بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
إن إقبال الإنسان على عبادة الله، يعني أن يكون لله تعالى حضورًا في نفسه، ويتطلع إلى رضاه والتقرب إليه، ويحذر من كل ما يسخطه ويسبب غضبه.
لا شيء يغضب الله تعالى ويوجب سخطه وعذابه أكثر من ظلم الآخرين والإساءة إليهم بالاعتداء على شيء من حقوقهم المادية أو المعنوية.
ولا شيء يرضي الله ويوجب ثوابه أكثر من الاحسان إلى عباده"، مؤكدا أن النصوص الدينية تفيد أن الله تعالى يفضّل نفع عباده على التنفّل بعبادته.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ».
يجد الناس أمام مفارقة عجيبة في أوساط بعض المتدينين الذين يؤدون مظاهر العبادات والشعائر الدينية، ولكنهم لا يتورعون عن الإساءة للآخرين.
وقد يحيفون على حقوق القريبين منهم في أسرهم وعوائلهم، أو ينالون من حرمات بعض أبناء مجتمعهم، بغيبة أو تحقير أو اسقاط شخصيات الناس، والتشهير بهم.
وقد يسول الشيطان للإنسان صنع تبريرات لمثل هذه الممارسات العدوانية المنحرفة. مؤكدًا إن للدين مقومين أساسين، عبادة الله والإحسان إلى عباده.
نحن نقرأ في سيرة الامام السجاد صفحتين، الأولى التوجه العبادي للإمام حيث اتفق المؤرخون على أنه كان يسمى في عصره زين العابدين لإقباله المنقطع النظير على العبادة أن مصادر تاريخية مختلفة تحدثت عن عبادته وزهده وورعه وأنه كانت تعتريه الرهبة وتظهر آثارها على وجهه لاستحضاره عظمة الله تعالى عند وضوئه وصلاته ومناسك حجه.
أن أدعية الإمام زين العابدين التي جمعت روائعها في الصحيفة السجادية أصبحت منهلاً للعارفين، ومدرسة في الإنابة والخضوع لله، واستحضار عظيم صفاته وآلائه، والتحذير من عقوبته وسخطه.
والصفحة الثانية نقرأ فيها عن أخلاق الإمام زين العابدين وسلوكه الاجتماعي، فقد أعطى من ماله بجود وسخاء، إذ كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة، حيث كان يعيل كثيراً من بيوت الفقراء وما عرفوه إلا بعد وفاته حيث فقدوا تمويلهم.
وبين أنه عليه السلام كان يهتم بتحرير العبيد، ولا يبقى أحدهم عنده أكثر من سنة واحدة، تكون أشبه بدورة أخلاقية تربوية، ثم يعتقه ويزوده بما يغنيه لإدارة حياته.
ولو تأملنا في الارتباط والعلاقة بين هاتين الصفحتين الرائعتين من سيرة الامام عليه السلام لوجدنا أن الصفحة الثانية تمثل الثمرة والانعكاس للصفحة الأولى.أن صلة الامام عليه السلام بالله وصدق عبادته وخضوعه له، هو باعث ورعه وتقواه، وهو منشأ مراعاته لحقوق الناس واهتمامه بالإحسان إليهم.
ان من يبتهج بذنبه، ويشعر بالارتياح لأنه حقق رغبته وشهوته من غيبة او تشهير او تسقيط هذا يعني الاستهانة بمعصية الله وهي استهانة بالله، كما أن ذلك يغريه لتكرار المعصية والاستمرار فيها.
أن من مظاهر هذه الحالة الخطيرة فرح الإنسان بتحقيقه ضربات واساءات يتجاوز بها القيم والحدود الشرعية بحق خصومه.
حين يتمكن الإنسان من ظلم خصمه يفرح بذلك، وكأنه حقق نصرًا عظيمًا، مؤكدا أن ظلم الإنسان لغيره ذنب، اما فرحه بهذا الذنب فهو ذنب أكبر.
عن الامام الصادق عليه السلام .. (من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروءته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان).