بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
اللّهم صلِ على مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطاهرين
السَّلامُ عَلَيكُم ورحمةُ اللهِ وَبركَاتِه
اللّهم صلِ على مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطاهرين
السَّلامُ عَلَيكُم ورحمةُ اللهِ وَبركَاتِه
{ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ }
وَفي الكَافي عَنِ البَاقرِ(عَلَيْهِ السَّلَامُ): ( أنَّ نُوحاً لمّا غَرسَ النَّوى مَرَّ عَليِهِ قَومَهُ فَجَعلوا يَضحكونَ ويَسخرونَ وَيَقولونَ قَدْ قَعدَ غرّاساً حَتى إذا طَالَ النّخلُ وكانَ جَبّاراً طوّالاً قَطَعَهُ ثُمَّ نَحتَهُ فَقالوا قَدْ قَعدَ نَجّاراً ثُمَّ الّفَهُ فَجعلَهُ سَفينةً فَمرّوا عَليِهِ فَجعلوا يَضحكونَ ويسخرونَ ويقولونَ قَدْ قَعدَ مَلاّحاً في فَلاةٍ مِنَ الأرضِ حَتى فَرغَ مِنها) الكَافيُ - الشيخُ الكُليني - ج ٨ - الصفحة ٢٨٣، ح 425. {قَالَ إِن تسْخَرُواْ مِنَّا فَإنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} إِذا أخَذكُمُ الغرقُ في الدُّنيَا والحَرقُ في الآخِرةِ ، * تفسيرُ الصَّافي في تَفسيرِ كَلامِ اللهِ الوافي/ الفيضُ الكَاشاني ، ص 443.
السُّخْريَّةُ هَيَ حَالةٌ مَرضَيَّةً تَكونُ عِبرَ التَصرفِ غَيرِ اللائقِ بالقولِ، أو بالفعلِ أمامَ الإنسانِ المؤمنِ، أو خَلفَهُ بِقصدِ تَحقيرَهُ والاستهزاءُ بِهِ، وإضحاكَ النَّاسِ عَليِهِ .
ولا يوجدُ سَبَّبٌ واحدٌ للسُّخريَّةِ ، وَلَكِنَّ الواضحَ أنَّها لا تَنبَعُ مِنْ فراغٍ وإنِّمَا هَيَ عبارةٌ عَنِ الإفصاحِ عَنِ عُقدةِ الحَقارةِ والنَقصِ الكَامِنَةِ لَدَى البَعضِ، ومحاولةُ تَغلِيفَها والتَسترِ علَيها بِاستنقاصِ الآخرينَ والحَطِّ مِنْ مَكانَتِهِم ،
وهذهِ الآيةُ تُصورُ حالةِ الإستهزاءِ مِنْ قِبَلِ الكَافرينَ بالنَّبيِّ نُوحٍ وأتباعِهِ المؤمنينَ لوجودِ عُقدةِ الحَقارةِ فِيهم ولِهذا سَخِروا مِنْهم .
