بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
يُعدُّ الزّمان من المواضيع الأساسيّة، والحساسة التي ترتبط بالإنسان ارتباطًا وثيقًا، إذ لا نكاد نتناول موضوعًا من مواضيع البحث العلميّ، أو الفلسفيّ، أو الدّينيّ، أو الفنّيّ، إلّا ونجد فكرة الزّمان تشكّل إطارًا للبحث، وترافق مراحله ومشاكله من البداية إلى النّهاية، فلا نكاد نضبط تاريخًا محدّدًا يشكّل بداية اهتمام الإنسان بفكرة الزّمان، فالاهتمام بهذه الفكرة قديم قِدَم الإنسان، وحديث حداثة طموحاته وأحلامه. الزّمان هذه الفكرة البسيطة التي لا يجهل أهمّيّتها أحد، هذه الفكرة الغامضة التي يعجز أن يدرك كُنهها وحقيقتها أحد، هذه الفكرة التي قال عنها الفيلسوف أوغستين: “ما الزّمان؟ حينما لا أسأل عنه أعرفه، وبمجرّد ما يتعلّق الأمر بتفسيره فإنّني لا أعرفه أبدًا”([1]).
يسمّى الكتاب المقدس للدّيانة اليهوديّة “العهد القديم”، والكتاب المتعلّق بالمسيحيّة يسمّى “العهد الجديد”، وكأنّ الدّيانتَين امتداد لبعضهما. إنّ المهمّ الّذي يمكن ملاحظته على الزّمن في هاتين الدّيانتين، هو الانتقال من الفهم اليونانيّ ذيّ الطّابع الدّائريّ التّكراريّ الذي يستقي قيمته، من حركة النّجوم والأفلاك بصفتها حركات خالدة، إلى الحركة المستقيمة التي لها بداية ونهاية، وكلّ حدث فيها لا يحدث إلّا مرّة واحدة. ففي البداية خلق الله الكون، والسّموات، والأرض، فخَلْقُ الله للكون لم يكن دفعة واحدة، بل خلقه في ستّة أيّام([2]). ومع هاتين الدّيانتين أصبح الزّمن يتعلّق بالأحداث الإنسانيّة. كان الحاضر أو الآن هو نقطة اهتمام اليونان بصفته لحظة من لحظات الخلود، أمّا مع المسيحيّة فصار الاهتمام ينصب على الماضيّ، والمستقبل، الاهتمام بالماضيّ لأنّه يمثل حياة الإنسان، والاهتمام بالمستقبل لأنّه يمثل الخلاص.
تناول القرآن الكريم الكثير من المسائل المتعلّقة بالزّمان؛ كتركيزه على الظواهر الزّمنيّة الاجتماعيّة المتعلّقة بحياة المسلم، كالصّلاة ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ [النّساء: 103]، والصيام ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: 185]، والحج، كقوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: 197]، وفي هذه الطقوس الدّينيّة كلّها تنبيه للمسلم إلى ضرورة الاهتمام بالوقت وقداسته، فالقداسة تشمل المكان بقدر ما تشمل الزّمان، ففي قوله تعالى مثلًا: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 3] دليل على فضل زمان على زمان، والأهمّيّة الفلسفيّة تكمن في مدى ارتباط الزّمن بالمقدّس. إذا أردنا الخوض في مسألة الزّمان الاجتماعيّ، فإنّ أوّل ما يتبادر إلى أذهاننا هو ذلك الزّمن الذي يحتكم له أفراد المجتمع كلّهم في قياس الأحداث الدّينيّة، والعادات والتّقاليد، وحتى المواعيد، وكتابة التّاريخ، ويمكن أن نطلق على هذا الزّمن اسم التّقويم. فلقد عرفت المجتمعات البشريّة منذ الأزمنة الغابرة أهمّيّة اختيار حدث اجتماعيّ بارز وعَدُّه منطلقًا للتّاريخ، كهجرة النّبيّ محمّد(ص) من مكّة إلى المدينة مثلًا. وكذلك بدأ ربط الزّمان بمواضيع إنسانيّة صرفة كالشّعور، الحياة، الحرّيّة، الحركة، الأخلاق المتحرّكة، الدّين المتحرّك.
