المرجعية الدينية فوق الشبهات
تشكل المرجعية الدينية بما من الله عليها من أصالة قانونية، وقوة علمية، وحكمة عملية؛ موقعية خاصة في وجدان الشيعة، ولها تأثير قوي في نظم أمرهم، وقوة مذهبهم، وبقائه متألقاً في جميع جوانبه الفكرية والسلوكية إلى يوم الناس هذا.
ومن الطبيعي أن تشكل المرجعية ـ وهي تتموضع في موقعها المؤثر جدّاً والفعال ـ عقبة في وجوه أعداء المذهب، والدين الذي يبحثون عن مكاسبهم في ضعف عقيدة الشيعة، وتشرذمهم، وابتعادهم عن العلماء الذين يشكلون حصون المذهب، والدين، ويقفون بالمرصاد عند الثغور، وهذا ما جعل المشككين يعملون جاهدين لضرب الأساس القانوني للمرجعية، و إسقاط مكانة الحوزة وعلمائها في نفوس الشيعة، ليسهل عليهم الانقضاض على الغنيمة المرجوة بعد خروجها عن سور مدينة الإيمان، وقد أثاروا عدة شبهات ترتبط بالمرجعية ومسائل التقليد، والولاية، والقضاء، وقد تأثر بعض الذين لا دراية لهم، ولا خبرة ولا تخصص في مجال البحوث الدينية، وصار يكرر شبهاتهم، و يرددها مستعرضاً جملة من الروايات التي لا يعرف كيف يقيمها من ناحية سندها وصحة نسخها، ومن ناحية تحديد مدلولها بمعرفة سياقها التاريخي، و قرائن بيان المراد اللفظية واللبية، ونحن اليوم نشاهد جملة من المقالات المكررة في وسائل التواصل كالفيسبوك و تطبيق واتس آب، يحاول نشرها في أوساط الشيعة جماعة متأثرة بالشبهات و التشكيكات، و يراد بها زلزلة موقع المراجع العظام و مكانتهم في وجدان الأمة المؤمنة، وهنا سوف نستعرض بعض الشبهات مع المناقشة .
هل ينحصر دليل جواز التقليد بالدليل العقلي؟
الشبهة الأولى: ذكر بعض المشككين أن دليل جواز التقليد ينحصر بالاستدلال العقلي وهو التمسك بسيرة العقلاء، مع أن مسألة التقليد مسألة شرعية لا عقلية.
الجواب: نكتفي بذكر ملاحظتين:
الملاحظة الأولى: هي أن الفقهاء استدلوا على جواز التقليد بعدة أدلة وقع الخلاف بينهم في تمامية بعضها، ولم يقل أحد ببطلان الجمع إلا ما نسب إلى بعض علماء المدرسة الحلبية، ولا يؤثر خلافهم ـ لو صحت النسبة إليهم ـ إذا المدار مدار الدليل، ولوضوح دليل جواز الإفتاء و التقليد قال الشيخ الأنصاري (رحمه الله) : ( جواز تقليد العامي في الجملة معلوم بالضرورة للعامي وغيره) مصارح الأنظار ص 257، فالدليل تام كما سنبين:
الدليل الأول: الآيات القرآنية كآية النفر، والسؤال، وفي تمامية الاستدلال بالآيات كلام طويل، غير أن من يستدل بها لا يستدل بدليل عقلي.
الدليل الثاني: الروايات، وهي روايات متواترة على طوائف، وقع الكلام في تمامية دلالة بعضها، كما اختلف في أنها دليل مستقل ـ أو إرشاد إلى دليل السيرة الذي سوف يأتي التعرض له، وهنا نكتفي بذكر بعض هذه الطوائف، ونكتفي بذكر بعض الروايات في كل طائفة.
الطائفة الأولى: الروايات الناهية عن العمل بالقياس والرأي، منها ما روي عن أبي عبد الله(عليه السلام)أنه قال : إن السنة لا تقاس ألا ترى أن المرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها، يا أبان إن السنة إذا قيست محق الدين.
ومنها: رواية مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) أن علياً (عليه السلام) قال: من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس.
