
مجتبى الساده
كل البشرية تنتظر خروج المخلّص والمنقذ آخر الزمان وتنتظر نشر القسط والعدل في كافة أرجاء المعمورة، وأن معنى الانتظار أمر يرتبط بعمق الفكر الإنساني وبالمبادئ والقيم العالية، ولكن المثير حقاً أن الانتظار يختلف من فرد لآخر ومن جماعة لأخرى، ويعتمد ذلك بناءً على القيم والأهداف والمصالح التي يقرها الأفراد والجماعات وينطلقون منها، وهكذا نجد من ينتظر وكله شوق ولهفة لرؤية الطلعة البهية، والأمل والحلم بالعيش في دولة العدل الإلهي، فيستعد ويهيئ الظروف المؤاتية لإنجاح مقتضيات الظهور وتحقيق شرائط اليوم الموعود، ويعمل ليُمهد الأرضية لمقدم المخلّص آخر الزمان، ومن جهة أخرى نجد من تتعارض مصالحه مع هذا الخروج فيضع العقبات ويصنع الحواجز لتأخير الظهور، ويعمل بجدية وحماس وبشكل خفي لتقويض عقيدة المخلّص ونسف أصل الفكرة.الحروب السرية أمر حقيقي وواقعي في عالمنا المعاصر، وهي عبارة عن تراكم مجموعة من الأفعال والإجراءات الخفية التي يجرى تطبيقها بشكل مستقل أو مترابط على مراحل زمنية متعاقبة وفي مواجهة قضية محددة (كالقضية المهدوية مثلاً)، رغم أن بعض الأشخاص ربما لا يشعر بها، وفي الأساس هي مواجهة أيديولوجية وثقافية وسياسية، وفي بعض الأحيان عسكرية غير مباشرة، وفي هذه المواجهة لا يعلن فيه النزاع والصراع على الطرف المقابل بشكل رسمي، إنما يتم ذلك خلف الكواليس وفي الخفاء، وهي تركز بأساليبها على الاستمالة والتزييف والإغواء والجذب ومن دون أن تظهر أهدافها للعيان، علماً بأن أساليب ووسائل الصراع الخفي تتطور مع مرور الأيام حسب المراحل التاريخية المعاصرة والمناخات الثقافية الراهنة، والحرب التي نحن بصددها تتمحور حول الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) مُخلّص آخر الزمان، وبالخصوص الأطروحة الإمامية (الاثني عشرية)، والوجه الآخر (الأعداء) عبارة عن النظام السياسي، الذي انهمك في صياغة وتصميم هذه الحرب بناءً على مصالحه، والذي يرى أن المهدوية تتعارض مع الأهداف والغايات الكبرى لديه.
الانطلاقة الأخيرة للحرب الخفية:
منذ انطلاقة الإسلام والأعداء يقودون حرباً لتشويه العقائد الإسلامية، ومنها بالخصوص العقيدة المهدوية، وقد مارس الأعداء الحرب ضد المهدوية منذ تاريخ طويل حتى قبل أن يولد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عام ٢٥٥هـ، فمارست الدولة الأموية تشويهاً فكرياً وثقافياً ضد المهدوية، وشنَّت السلطات العباسية حملة شعواء فكرية وأمنية ضد الإمام المهدي وآبائه (عليهم السلام)، واستمر هذا العداء متواصلاً مع مرور الزمن ولازال ثابتاً حتى يومنا هذا، وهذه المعاداة تأخذ أشكالاٌ مختلفة وبسياسات ومنهجيات متنوعة حسب ظروف المحطات التاريخية المتعاقبة، وهو حلقة من صراع دؤوب بين الخير والشر وبين الحق والباطل.
