اللهم صل على محمد وآل محمد
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }. [سورة التحريم، الآية 6]
قوله تعالى:
{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة } الخ،
{ قوا } أمر من الوقاية بمعنى حفظ الشئ مما يؤذيه ويضره، والوقود بفتح الواو اسم لما توقد به النار من حطب ونحوه.
- والمراد بالنار نار جهنم وكون الناس المعذبين فيها وقودا لها معناه اشتعال الناس فيها بأنفسهم كما في قوله تعالى:
{ ثم في النار يسجرون } المؤمن: 72.
فيناسب تجسم الأعمال كما هو ظاهر الآية التالية
{ يا أيها الذين كفروا } الخ،
- وفسرت الحجارة بالأصنام.
وقوله:
{ عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون }
▫أي وكل عليها لاجراء أنواع العذاب على أهلها ملائكة غلاظ شداد.
- والغلاظ جمع غليظ ضد الرقيق والأنسب للمقام كون المراد بالغلظة خشونة العمل كما في قوله الآتي:
{ جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم }الآية 9 من السورة،
- والشداد جمع شديد بمعنى القوي في عزمه وفعله.
وقوله:
{ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون }
- كالمفسر لقوله: {غلاظ شداد }
- أي هم ملتزمون بما أمرهم الله من أنواع العذاب لا يعصونه بالمخالفة والرد ويفعلون ما يؤمرون به على ما أمروا به من غير أن يفوت منهم فائت أو ينقص منه شئ لضعف فيهم أو فتور فهم غلاظ شداد.
▫وبهذا يظهر أن قوله:
{ لا يعصون الله ما أمرهم }
- ناظر إلى التزامهم بالتكليف،
وقوله: { ويفعلون } الخ،
▫ناظر إلى العمل على طبقة فلا تكرار كما قيل.
قال في التفسير الكبير في ذيل الآية: وفيه إشارة إلى أن الملائكة مكلفون في الآخرة بما أمرهم الله تعالى به وبما ينهاهم عنه، والعصيان منهم مخالفة للامر والنهي.
▫وفيه أن الآية وغيرها مما تصف الملائكة بمحض الطاعة من غير معصية مطلقة تشمل الدنيا والآخرة فلا وجه لتخصيص تكليفهم بالآخرة.
- ثم إن تكليفهم غير سنخ التكليف المعهود في المجتمع الانساني بمعنى تعليق المكلف - بالكسر - إرادته بفعل المكلف - بالفتح - تعليقا اعتباريا يستتبع الثواب والعقاب في ظرف الاختيار وإمكان الطاعة والمعصية بل هم خلق من خلق الله لهم ذوات طاهرة نورية لا يريدون إلا ما أراد الله ولا يفعلون إلا ما يؤمرون،
قال تعالى:
{ بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون }الأنبياء: 27،
▫ ولذلك لا جزاء لهم على أعمالهم من ثواب أو عقاب فهم مكلفون بتكليف تكويني غير تشريعي مختلف باختلاف درجاتهم،
قال تعالى:
{ وما منا إلا له مقام معلوم }الصافات: 164،
وقال عنهم:
{وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا }مريم: 64.
والآية الكريمة بعد الآيات السابقة كالتعميم بعد التخصيص فإنه تعالى لما أدب نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببيان ما لايذائهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأثر السئ عمم الخطاب
- فخاطب المؤمنين عامة أن يؤدبوا أنفسهم وأهليهم ويقوهم من النار التي وقودها نفس الداخلين فيها أي أن أعمالهم السيئة تلزمهم وتعود نارا تعذبهم ولا مخلص لهم منها ولا مناص عنها.
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 19 - الصفحة 334
تعليق