ومنها: رواية شعيب بن أنس، عن بعض أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - إن أبا عبد الله (عليه السلام) قال لأبي حنيفة: أنت فقيه العراق؟ قال : نعم، قال : فبم تفتيهم ؟ قال : بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله )، قال : يا أبا حنيفة ! تعرف كتاب الله حق معرفته ؟ وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال : نعم، قال : يا أبا حنيفة ! لقد ادعيت علما ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله )، وما ورثك الله من كتابه حرفاً - وذكر الاحتجاج عليه إلى أن قال : - يا أبا حنيفة ! إذا ورد عليك يء ليس في كتاب الله ولم تأت به الآثار والسنة كيف تصنع ؟ فقال : أصلحك الله أقيس وأعمل فيه برأيي، فقال : يا أبا حنيفة ! إن أول من قاس إبليس الملعون، قاس على ربنا تبارك وتعالى فقال : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) قال : فسكت أبو حنيفة فقال : يا أبا حنيفة ! أيما أرجس ؟ البول ؟ أو الجنابة ؟ فقال : البول : فقال : فما بال الناس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول ؟ فسكت فقال : يا أبا حنيفة أيما أفضل ؟ الصلاة ؟ أم الصوم ؟ قال : الصلاة، قال : فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ؟ فسكت .
وهذه الرواية تدل على جواز التقليد ـ كما ذكر بعض أساتذتنا المحققين ـ من جهتين :
الجهة الأولى: أن الإمام (عليه السلام) قال : (فبما تفتهم) ولم يقل: (لماذا تفتهم).
الجهة الثانية: أنه لما أجابه أنه يفتهم بكتاب الله والسنة لم ينكر عليه ذلك، بل أنكر عليه فهمه للكتاب والسنة.
والنهي عن خصوص الاستنباط المستند إلى الرأي والفهم الخاطئ يدل على إقرار المستند إلى الكتاب والسنة، إذا كان وفق الضوابط المقررة عند الشرع؛ إذ لو كان النهي في الشرعية عن الاستنباط بما هو استنباط لما كان هنالك معنى للتخصيص، و إقرار المستند إلى الكتاب والسنة يدل على جواز العمل به عرفاً .
الطائفة الثانية: الأخبار الواردة في الإفتاء، والتي تدل على مشروعية التقليد إلتزاماً. وهي الأخبار الناهية عن الإفتاء بغير علم.
منها: صحيحة أبي عبيدة قال قال أبي جعفر (عليه السلام) من افتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه.
فإنها وإن كانت بمدلولها المطابقي محرمة للإفتاء بغير علم ولا هدى من الله إلا أنها بمدلولها الالتزامي تجوز الفتيا عن علم وهدى، إذ لو كان الإفتاء محرم مطلقاً لحرم على نحو الإطلاق.
ومنها: رواية عبيدة السلماني قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: يا أيها الناس اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قال قولا آل منه إلى غيره وقد قال قولا من وضعه غير موضعه كذب عليه، فقام عبيدة وعلقمة والأسود وأناس منهم فقالوا : يا أمير المؤمنين فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف ؟ قال : يسئل عن ذلك علماء آل محمد (عليهم السلام).
وهي تدل على جواز الإفتاء بعلم وفي بعضها دلالة على الجواز بعد معرفة الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه وغير ذلك من مقدمات تحصيل العلم.
الطائفة الثالثة: وهي الأخبار التي تدل على مشروعية التقليد بالمطابقة.
منها: ما في رجال النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب: (وقال له أبو جعفر عليه السلام: اجلس في مسجد المدينة، وأفت الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك) .
وهي تدل على عدم خصوصية أبان بل المدار على مؤهلاته ( مثلك ).
ومنها: ما رواه معاذ بن مسلم النحوي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال : ( بلغني أنك تقعد في الجامع، فتفتي الناس ؟ قلت : نعم، وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج، إني أقعد في المسجد، فيجئ الرجل فيسألني عن الشئ، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون، و يجي الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم، فأخبره بما جاء عنكم، ويجيئني الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو، فأقول : جاء عن فلان كذا، وجاء عن فلان كذا، فأدخل قولكم فيما بين ذلك. فقال عليه السلام لي : اصنع كذا، فإني كذا أصنع ) .
قال السيد الخوئي (رحمه الله) على ما في التنقيح: ج 1 ص 93 : (الأخبار المشتملة على الأمر الصريح بإفتاء بعض أصحابهم (عليهم السلام) كقوله لأبان بن تغلب : اجلس في ( مسجد ) المجلس المدينة وافت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك وقوله لمعاذ بن مسلم النحوي : بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس قلت : نعم وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج : إني أقعد في المسجد فيجيئ الرجل فيسألني عن الشيءفإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون، ويجئ الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم فأخبره بما جاء عنكم، ويجيئ الرجال لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول جاء عن فلان كذا، وجاء عن فلان كذا فأدخل قولكم فيما بين ذلك فقال لي : اصنع كذا فإني كذا أصنع . وهذه الطائفة لا إشكال في دلالتها على جواز الافتاء في الأحكام، كما أنها تدلنا على جواز التقليد والرجوع إلى مثل أبان أو معاذ، إذ لو لم يجز تقليده بأن لم يكن فتوائه حجة على السائل لم يكن فائدة في أمرهم (عليهم السلام) بافتائه لأنه حينئذ لغو ومما لا أثر له ) .
