بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[1] .
تداول الكلمة ونشرها هو طريق أساس لتبادل الأفكار والمعلومات بين بني البشر.
وبتبادل الأفكار والمعلومات يتطور مستوى المعرفة والعلم، ويتحقّق التقدّم في المجتمع الإنساني.
وكلّما تيسّرت سبُل تداول الكلمة ونشرها، وانفتح مجال تبادل الأفكار والمعارف، كان المجتمع أكثر تقدّمًا ورقيًّا.
إنّ من أهمّ إنجازات الحضارة الإنسانية المعاصرة، التطور الهائل في وسائل تبادل المعلومات والأفكار، عبر البثّ الفضائي، والشبكة العنكبوتية، وما يتفرّع عنها من وسائل التواصل الاجتماعي. حيث يتم تناقل المعلومات والأفكار في ذات لحظة إنتاجها، وعلى مستوى الكرة الأرضية كلّها.
الاستخدامات السّلبية
وكما في كلّ أداة ومنجز يحقّقه الإنسان قد تصبح له استخدامات سلبية، ومردودات ضارة، فإنّ هذا التطور في تداول الكلمة وانتشارها، أصبح يُستغلّ في بثّ الأفكار القاتلة والمعلومات المضلّلة.
فالإرهابيون ودعاة العنف والتدمير يستغلّون هذه الوسائل في نشر أفكارهم والتجنيد لتنظيماتهم، والإعلام لتوجهاتهم.
كما يستخدم هذه الوسائل المروّجون للمخدّرات والانحرافات الأخلاقية، وتجارة البشر والابتذال الجنسي.
وكذلك الذين يعملون لتمزيق المجتمعات وإثارة الخلافات والنزاعات فيها.
وهنا تأتي أهمية التركيز على مسؤولية تداول الكلمة، فإنّ الدين يحمّل الإنسان مسؤولية آثار أيّ كلمة يطلقها أو يسهم في نشرها.
إنّ الله تعالى يقول: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[2] .
واللفظ: النطق بكلمة دالة على معنى ولو جزء معنى، بخلاف القول، فهو الكلام المفيد معنًى. و (من) تنصيص على الاستغراق.
فكلّ لفظ يقوله الإنسان يُسجّل عليه من رقابة إلهية دقيقة، ويحاسب عليه. وذلك يشمل اللفظ المكتوب أيضَا، فإذا كان خيرًا يثاب عليه، وإن كان شرًّا يعاقب عليه.
إغراءات الانتشار
إنّ السهولة واليسر في تداول الكلام المكتوب أو الملفوظ، وكذلك الصور وكلّ وسائل التعبير، قد يغري البعض من الناس في التساهل بتداول بتداول كلّ ما لديهم وما يصل إليهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون تمحيص أو اختيار وانتقاء.
فهو يتحدّث عن كلّ ما خطر بباله، وقد يصوّر كلّ ما يروق له ويبثّه، ويعيد إرسال كلّ ما يصل إليه، فالأمر لا يكلّفه شيئًا إلّا لمسة بطرف إصبعه، ليبث ذلك الكلام عبر الفضاء والشبكة المعلوماتية إلى قائمة الأسماء والعناوين المسجلة لديه، وإلى كلّ الناس حيث يصعب السيطرة على ما ينشر.
وفي بعض ما يتداول وينشر قد تكون أخبار كاذبة، أو معلومات مضللة، أو إساءات وانتهاك للحرمات، واتّهامات ونيل من بعض الأشخاص والشخصيات، وتشكيك في مبادئ الدين، وقيم الأخلاق.
وقد تترتب على نشر بعض هذه الأشياء هدم كيانات عائلية، وتخريب علاقات اجتماعية، وإثارة للفتن والخلافات بين الناس. وكلّ ذلك يتحمّل من تداولها المسؤولية أمام الله تعالى عن آثارها وتداعياتها.
التمحيص والانتقاء
لقد أصبح المجال واسعًا أمام المستغلّين لوسائل التواصل الاجتماعي، والتداول المعلوماتي. فهناك أخبار مفتعلة تصطنع ثم تتداول، وقد تحتاج إلى وقت حتى يتبيّن كذبها، فقد ينشر خبر عن وفاة شخص وهو لا يزال حيًّا يرزق، وقد ينسب فعل إلى جهة أو شخص وهو وهو بريء منه.
وقد تقتطع وتبتر بعض الكلمات من كلام شخص يقوله في سياق، فيؤخذ إلى سياق آخر، وقد يعاد نشر كلام قيل في ظرف معيّن، وكأنه صدر حديثًا ضمن ظرف يوجهه لمعنى غير مقصود.
ويجري هذا الأمر حتى في المعلومات والآراء المتعلقة بشؤون الحياة كالجانب الصحي، وقد رأينا في موضوع جائحة كورونا أضرار انتشار الشائعات حيث تصدّت لذلك الحكومات والمنظمات الصحية العالمية.