فالزّمن هو الماضيّ الّذي انقضى، وهو الحاضر الذي نعيشه، وهو المستقبل الذي ننتظره ونتطلّع إليه. ليس هناك فرق بين زمنٍ وزمن في ما هو الخطّ الطبيعيّ في النّظام الكونيّ، فالأيّام الآن كالأيّام الماضية، وهي كالأيّام في المستقبل، ولكنّ حركة الزّمن تنطلق من خلال حركة الإنسان فيه.
كتاب آفاق الرّوح
يُعدُّ كتاب آفاق الرُّوح في شرح أدعية الصّحيفة السجّاديّة، للإمام عليّ بن الحسين زين العابدين، بجُزأيه (الأوّل الذي يقع في 658 صفحة، والثّاني الذي يقع في 646 صفحة) أطروحة إنسانيّة شاملة، انفرد فيها السّيّد فضل الله في طريقة شرحه لهذه الأدعية، إذ جعل من هذه الشّروحات أدعية بحدّ ذاتها. فكان هذا الكتاب خلاصة فكره، وعصارة عمره، في أن يضع للنّاس ما يفتح لهم الآفاق الرّحبة للوصول إلى الله، من خلال توضيح معالم الطّريق الذي يسلكونه إليه، وطريقة التّعبير، ومخاطبة الله، لا بطريقة الرّسميّات التي لا تخرج من القلب، ولا تعدو كونها لقلقة ألسن، وإنّما أراد السّيّد أن يقول للنّاس تكلّموا مع الله بأيّ طريقة تريدون، ولتكن هناك صداقة مع هذا الربّ الودود الرّحيم الكريم، فالله يستحقّ المحبّة، والانفتاح عليه. كان انفتاح السّيّد فضل الله في هذا الكتاب على الله، وفي شرح الأدعية بطريقة دُعائيّة يخاطب فيها ربّه، ويطيل البث والشّكوى، أو الشّرح والتّفصيل، والإلحاح والرّجاء، وكذلك الشّكر والثّناء، ويكرّر السّؤال لله. وقد عبّر السّيّد فضل الله عن هذا الأمر في غير مناسبة وغير كتاب، بأنّ “الله يعلِّم رسولَه محمّدا أسلوب الدّعاء، ويبيِّن له النّقاط التي يريد له أن يتحدّث بها معه في حالة الابتهال ليركِّز ذلك في شخصيّته، وشخصيّة كلِّ مَنْ يتَّبعُه، ليعيش الجوّ الذي يشعر فيه أنَّ الله تعالى بعظمتِه يُوجّهه، ويُعلّمه كيفيّة تركيز خطواته على الطريق المستقيم، وعندها يدرك الإنسان عظمة إنسانيّته من خلال ما يرفع له ربُّه من مستوى إنسانيّته”([3]). ويشدّد السيّد على مسألة ربط الأدعية بالحياة وعدم جعلها تجريديّة معلّقة في الهواء، لأنّها نماذج من الأدعية الإسلاميّة التي لم يحاول مُنشِئوها أن يجعلوا الإنسان يبتعد بها من حياته، بل حاولوا أن يشدّدوا معها على صلته بالحياة، ويرشدوه إلى المجالات التي يستطيع أن ينتبه فيها إلى مواضع الخطأ فيصلحها، وإلى مواطن الانحراف فيصحّحها، وإلى زيغ النّيات فيخلّصها من الشّوائب، فهذا الأمر “يجعلنا نستوحي منها الفكرة التي تقول: إنَّ الإسلام يريد من المسلم أن لا يصرف بوجهه عن حياته حتى وهو بين يدي اللّه، بل يريد منه أن يندمج بالحياة بكلّ قوّة، يجسّد كلّ إرادات اللّه وكلّ تعاليمه التي تغدو الأرض معها جنّةً مصغّرةً، نتعلّم فيها كيف نمارس نعيم اللّه في الدّنيا، قبل أن نعيش معه في الآخرة”([4]).
ارتباط الزّمن بالإنسان
لا بدّ لنا من أن ندرس الزّمن في الإنسان، لأنّ الإنسان هو الذي يعطي الزّمن معناه، هو الّذي يعطيه معنى الوعيّ، وهو الّذي يعطيه معنى النّصر، ومعنى الهزيمة، ومعنى التقدّم والتأخر.
