بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته.
فشهر رمضان يعني شهر الله ، وإنّما سمّي شهر الله وإن كان كل شيء لله ، لما فيه من خصائص لله ، واختصّت بالإضافة التشريفية ، كبيت الله بالنسبة إلى المكان ، وشهر الله بالنسبة إلى الزمان .
ومن أتمّ الخصائص وأبرزها ، ما نجد من جهة اشتراك بين الكعبة المشرّفة وبين شهر رمضان ، فالقدر المشترك بينهما هو نزول الوحي والقرآن الكريم ، فشهر رمضان زمان نزول الوحي ، والكعبة المشرّفة مكان النزول ، ثمّ زادت الكعبة شرفاً ، فتشرّفت مكّة وأطرافها ، وصارت حرم الله ، وكلّ من أراد الدخول إلى هذا الحرم المبارك ، في أي زمان ، حتّى ولو كان للقاء صديق داخل الحرم ، فلا بدّ له من أن يلبس ثوبي الإحرام ، ويحرّم على نفسه محرمات الحج من الملاذ والشهوات كالنساء والعطر ، ويأتي بالمناسك ، ثمّ بعد خروجه من الإحرام حينئذ يقصد صديقه ، فعظمة الوحي أثّر في شرافة محدودة الحرم . وكذلك شهر رمضان فقد نزل القرآن بتمامه في ليلة القدر ( إنَّا أنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ ) ولكن سرت الشرافة والقداسة والعظمة إلى كلّ أيام وليالي الشهر ، بل تشرف ذلك العصر الذي نزل فيه القرآن ، فأقسم سبحانه بذلك العصر ، في سورة العصر ، كما أقسم بالمكان الذي نزل فيه الوحي ، في قوله ( لا اُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ وَأنْتَ حِلٌّ بِهَذَا البَلَدِ ... ) فالحرم تشرّف بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، والعصر تشرّف بالوحي . وعصر الولاية والإمامة كعصر النبوّة ، فقسماً بعصر صاحب الزمان خاتم الأوصياء وقسماً بعصر النبيّ المصطفى خاتم الأنبياء (عليهم السلام) إنّ الإنسان لفي خسر ، إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فشعاع الوحي من الله سبحانه ، قد نوّر منطقةً وسيعةً في المكان والزمان .
ثمّ شرف شهر رمضان ، إنّما هو لاستقباله القرآن الكريم كما في الأخبار الشريفة ، والفضائل الواردة كشهر رمضان ، كما في خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) ، وإنّما هي باعتبار الموصوف ، فالرحمة والبركة والغفران للقرآن الكريم بالأصالة وأوّلا وبالذات ، وللمتزّمن أي شهر رمضان ثانياً وبالعرض .
وفي الخبر : شهر رمضان غرّة الشهور ، والغرّة بمعنى البياض في الجبين ، أو الأوّل ، فرمضان بياض ناصع في جبين الشهور ، وهو رأس الشهور ، وقلب شهر رمضان هو ليلة القدر ، كما ورد في الخبر الشريف .
ونحن الإماميّة نعتقد أنّ نزول القرآن في بدايته وحتّى يوم رحلة النبيّ (صلى الله عليه وآله)كان على نحو التدريجي ، فبدايته في شهر رجب ، يوم المبعث ، وقد نزل القرآن بنحو الدفعي الكلّي أيضاً مرّة اُخرى في ليلة القدر ، يفرّق فيها كلّ أمر حكيم ، ومقدّمات هذا النزول الدفعي المبارك ، كان من أوّل شهر رمضان ، فاستقبل القرآن الكريم الذي فيه هدىً للمتّقين .
فأقبل علينا شهر الله شهر رمضان المبارك بالقرآن الكريم ، ولكلّ شيء ربيع ، وربيع القرآن رمضان[1] ، فتتفتّح أزهار المعارف القرآنية ، في مثل هذا الربيع كما تتفتّح الزهور والورود في ربيع الطبيعة .
