بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
يُعرّفُ الكَرمُ عَلَى أنَّهُ مَيلٌ أو نُزوعُ الروحِ لِتحقيقِ الذَوَّقِ قَبلَ تَحقيقُ فَائدةٍ أو مَصلحةٍ، فَهوَ يُبيَّنُ النُبلَ، والقِيمَةَ، والجُهدَ في المَشاريعِ الصَعِبةِ فالشَخصُ السَخيُّ، هوَ إنسانٌ نبيلٌ، وَيدَهُ مفتوحةٌ بطبعِهِ وصاحبُ الكرمِ لَابُدَّ أنْ يكونَ شديدَ التوكلِ، عظيمَ الزُهدِ، قويَّ اليقينِ ، وَلِذلكَ فإنَّ الكرمَ مرتبطٌ بالإيمانِ ظاهرُهُ كرمَ اليدِ ودافعُهُ كرمَ النَّفسِ، وَقدْ وَصَفَ رسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) بقولِه: (المؤمنُ غرّ كريمٌ، والفاجرُ خبّ لئيمٌ) بحارُ الأنوارِ - العلامةُ المَجلسي - ج ٦٤ - الصفحة ٢٨٣ (ولا يجتمعُ الشُّحُ والإيمانُ في قلبِ عبدٍ أبدًا ) الخصالُ ، الشيخُ الصَدوق، 75 / 118.
أُنظرْ للوصفِ الإلَهي للقرآنِ عندمَا قالَ عَزَّ و جَلَّ : {إِنَّهُۥ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ}
سُورةُ الواقِعَةِ آية 77، وأيضًا خصَّ اللهُ عَزَّ و جَلَّ النبِّيَّ في القرآنِ الكريمِ بوصفِهِ بالكرم بقوله تعالى: {وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} سُورةُ الدُّخانِ ، 17، وإن لم يكن لدينا دليل علَى عظمةِ كرمِ النَّبيِّ الاعظمِ وأهلِ بيتِهِ (عَلَيْهِم السَّلاَمُ)، لكانَ هذا اكبرُ دليلٍ وأوضحُ مصداقٍ لِعلو مَقامِهم وعظمةِ كَرمِهم، لانَّ الرَسولَ الامينُ تَحلى بِذلكَ وَقدْ إتخَذوهُ الائمةُ الاطهارِ (عَلَيْهِم السَّلاَمُ) قدوةً لَهم في ذَلكَ، بَلْ في كُلِّ شَيء.
الكريمُ: إسمٌ مِنْ أسمَائِهِ تَباركَ وَتَعالَى، وَصفةٌ مِنْ صفاتِهِ الثُبوتيَّةِ الفِعليَّةِ، وَقدْ إشتقَ مِنْها صفةُ الكرمِ لأهلِ بيتِ العترةِ الطَّاهرةِ بِوصفِهِ تَعالَى للنَّبيِّ الاكرمِ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) كمَا تَقَدم بقولِهِ تَعالَى: (رَسُولٌ كَرِيمٌ) وَهذا يَعني أنَّ الحَقَّ تباركَ وتَعالَى إشتقَ هذهِ الصِفةِ مِنْ صِفاتِهِ وأطلَقَها علَى نَبيِّهِ المُصطَفَى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) ،وبِهذا يكونُ الكرمُ مِنْ أشرفِ السَجايَا وأرفعِ الصِفاتِ، لِذلكَ اشادَ أهلُ البيتِ (عَلَيْهِم السَّلاَمُ) بالكرمِ والكثرماءِ وَنَوهوا عَنْهُمَا بأبلغِ تَنويهٍ ، فَقدْ رُويَ عَنْ أبي عبدِاللهِ الصَادقِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) انَّهُ قَالَ: (أتَى رجلٌ النَّبيَّ فَقالَ: يَا رسولَ اللهِ، أيُّ الناسِ أفضلَهُم إيماناً.