بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
نتيجة مُرعبة ومهولة التي يخلص إليها المفتش عن كمّ السنوات المشغولة فعلياً بعطاء مثمر، إنّها نادرة، وندرتها دليل على عدم تقديرنا لأهميّة الموهوب لنا من فُرص استثمارية يمكن أن ترفع درجاتنا عند الله.
وفي استعراض سريع لمجمل المُبدَّد من أوقاتنا دون توظيف في الخير والعطاء والإبداع ونفع الناس، نخلص إلى الآتي:
1- ساعات النوم الطويل: ربّما ثلث أو أكثر من ثلث أعمارنا يُقضى في النوم، وهي ساعات سبات عن العمل، أي خالية منه، إلّا مَن أضمر في ضميره خيراً، وبَيَّت في نفسه أن يعمل خيراً، ومَن راجع نفسه وقرَّر أن يتفادى تقصيراته، ومَن بات على طَهور وأغمض عينيه على ذِكر.
ساعات النوم ليست من عمل الإنسان، وقد تُحسب منه إذا بات وجسدهُ كالّاً من العمل، أو بات ليستيقظ في بعض الليل في مناجاة ربّانية، أو أنّه يتوقَّف خلال تلك الفترة عن ظُلم غيره، ولذلك قيل في الأمثال «نومُ الظالم عبادة» على اعتبار أنّه يكفّ خلال النوم شرّه عن الناس.
2- جلسات الثرثرة: وهذه الأوقات المهدورة من غير ذِكر لله، ولا نفع للذات فيها وإنّما هي جلسات ساخرة فارغة يكثر فيها اللغو، والقفز من موضوع إلى موضوع، وتتخلَّلها الاغتيابات، وربّما يقع فيها من الحرام أكثر ممّا ينتج عنها من الحلال، هي نوع من تمضية أو قتل الوقت وطرد الملل في اجترار ذكريات قديمة، وأحاديث مطويّة، وسخريات من الآخرين، ونكات تستثير الضحك والقهقهة في السخرية من هذا الرجل أو تلك المرأة.
هي جلسات يقظة، لا يعمل فيها إلّا (اللسان) و(النظرات البلهاء) التي تتطلَّع في وجوه المارّة في المقاهي، أو في الفراغ، أو فيما لا اعتبار فيه؛ ولكنّها في واقع الحال أوقات مهدورة يكثر فيها اللغو واللهو وإعادة تدوير الكلام.
3- التسكُّع في الشوارع والأسواق: وهذا وقت ضائع آخر، حيث يسير بعض الناس على غير هُدى لا يلوون على شيء، كما يهيمُ على وجهه كالمتخبِّط الذي لا يستدلّ على طريقه، يتنقّلون من شارع إلى شارع، ومن سوق إلى سوق، يلقون بالنظر على ما يحلّ وما لا يحلّ، ويغتابون كلَّ مَن يمرّ في طريقهم غير مبالين للوقت الذي يُداس بأقدامهم، وتزهق روُحهُ تحت عجلات بطالتهم.
4- السهرات الليلية الفارغة: وهي غير جلسات الثرثرة النهارية أو التي تدورُ هنا وهناك حتى في دوائر الدولة، وأماكن العمل، حيث يجتمع عدد من الأصدقاء متحلِّقين حول قناني الأركيلة ينفثون حلقات الدخان في وجوه بعضهم، مثلما يتلفَّظون أو يلفظون الكلام الذي يخرج من أفواههم من غير حساب أنّ الكلام يدخلُ في الحساب، ومن غير مراعاة إلى أنّ السهر الطويل قد يحول دون استيقاظ الإنسان السهران وأداء فريضة صلاته في الفجر، ناهيك عن استيقاظه في الضحى متأخِّراً عن عمله ونشاطه اليوميّ.
5- العمل الطويل المتواصل المرهق لكاهل العامل، المبلِّد لحواسه، المحيل له كماكينة تدور وعجلة لا تتوقّف، كلّ ذلك من أجل كسب المزيد من المال، ولو كان ذلك على حساب بناء الذات وتربية العيال، والتنبُّه إلى الأعمال الصالحة والنافعة الأُخرى.
6- ساعات اللهو العابث التي قد تستغرق أوقاتاً طويلة سواء في الجلوس إلى التلفاز، أو التسمُّر إزاء الحاسوب أو الانكباب على الألعاب الإلكترونية، ما أن تنتهي واحدة حتى يَشرع بالأُخرى، ولا ينتبه إلّا والوقت يمرّ مسرعاً ضائعاً غير مُعوَّض.