شهر رمضان شهر تجلية الأرواح والنفوس ، فإنّ علماء الأخلاق ذكروا في تهذيب النفوس مراحل ثلاثة :
1 ـ التخلّي من الصفات الذميمة .
2 ـ والتحلية بالصفات الحميدة .
3 ـ وتجلية تلك الصفات وتبلورها ، وإلى الله المنتهى قاب قوسين أو أدنى وإنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه ، وسقاهم ربّهم شراباً طهوراً .
ويبدو لي : شهر رجب ـ كما في الأخبار ـ شهر الاستغفار من الذنوب والمعاصي ، وهو شهر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) .
ففي شهر رجب أصحاب السير والسلوك ، أصحاب اليمين ، يطهّرون أنفسهم من الذنوب والغفلات وذلك بالاستغفار والتوبة والإنابة ، ويناديهم الملائكة : أين الرجبيّون ؟
وفي شهر شعبان ، شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتحلّون بسنن رسوله وآدابه كما ورد في أعمال شهر شعبان ( وهذا شهرُ نبيّك سيّدُ رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يَدأبُ في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه بخوعاً لك في إكرامه وإعظامهِ إلى محل حمامِه اللّهم فأعنّا على الاستنان بسنّته فيه ونيل الشفاعة لديه اللّهم واجعله لي شفيعاً مشفّعاً وطريقاً إليك مهيعاً واجعلني له متّبعاً حتّى ألقاك يومَ القيامةَ عنّي راضياً وعن ذنوبي غاضياً قد أوجبت لي منك الرحمة والرضوان وأنزلتني دار القرار ومحل الأخيار ) .
شهر شعبان شهر مناجاة الأئمّة (عليهم السلام) تلك المناجاة المعروفة التي جاء فيها : ( إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك ، وأنِر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتّى تخرق أبصار القلوب حُجُب النور فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا معلّقةً بعزّ قدسك ، إلهي واجعلني ممّن ناديته فأجابك ، ولاحظته فصعق لجلالك ، فناجيته سرّاً وعمل لك جهراً ) .
فشعبان شهر التحلّي بالصفات الحميدة ، وشهر رمضان شهر التجلّي لتلك الصفات ، شهر الضيافة والورود على الله سبحانه ، تلك الضيافة العامّة لجميع المكلّفين ، ومن راع آدابها يوفّق لحضور الضيافة الخاصّة في شهر ذي الحجّة في مكّة المكرمة مهبط الوحي ، وفي طواف حول الكعبة المشرّفة ، وفي أرض عرفة ، ومناسك مقرّبة إلى الله تعالى .
وضيافة الله إنّما هي ضيافة الأسماء الحسنى والصفات العليا ، وإنّ المؤمن يكون على موائد القرآن الكريم فيها من نمير العلوم وطعام المعارف ما تشتهي الأنفس الروحانيّة .
فنأتي إلى علم الله سبحانه ، وندخل مدينة العلم من بابها ، فمن علي وأهل بيته (عليهم السلام) إلى النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) ومنه إلى الله سبحانه ، فاجعله لي شفيعاً مشفّعاً ، وهذا هو الصراط المستقيم ، وهي الولاية العظمى المتمثّلة بالله سبحانه وبرسوله (صلى الله عليه وآله)وبأوليائه الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وهذا هو الصراط الذي نسأل الله في كلّ صلاة أن يهدينا إليه ، صراط الذين أنعمت عليهم من الأنبياء والأولياء والشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقاً ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين .
وقد ورد في الخبر الشريف من لم يغفر في شهر رمضان ، لم يغفر له إلى قابل ، أو يشهد عرفة لتشمله الرحمة الخاصة والضيافة الخاصة وقبل أن أقرأ على مسامعكم خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) ، أذكر لكم هاتين الروايتين :
الاُولى : في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : كان رسول الله ـ يعلم من كلمة كان استمرار هذا الفعل في كلّ سنة ولكن الخطبة كانت في سنة واحدة ـ فكان رسول الله يقبلُ بوجهه إلى الناس فيقول : يا معشر الناس إذا طلع هلال شهر رمضان ، غُلّت مردة الشياطين ـ أي الشيطان الذي مرد عن أمر ربه وخرج وفسق تُغلّ يده بالسلاسل والأقفال العديدة ، إذ غلّت من التغليل وهو يفيد الكثرة ، فغلّت مردة الشياطين ـ وفتحت أبواب السماء ، وأبواب الجنان ، وأبواب الرحمة ، وغلّقت أبواب النار ، واستجيب الدعاء وكان لله فيه عند كل فطر عتقاء ، يعتقهم الله من النار ، وينادي مناد كلّ ليلة : هل من سائل ؟ هل من مستغفر ؟ اللّهم اعط كلّ منفق خلفاً ، واعط كلّ ممسك تلفاً ، حتّى إذا طلع هلال شوّال ، نودي المؤمنون أن اغدوا إلى جوائزكم فهو يوم الجائزة . ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام) : أما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير ولا الدراهم[2] .
أجل كلّ هذا ببركة القرآن الكريم ، وإذا عصى الإنسان ربّه في شهر رمضان فإنّه هو الذي يفتح يد الشيطان على نفسه ، وهو الذي يدفع باب جهنّم لفتحه ، وإلاّ فالشياطين قد غلّت أيديهم وغلّقت أبواب جهنّم ، فتأمّل وتدبّر ولا يغرّك بالله الغرور .
الثانية : عن ابن مروان قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إن لله عزّ وجلّ في كلّ ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار ، إلاّ من أفطر على مسكر ـ والظاهر أنّ هذا من باب التمثيل ، وإلاّ فكلّ المعاصي كذلك ـ فإذا كان في آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه .
[1]ذكر تفصيل ذلك في ( شهر رمضان ربيع القرآن ) ، فراجع .
[2]الكافي 4 : 70 .
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته.
فشهر رمضان يعني شهر الله ، وإنّما سمّي شهر الله وإن كان كل شيء لله ، لما فيه من خصائص لله ، واختصّت بالإضافة التشريفية ، كبيت الله بالنسبة إلى المكان ، وشهر الله بالنسبة إلى الزمان .
ومن أتمّ الخصائص وأبرزها ، ما نجد من جهة اشتراك بين الكعبة المشرّفة وبين شهر رمضان ، فالقدر المشترك بينهما هو نزول الوحي والقرآن الكريم ، فشهر رمضان زمان نزول الوحي ، والكعبة المشرّفة مكان النزول ، ثمّ زادت الكعبة شرفاً ، فتشرّفت مكّة وأطرافها ، وصارت حرم الله ، وكلّ من أراد الدخول إلى هذا الحرم المبارك ، في أي زمان ، حتّى ولو كان للقاء صديق داخل الحرم ، فلا بدّ له من أن يلبس ثوبي الإحرام ، ويحرّم على نفسه محرمات الحج من الملاذ والشهوات كالنساء والعطر ، ويأتي بالمناسك ، ثمّ بعد خروجه من الإحرام حينئذ يقصد صديقه ، فعظمة الوحي أثّر في شرافة محدودة الحرم . وكذلك شهر رمضان فقد نزل القرآن بتمامه في ليلة القدر ( إنَّا أنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ ) ولكن سرت الشرافة والقداسة والعظمة إلى كلّ أيام وليالي الشهر ، بل تشرف ذلك العصر الذي نزل فيه القرآن ، فأقسم سبحانه بذلك العصر ، في سورة العصر ، كما أقسم بالمكان الذي نزل فيه الوحي ، في قوله ( لا اُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ وَأنْتَ حِلٌّ بِهَذَا البَلَدِ ... ) فالحرم تشرّف بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، والعصر تشرّف بالوحي . وعصر الولاية والإمامة كعصر النبوّة ، فقسماً بعصر صاحب الزمان خاتم الأوصياء وقسماً بعصر النبيّ المصطفى خاتم الأنبياء (عليهم السلام) إنّ الإنسان لفي خسر ، إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فشعاع الوحي من الله سبحانه ، قد نوّر منطقةً وسيعةً في المكان والزمان .
