بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الإنسان يعمل على تقصير عمرهاللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
من النظريات البارعة الكبيرة الأهمية التي ساقها الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) نظرية تدور حول عمر الإنسان. فمن رأيه أن الإنسان خلق لكي يعمر طويلاً، ولكنه يتسبب بتقصير عمره بنفسه، ولو أن كل إنسان أتقى ربه وأدى الفرائض وعف عن المحرمات ولم يسرف في المآكل والمشرب وذلك كما أمر به القرآن الكريم، لاستمتع بحياة أطول.
ولا ريب في أن عمر الإنسان يتوقف، بعد مشيئة الله، على أمرين، هما: العناية بالصحة والاعتدال في الطعام.
وفي القرن الأول الميلادي، كان معدل عمر الإنسان في روما 22 سنة لا غير، وذلك بسبب نقص أسباب الرعاية الصحية(1)، ولأن طبقة الأشراف وسراة القوم كانوا يفرطون في المآكل إلى درجة التقيؤ، وكان عامة الناس يقلدون الأشراف في ذلك.
وكانت تلحق بقاعات الطعام قاعة خاصة بالتقيؤ يطلق عليها اسم (ووميتوريو) ليستطيع الآكلون في قصور الأشراف إفراغ ما أكلوه فيها، سواء بوضع الأصابع في الفم أو بتناول دواء مسهل، وذلك لإفراطهم في تناول الطعام إلى حد قاتل.
وفي أوائل القرن العشرين الميلادي، كان معدل العمر في بريطانيا وفرنسا خمسين سنة، لأن الأوضاع الصحية وأساليب التغذية تحسنت تحسناً كبيراً عما كانت عليه. أما اليوم، فقد أصبح معدل العمر في أوربا ثمانيا وستين سنة للذكور وثمانية وسبعين سنة للإناث.
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: لو استطاع الإنسان التغلب على مرض السرطان والسكتة القلبية والجلطة والأمراض الأخرى التي تنتاب القلب، فهل يرتفع معدل عمره فوق المعدل الحالي؟
مما يؤسف له أن الرد على هذا السؤال ليس بالإيجاب، لأن من أهم أسباب إطالة العمر مراعاة القواعد الصحية في كل شيء، ولا سيما في المأكل والمشرب، في حين أن التغلب على هذه الأمراض المستعصية لن يزيد المعدل الحالي لعمر الإنسان بأكثر من سنتين. ولو استطاع الإنسان أن يتغلب على هذه الأمراض جميعاً، لبقيت له أمراض الشيخوخة والهرم التي عز على الإنسان حتى اليوم أن يعالجها على بساطتها. فإن أصيب الشيخ بمرض بسيط كالبرد والإلتهاب الداخلي والحصبة وأمراض الرئة، لكانت كفيلة بالقضاء عليه.
وتلوث البيئة هو من العوامل التي تؤيد نظرية الإمام (عليه السلام)، وهو ظاهرة خطيرة في بعض المناطق، قليلة الشأن في مناطق أخرى. وقد قامت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة بدراسة أوضاع بعض المدن الأمريكية والمكسيكية من حيث التلوث، وانتهت في تقريرها إلى أن التلوث في بعض هذه المدن يفسد الهواء بحيث أن سكان هذه المدن إذ يتنفسون هواءها، فكأن الواحد منهم قد دخن كمية من السجاير تملأ علبتين في كل منها عشرين سسيجارة في اليوم أثراً غير صحي في جسم الإنسان، فكذلك استنشاقه للهواء الملوث يفسد صحته بنفس القدر.
ومن العوامل التي تضر بالصحة الضوضاء والأصوات المزعجة، وقد ثبت من الناحية العلمية بأن للصوت المزعج أو الضوضاء أثراً سيئاً في سلامة الإنسان وهدوء أعصابه.