بل حتى الجلوس صامتين من غير ذِكر ولا تفكُّر ولا تأمُّل ولا مراجعة ولا قراءة في كتاب نافع، كلّ ذلك من الوقت المهدور الذي يشكو تفريط صاحبه به، وربّما يشكو سفك دمه ظلماً وعدواناً.
7- الغفلة عن اغتنام مواسم الخصب والخير من (الأزمنة المباركة) التي تعتبر مواسم تعويضية، أو ترميمية، أو جبرية (تجبر كسور الزمن الفائت أو المضيع هدراً) كشهر رمضان وليلة القدر والأشهر الفضيلة رجب وشعبان ويوم الجمعة، إذ تمضي أيّامها المعبَّأة بطاقات وشحنات مكثَّفة، كما تمضي سواها من الأيّام من غير أن يغتنم أو يستثمر الإنسان المُسلِم فرصتها.
8- ومن الأزمنة المهدورة ما عَبَّر عنه النبيّ (ص) في وصيّته لأبي ذرّ الغفاريّ حين قال له: «يا أباذر احفظ ما أُوصيك به تكن سعيداً في الدُّنيا والآخرة. يا أباذر! نعمتان مغبون فيهما كثير من الناسِ الصحّة والفراغ. يا أباذر! اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»[1]، والحديث ليس كما يتصوَّر بعض قارئيه أن يهتم بالوقت في ثلاث فقرات منه، بل كلّه يتحدّث عن أهميّة الوقت وضرورة اغتنامه، فالشباب قبل الهَرم، دعوة للعمل في فترة النشاط والحيوية، والصحّة قبل السقم، أي في مرحلة العافية التي تكون عادة في أواسط العمر، والغنى قبل الفقر، أي قد تحمل معنى الغنى المادّي قبل الفقر المادّي، أي استثمار المال المستحصل في بناء رصيدٍ أُخرويّ؛ لكنّه قد يحمل أيضاً معنى غنى القوى البدنية والروحية والجسدية، قبل الافتقار إليها في مراحل العمر المتقدِّمة التي يفتقر فيها الإنسان إلى الكثير منها.. وأمّا الأخيرة الحياة قبل الموت فوصيّة جامعة شاملة تدعو إلى اغتنام فرصة الحياة قبل الممات، أو قبل انقطاع العمل، وقبل الحسرة والندامة، وقبل: «يا ليتَني قَدَّمتُ لحياتي»، ولذلك ورد عنه (ص): «الدُّنيا ساعة، فاجعلوها طاعة»[2] تأكيداً على ضرورة استثمارها استثماراً كاملاً، وإلّا كان صاحب (العمر) الموهوب كفلّاح تقاعس وتكاسل عن البذار في موسم الزرع، ولمّا رأى الذين يحصدون ما زرعوا مات حسرةً وكمداً وأسىً ومرارة.
واستيحاءً من هذه النقطة، نقول عن (تفويت الفرص) من أوقات عمرنا المهدورة، إنّه قد يجود الزمان بفرص ثمينة لا تعوَّض، وتمرّ مرّ السحاب أو قد تأتي في العمر مرّة واحدة؛ لكنّ الإنسان الجهول الغافل المستغرق في لهوه وعبثه يُفوِّتها ويُضيِّعها، وإذا جاء وقت الندم لا يجد جدوى في الندم.. لقد جاءت (لكنعان) فرصة نجاة كبيرة بالركوب في السفينة والإيمان بالله والفوز مع المؤمنين؛ لكنّه ركلها برجله، في حين اغتنم الإمام عليّ (ع) وفاطمة (ع) فرصة سؤال المسكين واليتيم والأسير ليعطوه ما لديهم من طعام ويفوزوا بجنّةٍ وحرير ويكفيهم الله تعالى شرّ يوم عبوس قمطرير.
الفرص التي تُعرَض لنا وتُعرَض علينا كثيرة؛ لكنّنا وبجهلنا بقيمتها وبأنّها قد لا تتكرَّر نهملها فنهدرُ فرصاً للفوز بالجنّة، كما في فرص المعونات والتبرُّعات والمساهمات وبناء المشاريع التي تبقى بعد رحيل الإنسان صدقة جارية.
[1]- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، حسين بن ورام، ص371.