ثمّ شرف شهر رمضان ، إنّما هو لاستقباله القرآن الكريم كما في الأخبار الشريفة ، والفضائل الواردة كشهر رمضان ، كما في خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) ، وإنّما هي باعتبار الموصوف ، فالرحمة والبركة والغفران للقرآن الكريم بالأصالة وأوّلا وبالذات ، وللمتزّمن أي شهر رمضان ثانياً وبالعرض .
وفي الخبر : شهر رمضان غرّة الشهور ، والغرّة بمعنى البياض في الجبين ، أو الأوّل ، فرمضان بياض ناصع في جبين الشهور ، وهو رأس الشهور ، وقلب شهر رمضان هو ليلة القدر ، كما ورد في الخبر الشريف .
ونحن الإماميّة نعتقد أنّ نزول القرآن في بدايته وحتّى يوم رحلة النبيّ (صلى الله عليه وآله)كان على نحو التدريجي ، فبدايته في شهر رجب ، يوم المبعث ، وقد نزل القرآن بنحو الدفعي الكلّي أيضاً مرّة اُخرى في ليلة القدر ، يفرّق فيها كلّ أمر حكيم ، ومقدّمات هذا النزول الدفعي المبارك ، كان من أوّل شهر رمضان ، فاستقبل القرآن الكريم الذي فيه هدىً للمتّقين .
فأقبل علينا شهر الله شهر رمضان المبارك بالقرآن الكريم ، ولكلّ شيء ربيع ، وربيع القرآن رمضان[1] ، فتتفتّح أزهار المعارف القرآنية ، في مثل هذا الربيع كما تتفتّح الزهور والورود في ربيع الطبيعة .
شهر رمضان شهر تجلية الأرواح والنفوس ، فإنّ علماء الأخلاق ذكروا في تهذيب النفوس مراحل ثلاثة :
1 ـ التخلّي من الصفات الذميمة .
2 ـ والتحلية بالصفات الحميدة .
3 ـ وتجلية تلك الصفات وتبلورها ، وإلى الله المنتهى قاب قوسين أو أدنى وإنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه ، وسقاهم ربّهم شراباً طهوراً .
ويبدو لي : شهر رجب ـ كما في الأخبار ـ شهر الاستغفار من الذنوب والمعاصي ، وهو شهر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) .
ففي شهر رجب أصحاب السير والسلوك ، أصحاب اليمين ، يطهّرون أنفسهم من الذنوب والغفلات وذلك بالاستغفار والتوبة والإنابة ، ويناديهم الملائكة : أين الرجبيّون ؟
وفي شهر شعبان ، شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتحلّون بسنن رسوله وآدابه كما ورد في أعمال شهر شعبان ( وهذا شهرُ نبيّك سيّدُ رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يَدأبُ في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه بخوعاً لك في إكرامه وإعظامهِ إلى محل حمامِه اللّهم فأعنّا على الاستنان بسنّته فيه ونيل الشفاعة لديه اللّهم واجعله لي شفيعاً مشفّعاً وطريقاً إليك مهيعاً واجعلني له متّبعاً حتّى ألقاك يومَ القيامةَ عنّي راضياً وعن ذنوبي غاضياً قد أوجبت لي منك الرحمة والرضوان وأنزلتني دار القرار ومحل الأخيار ) .
شهر شعبان شهر مناجاة الأئمّة (عليهم السلام) تلك المناجاة المعروفة التي جاء فيها : ( إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك ، وأنِر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتّى تخرق أبصار القلوب حُجُب النور فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا معلّقةً بعزّ قدسك ، إلهي واجعلني ممّن ناديته فأجابك ، ولاحظته فصعق لجلالك ، فناجيته سرّاً وعمل لك جهراً ) .