إنّ المنهج الإسلاميّ التّربويّ يعمل على التّخطيط لليوم الزّمني، ليتحسّس الإنسان وجوده كجزء من الوجود الكونيّ، وحركته كجزء من حركة الإنسان في الوجود الإنسانيّ العامّ، وليعيش الإحساس بأنّه مخلوق الله وعبده الخاضع له في تكوينه، ولذلك كان المطلوب أن يعطي الإنسان للزّمن مضمون عقله، وروحه، وقلبه، وشعوره، وحركته، فيكون الزّمان بما يعطيه الإنسان، زمان خير أو شرّ، أو صلاح أو فساد، أو تقدّم أو تأخر. بهذا تتميّز مرحلة زمنيّة عن مرحلة زمنيّة أخرى في المعنى الكامن فيها، من خلال نشاط الإنسان فيها بما يصدر منه، إذ يتّحد الزّمن في الإنسان، فيكون عمره ووجوده، كما يتّحد الإنسان في الزّمن، فيكون عمقه وروحه وحركته، وهكذا يكون الإنسان كائنًا زمنيًّا كما يكون الزّمن معنى إنسانيًّا.
الزّمن ومناسبات الأدعيّة
نلاحظ في أدعية الصّحيفة السجّاديّة، المنهج التّربويّ الإيحائيّ الذي ينطلق فيه الدّاعي في دعائه، ليدخل في أجواء يومه وليلته، وفي أجواء المناسبات التي جعلها الله مباركةً بما أودع فيها من خصوصيّة، فعلى الإنسان أن يكون واعيًا لمقام ربّه في مسؤوليّته، ومسؤوليّة يومه في قضيّة حياته، وحركة دنياه في مصير آخرته، فلا يهمل لحظةً من الزّمن، بوصف أنّها تمثّل جزءًا من عمره الذي لا بدّ من أن يملأه بما يخلّصه عند ربّه. وهذه هي الخطوط التّربويّة العامّة للدعاء، عندما يقف للسؤال عن عمره كيف أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه؟!
يتبع
اللهم صل على محمد وال محمد
يُعدُّ الزّمان من المواضيع الأساسيّة، والحساسة التي ترتبط بالإنسان ارتباطًا وثيقًا، إذ لا نكاد نتناول موضوعًا من مواضيع البحث العلميّ، أو الفلسفيّ، أو الدّينيّ، أو الفنّيّ، إلّا ونجد فكرة الزّمان تشكّل إطارًا للبحث، وترافق مراحله ومشاكله من البداية إلى النّهاية، فلا نكاد نضبط تاريخًا محدّدًا يشكّل بداية اهتمام الإنسان بفكرة الزّمان، فالاهتمام بهذه الفكرة قديم قِدَم الإنسان، وحديث حداثة طموحاته وأحلامه. الزّمان هذه الفكرة البسيطة التي لا يجهل أهمّيّتها أحد، هذه الفكرة الغامضة التي يعجز أن يدرك كُنهها وحقيقتها أحد، هذه الفكرة التي قال عنها الفيلسوف أوغستين: “ما الزّمان؟ حينما لا أسأل عنه أعرفه، وبمجرّد ما يتعلّق الأمر بتفسيره فإنّني لا أعرفه أبدًا”([1]).
يسمّى الكتاب المقدس للدّيانة اليهوديّة “العهد القديم”، والكتاب المتعلّق بالمسيحيّة يسمّى “العهد الجديد”، وكأنّ الدّيانتَين امتداد لبعضهما. إنّ المهمّ الّذي يمكن ملاحظته على الزّمن في هاتين الدّيانتين، هو الانتقال من الفهم اليونانيّ ذيّ الطّابع الدّائريّ التّكراريّ الذي يستقي قيمته، من حركة النّجوم والأفلاك بصفتها حركات خالدة، إلى الحركة المستقيمة التي لها بداية ونهاية، وكلّ حدث فيها لا يحدث إلّا مرّة واحدة. ففي البداية خلق الله الكون، والسّموات، والأرض، فخَلْقُ الله للكون لم يكن دفعة واحدة، بل خلقه في ستّة أيّام([2]). ومع هاتين الدّيانتين أصبح الزّمن يتعلّق بالأحداث الإنسانيّة. كان الحاضر أو الآن هو نقطة اهتمام اليونان بصفته لحظة من لحظات الخلود، أمّا مع المسيحيّة فصار الاهتمام ينصب على الماضيّ، والمستقبل، الاهتمام بالماضيّ لأنّه يمثل حياة الإنسان، والاهتمام بالمستقبل لأنّه يمثل الخلاص.