لذلك على الإنسان أن يتعامل بمسؤولية مع ما يصله من أفكار ومعلومات، فيستوثق منها أولًا، ولا يأخذ إلّا من المصادر المعتمدة لكّل جهة من لكّل جهة من الجهات، وعليه ثانيًا: أن يتأكّد من صحتها فيما تتحدّث عنه.
وثالثًا: عليه أن يتأمّل الآثار المترتبة على انتشار هذا الخبر أو المعلومة، فليس كلّ شيء صحيح يحسن نشره في كلّ وقت.
التذكير بالمسؤولية
وكما ورد عن أئمة أهل البيت : «مَا كُلُّ مَا يُعْلَمُ يُقَالُ، وَلاَ كُلُّ مَا يُقَالُ حَانَ وَقْتُهُ، وَلاَ كُلُّ مَا حَانَ وَقْتُهُ حَضَرَ أَهْلُهُ»[3] .
إنّ النصوص الدينية ترشدنا وتوجهنا إلى أهمية هذه الاحتياطات والاحترازات.
وفي بعض كتب الحديث كصحيح مسلم باب بعنوان: (باب النهي عن الحديث بكلّ ما سمع).
فقد ورد عن رسول الله محمد : «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»[4] .
وعنه «حَسبُكَ مِن الكذبِ أن تُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعتَ»[5] .
ورد عن علي : «لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ بَلْ لَا تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ»[6] .
علي : «لا تُحَدِّثِ النّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ فَكَفى بِذلِكَ خُرْقا»[7] .
إنّ بعض الناس يبررون لأنفسهم في نشر ما يصلهم بعبارة: (ناقل الكفر ليس بكافر). وإذا صحت هذه العبارة وهي ليست حديثًا ولا رواية عن إمام وإنّما هي قول ينقل، فإنّها تعني النقل في موارد الردّ والابطال، وحين لا يكون النقل سببًا لإضلال الآخرين، وإلّا فإنّ نقل كلام الكفر والضلال يكون موجبًا للإثم.
وهذا شهر الله قد أقبل أفضل فرصة لتراقب نفسك وتقومها..
***********
[1] سورة ق، الآية: 18.
[2] سورة ق، الآية: 18.
[3] بحار الأنوار، ج25، ص115.
[4] سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح2025.
[5] تنبيه الخواطر، ج 2، ص 122.
[6] نهج البلاغة، حكمة: 382.
[7] عيون الحكم والمواعظ، ص
اللهم صل على محمد وآل محمد
قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[1] .
تداول الكلمة ونشرها هو طريق أساس لتبادل الأفكار والمعلومات بين بني البشر.
وبتبادل الأفكار والمعلومات يتطور مستوى المعرفة والعلم، ويتحقّق التقدّم في المجتمع الإنساني.
وكلّما تيسّرت سبُل تداول الكلمة ونشرها، وانفتح مجال تبادل الأفكار والمعارف، كان المجتمع أكثر تقدّمًا ورقيًّا.
إنّ من أهمّ إنجازات الحضارة الإنسانية المعاصرة، التطور الهائل في وسائل تبادل المعلومات والأفكار، عبر البثّ الفضائي، والشبكة العنكبوتية، وما يتفرّع عنها من وسائل التواصل الاجتماعي. حيث يتم تناقل المعلومات والأفكار في ذات لحظة إنتاجها، وعلى مستوى الكرة الأرضية كلّها.
الاستخدامات السّلبية
وكما في كلّ أداة ومنجز يحقّقه الإنسان قد تصبح له استخدامات سلبية، ومردودات ضارة، فإنّ هذا التطور في تداول الكلمة وانتشارها، أصبح يُستغلّ في بثّ الأفكار القاتلة والمعلومات المضلّلة.
فالإرهابيون ودعاة العنف والتدمير يستغلّون هذه الوسائل في نشر أفكارهم والتجنيد لتنظيماتهم، والإعلام لتوجهاتهم.
كما يستخدم هذه الوسائل المروّجون للمخدّرات والانحرافات الأخلاقية، وتجارة البشر والابتذال الجنسي.
وكذلك الذين يعملون لتمزيق المجتمعات وإثارة الخلافات والنزاعات فيها.
وهنا تأتي أهمية التركيز على مسؤولية تداول الكلمة، فإنّ الدين يحمّل الإنسان مسؤولية آثار أيّ كلمة يطلقها أو يسهم في نشرها.
إنّ الله تعالى يقول: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[2] .
واللفظ: النطق بكلمة دالة على معنى ولو جزء معنى، بخلاف القول، فهو الكلام المفيد معنًى. و (من) تنصيص على الاستغراق.
فكلّ لفظ يقوله الإنسان يُسجّل عليه من رقابة إلهية دقيقة، ويحاسب عليه. وذلك يشمل اللفظ المكتوب أيضَا، فإذا كان خيرًا يثاب عليه، وإن كان شرًّا يعاقب عليه.
