( مذكرة الشيخ باسم النصراوي )
(1)
أصبح تحسين عبد الله يعشق الصمت، لا يريد أن يتحدث بشيء يؤذيه ويؤذي الناس، لا يريد أن يقلب المواجع، والبعض يعمل جاهداً ليوقظ فيه صوته الذي امتلك التجربة والوعي، هو قال كل شيء منذ بواكير الأحداث وقبلها، قال: إياكم أن تأخذكم اللعبة السياسية الى تدابيرها، فتمزق لكم هويتكم ووطنيتكم وانسانيتكم، هم يتذكرون ما قاله:ـ دعونا نتعرف على مصدر المشكلة؛ كي نعالجها بحكمة، الاخفاق الحكومي لا يمثل أمة وشعباً.
نحن بمقدورنا اليوم أن نغيّر حكومات ان ننهض بالواقع الخدمي، بمقدورنا كشعب ان نعمر تلك البنى التي تمس حياة المواطن، كيف ينظر الناس اليه اليوم وقد ارتدى صمته، لا أحد يلومه، فهو طالما قال: شذبوا انتقاداتكم، أبعدوا ساحات الاعتصام عن دسائس السياسة، الاصلاح لا يأتي عبر قتل الأخ لأخيه والصديق لصديقه.
:ـ اياكم والطائفية، قالها في كل حين، فإنها مقيتة، قال لهم: ماذا بعد اسقاط الحكومات؟ قال لهم هذا الصامت اليوم:ـ فسروا لي معنى (قادمون يا بغداد)، كل هذه الأمور كان تحسين العبد لله يدركها ويعرف معناها، كان يحلل الاخبار ويقترح القرارات، كان يتدفق في الكلام عند كل صوت، يحاورهم بهدوء، وكان الجميع في حينها يصغي اليه، لكن ما فائدة أن يصغي الانسان وهو يعبث بمستقبل اهله وناسه، ما فائدة أن يصغي وهو يسير الى الباطل بقدميه، الفضول الذي سيطر على البعض اليوم وهم يروون في هذا الصمت أذى، يا ليته تكلم ليعنفنا مثلما يريد، ليلوم، ليعاتب، ليقول كل الذي يريد ان يقوله، لكن لا يصمت.
يقول الشيخ عارف: إن تحسين العبد الله صار يتكلم بعينيه، وكلام العين اقسى، كل نظرة فيها تقول معاتباً: ألم أقل لكم من قبل، أن ساحات الاعتصام انتحار، أنتم كلكم تعرفون، أن تنظيم القاعدة تنظيم ارهابي فمنذ متى اصبحنا نحمل هذا التنظيم هوية وانتماء؟ ونتغنى باسمه انتشاء: (احنا تنظيم اسمنا القاعدة)، كانت السياسة تحرككم بأصابعها الخبيثة والتي تعرف كيف لعبت بأقدار البعض منا، كل نظرة من عينيه تعاتبنا، ألم أقل لكم: انتبهوا الى خيامكم التي كثرت، ومطالبكم التي كبرت، وهذه كلها تدابير لاستفزاز الحكومات من اجل استغلال أي تحرك لها، وفعلاً بعد قضية حرق بعض الخيام تغيرت العناوين، كان يقول لي:ـ شيخ عارف، لِمَ تغيرت العناوين؟ كيف تسمحون للقاعدة أن تتحرك باسم ثوار العشائر؟
اعترض احد أهل الفضول، وقال: هذا الصمت ليس من القضايا البسيطة، هي محنة أمة، فأما أن ينطق لنعرف ماذا يريد أو لنغمض عينيه قسرا ونستريح، سألته: وماذا تقرأ انت فيها؟ أجابني: أشياء كثيرة يا شيخ عارف اشياء كثيرة، قلت: لا شيء مهم ما دمنا لا نسمع له مشورة. كان يسألني أسئلة لا أجد لها عندنا جواباً، يسألني: كيف صرنا دواعش؟ من أين أتت داعش يا شيخ عارف؟ لماذا صرنا نفتخر بانهيار الاجهزة الامنية العراقية؟ صرنا نتحدث عن هروب افراد من قواتنا بلذة المنتصر، نفتخر بأننا نجمع الغنائم من بعضنا البعض، كيف سقطت تلك المدن بهذه السرعة (كركوك، صلاح الدين، ديالى، الانبار)..؟
:ـ شيخ، ما الذي يفرحنا بهذا المصير؟ يسألني شيخ عارف:ـ اين كانت تلك الخلايا النائمة في جسد العراق؟ كيف ننال الأمان ونحن ذبحناه حتى وصل الأمر أن بعضنا يحتل بعضا، وأقسى كلمة سمعتها منه حين قال لي ذات مرة:ـ دمرتم الفقراء.
