
[3] الواقعة: 77-79.
[4] الواقعة: 77-80.
[5] البروج: 21 – 22.
[6] الزخرف: 1-4.
[7] الزخرف: 3-4.
[8] الميزان في تفسير القرآن ج2ص9.
تعليق