بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
إنَّ حَصرَ الإستعانَةِ باللهِ سُبْحانَهُ كَحصْرِ العِبادَةِ غَيرُ قَابلٍ للتَخصيصِ، لأنَّ كلَّ شيءٍ يُساهمُ في تَلبيةِ حَوائجِ الإنسانِ فَجميعَهُ مِنْ شِؤونِ فاعليّةِ اللهِ سُبحانَهُ، ومِنْ جُندِ اللهِ الّذينَ هُمْ علَىٰ أهبَّةِ الاستعدادِ: ﴿لِلَّهِ جُنُودُ السَّماوَاتِ وَالأَرْض﴾ سُورةُ الفتحِ، الآيتان 4 و7 ولِكلِّ واحدٍ مِنْهم دَورٌ يؤدّيِهِ في نِظامِ الكَونِ .
وَلِذَلكَ فإنَّ مُوحّداً كَإبراهيمِ (عَلَيِهِ السَّلَامُ) يَقولُ في أصْلِ مَسألةِ التَوحيدِ: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماوَاتِ وَالأَرْض﴾ سُورةُ الأنعَامِ، الآية 79. وفي الاُمورِ العَاديّةِ يقولُ: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ٭ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ٭ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين﴾ سُورةُ الشُعراءِ، الآيات 78 ـ ،80
فالإنسانُ المُوحّدُ يُعْدُّ اللهَ سُبحانَهُ هو الخَالقُ والهَاديُّ والمُطْعِمُ والسَاقيُّ والشَافيُّ، ومَنْ يَعتقدُ أنَّ اللهَ خَلَقَ لَنَا الموادَّ الأوّليةِ للطَّعامِ والدَّواءِ وأمثالِ ذَلكَ وأنَّنَا مُستقلّونَ في تَركيبِها وصِناعَتِها وتحضيرِها، فَهذا هوَ مِنَ التَفويضِ البَاطِلِ الّذي لَا يَتناسبُ مَعَ الرُّبوبيّةِ المُطلقةِ للهِ سُبحَانَهُ علىٰ جَميعِ عَوالمِ الوجُودِ ،
فالمُطعِمُ للإنسانِ والسَاقي والشَافي هوَ اللهُ ، طبعاً إنَّ اللهَ سُبحَانَهُ يَفعلُ هذه الأمورَ عَنْ طَريقِ الأسبابِ الخاصّةِ، ومسبّبُ الأسبابِ هوَ أيضاً، ولِذلكَ عَلّمونَا أنْ نقولَ في الدُّعاءِ: «وقرّب فيه وسيلتي إليك من بين الوسائل».مَفاتيحُ الجِنانِ، دُعاءُ اليومِ 28 مِنْ شَهرِ رَمضانَ ، وأسبابُ الأمورِ لَيستْ في عَرضِ السَببيّةِ الإلٰهيّةِ وَلَا تُعدُّ مُستقلّةٌ في سَببيّتَها، فالمُطْعِمُ هوَ اللهُ لَا الطَّعامُ وَلَو كَانَ المُطعِمُ والمُشبِعُ هَوَ الطَّعامُ لَكانَ طَعامُ (الضَريع)[ نباتُ شَوكيٌ في الصَحراءِ] يُغني أهلَ جَهنّمَ مِنَ الجُوعِ عِندَ أكْلِهِ في حِينَ أنَّهُم مَهمَا أكَلُوا مِنهُ فإنَّهُ لَا يَرتفعُ عَنْهُمُ الجُوعُ أبداً: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ ٭ لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوع﴾ سُورةُ الغَاشيةِ، الآيتان 6 ـ 7 ..
واللهُ سُبحَانَهَ يُدبّرُ جَميعَ الأمورِ وَقدْ أمَرَنَا أنْ نقولَ: (بإسمِ اللهِ أموتُ وأحيىٰ)البِحارُ، ج73، ص202 عِندَ الإخلادِ إلىٰ النَّومِ، وأنْ نقولَ: (الحَمدُ للهِ الّذي أَحياني بَعدَمَا أمَاتَني وإليِه النُشور) البحارُ، ج73، ص204 عِندَ الإستيقاظِ، والهدفُ مِنْ تعليمٍ الأدعيةِ التَوحيديّةِ هوَ جَعلُ حَياةِ الإنسانِ كلِّها تَوحيديّةً وبعيدةً ونقيّةً مِنَ الشِركِ ، وَحصرِ الإستعانَةِ باللهِ يَقتضي أنْ لَا يطلبَ الإنسانُ عَوناً مِنْ غيرِ اللهِ وأنْ لَا يَحسبَ نَفسَهُ مُعيناً ومُغيثاً للآخَريِنَ، لأنَّ المُستعانُ الوحيدُ هوَ اللهُ ﴿وَاللَّهُ الْمُسْتَعَان﴾ سُورةُ يُوسف، الآية 18.