ومنذ فترة والمهندس الفرنسي (كامي روجرون) الذي صمم بناء السفينتين الفرنسيتين البحريتين (ريشيليو) و (جان بار) قبل الحرب العالمية الثانية، عاكف على دراسة آثار الأصوات المزعجة والضوضاء في صحة الإنسان، وفي رأيه إن لهذه الأصوات تأثيراً في جسم الإنسان يساوي تأثير الأوكسجين في الحديد، فكما أن الأوكسجين يصيب الحديد بالصدأ والتآكل، فكذلك الضوضاء تصيب الجسم بالعلة والمرض مما يختزل من عمر الإنسان، وهو يرى أن أفضل البيوت التي تقام في المدن هي البيوت التي تركب فيها عوازل تحول دون وصول الضوضاء إلى داخلها مع مراعاة خفض أصوات الراديو والتلفزيون داخل البيوت منعاً لإزعاج السكان.
ويضيف (كامي روجرون) إلى ذلك أنه بالنظر إلى أن الضوضاء في المدن آخذة في التزايد، ولا سبيل يحول دون تزايدها، فلا بد من إنشاء منازل من الأبرق (الخرسانة المسلحة) تحتوي على عوازل تمنع نفاذ الصوت إلى داخلها، وفي رأي هذا الخبير أننا إذا ما استطعنا بناء هذه البيوت بكاملها من هذه المواد، فلا بد من إنشاء غرفة واحدة أو أثنتين بعد تجهيزهما بالعوازل ليستطيع المرء الإخلاد إلى الراحة فيهما والبعد بأعصابه عن كل ضجيج وعجيج.
ومرض الأعصاب ـ وهو صرب من الجنون ـ يعزى في بعض أسبابه إلى الآثار السيئة للضوضاء، فمن خصائص الضوضاء أن تتلف الأعصاب وتتسبب في انهيار عصبي أو جنون مفاجئ حتى لمن رأينا فيه بشاشة وجه وهدوء أعصاب.
ومن الآثار السيئة للضوضاء إحساس المرء بالتعب والإرهاق، ثم جنوحه إلى الكسل، والعزوف عن العمل دون أن تكون هناك أسباب عضوية أخرى أدت إلى هذه الظواهر، والمصاب بالملل والإرهاف لا يدري لهما سبباً، ويعجز الطبيب عن تشخيص أي علة عضوية أدت إليهما.
وفي رأي روجرون أن الضوضاء تؤدي، فضلاً عن الإجهاد والإرهاق العصبي، إلى تقصير العمر ما بين خمس سنين وعشر.
كما ومن المؤكد أيضاً ـ أن للتغذية السليمة دوراً فعالاً في إطالة العمر، في حين أن سوء التغذية ـ أو الأنيمياـ يتسبب في تقصير عمر الإنسان، والأنيميا هي عارض من عوارض الحياة الميكانيكية العصرية.
ننتهي من كل ما تقدم إلى أن العلماء المعاصرين قد أثبتوا بصورة علمية صدق نظرية الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) القائلة بأن في وسع الإنسان أن يعمر طويلاً لولا أنه يعمل بنفسه على تقصير عمره، ففي ظل الحياة الميكانيكية العصرية التي فشت في أوربا وأمريكا، حلت المواد الصناعية محل المواد الغذائية الطبيعية، وأصبح الإنسان يتناول أطعمة مجهزة من مواد كيميائية ومركبة، مما أضر بالصحة، وأدى إلى تقصير العمر.
فرعاة البقر والفلاحون في أمريكا كانوا يعيشون في الماضي على تناول الطعام الطازج كاللبن ومنتجاته واللحوم، آخذين هذه المواد الغذائية مباشرة من الماشية التي يرعونها، فاشتهروا بأعلى معدل للعمر، حتى لقد كانوا يعيشون في المعدل إلى ثمانين أو خمسة وثمانين، ولكن المعلبات والمياه الغازية والمشروبات المصنوعة التي تتألف من الحلوى والمواد الكيميائية، أصبح رعاة البقر والفلاحون ومربو المواشي يتناولون هذه الأطعمة والمشروبات كغيرهم في الولايات المتحدة.
وبعد ما كان رعاة البقر يصارعون الثيران ويقومون على رعي الماشية وهم على ظهور الخيل ساعات طويلة مهما طعنوا في السن، أصبحوا اليوم بل اعتباراً من الخمسينات من العمر، يشكون من سوء التغذية وأمراض المعدة والقلب وترسب حامض اليوريا وآلام المفاضل والعضلات وما إلى ذلك من الأمراض المقعدة عن العمل والمبددة للحياة السعيدة، في حين أن راعي البقر البالغ من العمر خمسين عاماً كان يعتبر في مطلع هذا القرن من الشباب ويزاول حياة كلها نشاط وحيوية وحركة، وإلى أوائل هذا القرن لم يكن يعرف سكان ولاية آلاسكا في شمال أمريكا الأمراض والأوبئة التي كانت فاشية في مناطق أخرى وكان أهل آلاسكا يحتفظون بأسنانهم كاملة إلى أن يبلغوا السبعين أو الثمانين من العمر، لأنهم كانوا يتناولون الغذاء الطبيعي ويؤدون عملهم اليومي بكل نشاط دون اعتماد على الآلة.
وكان الطعام المألوف في الآسكا اللبن والحليب ولحم الوعل(2) وكميات كبيرة من السمك الذي يصيده السكان في الأنهر وعند السواحل، وكان منهم من يقوم برعي حيوان الوعل مع غيره من الحيوانات.
وهناك كتاب عن تربية الوعل القطبي وضعه المؤلف الأمريكي ألن رويس أوتس (الذي تخصص في حياة شعوب الآسكا وتاريخها وتوفي في عام 1960) وقد قال في كتابه هذا إنه رأى بنفسه في خريف العام 1935م قطعاناً من الوعل تهاجر من المناطق الشمالية، واستمرت هذه الهجرة خمسة أيام، وكان اصطكاك قرون القطيع بعضها بالبعض الآخر يحدث صوتاً كهزيم الرعد، ومع ذلك فإن الإنسان القطبي كان قادراً على استئناس هذا الحيوان القوي البنية وتربيته والاستفادة بلبنه ولحمه.
ويقول هذا الكاتب إنه ليس في منطقة الآسكا طبيب، ولو أم الأطباء هذه الولاية لما وجدوا فيها عملاً مريحاً لأن الناس عموماً أقوياء قليلو المرض وعمر الرجل والمرأة يصل في المعدل إلى تسعين سنة للرجل ومائة للمرأة.
1 - صور المؤرخ الفرنسي المعاصر (جيروم دو كاركوبي تو) المتخصص بتاريخ روما القديمة عاصمة الروم وشوارعها الممتدة وعماراتها الفخمة واقواس النصر فيها (وعددها 37) وحماماتها العامة، وما فيها من دور للعرض والمسرح والخمارات والفنادق، وقال أن المراحيض والمباول لم تكن تقام في هذه المدينة العظيمة. ولم تكن المدن الأوربية الأخرى بأحسن حالاً من روما، ولا أنظف منها، فإلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، لم تكن تجد في بيوت باريس مراحيض، وكانت النفايات تنقل في أوعية إلى خارج الدار، وقصر فرساي العظيم، الذي كان يعيش فيه إلى جانب الأسرة المالكة الفرنسية عشرة آلاف من الموظفين والخدم، لا يحتوي على مراحيض أو دورات مياه. ولكن بلدية باريس أرغمت السكان بعد الحرب العالمية الثانية على بناء مراحيض ودورات مياه في المنازل، ومدت شبكة المجاري المعروفة باسم (باجو) راجع مجلة (مرآة التاريخ) الفرنسية:.25 Miriore de L,Histoire,, Tom 101,Anne.
2 - الوعل: تيس الجبال، وله قرنان مُحدَّبان كالسيف.