أتذكر أنه سألني وطالما كانت اسئلته محرجة؛ كونها من الصميم:ـ هل استقبالكم للفاتحين الجدد خوفا منهم او فرحا بهم؟ يا شيخ راحت منا الطارمية، والنباعي، والكرمة، والعامرية، وجرف الصخر، واليوسفية، واللطيفية، والسعدية، وحُوصرت بغداد، أليست هذه مفاجأة قاسية؟ مفاجأة مرعبة؟ انخلع لها قلب العالم وانتم تفرحون؟ هل ما نعيشه من أحداث هو واقع أم وهم يا شيخ عارف؟ كلنا اليوم مشاريع ذبح في منهجية هؤلاء الدواعش.
قلت للشيخ عارف: وهل هذا القول كان فعلاً يفاجئك؟ اي انك لا تدري بحقيقة ما يجري؟ قال الشيخ عارف بعين دامعة:ـ شعرت أحياناً بأن أحدنا يخون، قال لي تحسين العبد الله: إن الحرب خدعة ومن مكر الحروب أن تحول سلام المدن الآمنة الى ميادين قتال، أن تأخذ منها أكثر مما تعطي شيئاً، أن تجزأ أمتكم الى حصص تشد قتال احدكم على الآخر، وتبارك النصر لكل الاطراف.
علي الخباز, [١١/٠٤/٢٠٢٢ ١٠:٥٤ ص]
ما كان يقلقني أن تحسين عبد الله كان ينتظر الحل من مرجعية النجف وله علاقة حميمية مع الشيخ باسم يستمد منه جميع تحركات المرجعية المباركة، أنا أيضاً لم أكن أفهم معنى هذا الفرح الذي يحمله أو الأمل الذي اصبح يكبر فيه، وجاءني يوماً يحمل بفرح بياناً اصدرته المرجعية بالنجف، كان تحسين عبد الله متابعاً لما تصدره المرجعية الدينية في النجف الاشرف مكتب سماحة السيد السيستاني (دام ظله الوارف) كالبيان الذي صدر بتاريخ 11/6/2014م وكان البيان بشأن الأحداث، فقرأه لي لعدة مرات بصوته، وكل مرة كان يقرأ بتلوين صوتي جديد: (بسم الله الرحمن الرحيم.. تتابع المرجعية الدينية العليا بقلق بالغ التطورات الأمنية الاخيرة في محافظة نينوى والمناطق المجاورة لها، وهي اذ تشدد على الحكومة العراقية وسائر القيادات السياسية في البلد ضرورة توحيد كلمتها وتعزيز جهودها في سبيل الوقوف بوجه الارهابيين، وتوفير الحماية للمواطنين من شرورهم، تؤكد على دعمها واسنادها لأبنائها في القوات المسلحة، وتحثهم على الصبر والثبات في مواجهة المعتدين، رحم الله شهداءهم الابرار، ومنّ على جرحاهم بالشفاء العاجل انه سميع عليم). حين كنا نتحدث عن تحركات داعش كان هو يحدثنا عن تحركات المرجعية المباركة ومتابعتها للأحداث والتواصل مع الشيخ باسم النصراوي ومعتمدي المرجعية في تلك المناطق. كان تحسين عبد الله مواطناً صالحاً يحب بلده العراق، وصوتا وطنيا جذب اهتمام الناس اليه.
وفي يوم 13/ 6/2014م اعلن سماحة السيد السيستاني فتوى الدفاع المقدسة على لسان خطيب الجمعة الشيخ عبد المهدي الكربلائي من خلال منبر الجمعة في الصحن الشريف.
اشتد به الفرح وكأني اراه لأول مرة، اسأله: ما الذي جرى؟ لا شيء يا شيخ سوى ان الشيخ باسم اخبرني بأن اجتماع الاخوة معتمدي المرجعية في العتبة العلوية المقدسة يوم 18 شعبان، وأدار الاجتماع السيد العميدي مسؤول المعتمدين.