وخُلاصةُ القَولِ:- إنَّ الرُّبوبيّةُ المُطلقةَ للهِ سُبحانَهُ لَا تَدعُ مَجالاً لِاستقلالِ أيُّ فاعلٍ، وبالرؤيَةِ التَوحيديّةِ فإنَّ جَميعَ أعمالِ الخَيرِ هَي فِعلُهُ، وَبِذَلكَ البَيانُ السَابِقُ اتّضحَ الجوابُ علىٰ شُبهَةِ عَدمِ الانسجامِ بَينَ الإستِعانَةِ بالصَبرِ والصَلاةِ في قَولِهِ تَعالىٰ ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَبْرِ وَالصَّلاَة﴾ سُورةُ البَقرةِ، الآية 153 وبَينَ حَصرِ الإستعانةِ باللهِ، لأنَّ الإستعانةَ بالصَلاةِ وَباقي العِباداتِ هَي إستعانةٌ بشأنٍ مِنَ الشؤونِ الإلٰهيّةِ وَفعلٍ مِنْ أفعالِ اللهِ وإرتباطٍ مَعَ (وَجهُ اللهِ) لَا مَعَ الغَيرِ ، فالعبدُ والصَلاةُ جِسرٌ يَعبرُ بِنَا نَحو الهَدفِ،وإلاّ فإنَّهُما لَا استقلالَ لَهُمَا في الإعانَةِ والإمدادِ ، إنتهى .الشيخُ عبدُ اللهِ الجوادي الآمُلي .
أقولُ:إنَّ عَلينَا أنْ نَتوجّهُ بالإستعانةِ باللهِ عزَّ وجلَّ في كلِّ أمرٍ مِنَ الأمورِ حتّى فِيمَا كَانَت أسبابُهُ الماديَّةُ والظَاهريَّةُ موفورةً، فضلاً عَمَا نَرى في أنْفُسِنِا عَجَزاً أو قُصوراً عَنِ القيامِ بِهِ ، ولذا يُخاطبُ الإمامُ (عَلَيِهِ السَّلَامُ) ولدَه الإمامَ الحسنَ(عَلَيِهِ السَّلَامُ) في وصيّتهِ له مبيناً ضَرورةَ أنْ تكونَ الخطوةُ الأولى عندَ القيامِ بأيِّ شيءٍ هوَ الاستعانةُ باللهِ عزَّ وجلَّ، بقوله:- (وابْدَأْ قَبْلَ نَظَرِكَ فِي ذَلِكَ بِالاسْتِعَانَةِ بِإِلَهِكَ، والرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي تَوْفِيقِكَ)
نَهجُ البَلاغةِ - خُطبُ الإمامِ عليٍّ (عَلَيِهِ السَّلَامُ) - ج ٣ - الصفحة ٤٢
كَمَا يُوصي(عَلَيِهِ السَّلَامُ) أحدَ أصْحابِهِ في رِسالةٍ بعثَها لَهُ بالإكثارِ مِنَ الاستعانةِ باللهِ عزَّ وجلَّ، وإنَّه البابُ للوصولِ إلى المطلوبِ، يقولُ(عَلَيِهِ السَّلَامُ) :-( وأَكْثِرِ الاسْتِعَانَةَ بِاللَّهِ يَكْفِكَ مَا أَهَمَّكَ، ويُعِنْكَ عَلَى مَا يُنْزِلُ بِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ) بِحارُ الأنوارِ، العَلامةُ المَجلسيِّ ، ج ٣٣ ، ص 593.
وهذهِ الإستعانةُ كَما تكونُ بالعزمِ القَلبي وبالقولِ اللفظي تكونُ أيضاً بوسيلةِ الإرتباطِ باللهِ عزَّ وجلَّ مِنْ خِلالِ التَقوى الّتي هيَ بابٌ مِنْ أبوابِ الإستعانةِ، يقولُ أميرُ المؤمنينَ(عَلَيِهِ السَّلَامُ):- ( عِبَادَ اللَّهِ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، والْمُوجِبَةُ عَلَى اللَّهِ حَقَّكُمْ، وأَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللَّهِ ، وتَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اللَّهِ : فَإِنَّ التَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ والْجُنَّةُ ، وفِي غَدٍ الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ) نَهجُ البَلاغَةِ، الخُطبَةُ رَقم 191.
وَمِنَ المواردِ المُهمّةِ الّتي يَنبغي الإستعانةُ باللهِ عزَّ وجلَّ بِها هيَ الإستعانةُ عَلَى مُواجهةِ عَدوّينِ في حياةِ هذا الإنسانِ، وَهُمَا:-:
1- النفسُ التي تتثاقلُ بالإنسانِ عَنِ الطَّاعةِ وُتمَنِّيِهِ بِالتسويفِ ، يقولُ أميرُ المؤمنينَ(عَلَيِهِ السَّلَامُ) (ونَسْتَعِينُهُ عَلَى هَذِهِ النُّفُوسِ الْبِطَاءِ عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ، السِّرَاعِ إِلَى مَا نُهِيَتْ عَنْهُ) ميزانُ الحِكمةِ ، مُحَمَّدُ الرَيشهري ، ج ١2 ، 336.
2- الشيطانُ الذي يكمنُ لهذا الإنسانِ ليوقعَه في المعصيةِ، يقولُ (عَلَيِهِ السَّلَامُ):- ( وأَحْمَدُ اللَّهً وأَسْتَعِينُهُ عَلَى مَدَاحِرِ الشَّيْطَانِ ومَزَاجِرِهِ، والاعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِهِ ومَخَاتِلِهِ ) بحار الأنوار، العلامة المجلسي ، ج ٣٤.
تعليق