إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حالتان متضادتان تتعاقبان على روح الإنسان.

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حالتان متضادتان تتعاقبان على روح الإنسان.


    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد

    لا يوجد إنسان سوي كامل إلا إذا كان منشرح الصدر القرآن الكريم يركز على هذا المنطلق في شخصية الإنسان ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ﴾، ويقول: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾، ويقول عز وجل: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾، انشراح الصدر ما معناه؟ هناك ضدان: انشراح الصدر، وضيق الصدر، ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾، فهناك حالتان متضادتان تتعاقبان على روح الإنسان.

    الحالة الأولى: حالة الانشراح، بمعنى أن يشعر الإنسان أنه يريد أن يتصل بالآخرين، يريد أن يحقق لنفسه صلة، يريد أن يعطي، يريد أن يحسن، هذه الروح، شعور الإنسان بالحاجة إلى أن يعطي، بالحاجة إلى أن يقدّم، بالحاجة إلى أن يحسن، بالحاجة إلى أن ينتج، شعور الإنسان بالحاجة إلى العطاء والإنتاج يعبّر عنها بانشراح الصدر، هذا إنسان حصل على سر الشخصية المؤمنة، أنه يشعر بأنه ليس إنسانًا جامدًا، ليس إنسانًا متقوقعًا على نفسه، ليس إنسانًا منعزلًا، ليس إنسانًا منطويًا، إنسان يريد أن يعطي، يريد أن يقدم، يريد أن ينتج، يريد أن يحسن. إذن، هو عنده انشراح الصدر.

    أما الآخر الذي يشعر بضيق في روحه، بضيق في أنفاسه، إما أنه لا يريد أن تكون له صلة بما وراء الطبيعة، أو لا يريد أن تكون له صلة بالمجتمع، أو لا يريد أن تكون له صلة بالنظام الاجتماعي، أنا لا أريد لا أريد إلا أن أكون مع نفسي وفي نفسي ومن نفسي وإلى نفسي ليس إلا، هذا إنسان يعيش انطواءً وانقباضًا وضيقًا في الصدر، هذا ليس إنسانًا مكتمل الإيمان.

    لذلك، نلاحظ الآية المباركة ركّزت على الصلات الثلاث، على الأبعاد الثلاثة، قالت: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾ هؤلاء عاشوا السر، عاشوا المنطلق، ألا وهو انشراح الصدر، لأنهم عاشوا انشراح الصدر حقّقوا الأبعاد الثلاثة: ﴿أَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ هذا بعد، ﴿أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ هذا بعد آخر، و﴿يَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ هذا البعد الثالث.

    البعد الأول: إقامة الصلاة.
    إقامة الصلاة لها ثلاثة تفسيرات، الأول: أقاموا الصلاة بمعنى صلوا، يصلون. التفسير الثاني: أقاموا الصلاة يعني حققوا أهداف الصلاة، ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾، فمن نهى عن الفحشاء والمنكر نهيًا قوليًا وعمليًا فقد أقام الصلاة، لأنه حقق أهداف الصلاة. والمعنى الثالث: أقام الصلاة يعني أنه يعيش الصلاة في كل أوقاته، وهذا هو المطلوب، أن تكون صدقتك صلاة، أن تكون صلتك لرحمك صلاة، أن يكون ذهابك للمسجد صلاة، أن تكون علاقتك بصديقك صلاة، أن تعيش الصلاة في كل أوضاعك، الصلاة ليست هي الحركات التي نمارسها.

    القرآن عندما يقول: أقاموا الصلاة، لا يقصد مجرد هذه الحركات التي نمارسها، أقم الصلاة يعني ليكن بينك وبين ربك صلةٌ في كل أوضاعك، هذا معنى إقامة الصلاة، ألا تنقطع عن ربك في أي وضع من الأوضاع، عندما تتصدق تستحضر ربك في الصدقة، عندما تزور فلانًا تستحضر ربك في زيارة فلان، عندما تقيم علاقة مع فلان تستحضر ربك في علاقتك مع فلان، عندما تنضم إلى وظيفة أو دراسة تستحضر ربك في انضمامك إلى هذه الوظيفة والدراسة، إقامة الصلاة يعني إيجاد الصلة مع ما وراء الطبيعة في كل أوضاعك وحركاتك وسكناتك.