سألته: ما الذي جرى بعد يا تحسين؟ اجابني: اشياء تسر القلب، فقد دار الاجتماع حول امور تعبئة الجماهير للالتحاق بمؤسسات الجهد العسكري، ورعاية عوائل المقاتلين المتطوعين والشهداء والاهتمام بالجرحى ولابد ان يكون لنا فعل حاسم لمساندة جنود المرجعية، والفرج ان شاء الله قريب.
كنت اخاف عليه من فتك الدواعش، فهم لا يرحمون احداً، وهو لا يخبئ مشاعره ووجدانه المرتبط بتحركات المرجعية؛ لكونها المنقذة للبلاد من هذا المصير العابث، كان يقولها بفرح وبعالي الصوت:ـ إن الاقبال على مراكز التطوع كبير حتى ان المعسكرات ضاقت بالمتطوعين، هذا في وقت كانت بغداد محاصرة ولا يمكن وصول المقاتلين الى وحداتهم الا عن طريق الجو من قاعدة الشهيد محمد علاء الجوية في مطار بغداد، وهذا يعني ان الدنيا بخير والشعب ما زال موحدا، لم تستطع داعش ولا القاعدة من فت اواصر المحبة.
وما يفرحني ان الرجال جاءوا يتحدون الموت من اجل تحرير مناطقنا، من أجل ان نعيش بأمن وسلام، هذا يعني ان نعيق البوم غير قادر على هز التفاؤل، كان تحسين العبد الله يزودنا بالأخبار من صديقه الشيخ باسم النشط مع اقرانه في تحرك المرجعية، يرسل له ما تحقق من احداث، وكنا ننتعش بتلك الرسائل، وما تحمل من احداث فقد وردتنا منه رسالة.
موكب المطار:
كنا سعداء بهذه التحركات التي تكشف وجه الخير والفرح والأمل القادم علينا من المرجعية المباركة، السؤال الذي يدور في كل رأس: هل كنا نفعل مثلما فعلوا هم اليوم لو كانت الصورة معكوسة؟ قال الشيخ: ربما، بينما اجاب تحسين العبدالله عن هذا السؤال: بالتأكيد نعم، فقال الشيخ: كيف خمنت ذلك؟ اجاب تحسين العبد الله: لأن نفوذ المرجعية المباركة لا يقف عند حدود الهوية المذهبية بل هو صوت العراق بكل ما يحمل من انتماءات، لذلك ستكون النصرة وطنية.
كتب لي صديقي الشيخ باسم عن الوفد المرجعي: ان احد الضباط واسمه العميد ماهر وهو ضابط استخبارات في الجيش العراقي يرغب برؤيتنا للتواجد في مطار بغداد من اجل تقديم المساعدة للمقاتلين الملتحقين بوحداتهم، الفتوى دخلت بشهرها الثاني وكان الاقبال على مراكز التطوع كبيرا حتى ان المعسكرات تضيق بالمتطوعين وكانت بغداد محاصرة، فلا يمكن وصول المقاتلين الى وحداتهم الا عن طريق الجو من قاعدة الشهيد محمد علاء الجوية في مطار بغداد.
علي الخباز, [١١/٠٤/٢٠٢٢ ١٠:٥٤ ص]
في يوم 27 من شهر رمضان كان موعدنا في ساحة عباس بن فرناس، جاءت سيارة عسكرية نوع (بيك اب) فيها ضابط برتبة مقدم (المقدم مهند) سلم علينا وترافقنا الى داخل المطار العسكري، كنا نمر بشارع طوله 15 كم حتى وصلنا الى قاعدة الشهيد محمد علاء الجوية، وقد رأيت اعداداً كثيرة من الجنود والمدنيين يسيرون على الاقدام قاصدين القاعدة الجوية، وعندما وصلنا الى القاعدة الجوية الى جناح ضيوف الشرف، كانت القاعدة مليئة بالمقاتلين الذين يفترشون الأرض، استقبلنا العقيد الطيار عادل السوداني مسؤول استخبارات القاعدة كان محبطا وصدرت منه كلمات التذمر والاستياء، وبعد تبادل السلام والتعريف بيننا قال: (انت رقم 101 من الذين زاروا القاعدة من دون فعل شيء وان من كل 500 مقاتل يأتون الى هنا لا يبقى منهم الا اقل من مائة، ان بغداد محاصرة ولا يمكن للمقاتل الالتحاق بوحدته الا عن طريق هذه القاعدة التي يبقى فيها المقاتل اكثر من ستة أيام، وهو ينتظر دوره للسفر لقلة الطائرات، ويبقى من دون طعام وشراب بل لا يوجد مكان مناسب لمبيتهم بسبب كثرة الاعداد حيث يدخل اكثر من 1500 مقاتل يومياً، وان هذا المكان اهم من غيره بسبب ان المقاتل يذهب منه الى ساحة المعركة مباشرة هذه مجموعة 200 مقاتل جاء بهم احد الضباط منذ أربعة أيام، وتركهم هنا واختفى عنهم)، ثم انتقلنا الى مقر امر القاعدة اللواء الطيار محمد عوني الذي بيّن أن ملاك القاعدة من الضباط والمراتب 125 مقاتلاً نأخذ من كل مقاتل مبلغ 125 الف دينار عراقي باسم التمويل الذاتي ونحن متفقون مع طباخ يقدم ثلاث وجبات للمقاتلين بهذا المبلغ ولمدة شهر كامل.
