الايمان بعصمة الأئمة (عليهم السلام) يجعلنا نقف أمام فسحة فكرية تستمد مواقفها من المواقف الرسالية المرتبطة بركائز الدين الاسلامي الالهي، وفي خطبة الجمعة (7 نيسان 2006م) من العتبة الحسينية المقدسة لسماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي(دام عزه) الذي احتفى بشخصية الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وحصيلة المواقف الفكرية التي عاشها، فهناك سمات مشتركة لجميع المعصومين، وهناك أيضاً سمة خاصة لا بد أن نتأمل متمعنين بهذه السمة لغرض استخلاص المضمون الفكري.
كان جميع حكام السلطة العباسية المنحرفة يخشون زوال ملكهم، ولديهم معلومات عن ظهور الامام المهدي (عج) وقد أرعبهم هذا الظهور وهم يستقون اخبار ظهور الحجة، باعتبار ما لديهم من معلومات تشير الى أن الامام الثاني عشر من ذرية الامام العسكري(عليه السلام)، وللمهدي (عج) هيبة في نفوس أعدائه، وللسمات المهدوية إمكان هذا الظهور جعلهم لا يخشون بل يؤمنون بما سيتعرض له سلطانهم.
المشكلة أن طغاة ذلك الزمان لم يكن لديهم المعرفة التامة بأمور الغيبة والمدة المتمادية، وهذا اللا وضوح جعل الخوف يتضاعف، القضية ليست قضية خلاف رؤية، وانما الأمل النهضوي الذي يعتمد على نهوض الدين الاسلامي واستمرارية فضاءات الخلود.
الفكرة التي تثري المفهوم الديني كفكر يوسع دائرة الأفق، ويعني أن الخصوصية حملت اضافة الى طيش السلطة وحقدها على الأئمة وتصفية شاملة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، يأتي التربص بالإمام العسكري العيون والجواسيس، فمهمة الإمام تحمل ما يثيرها اليه من مشاق تصل حدّ محاولات الاغتيالات المتكررة، وتحدي الرقابة سعياً لصيانة المولود المبارك.
لا نريد لهذا السرد أن يكون خبرياً يروي قصة الامام، بل نعمل على تأمل الفكرة التي سعى الى بثها الشيخ عبد المهدي الكربلائي في خطبته وتحليلها، حين منعت السلطة خواص الشيعة من الاتصال بالإمام، فهذا المنع لو تابعناه كقضية محورية ركز عليها الامام (عليه السلام) ونحن نستذكر سمات كل إمام معصوم من أجل أن نستوعب المعالم الفكرية العامة التي تنير لنا سبل المعروف.
كان الامام يعتبر هذا المنع بمثابة تمرين يهيئ الامة الاسلامية للانتقال من سطوة حضور المعصوم الربانية الى مرحلة غيبة المعصوم تهيئة التفاعل الشعبي مع الغيبة تعاملاً صحيحاً يحفظ العقيدة في نفوس أبناء الأمة، بمعنى أن الإمام خشِيَ على الأمة أن تدخل مرحلة الغيبة الفجائية وتنتج هذه الفجأة الصدمة النفسية والإيمانية، اللتين قد تؤديان الى ضياع الأمة وشعورها بالحرمان.
ولهذا كان الإمام العسكري (عليه السلام) يكيف حالة المنع الى تهيئة الامة على مستوى التقبل الفكري والذهني لمرحلة الغيبة، إذ جعل الإمام العسكري من المنع والحصار إمكان توسيع التهيئة الذهنية والعمل على الاعداد النفسي والروحي، والتأمل الفكري في هذا المحور يقودنا إلى أن وجود الامام خلال مدة طويلة من الزمان يخفف من المصائب والنكبات، وإذا فجأة يغيب الامام وهو الذي كان وجوده يشكل الحصن المنيع والملاذ الآمن من الشبهات والأفكار الضالة والمنحرفة، فكيف بالإمام اذا يغيب في هذه المرحلة الروحية، أكيد ستفقد الأمة اتصالها المباشر مع الامام، هنا قرر أن يحتجب عن الجمهور؛ لكي يستثمر هذا المنع لتعويد الشيعة على الغيبة، فكان يأمر شيعته بالرجوع الى وكلائه من الفقهاء وهو موجود، فالتأمل في مهمة الامام العسكري يجعلنا نجدها مهمة فكرية تريد أن تخلق التطبع للاتصال غير المباشر (ويعني الروحي)، ليس مع الامام المهدي (عج) فقط، وانما مع الأئمة المعصومين الذين سبقوه فاليوم نتعامل مع الحضور الحسيني بهيبة، ونحن نعلم بسيرته التضحوية لكنه حاضر في وجدان الخطاب الموالي بفضل هذه العصمة تعود الشيعة على اقامة الاتصال غير المباشر مع الامام إثر التهيئة النفسية والروحية التي اعتمدت هذا المنهج؛ ليكون حاضراً بعد غيبة الامام (عليه السلام)، نسأل الله تعالى أن نكون قد وفقنا لعرض الخطبة، ونحن انشغلنا في قلب الفكرة، وتجاوزنا الكثير من الأمور المهمة، والله الموفق.