توفي أحد العلماء (رضوان الله عليه) فنقل عن أحواله أنّه كان إذا دُعي للصلاة على الميت، يحضر الجنازة فيصلي عليها ولا يتأخر بعد ذلك بل ينصرف إلى أعماله وشؤونه الاجتماعية، فلقد كان مرجعاً صاحب رسالة عملية يرجع إليه الناس في أمور دينهم. واتّفق في يوم من الأيام أن مات أحد القصابين في ذلك البلد، فأُخبر العالِم فحضر للصلاة عليه، ولكنه على خلاف عادته - تأخر هذه المرة حتى دفنوا الميت ثم جلس على قبره وقرأ له الأدعية وبعض السور من القرآن يقول راوي القصة: أثار هذا الأمر استغرابنا لأنّ الميت لم يكن من أقرباء العالِم ولا كان من العلماء أو الزهّاد فنفهم سر اهتمام هذا العالِم به. وعندما همّ بالانصراف توجهنا إليه بالسؤال عن سر اهتمامه بهذا القصاب والإكثار من الترحّم عليه، فقال: إنّ هذا القصاب ساعدني حيث لم يساعدني أحد، فكان يقرضني وهو لا يعرفني في وقت كنت محتاجاً، ودون أن يأمل حتى بقدرتي على إرجاع المال إليه. فيوم قدمت إلى هذا البلد كنت فقيراً ولم يكن أحد يعرفني حتى هذا القصاب ما كان يعرفني ولا أعرفه، إلاّ أنّي كنت أشتري منه اللحم، وفي إحدى المرات لم يكن عندي مال لأدفع الثمن، وكنت معيلاً، فقال لي: لا بأس أنا مستعد لأن أبيعك اللحم ويكون ثمنه دَيناً في ذمتك، وتكررت الحالة في اليوم الآخر، ولعدة أيام، وهو يقرضني برحابة صدر دون أن يعرفني أو يعلم أنّي قادر على تسديد الديون - فقد كنت طالباً ولا أملك مورداً آمل أن يأتيني منه المال - ولا أوصاه أحد بي، فقد سألته يوماً: هل أوصاك أحد بي؟ فقال: لا. قلت: تعرفني إذاً؟ قال: لا. قلت: لماذا إذاً تقرضني؟ قال: رأيتك مؤمناً بادي الصلاح ومعيلاً فأقرضتك في سبيل الله فإن حصلت على المال رددته إليّ، وإن لم تحصل فلا بأس عليك ولا أخسر في صفقتي مع الله.
يقول العالِم: أُعجبتُ بإخلاص هذا الرجل الذي ساعدني دون أن يعرفني قربة إلى الله تعالى.فإذا كنّا لا ننسى المساعدة المخلصة من دون آلاف المساعدات الأخرى، ونقدّرها - على قصر عقولنا - وإذا كنا ندرك هذه الحقيقة ولا نختلف فيها - وهذا يعني أنّها من الواقعيات، وللواقعيات آثارها كما قلنا - فكيف بالله تعالى وهو أحكم الحاكمين.
يقول العالِم: أُعجبتُ بإخلاص هذا الرجل الذي ساعدني دون أن يعرفني قربة إلى الله تعالى.فإذا كنّا لا ننسى المساعدة المخلصة من دون آلاف المساعدات الأخرى، ونقدّرها - على قصر عقولنا - وإذا كنا ندرك هذه الحقيقة ولا نختلف فيها - وهذا يعني أنّها من الواقعيات، وللواقعيات آثارها كما قلنا - فكيف بالله تعالى وهو أحكم الحاكمين.
تعليق