إغراءات الانتشار
إنّ السهولة واليسر في تداول الكلام المكتوب أو الملفوظ، وكذلك الصور وكلّ وسائل التعبير، قد يغري البعض من الناس في التساهل بتداول بتداول كلّ ما لديهم وما يصل إليهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون تمحيص أو اختيار وانتقاء.
فهو يتحدّث عن كلّ ما خطر بباله، وقد يصوّر كلّ ما يروق له ويبثّه، ويعيد إرسال كلّ ما يصل إليه، فالأمر لا يكلّفه شيئًا إلّا لمسة بطرف إصبعه، ليبث ذلك الكلام عبر الفضاء والشبكة المعلوماتية إلى قائمة الأسماء والعناوين المسجلة لديه، وإلى كلّ الناس حيث يصعب السيطرة على ما ينشر.
وفي بعض ما يتداول وينشر قد تكون أخبار كاذبة، أو معلومات مضللة، أو إساءات وانتهاك للحرمات، واتّهامات ونيل من بعض الأشخاص والشخصيات، وتشكيك في مبادئ الدين، وقيم الأخلاق.
وقد تترتب على نشر بعض هذه الأشياء هدم كيانات عائلية، وتخريب علاقات اجتماعية، وإثارة للفتن والخلافات بين الناس. وكلّ ذلك يتحمّل من تداولها المسؤولية أمام الله تعالى عن آثارها وتداعياتها.
التمحيص والانتقاء
لقد أصبح المجال واسعًا أمام المستغلّين لوسائل التواصل الاجتماعي، والتداول المعلوماتي. فهناك أخبار مفتعلة تصطنع ثم تتداول، وقد تحتاج إلى وقت حتى يتبيّن كذبها، فقد ينشر خبر عن وفاة شخص وهو لا يزال حيًّا يرزق، وقد ينسب فعل إلى جهة أو شخص وهو وهو بريء منه.
وقد تقتطع وتبتر بعض الكلمات من كلام شخص يقوله في سياق، فيؤخذ إلى سياق آخر، وقد يعاد نشر كلام قيل في ظرف معيّن، وكأنه صدر حديثًا ضمن ظرف يوجهه لمعنى غير مقصود.
ويجري هذا الأمر حتى في المعلومات والآراء المتعلقة بشؤون الحياة كالجانب الصحي، وقد رأينا في موضوع جائحة كورونا أضرار انتشار الشائعات حيث تصدّت لذلك الحكومات والمنظمات الصحية العالمية.
لذلك على الإنسان أن يتعامل بمسؤولية مع ما يصله من أفكار ومعلومات، فيستوثق منها أولًا، ولا يأخذ إلّا من المصادر المعتمدة لكّل جهة من لكّل جهة من الجهات، وعليه ثانيًا: أن يتأكّد من صحتها فيما تتحدّث عنه.
وثالثًا: عليه أن يتأمّل الآثار المترتبة على انتشار هذا الخبر أو المعلومة، فليس كلّ شيء صحيح يحسن نشره في كلّ وقت.
التذكير بالمسؤولية
وكما ورد عن أئمة أهل البيت : «مَا كُلُّ مَا يُعْلَمُ يُقَالُ، وَلاَ كُلُّ مَا يُقَالُ حَانَ وَقْتُهُ، وَلاَ كُلُّ مَا حَانَ وَقْتُهُ حَضَرَ أَهْلُهُ»[3] .
إنّ النصوص الدينية ترشدنا وتوجهنا إلى أهمية هذه الاحتياطات والاحترازات.
وفي بعض كتب الحديث كصحيح مسلم باب بعنوان: (باب النهي عن الحديث بكلّ ما سمع).
فقد ورد عن رسول الله محمد : «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»[4] .
وعنه «حَسبُكَ مِن الكذبِ أن تُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعتَ»[5] .
ورد عن علي : «لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ بَلْ لَا تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ»[6] .
علي : «لا تُحَدِّثِ النّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ فَكَفى بِذلِكَ خُرْقا»[7] .
إنّ بعض الناس يبررون لأنفسهم في نشر ما يصلهم بعبارة: (ناقل الكفر ليس بكافر). وإذا صحت هذه العبارة وهي ليست حديثًا ولا رواية عن إمام وإنّما هي قول ينقل، فإنّها تعني النقل في موارد الردّ والابطال، وحين لا يكون النقل سببًا لإضلال الآخرين، وإلّا فإنّ نقل كلام الكفر والضلال يكون موجبًا للإثم.
وهذا شهر الله قد أقبل أفضل فرصة لتراقب نفسك وتقومها..
***********
[1] سورة ق، الآية: 18.
[2] سورة ق، الآية: 18.
[3] بحار الأنوار، ج25، ص115.
[4] سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح2025.
[5] تنبيه الخواطر، ج 2، ص 122.
[6] نهج البلاغة، حكمة: 382.
[7] عيون الحكم والمواعظ، ص