الطائفة الرابعة: الأخبار التي تضمنت الإرجاء إلى أشخاص معينين.
منها: رواية المفضل بن شاذان، عن عبد العزيز بن المهتدي - وكان خير قمي رأيته، وكان وكيل الرضا ( عليه السلام ) وخاصته - قال : سألت الرضا ( عليه السلام ) فقلت : إني لا ألقاك في كل وقت، فعمن آخذ معالم ديني ؟ فقال : خذ عن يونس بن عبد الرحمن .
وهي تدل على ان السائل عالم بالحكم وهو الرجوع الى الخبراء، وإنما يريد تحديد مصداق الخبير المقبول عند الامام (عليه السلام) .
وثانيتها: رواية محمد بن عيسى، عن عبد العزيز بن المهتدي قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : إن شقتي بعيدة فلست أصل إليك في كل وقت، فآخذ معالم ديني عن يونس مولى آل يقطين ؟ قال : نعم .
ودلالتها على وضوح الحكم في ذهن السائل كما تقدم .
وثالثتها: رواية عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعا، عن الرضا ( عليه السلام ) قال : قلت : لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة، آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني ؟ فقال : نعم .
وهي تدل على أن حجية قول الخبير الثقة من الأمور الواضحة عند الشيعة، والسائل يسأل عن مصداق لتلك الكبرى.
ورابعها : رواية أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته وقلت : من أعامل ؟ ( وعمن ) آخذ ؟ وقول من أقبل ؟ فقال : العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون، قال : وسألت أبا محمد ( عليه السلام ) عن مثل ذلك فقال : العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان. الحديث
وفي دلالتها على حجية فتوى الفقيه أو حجية خبر الثقة كلام.
وخامسها: رواية سليم بن أبي حية، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فلما أردت أن أفارقه ودعته، وقلت : أحب أن تزودني، فقال : إئت أبان بن تغلب فإنه قد سمع مني حديثا كثيرا، فما روى لك فاروه عني .
ولا يخفى أن دلالتها على حجية الفتوى واضحة لا تقبل التشكيك؛ إذ هي تدل على أن ملاك الإرجاع إليه كونه سمع عنهم ولا خصوصية له، ولهذا علل الإرجاع في جملة من الروايات بعنوان الثقة والمأمون، و عمم الحكم لكل مماثل (مثلك) .
الطائفة الخامسة: الأخبار التي تضمنت الإرجاع إلى من ينطبق عليه وصف عام ،كالفقيه المخالف للهوى والحافظ للدين أو الراوي لأحاديث .
منها: رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام) و رواه الطبرسي في الاحتجاج وفيه ( فللعوام أن يقلدوه ).
ومنها: التوقيع الشريف، وقد روي في كمال الدين وتمام النعمة للصدوق (رحمه الله) عن محمد بن محمد عن عاصم عن محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب، وروي أيضاً في الغنية رواه الشيخ الطوسي( رحمه الله) بطريقه عن الكليني عن إسحاق بن يعقوب، ورواه الكشي أيضاً وفيها (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله).
الدليل الثالث: سيرة المتشرعة من زمن الظهور وإلى يوم الناس هذا القائمة على الرجوع إلى الفقهاء، وهذا يكشف عن موقف الشارع وأنه مؤيد بحساب الاحتمال الرياضي.
الدليل الرابع : السيرة العقلائية. قال بعض أساتذتنا المحققين في تقريب الاستدلال بها : (إنّ طريقة العقلاء كافة قد جرت على الرجوع في كل صنعة إلى أهلها وفي كل فنٍ إلى عارفيه، وفي كل تخصص إلى خبرائه، ومنشأ طريقتهم هذه أنّ الفرد من الناس لا يمكنه أن يحيط بعلم كل ما يحتاج إليه وأن يطلع بتفاصيل ما يلزمه في معاشه ومعاده، وكثير مما يلزمه يشتمل على دقائق تحتاج إلى تعمق وإلى تدبر واطلاع على ما وصل إليه المتدبرون في ذلك الفرد، والحكمة تقتضي توزيع المهام وتقسيم الجهد بحيث ينصرف إلى كل فن فئة من الناس، يطلعون على تفاصيله ويعرفون دقائقه فيرجع إليهم غيرهم في ذلك الفرد، من غير فرق بين الحرف كالنجارة والحدادة والعلوم كالطب والهندسة، ومما لا شك فيه أنّ أحكام الشريعة لو لم تكن أكثر دقة من تلك الحرف والفنون فهي ليست أقل منها دقة فلا يستطيع جميع المسلمين الإحاطة بها ومعرفتها عن أدلتها التفصيلية، فالحكمة التي تقتضي الرجوع إلى العالم فيها موجودة وهذا يبعث العقلاء على التقليد في الشرعيات والشارع عالم بذلك فلو لم يكن التقليد مرضي عنده لنبههم وبيّن لهم ذلك حتى لا يسلكوا في أخذ أحكامه طريقاً غير مرضي عنده، ولو نبه لوصل إلينا تنبيهه، فإنّ مما يوجد المقتضي لبلوغه لنا ولا يوجد المانع من ذلك).