وقالَ الرَاغبُ فِي المُفرداتِ،: سَخِرتَ مِنْهُ واسْتَسْخَرتُهُ للهُزءِ مِنْهُ قالَ تَعالى: { إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } سُورَةُ الصافاتِ آية 12 و قيلَ: رَجلٌ سخر - بالضم فالفتح - لمن سخر و سخرة - بالضم فالسكون - لمن يسخر منه، و السُّخريَّة - بالضم - و السِّخريَّة - بالكسر - لفعل الساخر، انتهى
وقولُهُ: { وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ } حِكايةُ الحالِ المَاضيةِ يُمثلُ بِهَا مَا يَجري علَى نوحٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ إيذاءِ قَومِهِ و قيامُ طَّائفةٌ مِنْهُم بَعدَ طَّائفةٍ عَلَى إهانَتِهِ والاستهزاءِ بِهِ في عَملِ السفينَةِ وَصَبْرِهِ عَليِهِ في جَنبِ الدَّعوةِ الإلهيَّةِ وإقامَةِ الحُجَّةِ عَلَيهُم مِنْ غيرِ أنْ يَفشَلَ ويَنثَني
وَقَولِهِ:{ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } في مَوضعِ الجَوابِ لسؤالٍ مُقَدَّرٍ كأنَّ قَائلاً قالَ: فَماذا قالَ نوحٌ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)؟ فقيلَ:{ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ } وَلِذا فَصَّلَ الكَلامَ مِنْ غَيرِ عَطفٍ ، وَلَمْ يَقُلْ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّي فإنِّي أسْخَرُ مِنْكُم لِيدفعَ بِهِ عَنْ نَفسِهِ وَعَنْ عِصابَةِ المؤمنينَ بِهِ وكَأنَّهُ كَانَ يَستمِدُ مِنْ أهَلِهِ و أتبَاعِهِ في ذَلكَ وكَانوا يُشَارِكُونَهُ في عَملِ السَفينَةِ ،
وكانَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَدعوهُم إلَى تَوحيدِ اللهِ سُبحانَهُ وَرَفضِ الشُركَاءِ كَمَا يَظهرُ مِنْ جَميعِ قَصَصِهِ القُرآنيَّةِ ، والإسلامِ للهِ كَمَا يَظهرُ مِنْ سُورَتَي نوحٍ و يونسٍ وسورةَ آلِ عِمرانَ آية 19 ، والأمرِ بالمعروفِ و النهيِ عَنِ المُنْكَرِ كَمَا يَظهرُ مِنْ سُورةِ هُودٍ آية 27، والصَّلاةِ كَمَا يَظهرُ مِنْ آية 103 مِنْ سُورةِ النِّساءِ وآية 8 مِنْ سُورةِ الشُّورى ، والمساواةِ والعدالةِ ، وأنْ لَا يَقرَبوا الفواحشَ والمنكراتِ ، وصدقِ الحَديثِ ، والوفاءِ بالعهدِ سُورةِ الأنعَامِ آية 151 - 152 ،
وكانَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَدعو قَومَهُ إلَى الإيمانِ باللهِ و آياتِهِ، وَيبذلَ في ذَلكَ غَايةَ وُسعِهِ فَيندُبَهُم إلَى الحقِّ لَيلاً ونهاراً وإعلاناً وإسراراً فلَا يُجيبونَهُ إلَّا بِالعنادِ والاستكبارِ وكُلَّمَا زادَ في دُعائِهِم زَادوا في عُتُوهِم وكُفرِهِم، ولَمْ يؤمنُ بِهِ غيرَ أهلِهِ وعُدَّةٍ قَليلةٍ مِنْ غَيرهِم حَتَى آيسَ مِنْ إيمَانِهِم وشَكَا ذَلكَ إلَى رَبِّهِ وَطَلَبَ مِنْهُ النَصرَ سورة نوح و القمر و المؤمنون .
ونَحنُ نَستفيدُ مِنْ هَذا كُلُّهِ أنَّ السُّخريَّةَ والإستهزاءَ لَيستْ مِنْ صِفاتِ المؤمنينَ ولَا مِنْ طَّبيعةِ فِطْرَتِهِم الّتي فَطرَ اللهُ عَزَّ و جَلَّ عَليها النَّاسَ جَميعاً ، فَكُلُّ مَنْ خَالفَ هذهِ الفطرةِ تَكونُ عَاقِبَتُهُ كَعاقبَةِ قومِ نوحٍ الجَاحدينَ ، والرِّوايات الّتي توضح ذلك كثيرةٌ مِنْها:-
عَنْ أبي عَبدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)
(يا مَعشرَ مَنْ أسلَمَ بِلِسَانِهِ، ولَمْ يُخلِص الإيمانُ إلَى قَلبِهِ، لا تذمّوا المسلمينَ، ولَا تَتبّعوا عَورَاتَهُم؛ فإنّه مَنْ تتبّعَ عَوراتَهُم تَتَبعَ اللهُ عَورَتَهُ، وَمَنْ تَتبّعَ اللهُ عَورتَهُ يَفضَحُهُ وَلَو في بَيتِهِ) أصولُ الكَافي، ج2، ص 354 ، والسَبَّبُ كَمَا ذَكرَهُ تَعَالى في كِتَابِهِ العزيزِ: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } الحجرات:10 ،وآخر دَعوانَا أن الحَمدُ للهِ ربِّ العالمينَ ، وصَلَى اللهُ علَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّاهرينَ .
تعليق