في المحطة الزمنية الأخيرة وعلى ضوء التحولات والتقلبات السياسية الكبرى في العالم الإسلامي بعد عام ١٩٧٩م، وقع الغرب تحت تأثير عقائد ونبوءات آخر الزمان، وترسخ أكثر بعد أحداث ٢٠٠١م ومخاضات ٢٠٠٣م، فقد شاع في أمريكا بين المسيحيين والإنجيليين الجدد الاعتقاد بنبوءات توراتية، مما خلق مناخاً وظروفاً مؤاتية لظهور شكل جديد من هجوم الغرب على المهدوية - وإن كانت هناك سوابق تاريخية ولكنها أقل شراسة - وهكذا كثف الأعداء صراعهم السري ضد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهم يسعون إلى تقويض العقيدة المهدوية المنغرسة في وعي الأمة الإسلامية، وهناك شواهد وإثباتات عديدة ومؤكدة تدل على أن الحرب الأخيرة (السرية) التي يشنها الغرب والاستراتيجيات والتكتيكات المستخدمة فيها أكثر شراسة وأقوى حدّية من المواجهات التي قبلها.
لقد غزت أمريكا وبريطانيا وبعض دول التحالف العراق عام ٢٠٠٣م(١)، ولم يكتفوا بذلك بل حرصوا على تعميق الصراع المذهبي وإثارة الفتنة الطائفية بقوة، والذي خَلّفَ ولا يزال العديد من حركات وتيارات ذات طابع ديني ولكل منها أهداف خاصة، وفي خضم هذه الأحداث ظهرت عدة جماعات تدّعي المهدوية أو السفارة زوراً أو تزعم أن لها ارتباطاً بشكل من الأشكال بالمهدوية، وهذه الحركات وعلى كثرتها في العراق في الآونة المعاصرة، عبارة عن مؤامرة ضد العقيدة المهدوية وهدفها الرئيس مناهضة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م، وأحداث غزو العراق ٢٠٠٣م تعتبر تحولاً مفصلياً في الحرب الخفية ضد المهدوية، تغيرت معها الأساليب والاستراتيجيات وتغول الأعداء على الإمام (عجَّل الله فرجه) تغولاً مضاعفاً عما كانوا عليه منذ عقود، وصاروا يتحركون علناً، ووصل صلفهم وعدوانهم إلى تفجير قبة الإمامين العسكريين (عليهما السلام) عام ٢٠٠٦م(٢) وهدفهم من وراء ذلك عدة أمور منها:
- تعميق الفتنة الطائفية بين المسلمين كافة والعراقيين خاصة.
- محاربة فكر وعقيدة صاحب المقام الحالي بقية الله (عجَّل الله فرجه).
- الحصول على البصمة الوراثية (DNA) للإمام المنتظر (عجَّل الله فرجه).
ومن المؤكد أن كل الإجراءات السرية في الحقبة الأخيرة والموجهة ضد المهدوية بطريقة غير مباشرة كانت مدبرة ومخططاً لها بإحكام، وتديرها أيدٍ خفية تتولى رسم السياسات وإشعال المؤامرات من وراء الكواليس وتوجه أذنابهم للتحرك هنا وهناك، فهذه الكيانات الغامضة التي يتحدث عنها الناس في الكتب والبرامج الثقافية باعتبارها شيئاً سرّياً شديد الغموض ظهرت على حقيقتها في العراق، وظهر لها أدوات وأساليب خبيثة وعجيبة، عملياً لا نراها ولكننا نرى آثارها وأفعالها وكأنها شبح مخيف أوتي قدرات خارقة، ويتضح لنا الأمر بجلاء عندما نقرأ كتاب (بروتوكولات حكماء صهيون)(٣) أو الكتاب الشهير (أحجار على رقعة الشطرنج)(٤)، ويبقى السؤال قائماً: من يقف خلف هذا العداء للإمام (عجَّل الله فرجه)، ويدير الحرب السرية ضده، ويدعم ويساند جماعات ادعاء المهدوية؟ وما الأهداف الاستراتيجية والمسوغات الفكرية والأسباب الحقيقية وراء هذا الصراع؟
يتبع
تعليق