بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
إنّ البحثَ حولَ العدلِ الإلهي تارةً يكونُ مِنْ جِهةِ أنَّ العدالةَ هيَ صِفةُ كمالٍ في الخَالقِ، حيثُ إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ هوَ الجامعُ لجميعِ الصِّفاتِ الكماليَّةِ والجماليَّةِ ، وأُخرى مِنْ جهةِ أنَّ العدلَ عبارةٌ عَنْ رِعايةِ حقِّ الغَيرِ، وَهذا المَعنى يُمكنْ أنْ يتحقّقَ في العِلاقةِ بينَ المخلوقاتِ في مَا بينَهَا، ولَا يتحققُ في العِلاقةِ بينَ الخالقِ والمخلوقِ، لأنَّ كُلَّ مَا لدَى المخلوقِ فَمِنَ الخَالقِ، وَمُلْكِيَّةِ المَخلوقِ في طُولِ مُلكيَّةِ الخَالقِ، فإنَّ مُلكيَّةِ الإنسانِ هيَ كمُلكيَّةِ الطِّفلِ بالنسبةِ لملكيَّةِ أَبيِهِ، حيثُ يَعتبَرُ نَفسَهُ مَالكاً لألْعَابِهِ، ولَا يُنافي ذَلكَ مُلكيَّةَ الأبِ لَهِا ،إذاً فاللهُ عَزَّ وجَلَّ مالكُ المُلكِ علَى الإطلاقِ، وأيُّ تصرّفٍ مِنْهُ في الكونِ إنَّمَا هوَ تصرّفٌ في مُلكِهِ،﴿لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ﴾ سُورَةُ التَغابنِ : 1﴿وإليهِ يرجِعُ الأمرُ كلُّهُ﴾ سُورَةُ هود:123، لِذا لَا يُمكنُ أنْ نعثرَ علَى مصداقٍ للظُّلمِ في حقّهِ تَعالَى، وَمِنْ هُنَا يُقالُ إنَّ اللهَ ليسَ بعادلٍ ولَا ظالمٍ، لأنَّهُ لَا يُمكنُ إفتراضُ غيرَهُ مَالكاً لِحقٍّ مَا، حتَى تكونَ رعايتَهُ عدلاً وعدمِهِا ظلماً ، إنّ العدلَ بمفهومِهِ الإجتماعيِّ هدفٌ للنبوّةِ، قالَ تَعالَى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط..﴾ سُورَةُ الحديدِ:25
والعدلُ بِمفهومِهِ الفَلسفيُّ أساسٌ للمعادِ: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ سُورَةُ الأنبياءِ:47، كمَا أنَّ القرآنَ الكريمَ أثبَتَ للهِ صِفةِ العَدالةِ فقالَ: ﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ سُورَةُ آلِ عِمرانَ:18، ونزّهَهُ عَنِ الظُّلمِ: ﴿فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ سُورَةُ التوبةِ: 70.
إنَّ للاعتقادِ بعدالةِ اللهِ تَعالَى مَكانةٌ خاصّةٌ في ذِهنِ الشِّيعَةِ مِنْ زَمنِ الأئمّةِ الأطهارِ(عَلَيْهِم السَّلَامُ) ، وأهمّيةٌ أكبرُ من سائرِ الأصولِ الاعتقاديَّةِ مَا عَدا "التَّوحيد"، وكَانوا يَعتبرونَ أنَّ أهمّيةَ العَدلِ مُساويَةٌ للتَّوحيدِ، وأنَّ هَذين الأصْلَينِ هُمَا مِنْ أكثرِ أركانِ الإسلامِ حساسيَّةً، والسِّرُّ في ذَلكَ هوَ أنَّ أيَّ خَلَّلٍ في الإيمانِ بالعدلِ يُؤدي إلَى خَلَّلٍ في التَّوحيدِ ،
يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عَلَيِهِ السَّلَامُ): (التَّوحيدُ أنْ لَا تَتوهَّمَهُ، والعدلُ أنْ لَا تَتَّهِمَهُ) نهجُ البلاغةِ، السيّدُ الرضيِّ، حكمة 470،
ويقولُ أميرُ المؤمنينَ (عَلَيِهِ السَّلَامُ): (العدلُ يَضعُ الأمورَ مواضِعَهَا) بحارُ الأنوارِ، العلّامةُ المَجلسي، ج 75، ص 350.