وفي الحقيقة لا يوجد طريق آخر لعامة الناس غير الرجوع إلى أهل الخبرة في علوم الدين، ولو كلف كل شخص أن يكون خبيراً في الروايات ورواتها ونسخ كتبها، وفي مقدمات الاستنباط من اللغة والأصول، ومعرفة تاريخ التشريع والمرتكزات العقلائية؛ لما قام للمسلمين سوق، ولتعطلت سائر الحرف والفنون، وإن من المعلوم بضرورة المذهب أن الله تعالى لم يلزم كل فرد أن يكون متخصصاً في معارف الدين، وهذا ما جعل العقلاء في كل فن يرجعون إلى أهله.
الدليل الخامس: دليل العقل أو ما يسمى بدليل الانسداد. وهو بحسب تقرير السيد الخوئي (رحمه الله) يتكون من ثلاث مقدمات:
الأولى: أن العامي يعلم بثبوت أحكام إلزامية في حقه، وهي واضحة لا تحتاج إلى استدلال، فكلنا يعلم بوجوب الصلاة والحج والصوم، وأن لهذه الواجبات كيفية وشروط و موانع .
الثانية: أن العامي يعلم بوجوب الخروج عن عهدة هذه الأحكام.
الثالثة: أنّ طريق الخروج عن هذه الأحكام لا يخلو عن أربعة :
الطريق الأول : الاجتهاد. وهو غير مقدور لغالب المكلفين ولو كان مقدوراً، فيعلم العامي أنه ليس بواجب، ولعل عدم وجوبه من الضروريات.
الطريق الثاني : الاحتياط. وهو ـ أيضاً ـ غير مقدور، وعلى تقدير القدرة عليه فليس بواجب للعلم بعدم ابتناء الشريعة على العسر والحرج .
الطريق الثالث: أن يعمل العامي بظنه في أي مسألة. وهذا باطل لأن العامي لا يحتمل أن يكون مطلق الظن طريقاً للخروج عن عهدة التكاليف لوجهين:
الأول: أنّ الظن إنما ينشأ من النظر في أدلة الأحكام والعامي لا ينظر في أدلة الأحكام فلا يحصل عنده ظن.
الثاني: أنه على تقدير حصول ظن عنده، فليس ظنه أقرب إلى إصابة الواقع من وهمه، لأنّ الظن الذي لا يستند إلى النظر في الأدلة ليس بأقرب من الوهم ، فكيف يجعله الشارع حجة في حقه دون الوهم؟!
الطريق الرابع: التقليد. وهذا الطريق يتعين بعد إثبات بطلان الطرق الثلاثة السابقة. وبعد تمام هذا الدليل يستكشف العقل أنّ الشارع قد نصب طريقاً للخروج عن عهدة التكاليف، وليس هذا الطريق إلا التقليد.
الملاحظة الثانية: هي الخلط بين دليل العقل والسيرة العقلانية، فقد اعتبر المشكل السيرة العقلائية دليلاً عقليّاً، و لعل السبب وجود مادة (ع ق ل) في الدليلين.
مع أن الاستدلال بالسيرة ليست استدلالاً بدليل العقل، وإنما هو استدلال بسكوت المعصوم (عليه السلام) وعدم ردعه على أنه يمضي السيرة ويقرها، وهذا استدلال بسكوت المعصوم (عليه السلام) على حكم الشارع فأين هو من دليل العقل؟!
فهذه أدلة التقليد وكلها مهمة وذات قيمة علمية لا ينبغي تجاهلها في عملية الاستدلال. نعم، يختلف العلماء في تمامية دليل هنا أو دليل هناك وهذا الاختلاف بسبب انفتاح باب الاجتهاد وحيوية الفقه الشيعي لا يقلل من أهمية الدليل عند من يعتمد عليه.
يتبع
تعليق