( تبارك علي الهلالي )
ذات مرة و أنا ماشياً أستوقف مسمعي إلى أنينٌ متقطع لصوتٍ هالك، كَلِيل.. من خلفِ ديجور خَرِب في أحد أزقةِ بغداد الفواحة ب شذا نبتات الياسمين المُتدلية من المنازل الأزلية ذات الجدران الممزوجة برائحة الوحل... أثارني الفضول لكي أعلم من الذي يصدر الأنين...جلستُ بالقربِ من الحُجرة المُظلمة إلى ركنٌ تليد حيثُ أرتطم رأسي في الجدار فتناثرت حُبيبات التُراب على وجهي فيها شذا من مغامرات كلكامش و انكيدو للبحث عن الخلود و البقاء و كأن ذكريات الأزقة هي الخلود الذي يبحثان عنه ب عطرِها و بساطة عظمتها
و ما أن مضى الوقت و أنا سارح بفتنة الازقة حتى رُفِعَ السِتار عن الديجور و خرج أشيبٌ هَرِم مُطأطئً هامتهُ نحو الأرض يمسُك في يدِهِ اليُمنى عُكازاً يستند عليهِ و في اليسرى يحمل صندوقاً صغير نُقِشَ عليهِ الرقم (١٧٠٠) !!!
نهضتُ من مكاني و تقدمتُ أليهِ بسؤال.. هل تُريد المُساعدة!!
رفَع رأسهُ إليِّ.. و نظر لي بنظرةٍ مُتعبه خلفها أعوامٌ من الأسى... بِعينين غائرتين من النَدبْ مُحاطتين بطياتٍ من التجاعيد و كأنها أرضٌ قاحله ... بقِيَ مُحدقٌ في عيناي بعمق للحظات حتى إنهمرت دموعهُ التي كانت نقيه كـ مطرِ نيسان و بـ ذهول راجيً كُل ما حدث لو كان كذبة إبريل!!
فقلتُ هل تحتاجُ شيئاً؟
فأجابني لا يوجد شيء أثمن مما لدي
... أدمُعي و صندوقي الذي يحتضنُ في قلبهِ خاتم زِفاف و حناء..
فسألتهُ بدهشة ماذا حدث لك!
أجابني ب لوعه و جوى...
هي حربٌ بدايتُها خفية بمشاجرة بين الملائكة الذين سجدوا لآدم و الشيطان الذي أخذتهُ الجَبرية و العزة حتى أقسم لأغوينهم...
فأخفى الغُرابُ ما بدأ بهِ قابيل في دجلةَ.... مُجتثً بـِ منقارهِ الزهرة عن ساقِها بِنعيقٍ أدمى حِسُ إلانسانية
نحروا الأزهار و دهسوها و أحرقوها !! كان الضحية هو النبات الذي ذبُل شيئاً فشيئاً حتى تلاشى إلى هذهِ الحالة التي أمامك الأب الذي فقد زهرته..
تنهد و قال...
سأذهب القطار ينتظرني لعل هذه المرة دجلةُ تُجيبُني و تُسكن حرقةُ الهوى و تُظهر البراءة لِنفسِها لماذا بقِيت صامتةً عندما جعلوها مقبرةً للزهور؟!! ف ذئابُ كنعانَ أجابت يعقوبُ أنها لم تُمزق قميص يوسف...