    لأنهم يعيشون انشراح الصدر، لأنهم يعيشون هذا المنطلق، لأنهم يريدون أن يعطوا، يريدون أن يحسنوا، لذلك كل أعمالهم تصدر عنهم بربطٍ بينهم وبين الله عز وجل، ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾، كل شيء اربطه بالله تبارك وتعالى، كل شيء أوصله بالله تبارك وتعالى، ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾.

    البعد الثاني: الإنفاق.
    ذاك بعد عبادي، صلة بالله، هذا صلة بالمجتمع، ﴿وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾، لا بخل عندهم، لا يعيشون انكفاءً ولا انطواءً، ليست نعمتهم لهم، نعمتهم للمجتمع، يستفيد المجتمع من ثرواتهم ونعمهم وأموالهم، ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾، هؤلاء الذين يقدمون ثروتهم للمجتمع، يقدمون عطاءهم للمجتمع، كل حياتهم عطاء، كل حياتهم بذل، حققوا البعد الاجتماعي، كما حققوا البعد العبادي بمنطلق انشراح الصدر، حققوا البعد الاجتماعي أيضًا بمنطلق انشراح الصدر، لأن صدورهم منشرحة يعطون بلا مبالاة، يبذلون بلا مبالاة.

    البعد الثالث: حفظ النظام.
    هناك بعد آخر في الإنسان، كما أن للإنسان بعدًا روحيًا غيبيًا مع الله، يغذيه إذا شعر بالإحسان، كما أن له بعدًا اجتماعيًا مع أبناء جنسه وجلدته يغذيه بالإنفاق، ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، الإنسان له بعد ثالث رئيسي، البعد مع النظام، الإنسان بطبيعته يريد الأمن، الإنسان ليس عدوانيًا بطبيعته، بل الإنسان مسالم بطبيعته، لو رجع إلى طبيعته وجبلته لرأى أنه يتجه نحو السلام، نحو الأمن، نحو الهدوء، نحو الاستقرار، لو خُلِّي الإنسان وطبعه، ولم يتلوث بفكر إرهابي أو فكر تكفيري أو فكر شيطاني فإنه طبعه السلام، طبع الإنسان هو السلام، فهو كما قلنا المنطلق واحد، انشراح الصدر، إذا انشرح صدره انفتح على الله، انفتح على المجتمع، انفتح على السلام والوئام، ومتى ما كان متضايقًا أو منغلقًا عن ربه، أو كان منغلقًا عن مجتمعه، أو كام عدوانيًا، فهو يعيش انقباضًا في الصدر، يعيش شخصية ضيقة، شخصية انطوائية، شخصية انعزالية، لو كان يعيش انشراح الصدر لانشرح على الكل، وانفتح على الكل، على جميع الأبعاد.

    فالإنسان حينما تخبر عنه الآية المباركة: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾، جماعة لا يريدون مشاكل، لا يريدون أن يدخلوا في قضايا عدوانية، لا يريدون أن يدخلوا في قضايا هجومية، يريدون أن يعيشوا بأمن وسلام، ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾، لا يقابلون السيئة إلا بالحسنة، لا يقابلون الإساءة إلا بالإحسان، لا يقابلون الاعتداء إلا بالأدب، ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾، ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾، هؤلاء هم الذين يعيشون انشراح الصدر، يحبون الإنسان لأنه إنسان، يحبون ابن آدم لأنه ابن آدم، جامع للصفات الإنسانية، ولا يحملون روحًا تكفيرية أو إرهابية أو عدوانية على أحد، ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾، الذين انطلقوا من انشراح الصدر ووثقوا صلاتهم بالأبعاد الثلاثة - البعد العبادي، البعد الاجتماعي، البعد النظامي والإنساني - هؤلاء يستحقون ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾، وما هي عقبى الدار؟

    الآية التي بعدها تشرحها: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ ليس هم فقط ﴿وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾، يأتون بأهلهم معهم، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾، آباؤهم، أزواجهم، ذرياتهم، يجتمعون معهم في جنانهم وحدائقهم ونعيمهم، ﴿وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾.

  • #2
    االحياةوالموت

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X