تناول القرآن الكريم الكثير من المسائل المتعلّقة بالزّمان؛ كتركيزه على الظواهر الزّمنيّة الاجتماعيّة المتعلّقة بحياة المسلم، كالصّلاة ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ [النّساء: 103]، والصيام ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: 185]، والحج، كقوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: 197]، وفي هذه الطقوس الدّينيّة كلّها تنبيه للمسلم إلى ضرورة الاهتمام بالوقت وقداسته، فالقداسة تشمل المكان بقدر ما تشمل الزّمان، ففي قوله تعالى مثلًا: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 3] دليل على فضل زمان على زمان، والأهمّيّة الفلسفيّة تكمن في مدى ارتباط الزّمن بالمقدّس. إذا أردنا الخوض في مسألة الزّمان الاجتماعيّ، فإنّ أوّل ما يتبادر إلى أذهاننا هو ذلك الزّمن الذي يحتكم له أفراد المجتمع كلّهم في قياس الأحداث الدّينيّة، والعادات والتّقاليد، وحتى المواعيد، وكتابة التّاريخ، ويمكن أن نطلق على هذا الزّمن اسم التّقويم. فلقد عرفت المجتمعات البشريّة منذ الأزمنة الغابرة أهمّيّة اختيار حدث اجتماعيّ بارز وعَدُّه منطلقًا للتّاريخ، كهجرة النّبيّ محمّد(ص) من مكّة إلى المدينة مثلًا. وكذلك بدأ ربط الزّمان بمواضيع إنسانيّة صرفة كالشّعور، الحياة، الحرّيّة، الحركة، الأخلاق المتحرّكة، الدّين المتحرّك.
فالزّمن هو الماضيّ الّذي انقضى، وهو الحاضر الذي نعيشه، وهو المستقبل الذي ننتظره ونتطلّع إليه. ليس هناك فرق بين زمنٍ وزمن في ما هو الخطّ الطبيعيّ في النّظام الكونيّ، فالأيّام الآن كالأيّام الماضية، وهي كالأيّام في المستقبل، ولكنّ حركة الزّمن تنطلق من خلال حركة الإنسان فيه.
كتاب آفاق الرّوح
يُعدُّ كتاب آفاق الرُّوح في شرح أدعية الصّحيفة السجّاديّة، للإمام عليّ بن الحسين زين العابدين، بجُزأيه (الأوّل الذي يقع في 658 صفحة، والثّاني الذي يقع في 646 صفحة) أطروحة إنسانيّة شاملة، انفرد فيها السّيّد فضل الله في طريقة شرحه لهذه الأدعية، إذ جعل من هذه الشّروحات أدعية بحدّ ذاتها. فكان هذا الكتاب خلاصة فكره، وعصارة عمره، في أن يضع للنّاس ما يفتح لهم الآفاق الرّحبة للوصول إلى الله، من خلال توضيح معالم الطّريق الذي يسلكونه إليه، وطريقة التّعبير، ومخاطبة الله، لا بطريقة الرّسميّات التي لا تخرج من القلب، ولا تعدو كونها لقلقة ألسن، وإنّما أراد السّيّد أن يقول للنّاس تكلّموا مع الله بأيّ طريقة تريدون، ولتكن هناك صداقة مع هذا الربّ الودود الرّحيم الكريم، فالله يستحقّ المحبّة، والانفتاح عليه. كان انفتاح السّيّد فضل الله في هذا الكتاب على الله، وفي شرح الأدعية بطريقة دُعائيّة يخاطب فيها ربّه، ويطيل البث والشّكوى، أو الشّرح والتّفصيل، والإلحاح والرّجاء، وكذلك الشّكر والثّناء، ويكرّر السّؤال لله. وقد عبّر السّيّد فضل الله عن هذا الأمر في غير مناسبة وغير كتاب، بأنّ “الله يعلِّم رسولَه محمّدا أسلوب