من الممكن أن يتحمل ضيوف عدد خمسة او عشرة، لكن لا يمكن ان يتحمل ما يقارب اكثر من 1500 مقاتل يوميا خصوصا اننا محطة نقل، وأن المقاتلين منشورون على وحداتهم الأصلية.
اتفقنا أن نقوم بفتح مطبخ يقدم الطعام للمقاتلين الوافدين سواء أكانوا من الحشد او الجيش او الشرطة ثم كانت لنا جولة في القاعدة الجوية، حيث دخلنا الى مدرج الطائرات كانت الطائرات عسكرية حمل، وبين ان عدد الطائرات ست فقط، اثنان منها تم تحويرها الى قاصفات للاستفادة منهما في العمليات العسكرية وواحدة عاطلة وواحدة صغيرة تستعمل للرصد والتصوير، واثنان عليهما نقل المؤن وذخيرة السلاح والعتاد ونقل الجنود المقاتلين، هذا كله اذا كان موقف الطيران يسمح، والا في بعض الأيام تسوء فيها حالة الطقس من مطر وضباب وتراب، والمعارك القريبة لا يمكن القيام بطلعات جوية، ثم قابلنا المقاتلين المتواجدين للسلام عليهم الذين تجمعوا حولنا، وبعد السلام ونقل سلام المرجع الأعلى اليهم وشكرهم على تلبية الواجب وبيان أن الجهاد يعني الجهد الكبير الذي منه قلة الطعام والشراب والنوم ومنه سلب الراحة.
بينو شكواهم ان هناك اهمالا لهم وانهم يتأخرون اكثر من ستة أيام ولا يوجد مكان للراحة والمبيت ولا طعام قال احد المقاتلين: (صار لي ستة أيام هنا من دون طعام).
قال اخر: (انا منذ خمسة عشر يوما لم آكل الا رغيف خبز واحد)، وقال اخر: (لا نريد الا ان يوفروا الطائرات لنقلنا)، وشكى اخر وقال: (لا توجد حتى سيارات توصلنا الى باب النظام الذي يبعد اكثر من 12كم، وكذلك عند دخولنا) وقال اخر: (بطل الماء الصغير يباع علينا بـ 2000 دينار).
ثم كانت لنا زيارة ثانية بعد خمسة أيام تداولنا فيها آلية العمل وحددنا مكاناً للمطبخ، وبدأ العمل يوم 12 من شهر شوال لسنة 1435 للهجرة.
كان الموكب يقدم الطعام على ثلاث وجبات لأكثر من 1500 مقاتل كان عمل موكب المطار (موكب ريحانة المصطفى المطار) يدار بواسطة بعض الاخوة المتطوعين على شكل وجبات كل وجبة ثلاثة أيام وعليهم مشرف.
اما نفقات الدعم المالي كانت من المتبرعين، واستمر هذا الحال لمدة سنة الى ان تبنى مكتب سماحة السيد السيستاني مصاريف هذا الموكب والعاملين حيث تم تثبيت وجبتين فقط، كان من ضمن عمل الموكب إقامة بعض المناسبات للمقاتلين وزيارة القواعد الجوية مثل: سبايكر والبكر وقاعدة عين الأسد، وكان للموكب واعضائه دور في المساندة في فك حصار مدينة آمرلي واغاثة أهلها.
تعليق