فقالَ: (أبسطَهُم كَفاً) )، فقرنَ النَّبيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) أعلَى مراتبِ الايمانِ وافضليتَهُ بِعمقِ مَدى الكَرمِ وأعلَى درجاتِهِ، وهوَ قَولُهُ: (أبسطهم كفاً) أيْ أكثرَهُم عَطاءاً وإكراماً، بِمعنَى نَجدةِ المُستضعفينَ والمَحرومينَ وأِعَانَتَهُم بَمَا يَملكُ ولَايُفَرِّطُ في أكثرِ مِنْ ذَلكَ، بِحيثْ يُعطَى حسبِ الحَاجةِ، بَلْ بِمقدارِها، فلَايُسرفْ ولايُقَتِّرْ ويكونُ مُتوازناً في عَطائِهِ وهو قَولُهُ تعالَى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} سُورةُ الإسراءِ - 29
ونحنُ هُنا سَنتوقَّفُ عِندَ إحدَى الصِّفاتِ الّتي تميَّزَ بِها الإمامُ الحسنِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) خُصوصاً وأنَّنَا في ذِكرى ولَادَتِهِ الشَريفَةِ ، وَهيَ صِفةُ السَّخاءِ والكرمِ وهنَا قَد يَعترضُ البعضُ علَى أنَّنَا نختصرُ الحديثَ عَنِ الإمامِ الحسنِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بهذهِ الصِّفةِ، ولكنْ مَنْ يعرفُ عُمقَ مَا جاءَ بِهِ الإسلامُ، يعرفُ أهميّةَ هذهِ الصّفةِ، فقدْ جاءَ مِنْ أجلِ أنْ يعزِّزَ الإنسانيّةِ في النُّفوسِ، والكرمُ هوَ أجملُ تعبيرٍ عنْهُا ، لقدْ كانَ هذا الإمامُ معطاءً سخيّاً على الفقراءِ والمساكينَ، وعلى كلِّ مَنْ كانَ يعرفُ بحاجتِهِ، حَتَى وُصفَ بكريمِ آلِ البيتِ ، وعندَمَا يُوصفُ الإمامُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بهذا الوصفِ، فَهذا لَا يعنِي أنَّ بقيّةَ أهلَ البيتِ لمْ يكونوا كرماءَ، فالكرمُ والبَذلُ والعطاءُ كانتْ صِّفاتٍ لَازَمتْ كلَّ أهلِ البيتِ(عَلَيْهِم السَّلاَمُ) ، ولكنَّ هذا التّميّزُ بهذهِ الصّفةِ، يعودُ إلَى الظّروفِ الّتي أمْلَتْ على هذا الإمامِ كثرةَ هذا العطاءِ، فقدْ كانَ الواقعُ الإجتماعيُّ صِعباً في مرحلتِهِ، والنَّاسُ في شدَّةٍ وضيقٍ، وهي إقتضت منْهُ أنْ يَتحرَّكَ ليَسُدَّ، وبِمَا إستطاعَ، حاجاتَ النَّاسِ ومتطلّباتَهم .