الدّعاء، ويبيِّن له النّقاط التي يريد له أن يتحدّث بها معه في حالة الابتهال ليركِّز ذلك في شخصيّته، وشخصيّة كلِّ مَنْ يتَّبعُه، ليعيش الجوّ الذي يشعر فيه أنَّ الله تعالى بعظمتِه يُوجّهه، ويُعلّمه كيفيّة تركيز خطواته على الطريق المستقيم، وعندها يدرك الإنسان عظمة إنسانيّته من خلال ما يرفع له ربُّه من مستوى إنسانيّته”([3]). ويشدّد السيّد على مسألة ربط الأدعية بالحياة وعدم جعلها تجريديّة معلّقة في الهواء، لأنّها نماذج من الأدعية الإسلاميّة التي لم يحاول مُنشِئوها أن يجعلوا الإنسان يبتعد بها من حياته، بل حاولوا أن يشدّدوا معها على صلته بالحياة، ويرشدوه إلى المجالات التي يستطيع أن ينتبه فيها إلى مواضع الخطأ فيصلحها، وإلى مواطن الانحراف فيصحّحها، وإلى زيغ النّيات فيخلّصها من الشّوائب، فهذا الأمر “يجعلنا نستوحي منها الفكرة التي تقول: إنَّ الإسلام يريد من المسلم أن لا يصرف بوجهه عن حياته حتى وهو بين يدي اللّه، بل يريد منه أن يندمج بالحياة بكلّ قوّة، يجسّد كلّ إرادات اللّه وكلّ تعاليمه التي تغدو الأرض معها جنّةً مصغّرةً، نتعلّم فيها كيف نمارس نعيم اللّه في الدّنيا، قبل أن نعيش معه في الآخرة”([4]).
ارتباط الزّمن بالإنسان
لا بدّ لنا من أن ندرس الزّمن في الإنسان، لأنّ الإنسان هو الذي يعطي الزّمن معناه، هو الّذي يعطيه معنى الوعيّ، وهو الّذي يعطيه معنى النّصر، ومعنى الهزيمة، ومعنى التقدّم والتأخر.
إنّ المنهج الإسلاميّ التّربويّ يعمل على التّخطيط لليوم الزّمني، ليتحسّس الإنسان وجوده كجزء من الوجود الكونيّ، وحركته كجزء من حركة الإنسان في الوجود الإنسانيّ العامّ، وليعيش الإحساس بأنّه مخلوق الله وعبده الخاضع له في تكوينه، ولذلك كان المطلوب أن يعطي الإنسان للزّمن مضمون عقله، وروحه، وقلبه، وشعوره، وحركته، فيكون الزّمان بما يعطيه الإنسان، زمان خير أو شرّ، أو صلاح أو فساد، أو تقدّم أو تأخر. بهذا تتميّز مرحلة زمنيّة عن مرحلة زمنيّة أخرى في المعنى الكامن فيها، من خلال نشاط الإنسان فيها بما يصدر منه، إذ يتّحد الزّمن في الإنسان، فيكون عمره ووجوده، كما يتّحد الإنسان في الزّمن، فيكون عمقه وروحه وحركته، وهكذا يكون الإنسان كائنًا زمنيًّا كما يكون الزّمن معنى إنسانيًّا.
الزّمن ومناسبات الأدعيّة
نلاحظ في أدعية الصّحيفة السجّاديّة، المنهج التّربويّ الإيحائيّ الذي ينطلق فيه الدّاعي في دعائه، ليدخل في أجواء يومه وليلته، وفي أجواء المناسبات التي جعلها الله مباركةً بما أودع فيها من خصوصيّة، فعلى الإنسان أن يكون واعيًا لمقام ربّه في مسؤوليّته، ومسؤوليّة يومه في قضيّة حياته، وحركة دنياه في مصير آخرته، فلا يهمل لحظةً من الزّمن، بوصف أنّها تمثّل جزءًا من عمره الذي لا بدّ من أن يملأه بما يخلّصه عند ربّه. وهذه هي الخطوط التّربويّة العامّة للدعاء، عندما يقف للسؤال عن عمره كيف أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه؟!
يتبع
تعليق