فشعبان شهر التحلّي بالصفات الحميدة ، وشهر رمضان شهر التجلّي لتلك الصفات ، شهر الضيافة والورود على الله سبحانه ، تلك الضيافة العامّة لجميع المكلّفين ، ومن راع آدابها يوفّق لحضور الضيافة الخاصّة في شهر ذي الحجّة في مكّة المكرمة مهبط الوحي ، وفي طواف حول الكعبة المشرّفة ، وفي أرض عرفة ، ومناسك مقرّبة إلى الله تعالى .
وضيافة الله إنّما هي ضيافة الأسماء الحسنى والصفات العليا ، وإنّ المؤمن يكون على موائد القرآن الكريم فيها من نمير العلوم وطعام المعارف ما تشتهي الأنفس الروحانيّة .
فنأتي إلى علم الله سبحانه ، وندخل مدينة العلم من بابها ، فمن علي وأهل بيته (عليهم السلام) إلى النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) ومنه إلى الله سبحانه ، فاجعله لي شفيعاً مشفّعاً ، وهذا هو الصراط المستقيم ، وهي الولاية العظمى المتمثّلة بالله سبحانه وبرسوله (صلى الله عليه وآله)وبأوليائه الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وهذا هو الصراط الذي نسأل الله في كلّ صلاة أن يهدينا إليه ، صراط الذين أنعمت عليهم من الأنبياء والأولياء والشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقاً ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين .
وقد ورد في الخبر الشريف من لم يغفر في شهر رمضان ، لم يغفر له إلى قابل ، أو يشهد عرفة لتشمله الرحمة الخاصة والضيافة الخاصة وقبل أن أقرأ على مسامعكم خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) ، أذكر لكم هاتين الروايتين :
الاُولى : في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : كان رسول الله ـ يعلم من كلمة كان استمرار هذا الفعل في كلّ سنة ولكن الخطبة كانت في سنة واحدة ـ فكان رسول الله يقبلُ بوجهه إلى الناس فيقول : يا معشر الناس إذا طلع هلال شهر رمضان ، غُلّت مردة الشياطين ـ أي الشيطان الذي مرد عن أمر ربه وخرج وفسق تُغلّ يده بالسلاسل والأقفال العديدة ، إذ غلّت من التغليل وهو يفيد الكثرة ، فغلّت مردة الشياطين ـ وفتحت أبواب السماء ، وأبواب الجنان ، وأبواب الرحمة ، وغلّقت أبواب النار ، واستجيب الدعاء وكان لله فيه عند كل فطر عتقاء ، يعتقهم الله من النار ، وينادي مناد كلّ ليلة : هل من سائل ؟ هل من مستغفر ؟ اللّهم اعط كلّ منفق خلفاً ، واعط كلّ ممسك تلفاً ، حتّى إذا طلع هلال شوّال ، نودي المؤمنون أن اغدوا إلى جوائزكم فهو يوم الجائزة . ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام) : أما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير ولا الدراهم[2] .
أجل كلّ هذا ببركة القرآن الكريم ، وإذا عصى الإنسان ربّه في شهر رمضان فإنّه هو الذي يفتح يد الشيطان على نفسه ، وهو الذي يدفع باب جهنّم لفتحه ، وإلاّ فالشياطين قد غلّت أيديهم وغلّقت أبواب جهنّم ، فتأمّل وتدبّر ولا يغرّك بالله الغرور .
الثانية : عن ابن مروان قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إن لله عزّ وجلّ في كلّ ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار ، إلاّ من أفطر على مسكر ـ والظاهر أنّ هذا من باب التمثيل ، وإلاّ فكلّ المعاصي كذلك ـ فإذا كان في آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه .
[1]ذكر تفصيل ذلك في ( شهر رمضان ربيع القرآن ) ، فراجع .
[2]الكافي 4 : 70 .
تعليق