[2]- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج77، ص164.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
نتيجة مُرعبة ومهولة التي يخلص إليها المفتش عن كمّ السنوات المشغولة فعلياً بعطاء مثمر، إنّها نادرة، وندرتها دليل على عدم تقديرنا لأهميّة الموهوب لنا من فُرص استثمارية يمكن أن ترفع درجاتنا عند الله.
وفي استعراض سريع لمجمل المُبدَّد من أوقاتنا دون توظيف في الخير والعطاء والإبداع ونفع الناس، نخلص إلى الآتي:
1- ساعات النوم الطويل: ربّما ثلث أو أكثر من ثلث أعمارنا يُقضى في النوم، وهي ساعات سبات عن العمل، أي خالية منه، إلّا مَن أضمر في ضميره خيراً، وبَيَّت في نفسه أن يعمل خيراً، ومَن راجع نفسه وقرَّر أن يتفادى تقصيراته، ومَن بات على طَهور وأغمض عينيه على ذِكر.
ساعات النوم ليست من عمل الإنسان، وقد تُحسب منه إذا بات وجسدهُ كالّاً من العمل، أو بات ليستيقظ في بعض الليل في مناجاة ربّانية، أو أنّه يتوقَّف خلال تلك الفترة عن ظُلم غيره، ولذلك قيل في الأمثال «نومُ الظالم عبادة» على اعتبار أنّه يكفّ خلال النوم شرّه عن الناس.
2- جلسات الثرثرة: وهذه الأوقات المهدورة من غير ذِكر لله، ولا نفع للذات فيها وإنّما هي جلسات ساخرة فارغة يكثر فيها اللغو، والقفز من موضوع إلى موضوع، وتتخلَّلها الاغتيابات، وربّما يقع فيها من الحرام أكثر ممّا ينتج عنها من الحلال، هي نوع من تمضية أو قتل الوقت وطرد الملل في اجترار ذكريات قديمة، وأحاديث مطويّة، وسخريات من الآخرين، ونكات تستثير الضحك والقهقهة في السخرية من هذا الرجل أو تلك المرأة.
هي جلسات يقظة، لا يعمل فيها إلّا (اللسان) و(النظرات البلهاء) التي تتطلَّع في وجوه المارّة في المقاهي، أو في الفراغ، أو فيما لا اعتبار فيه؛ ولكنّها في واقع الحال أوقات مهدورة يكثر فيها اللغو واللهو وإعادة تدوير الكلام.
3- التسكُّع في الشوارع والأسواق: وهذا وقت ضائع آخر، حيث يسير بعض الناس على غير هُدى لا يلوون على شيء، كما يهيمُ على وجهه كالمتخبِّط الذي لا يستدلّ على طريقه، يتنقّلون من شارع إلى شارع، ومن سوق إلى سوق، يلقون بالنظر على ما يحلّ وما لا يحلّ، ويغتابون كلَّ مَن يمرّ في طريقهم غير مبالين للوقت الذي يُداس بأقدامهم، وتزهق روُحهُ تحت عجلات بطالتهم.
4- السهرات الليلية الفارغة: وهي غير جلسات الثرثرة النهارية أو التي تدورُ هنا وهناك حتى في دوائر الدولة، وأماكن العمل، حيث يجتمع عدد من الأصدقاء متحلِّقين حول قناني الأركيلة ينفثون حلقات الدخان في وجوه بعضهم، مثلما يتلفَّظون أو يلفظون الكلام الذي يخرج من أفواههم من غير حساب أنّ الكلام يدخلُ في الحساب، ومن غير مراعاة إلى أنّ السهر الطويل قد يحول دون استيقاظ الإنسان السهران وأداء فريضة صلاته في الفجر، ناهيك عن استيقاظه في الضحى متأخِّراً عن عمله ونشاطه اليوميّ.
5- العمل الطويل المتواصل المرهق لكاهل العامل، المبلِّد لحواسه، المحيل له كماكينة تدور وعجلة لا تتوقّف، كلّ ذلك من أجل كسب المزيد من المال، ولو كان ذلك على حساب بناء الذات وتربية العيال، والتنبُّه إلى الأعمال الصالحة والنافعة الأُخرى.
6- ساعات اللهو العابث التي قد تستغرق أوقاتاً طويلة سواء في الجلوس إلى التلفاز، أو التسمُّر إزاء الحاسوب أو الانكباب على الألعاب الإلكترونية، ما أن تنتهي واحدة حتى يَشرع بالأُخرى، ولا ينتبه إلّا والوقت يمرّ مسرعاً ضائعاً غير مُعوَّض.