وهنا نُعيدُ التّأكيدَ، أنَّ الصِّفاتَ والأفعالَ عندَ أهلِ البيتِ(عَلَيْهِم السَّلاَمُ) لمْ تَنطلقُ أبداً مِنْ اعتباراتٍ شَخصيّةٍ عندَ هذا الإمامِ أو ذاكَ، بَلْ مِمَّا كَانتْ تَمليِهِ الظّروفُ الموضوعيّةِ في مرحلةِ كلِّ إمامٍ ، ومِنْ هُنَا، نَستطيعُ القَولَ إنَّ أيّ إمامٍ لَو كانَ مكانِ الإمامِ الآخرِ، لفعلَ ما فعَلَهُ ، فقدْ وردَ مِنْ سيرةِ الإمامِ الحسنِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في العطاء والكرم، أنه خرج من ماله مرّتين في حياته الشّريفة، بمعنى أنّه بذل كلّ ماله للمحتاجين مرّتين، بحيث لم يبق عنده شيء حتى لحاجاته، وقد قاسم الله ماله ثلاث مرات، أي قدَّم نصف ماله للفقراء والمحتاجين لثلاث مرّات، وقد أراد الإمام من هذه المقاسمة للمال، التّأكيد أنَّ هدف البذل هو الله وحده، لا أيّ هدف ذاتيّ أو مصلحيّ، وقد كان(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) من صفاته، أن لا يردَّ سائلاً يطرق بابه، وقد يكون السَّائل غير محقّ، أو في وقت لا يملك مالاً زائداً عن حاجته، ومع ذلك، كان يعطي حتى ولو كان على حسابه أو حساب عائلته. وقد سئل يوماً: لأيّ شيء نراك لا تردّ سائلاً وإن كنت على فاقة؟ فقال: (إنَّ الله تعالى عوَّدني عادةً أن يفيض نِعَمِه عليّ، وعوّدته أن أفيض نِعَمِه على النّاس، فأخشى إن قطعْت العادة، أن يمنعني العادة، وأنشد قائلاً:
إذا ما أتاني سائلٌ قلت: مرحباً بمن فضلُه فرضٌ عَلَيَّ معجَّلُ )
وقد سمع(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يوماً وهو يطوف حول الكعبة، رجلاً إلى جانبه يدعو الله أن يرزقه مالاً، فلم ينتظر حتى انتهاء طوافه، فقام إلى منزله وبعث إليه المال، خشية أن ينزل الله العطاء على هذا الشّخص من غيره.
ورأى غلاماً يأكل من رغيفٍ لقمة، ويطعم كلباً هناك لقمةً، أي كان يتقاسم الرّغيف مع الكلب، فقال له: "ما حملك على هذا؟"، قال: "إنّي استحي منه أن آكل ولا أطعمه". فقال له الإمام الحسن(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): "لا تبرح مكانك حتى آتيك". فذهب إلى سيِّده، فاشتراه واشترى البستان الّذي هو فيه، فأعتقه، وملّكه البستان .
وقد أتاه رجل يطلب حاجة. وهنا انظروا إلى مدى اهتمام الإمام الحسن(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بحفظ كرامة الفقراء وعدم الإساءة إليهم، وكان الإمام آنذاك بين النّاس، فقال له: "اكتب حاجتك في رقعةٍ وارفعها إلينا"، وذلك حتى لا يشعره بذلّ الحاجة أمام النّاس، ثم ضاعف الإمام طلبه مرّتين، وأعطاه بتواضع كبير، فقال له بعض الجالسين: ما كان أعظم بركة الرّقعة عليه يابن رسول الله!، فقالبركتها علينا أعظم، حين جعلنا للمعروف أهلاً.. أما علمتم أنَّ المعروف ما كان ابتداءً من غير مسألة، فأمّا من أعطيته بعد مسألة، فإنَّما أعطيته بما بذل لك من وجهه)
أيّها الأحبَّة: لقد عبَّر الإمام الحسن(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) من خلال سلوكه هذا، لا عن صفة خاصَّة به، بل عن القيمة التي أراد الله أن تبنى الحياة على أساسها، فالله يريد للنَّاس أن يطبعوا حياتهم بالعطاء، وأن يتمثَّلوا بعطاءاته الّتي لا تعرف حدوداً في كلِّ هذا الكون الذي سخَّره.
والعطاء هو تعبير أمثل عن إنسانيَّة الإنسان، فالإنسان لا يمكن أن يكون إنساناً وهو أناني، يتحكّم به الاستئثار والجشع والبخل ، وهو ضمانٌ لسلام المجتمع وأمنه، فلا يمكن لمجتمع أن ينعم بالطّمأنينة والسّلام، أو أن يحظى بالاستقرار، إلّا عندما يشعر أفراده بروح التّعاطف والتراحم، ويمدّ كلّ واحد يده إلى الآخر .
كلُّ عامٍ وأنتم بألف خير، وسلام على مولانا الإمام الحسن المجتبى يوم ولد ويوم أُستشهد ويوم يبعثُ حيا .
تعليق