( علي حسين الخباز )
ليس هناك وجود لصورة ذهنية دون الانزياح القادر على إيجاد مساحة جمالية مؤثرة ، وقادر على تجاوز حاجز اللفظ لتشتغل في عمق المعنى ، والصورة الذهنية لا تأتي الا عبر لغة المماحكات لما تحتويه من مثير جمالي ، أي بمعنى مدرك من قبل جميع النقاد أن القيمة الانزياحية التي تولدها القصيدة قيمة ابداعية ،أحد النقاد لديه مقولة جميلة إذ يعتبر مخاض الصورة الذهنية هو الفطنة التي يتعامل بها الشاعر مع اللغة ، وليس بمعناها العقلاني بل يتجاوز العقلانية إلى غرائبية مدهشة ، الجملة تتكون من متعلقات وكلما تغربت هذه المتعلقات ابهجت متلقيها وتركت مجال تأويلي مثلا علاقة القرطاسية بالحقيبة المدرسية علاقة هادئة كونها من متعلقات الحقيبة المدرسية لكن العلاقة بين السكين والحقيبة و التي تعثر عليها أم في حقيبة ابنها تعني انفجار في موازيين التأويل ، الشاعر محمد طاهر الصفار تلاعب بقوة في تلك المتعلقات بدءا من العتبة النصية الاولى ( العنوان ) استخدم شعرية عالية في بناء العناوين المزاحة التي تمنح المنجز إثارة وتشاكس متلقيها بقوة ، وهذه الجدحات تعني وعي الشاعر بأهمية العنونة ، باعتبار العنوان لافتة بعضها جاء على شكل مفردة مثل كان أحد عناوين ( وحدها ) ص105 وعندما يكون العنوان عبارة عن مفردة سيكون لها وقع خاص ودرجة اقناع خاصة تتناغم لوحدها تمنحنا المغزى القصدي والمعنى المكمل لذاته في البنية العامة للنص معتمدا على قدرة التوظيف والتمعن في عنوان أحدى قصائده ( رؤى )ص177 هذا العنوان وحده قادر على تفجير المشهد كونه يستدرج المتلقي لفضاء النص و لا يمكن تحديد غايتها ومضمونها إلا عن طريق تكملة القراءة أي تكون جاذبة تعبر عن مكنونها بما يمتلك من دلالات ، وهذا المفهوم يجذبنا الى عملية الإبداع بالتمايز الاسلوبي الذي يخص جمالها الفني والايقاعي ، ولهذا نجد ان نسيج تلك المفردات يظهر لنا ثقافة الشاعر ومقدرته على الاستحواذ على ذائقة المتلقي ، لهذا يتميز بعض الشعراء بامتلاك مفردة تتكرر عنده ويعرف بها تصبح بمثابة هوية يتفرد بها ، إذا انتقى الشاعر مفردته بعناية تجعل المتلقي في توثب رؤيوي لتلقي كل ما مكتوب بحثا عن الرؤية وعمق الدلالة فهي تباغت بانزياحاته و تثيره منذ الصدمة الاولى للعنوان ،|وتشتغل بعض العناوين على الاضافة والمضاف اليه
( نبوءة الثريا ) ص7
( طواف الماء )ص45
والمضاف اليه يمنح الشعر القيم الدلالية في توصيل المعنى ونقل الأفكار والأحاسيس من خلال الانزياح
( سيد القلب ) ص48
( صلاة الضياء )ص71
وتكون الألفة رغم غرابة المتعلقات بين النبوءة والثريا وقربها في طواف الماء وشفافيتها في صلاة الضياء اعطى للضياء هالة وللصلاة الوقار
( طقوس جثة ) ص155
ولمزاوجات الاضافة دورا اساسيا في بناء النص ودلالاته الايحائية والجمالية ، فهي من يبرز الجمال ويوسع الدلالة ، ويقربها الى ذهنية المتلقي ، وبعض المزاوجات الدلالية ، تأتي على سبيل المثال المجاورة بسمة الصفة
( المطر الخجول ) ص157
ومجاورة تأتي على سمة التضاد
( العبد الحر ) ص173
لشعرية العنوان تأثير على القصيدة لأنه أول من يواجه المتلقي ، عندي العنوان مراهنة للتوريط ، فيها التوهج والتطور والسعي لاقتحام الافق الجمالي وقد أصر الكثير من النقاد على ان العنوان يعتبر معادلا موضوعيا يبعده عن التقريرية والمباشرة في التعبير ، كان سابقا يقال الكتاب يقرأ من عنوانه ، وفي المصطلح المعاصر ثريا النص ، نجد الشاعر يعمل بوعي لأيجاد ملائمة تمثل مستواه الفني ، بعض تلك العناوين تمتلك انزياحا شعريا ، يكشف في دلالاته عن قصدية المضمون الكلي
( قنديل على خطى التأويل ) ص17
