بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
ظُروفُ دفنِ أميرِ المؤمنينَ هيَ إستثنائيةٌ بإمتيازٍ تُشابِهُ ظروفَ النَّبيِّ عِندَ وَفاتهِ وَلَكنْ بفرقٍ وهوَ أنَّ القومَ هُناكَ أنْشَغَلوا ببيعةِ السَقيفةِ ، وهنَا إنشَغَلوا بالإنتقامِ مِنْ عليِّ حَتَى بعدَ وَفاتِهِ ، لِذلكَ أمرَ(عَلَيْهِ السَّلَامُ) بإخفاءِ موعدِ دَفْنِهِ وأنْ يكونَ سِّراً وَفي اللّيلِ كي لاتَعرفُ بَني أُميَّةُ القبرَ فتَنبِشَهُ وَتُحققُ أحْلَامَهَا بالإنتقامِ مِنْهُ لِقَتلَاهُمُ في بَدرٍ وأُحُدٍ والأحزابِ وغيرِهَا مِنَ الغزواتِ ، وكَذلكَ اليهودُ مِنْ وَرائِهُم ، وعَمِلَ الإمامُ الحسنِ(عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِوَصيَّةِ أبيِهِ وكانت النَّتيجَةُ أنَّ أرضَ الغَريِّ هِي المَلاذُ الآمنُ للجسدِ الطَّاهرِ بإرادةٍ إلهيَّةٍ ، وَحَملَ الحسنانُ الجسدَ الطَّاهرَ علَى النَّعشِ مِنْ طَرفيِهِ الخَلفيينِ عَملاً بوصيَّةِ أبيهِما عندمَا قالَ لَهمَا: أنَّ هُناكَ مَنْ يَحمِلُهُ مِنْ طَرفيِهِ الأماميانِ وعَنى بِذلكَ الملائكةَ،
وقَدْ شرَّفَ اللهُ أرضَ النَجفِ بأنْ جَعلَهَا مثوىً لأجسادِ الأنبياءِ والأوصياءِ والصالحينَ, ولَا سِّيمَا آدمُ ونوحُ وهودُ وصالحٌ (عَلَيْهِم السَّلَامُ). عَنِ المُفضَلِ بنَ عمرٍ الجُعفي قالَ: (دخلتُ على أبي عبدِاللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ), فقلتُ لَه: إني أشتاقُ إلَى الغَري. قالَ: فَمَا شَوقُكَ إليِهِ؟ فقلتُ لَهُ: إنِّي أُحبُ أنْ أزورَ أميرَ المؤمنينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فقالَ: هلْ تعرفَ فَضلَ زيارَتَهُ؟ قُلتُ: لَا, يا بنَ رسولِ اللهِ فَعَرَّفَنِي ذَلكَ, فقالَ: إذا أردتَ زيارةَ أميرَ المؤمنينَ فأعلمْ أنَّكَ زَائرُ عظامَ آدمَ وبدنَ نوحٍ وَجسمَ عليٍّ بنَ أبي طَالبٍ (عَلَيْهِم السَّلَامُ)). وجاءَ في كتابِ التهذيبِ للشيخِ الطُّوسي أنَّ الإمامَ عليٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أوصَى وَلَدَهُ الإمامَ الحسنَ المُجتبى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قائلاً: (وإذا مِتُّ فادفُنونَي في هذا الظَهَرُ, في قبرِ أخوَيَّ هودٍ وصَالحٍ) تهذيب الأحكام: 6/ 29
(قالَ الإمامُ عليِّ بنَ أبي طالبٍ (عَلَيْهِما السَّلَامُ): قَدْ خبَّرَنِي حَبِيبُ اللَّه ، وخِيَرَتُه من خلقه ، وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ عن يَومِي هذا ، وعَهِد إليَّ فيهِ ، فقال : يا عليُّ ، كيفَ بِكَ إذا بقيتَ في حُثالَةٍ مِنَ النَّاسِ ، تَدعُو فَلا تُجابُ ، وتَنْصَحُ عَنِ الدِّينِ فلا تُعانُ . وقد مالَ أصحابُكَ ، وشَنَفَ لَكَ نُصَحاؤُكَ ، وكان الَّذي مَعكَ أشدُّ عليْكَ مِن عَدُوِّكَ إذا اسْتَنْهَضْتَهم صَدُّوا مُعرضِينَ ، وإنِ اسْتَحْثَثْتَهم أدْبَروا نافِرينَ ، يَتَمَّنونَ فَقْدَك