يمتلك المنبر الحسيني عوامل الارتقاء المتوازن روحياً، وهذا ناشئ عن امتلاكه عناصر القوة التي تعني وجود قيم جوهرية مثل تماثلها مع الفكر القرآني ومعطيات المنبر الحسيني مع ما يمثله الحسين (عليه السلام) من تنامي فكري شامل عام على جميع الصالحين.
وفي بحث السيد عقيل الغروي الموسوم بعنوان (المنبر الحسيني سلّم الارتقاء) وهو أحد بحوث مهرجان ربيع الشهادة الخامس عشر، العمق الجوهري لاستنهاض الأمل يدفع الكثير من الباحثين الى مفهوم الرأس المذبوح وهو يرتل القرآن، ويكون مثلاً إنسانياً لرفض الباطل والمنكر، وتحدي العقل البشري لصراعات سياسية يقودها طغاة الجور، ورفض الحسين (عليه السلام) لبيعة يزيد، هذا الرفض هو منار الأمم الى حقيقة التوحيد بجميع مراميه الذاتية والاسمائية والصفاتية والعبادية، وهو مصلح لفهم الأقدار الإلهية الإنسانية.
الملاحظ أن بحث السيد عقيل الغروي يلج عوالم الجوهر التاريخي المعنوي بجملة يكررها طوال ملخص البحث (وقد بدا لي) وهو يمثل مظهرا من مظاهر البحث والاستدلال، وهو التفرد في صيغته الفاعلة، فهو يرى أن ذروة الكمال الإنساني هو المنبر الحسيني؛ كونه سلم الارتقاء الى ما لا نهاية، وبمعنى ان يستمر فلو تأملنا معنى قوله: إن العلم يأبى الجمود والركود، فهو دائماً في ارتقاء الى مالا نهاية، واستيعاب هذه الحقيقة بوجدان صادق، وتعريف لديمومة المنبر الحسيني، وهو يمر عبر كل جيل له خصوصياته ووتائر نموه وهو يمثل القضية، ولو فهمنا متطلبات وجوده وتناميه لاستوعبنا حقيقة العلم والمعرفة.
وبمعنى أن نستمر الى التقدم تواصلاً مع استمرار الزمان، فيأبى الجمود والركود، ويطالب الباحث بتطبيق هذه الرؤى على المناهج الدراسية والجامعات، إن العلم يأبى الجمود، فلا يعقل أن ندرس كتاباً خلال سنوات عديدة بدون أن نغير شيئاً فيه، هناك كتب مازالت منذ مئات السنين، والنبي (ص) يقول: (إن العلم نور) ورسخ مفهومها جميع أئمتنا، وإن أشعة النور لا تستأنس بالسكون والاستقرار، بل إنها دائماً بحركة مستمرة نحو الامام بخط مستقيم، إذا لم يعرض لها أي مانع.
وأشعة العلم تسير على الشرط وتهدي وتقود الى مالا نهاية له ألا وهو التوحيد الحق، وهذه هي حقيقة العلم، وهذه هي الرؤية الصحيحة، حقيقة الوجود ومعناه، يقول الامام امير المؤمنين (عليه السلام): (إن العلم يزهو)، هو يزهو ويتطور ويرتقي ولا تنفذ للعلم حركته الدائمة الى ما لا نهاية له، وقال مولاي الحسين (عليه السلام): (دراسة العلم لقاح المعرفة) يشمل كل جوانب الحياة، مواريث ثقافية منتمية الى روح الدين والعلم مستمرة في الحياة، لغة وافكاراً ومفهومات واعتقادات وتصورات مختلفة، يحتويها المنبر الحسيني ليفعلها الى مفهوم التطور القائم (البنيان الثقافي) الخاص بأمة ومجتمع؛ كونه حاملاً للرؤى الشاملة، لكن الرؤى تنبثق منها منظومات القيم الضابطة للسلوكيات والعلاقات المتبادلة داخل المجتمع وخارجه، المنبر المنسوب الى رسول الله (ص) والى وصيه أمير المؤمنين (عليه السلام) والى حفيده الحسين (عليه السلام) السبط الشهيد، وقد أمر (ص) بنصبه وبنائه في الموضع الذي أعلن لعلي (عليه السلام) الولاية في غدير خم والذي تجده في كل مسجد منصوبا، وهو رمز عظيم للثقافة الإسلامية الخالصة انه لرمز عظيم للثقافة التي أساسها العلم والمعرفة والشوق المتواصل الى ما لا نهاية، تكوين المنبر كبنيان ثقافي فكري تعالى على أي تأثر لسيرورة الزمان الاجتماعي خلال التأريخ، تتكيف مع كل ظاهرة فكرية، وترتقي بها بمبدأ الهوية الايمانية.
ويرى الباحث السيد عقيل الغروي أن المنبر الحسيني هو مصدر الفضاء الفكري الإسلامي ومنار الاشعاع الإسلامي، وله القدرة على تقديم الرؤى النيرة والشاملة للإنسانية جمعاء أي بمعنى ان الثوابت الأولية (المبدأ ـ الهوية)، ندخل في حيز المشترك الإنساني بشمولية التأثير الوجدانية برسالة المنبر، فهو يحمل شروط المثاقفة مع شروط التأثر والتأثير، لذلك يجب أن يكون الخطاب المنبري خطاباً شاملاً ونداء عاماً بمنهج كلي شامل للارتقاء الى ما لا نهاية له، فموضوع التوحيد هو الحق الشمولي، والمنبر لديه عناية خاصة للدفاع عن التوحيد والنبوة وترسيخ مفاهيم الولاية.
الحسين (عليه السلام) دافع عن هذه المفاهيم، دافع ضد أن يرتقي شأن المسلمين من لا دين له ولا إنسانية، ولا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا بنبوة محمد (ص)، أليس هو الذي يقول:
(لعبت بنو هاشم في الملك ... لا خبر جاء ولا وحي نزل)
عليه أن يدافع عن ولاية الرفض وولاية الأئمة من ولده، لاشك أن العوالم المهمة للمنبر هي الوعظة الحسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر الثقافة الإسلامية، وفرت القيم الولائية والتمسك بالفضائل والتجلي بالمآثر.
يرى السيد الباحث أن مهمة المنبر هي الدعوة الى الله، وهي المسير المعراجي الى مالا نهاية.. بحث اكبر من أن يختصر.. فله حيثيات تأملية واسعة.