إلى أبي العلاء المعري وهو يرسم خارطة الضوء ، نجد هناك انفتاح على متعلقات العنوان مثل ( العمي / البصر / العين / التوقد ) السؤال ... هل جميع العناوين تعبر عن مضامينها بشكل مباشر عند الشاعر الصفار ؟ ويعيدني الى موضوع المتعلقات وما علاقة العنوان الرئيسي بالعناوين الفرعية بما انها ( أفياء / حافة / تيه ) بمعنى أنه أختار الفضاء الحر والذي أمتلك روح شمولية لها متعلقات مع جميع العناوين وتستطيع أن تتآلف مع فرعيات العنونة عبر تأويلية سيجدها المتلقي داخل فضاءاته ،مثل ( ليلة غارقة بالظمأ )متعلقات مفتوحة ( ليل / غرق / ظمأ ) ولكل مفردة من هذه المفردات لها استنباطات تأويلية مثلا الشمس لها علاقة تضاد مع الليل الهمس اضافها الى الليل والغرق له تأويلات مفتوحة ( موت / شظايا / اللهب ) وهذه الحرية تجعله حرا ينفتح على جميع المواضيع ، مثلا إلى رقصة زوربا والى التمائم في تراتيل( يهوذا ) ويهوذا الاسقريوطي التلميذ الذي خان المسيح وسلمه إلى اليهود ، كما ورد في التهميش ، عن الانجيل ) السؤال الذي عرضه الدكتور حيدر محمد جمال جذبني اليه هل العنوان يسبق القصيدة عند الشاعر محمد طاهر أم يولد مع القصيدة ، الدكتور حيدر يرى ان العنوان يولد سبق القصيدة وانا أجد ان تقنية العنوان وشاعريته لها وهج روحي مستقل عن زمن القصيدة أي بمعنى ان القصيدة بعد انجازها تدليه على العنوان فيؤلف للقصيدة عنوان له خصوصيته بما تمتلك من توهج فهو لايمتلك اطلاقا عنوانا صريحا الا في الاهداء وفي ذكر اسم الرمز الذي يعني عنده إرشاد المتلقي الى كينونة الرمز ومتعلقات مضمونه ، أسماء الرمز شهرزاد في عنوان (تراتيل على قبر شهرزاد ) ص13 ورمز السندباد في عنوانه ( السندباد في رحلته الاخيرة) ص33 والرمز المعاصر والد الشاعر في عنوانه (أبي حقل لم يفقه حزنه المطر ) ص123
ووالدته في عنوان ( دمعة في الصلاة أمي ) ) ص125 والرمز المعاصر ( فرخندة ) في عنوان ( فرخندة الطائر المذبوح) ص145 وفرخنده ملكزادة فتاة افغانية مسلمة متدينة قتلت ببشاعة قرب مسجد وضريح دوشا مشيرا في كابول عام 2015م بتهمة باطلة وكانت تحمل معها بعض الملابس من أجل الفقراء ، ووجدت مفارقة بالعناوين ، رغم ارتباط الشاعر بكربلاء مدينته التي يعتز بها اعتزازا كبيرا ويعاملها هوية وانتماء روحي ولها طقوس في ذاته الا أنه لم يذكر المكان اطلاقا في عناوينه ذكر في تقدمة لقصيدة ( وحدها ) الى المدينة التي لايشل حركتها الظلام ... إلى مدينتي كربلاء ،رغم وجودها بقوة في قصائده وهناك تماثل غير معلن لكنه يعني ذكر المكان ( الصحراء/ الحقل ) واعتقد ان السبب هو ان كربلاء لديه اسمى من عناوين الامكنة وتتسامى على المكان، والمكانية والموقع والموضع في خارطة الأرض وجغرافية المكان ، ومن خلال بحثي في عناوين المجموعة وجدتها لدى الشاعر الصفار تمتلك خصوصية التعامل مع حروف الجر ليدعم بها العنوان مثلا ( على ) جاءت في العديد من العناوين ( تراتيل على قبر شهرزاد ) ص13 وفي عنوان ( قنديل على خطى التأويل) ص17( انحناءة على مرفأ الكبرياء ص61 ( دم على لوح سومري ) ص68 ،( أفياء على حافة التيه ) ص98 ، واستخدام على للاستعلاء وللشمول ، ولإضافة الجمالية ، أما حرف الجر ( باء ) جاء في عنوان ( بالندى يرسم الصباح وجهها ) ص131( ليلة غارقة بالظمأ ) ص22
، وأما حرف الجر ( في ) جاء في العديد من العناوين مثل ( دمعة في تضاريس النجوى ) ص28 ( السندباد في رحلته الاخيرة ) ص33 ( زوبعة في غياهب القصيدة ) 55 ( جراح في ذاكرة الصهيل ) 112 ( حلم في متاهة المنفى ) ص129 ( طقوس في سبات الصحراء ) 116 دمعة في الصلاة أمي ) ص125 ( نقوش في مقبرة قديمة ) 145 ( شراع في حلم السماء ) 179 وورد حرف الجر ( من ) ( صوت من نداء ألطف ) ص28 ( حكاية من ذاكرة منسية ) 163 ( كأس من نشور الصمت ) ص183 ، ولم يظهر أي طرف مكان في العناوين ، ولكن ظهور حرف العطف ( مع ) في عنوان ( موعد مع الظمأ ) ص94 وهناك استعارات وتشابيه وحرف الكاف ( نجوى كليل عميق )134 أوجد تناغم بين المفردات منحت الاثارة والجذب للمتلقي ،
Aa