لِما يرَوْن من قِيامِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل ، وصَرْفِك إيَّاهُم عَنِ الدُّنيا ، فَمِنهُم مَن قد حَسَمْتَ طَمَعَهُ فهُو كاظِمٌ علَى غَيْظِهِ ، ومِنهُم مَن قَتَلْتَ أُسْرَتَه فهو ثائِرٌ متربّصٌ بِكَ رَيْبَ المَنونِ ، وصُرُوفِ النَّوائِبِ ، وكُلُّهم نَغِلُ الصَّدرِ ، ملْتَهِبُ الغَيْظِ ، فَلا تَزالُ فِيهِم كذلِكَ حَتَّى يَقتُلوكَ مكْراً ، أو يُرْهِقُوك شَرَّاً ، وسَيُسَمُّونَك بأسماءَ قَد سمَّونِي بِها ، فَقالُوا : كاهِنٌ ، وقالُوا سَاحِرٌ ، وقالوا كَذَّابٌ مُفْتَرٍ ، فاصْبِر فإنَّ لَكَ فِيَّ أسْوَة، بذلك أمَرَ اللَّهُ ، إذ يقولُ:{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } سُورَةُ الأحزابِ الآية 21 )، مكاتيب الأئمة(عَلَيْهِم السَّلَامُ)، ج ٢، علي الأحمدي الميانجي، ص ٢٥٣ .
قالَ المفيدُ: تَولَى غَسْلَهُ وتَكفينَهُ إبنَاهُ الحسنُ والحسينُ (عَلَيْهِما السَّلَامُ) بأمرِهِ(عَلَيْهِ السَّلَامُ) وحَملاهُ إلَى الغَريِ مِنْ نجفِ الكوفةِ فدفنَاهُ هُناكَ وَعفيَا مَوضعَ قَبرَهُ بوصيَّةٍ كانتْ مِنْهُ إليهِمَا في ذَلكَ لِمَا كانَ يَعلَمَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ دولةِ بني أُمَيَّةَ مِنْ بَعدِهِ وإعتقادِهِم في عَداوَتِهِ ومَا ينتهونَ إليِهِ بسوءِ النِيِّاتِ فيِهِ مِنْ قبيحِ الفِعَاِل والمَقالِ بِمَا تَمكنوا مِنْ ذَلكَ فَلَمْ يَزلْ قَبْرَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)مخفياً حتَى دَلَّ عَلَيْهِ الصَادقُ جعفرَ بنُ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الدَّولةِ العَبَاسِيَّةِ فعرفَتْهُ الشَيعَةُ واستأنَفوا إذْ ذاكَ زيارتَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وعلَى ذُريَّتَهُ الطَّاهرينَ
الارشادُ: 12، البحار 42: 227 ح 39
عَنِ الإمامِ جعفرِ بنَ مُحَمَّدٍ الصَادقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): (أنَّ أميرَ المؤمنينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أمرَ إبْنَهُ الحسنَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنْ يحفرَ لَهُ أربعةَ قبورٍ في أربعةِ مواضعَ في المَسجدِ، وفي الغَري، و في دارِ جَعدة بنَ هُبْيَّرَةَ، وفي الرُّحْبَةِ ، وإنِّمَا أرادَ بهذا أنْ لا يَعلمَ أحدٌ مِنْ أعدائِهِ مَوضعَ قَبْرِهِ ). فرحةُ الغري ، أبن طاووس، ص: 32
وفي الإرشاد:
لَمّا قُبِضَ وغُسِّلَ وكُفِّنَ اُخرِجَ إلى مَسجِدِ الكوفَةِ أربَعُ تَوابيتَ فَصُلِّيَ عَلَيها ، ثُمَّ اُدخِلَ تابوتٌ إلَى البَيتِ وَالثَّلاثَةُ الباقِيَةُ مِنها ما بُعِثَ إلى جَهَةِ بَيتِ اللّهِ الحَرامِ ، ومِنها ما حُمِلَ إلى مَدينَةِ الرَّسولِ ، ومِنها ما نُقِلَ إلَى البَيتِ المُقدِسِ ، وفَعَلَ ذلِكَ لِاخفائِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ).