ومِنْ هَذا نَربِطُ سَبَّبَ نُزولِ سُورَةِ القَدرِ بأصلِ العدلِ الإلهي وهَي تَجسيدٌ لمَظهرِ العَدلِ مِنْ خلالِ التَّقديرِ الّذي يُمضِيهِ اللهُ عَزَّ وجَلَّ لعبادهِ في لَيلةِ القَدرِ وأنَّ إنقطَاعَهُمُ للعبادةِ فيهَا لتَقديرِ وتحديدِ الآجالِ والأرزاقِ والصِّحةِ والعَافيَّةِ والمَرضِ والسُّقمِ ومَا شَابَه بسياسةِ الإبتلاءِ الإلهي لِغرضِ الغَربَلَةِ والتَمحِيصِ ﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ سُورَةُ الأنعامِ : ٥٩ ، وقَولُهُ تَعالَى ﴿ وَاللهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾ سُورَةُ فَاطرِ : ١١ ، وعليه يكون القدرُ بِمعنَى التَقديرِ والتحديدِ ، فَكُلُّ ظَاهرةٍ طَبيعيَّةٍ بَلْ كُلُّ موجودٍ إمكانِيٍ خُلِقَ عَلَى تقديرٍ وتحديدٍ خاصٍّ ، ولَا يوجدُ في عَالمِ الكونِ شيءٌ غيرُ مُقدّرٍ ولَا مُحدّدٍ ، وإليهِ يُشيرُ سُبحانَهُ بِقولِهِ : ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ سُورَةُ القَمرِ : ٤٩. وقولُهُ سبُحانَه : ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ سُورَةُ الحجر : ُ٢١، فالموجوداتُ مِنَ النباتِ إلى الإنسانِ مُحدّدةٌ بالحدِّ الّذي نُعبرُ عنْهُ بالماهيَّةِ ، وَهَكذا الحالُ في الجماداتِ .
فالقضاءُ والقدرُ في السُّننِ الكونيَّةِ عبارةٌ عَنْ النِّظَامِ السَائدِ في العالمِ و الإنسانِ ، فاللهُ سُبحانَهُ قدّرَ وحتمَ احراقَ النَّاِر وتبريدَ الماءِ إلَى غيرِ ذَلكَ منَ السُّننِ الّتي كَشَفَهَا الإنسانُ طِيلةَ وُجودِهِ علَى هذهِ البَسيطَةِ ، فَكُلُّهَا مِنْ مظاهرَ القضاءِ والقدرِ ، فكلُّ مَنْ إعتنَى بصحتِهِ فالمُقدَّرِ في حَقِّهِ هوَ السَّلامَةُ ، وَمَنْ كانَ علَى خلافِهِ فالمقضِي في حقّهِ هوَ المرضُ ، وَكذا الفَارُّ منْ تحتِ جدارٍ علَى وشَكِ الإنقضاضِ ، كُتبتْ لَهُ النَّجاةُ ، والواقفُ تحتَهُ كُتبَ عَليِهِ الموتُ إلَى غيرِ ذَلكَ ، فَهذِهِ السُّننُ الكَونِيَّةُ الّتي جَعَلَها اللهُ دعائمَ يقومُ عَليها هذا النِّظامُ ، وقدْ وقفَ علَى بَعضِهَا الإنسانُ عِبرَ حياتِهِ ، وَهُناكَ سُّننٌ كَونيَّةٌ رُبَمَا لَا يقفُ علَيها الإنسانُ إلاّ عَنْ طريقِ الوحيش ، قالَ سُبحانَهُ حَاكياً عنْ شيخِ الأنبياءِ نوحٍ(عَلَيِهِ السَّلَامُ) ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾ سُورَةُ نوحٍ : ١٠ ـ ١٢
فمُحَصلُ الآياتِ - كَمَا تَرَى - أنَّهَا لَيلةٌ بِعينِهَا مِنْ شَهرِ رَمضانَ مِنْ كُلِّ سَنةٍ فَيهَا إحكامُ الأمورِ بحسبِ التَقديرِ، ولَا يُنافي ذَلكَ وقوعَ التغَيُّرِ فيهَا بِحسبِ التَحققِّ في ظَرفِ السَنةِ فإنَّ التَغيُّرَ في كَيفيةِ تَحقُقِّ المُقدَرِ أمرٌ والتغيُّرَ في التَقديرِ أمرٌ آخرٌ كمَا أنَّ إمكانَ التغيُّرِ في الحَوادثِ الكَونيَّةِ بِحسبِ المَشيَّةِ الإلهيَّةِ لَا يُنافي تَعَيُّنَهَا في الَّلوحِ المحفوظِ قالَ تعالَى: ﴿ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ سُورَةُ الرَعدِ: 39 ، قوله تعالى: ﴿ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ قالَ الرَاغِبُ الأصفهاني في المفرداتِ: السَّلامُ والسَّلامةُ التَعَري مِنَ الآفاتِ الظَّاهرةِ والبَاطنةِ ، انتهى كلامُهُ .
فيكونُ قولُهُ: ﴿ سَلامٌ هِيَ ﴾ إشارةٌ إلَى العِنايَّةِ الإلهيَّةِ بشمولِ الرَّحمةِ لعبادهِ المُقبلينَ إليِهِ وسَدُّ بابَ نِقمةٍ جديدةٍ تختصُّ بالّليلةِ ويَلزِمَهُ بالطَّبعِ وَهنِ كيدِ الشَّياطينِ .
تَقَبَلَ اللهُ إحيائَكُم لِليالي القَدرِ وإنْ شاءَ عَزَّ و جَلَّ يكونُ في مِيزانِ أعمالكُم بأحسنِ حلَّةٍ .
تعليق