بل حتى الجلوس صامتين من غير ذِكر ولا تفكُّر ولا تأمُّل ولا مراجعة ولا قراءة في كتاب نافع، كلّ ذلك من الوقت المهدور الذي يشكو تفريط صاحبه به، وربّما يشكو سفك دمه ظلماً وعدواناً.
7- الغفلة عن اغتنام مواسم الخصب والخير من (الأزمنة المباركة) التي تعتبر مواسم تعويضية، أو ترميمية، أو جبرية (تجبر كسور الزمن الفائت أو المضيع هدراً) كشهر رمضان وليلة القدر والأشهر الفضيلة رجب وشعبان ويوم الجمعة، إذ تمضي أيّامها المعبَّأة بطاقات وشحنات مكثَّفة، كما تمضي سواها من الأيّام من غير أن يغتنم أو يستثمر الإنسان المُسلِم فرصتها.
8- ومن الأزمنة المهدورة ما عَبَّر عنه النبيّ (ص) في وصيّته لأبي ذرّ الغفاريّ حين قال له: «يا أباذر احفظ ما أُوصيك به تكن سعيداً في الدُّنيا والآخرة. يا أباذر! نعمتان مغبون فيهما كثير من الناسِ الصحّة والفراغ. يا أباذر! اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»[1]، والحديث ليس كما يتصوَّر بعض قارئيه أن يهتم بالوقت في ثلاث فقرات منه، بل كلّه يتحدّث عن أهميّة الوقت وضرورة اغتنامه، فالشباب قبل الهَرم، دعوة للعمل في فترة النشاط والحيوية، والصحّة قبل السقم، أي في مرحلة العافية التي تكون عادة في أواسط العمر، والغنى قبل الفقر، أي قد تحمل معنى الغنى المادّي قبل الفقر المادّي، أي استثمار المال المستحصل في بناء رصيدٍ أُخرويّ؛ لكنّه قد يحمل أيضاً معنى غنى القوى البدنية والروحية والجسدية، قبل الافتقار إليها في مراحل العمر المتقدِّمة التي يفتقر فيها الإنسان إلى الكثير منها.. وأمّا الأخيرة الحياة قبل الموت فوصيّة جامعة شاملة تدعو إلى اغتنام فرصة الحياة قبل الممات، أو قبل انقطاع العمل، وقبل الحسرة والندامة، وقبل: «يا ليتَني قَدَّمتُ لحياتي»، ولذلك ورد عنه (ص): «الدُّنيا ساعة، فاجعلوها طاعة»[2] تأكيداً على ضرورة استثمارها استثماراً كاملاً، وإلّا كان صاحب (العمر) الموهوب كفلّاح تقاعس وتكاسل عن البذار في موسم الزرع، ولمّا رأى الذين يحصدون ما زرعوا مات حسرةً وكمداً وأسىً ومرارة.
واستيحاءً من هذه النقطة، نقول عن (تفويت الفرص) من أوقات عمرنا المهدورة، إنّه قد يجود الزمان بفرص ثمينة لا تعوَّض، وتمرّ مرّ السحاب أو قد تأتي في العمر مرّة واحدة؛ لكنّ الإنسان الجهول الغافل المستغرق في لهوه وعبثه يُفوِّتها ويُضيِّعها، وإذا جاء وقت الندم لا يجد جدوى في الندم.. لقد جاءت (لكنعان) فرصة نجاة كبيرة بالركوب في السفينة والإيمان بالله والفوز مع المؤمنين؛ لكنّه ركلها برجله، في حين اغتنم الإمام عليّ (ع) وفاطمة (ع) فرصة سؤال المسكين واليتيم والأسير ليعطوه ما لديهم من طعام ويفوزوا بجنّةٍ وحرير ويكفيهم الله تعالى شرّ يوم عبوس قمطرير.
الفرص التي تُعرَض لنا وتُعرَض علينا كثيرة؛ لكنّنا وبجهلنا بقيمتها وبأنّها قد لا تتكرَّر نهملها فنهدرُ فرصاً للفوز بالجنّة، كما في فرص المعونات والتبرُّعات والمساهمات وبناء المشاريع التي تبقى بعد رحيل الإنسان صدقة جارية.
[1]- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، حسين بن ورام، ص371.
[2]- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج77، ص164.
تعليق