إرشاد القلوب - ص: 435
فإذن: العملُ كانَ مقصوداً بأمرِ الإمامِ نفسِه، وذلكَ للتّمويهِ وعدمِ جعلِ القبرِ مادّةً للنّزاعِ والحروبِ والإقتتالِ بينَ أهلِه ومُحبّيهِ مِن جهةٍ، وأعدائِه ومناوئيهِ مِن جهةٍ أخرى، وكانَ لهُ ما أرادَ، ومِن هُنا تعدّدَت الرّواياتُ ووُضعَت الإحتمالاتُ ممّن يعرفُ الحقيقةَ وسرّ أهلِ البيت.
ولكنَّ أهلَ البيتِ (عَلَيْهِم السَّلَامُ) يعرفونَ حقّ المعرفةِ مكانَ قبرِه الشّريف، إذ يروى عنِ الإمامِ الحسنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ( خرجنا إلى الظّهرِ بجنبِ الغري ، قريباً منَ النّجفِ يُسرةً عنِ الغري، يُمنةً عنِ الحيرةِ، فدُفنَ بينَ ذكواتٍ بيضٍ وذلكَ قبلَ طلوعِ الفجرِ، ودخلَ قبرَهُ الحسنُ والحسينُ ومحمّدٌ بنو عليّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وعبدُ اللّهِ بنُ جعفرٍ). الشّيخُ المُفيد: الإرشادُ، ص: 19.
وهنالكَ أحاديثُ مأثورةٌ عنِ الإمامِ الصّادقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أيضاً: (أنّ أميرَ المؤمنينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قد دُفنَ بينَ ذكواتٍ بيضٍ بعدَ إجتيازِ الثّويةِ والقائمِ المائلِ نحوَ النّجفِ، وهيَ التّلالُ الصّغيرةُ المُحيطةُ بقبرِه الشّريفِ وعليها دورُ البلدةِ المُقدّسةِ اليومَ، إحداها في شمالِ القبرِ الشّريفِ وتُعرفُ بجبلِ الدّيكِ، والثّانيةُ في جنوبِه الشّرقيّ وتُعرَفُ بجبلِ النّورِ، والثّالثةُ في جنوبِه الغربيّ وعُرفَت أخيراً بجبلِ شرفشاه). موسوعةُ العتباتِ المُقدّسةِ ج6/ص79، وكتابُ محبوبة ج1/ص20-25
وعلى كلِّ حالٍ فإنّ جميعَ مصادرِالشّيعةِ تؤكّدُ بشكلٍ حاسمٍ أنّ قبر َأميرِ المؤمنينَ(عَلَيْهِ السَّلَامُ) في النّجفِ الأشرِف حيثُ مشهدُه اليومَ، ويعدُّ الأمرُ غيرَ قابلٍ للتّأويلِ، ووضعِ الإحتمالاتِ .
أعظم الله أجر مولانا صاحب العصر والزمان وأُجوركم بذكرى شهادته(عَلَيْهِ السَّلَامُ)
تعليق