بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
مِنْ أهَمِّ المَوضوعَاتِ الَتي تَطرَّقَ إليهَا القرآنُ الكريمُ، وتحدَّثَ عَنهَا حَديثًاً مُستفِيضًا مَوضوعَ النَّفسِ الإنسَانيَّةِ؛ فَقدْ تَحدثَ عَنْ خَصائِصِهَا بِدِقَّةٍ يَعجزُ عَنْهَا عُلماءُ النَّفسِ، ويَخْفَى عَلَيهِم الكَثيرُ مِنَ التفصِيلاتِ الدَّقِيقَةِ الّتي تَناولَها، ولَا غَرابةَ في ذَلكَ أَليسَ مَنْ تَحدَّثَ بِذَلكَ هُوَ خَالِقَهَا وفَاطِرَهَا؟! وَمَا أعظمَ كلامَ اللهِ بِهذَا الخُصوصِ حَيثُ قالَ: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} سُورَةُ المُلكِ ، الآية 14.
لَقَدْ تَحدَّثَ القُرآنُ عَنْ صُعُودِهَا وهُبُوطِهَا، وعَنْ جُنُوحِهَا وإعْتِدَالِهَا، وعمَّا يَعترِيهَا مِنَ الضَّعْفِ والعَجزِ، والتَّقوى والفُجُورِ، والزَّكَاةِ والطَّهارَةِ، كَمَا تَحدَّثَ عَنْ تَمَرُدِهَا ومُكَابَرَتِهَا، وَعَنْ حِرصِهَا وَشُحِهَا .
تَحملُ النَّفسُ الإنسانيَّةِ - كَمَا فَطَرَهَا اللهُ تَعالَى – قَابِليَّتَينِ: إيجابيَّةٌ تُؤدي إلَى الإستقامَةِ والصَلاحِ والتَّقوَى، وسَلبيَّةٌ تُؤدي إلَى الإنْحِرافِ والفَسَادِ والضَّلالِ، وَذَلكَ بِحسبِ المِقياسِ الدِّينِي للإيجابِ والسَّلبِ، أيْ أنَّ المَولودَ صَفحةٌ بَيضاءٌ، يَرسمُ الأهلَ والمَدرسةَ والمُجتمعَ مَضمونِهَا، بِحسبِ تَعلِيمِهِ وتَربيَتِهِ، ثُمَّ تَتشكلُ لديِهِ قناعاتٌ يَستطيعُ مَعَهَا تَحديدَ خَياراتِهِ فَترةَ الشَّبابِ، قالَ تَعالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} سُورَةُ الشَمْسِ، الآيات: 7-10. إذاً لا يُمكنُ الحَديثُ عَنْ إنسانٍ مُؤمنٍ أو مُطيعٍ للهِ تَعالَى بِالفطرةِ، وآخرٍ كَافرٍ عَاصٍ للهِ تَعالَى بِالفطرةِ، فَالطَّاعةُ أو المَعصيَّةَ نَتيجةً لِتوجِيِهِ قَابليَّةٍ وإختيارِ صَاحبِهِا لأحَدِهِمَا.
مِمَّا نبَّهَ عَلَيْهِ القُرآنُ كَذلكَ التَفكرُ في النَّفسِ ، وهَوَ سَبيلٌ إلَى معرفةِ كُنهِهَا، والوقوفُ علَى حَقيقتِهَا، وأحدُ وسائلِ إدراكِ الحقِّ والاعتبارِ، فقالَ -تَعالَى-: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} سُورَةُ الذَّارياتِ : 21، وقال: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} سُورَةُ فصلت: 53.
وكيفَ لَا يَهتَمُ القرآنُ بِالنَّفسِ وهَي أسُّ التَغْيِيرِ، وَمحورُ الإنْتِقالِ إلَى الأفضلِ أو الأسوأِ؟ قالَ تَعالَى:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} سُورَةُ الأنفالِ: 53
وَقدْ تَحدَّثَ القُرآنُ عَنِ النَّفسِ بأنواعِهَا، وَمِمَّا تَناوَلَه النَّفسَ اللَّوَّامَةِ ، الّتي أقسمَ اللهُ بِهَا في مُحْكَم تَنزيِلِهِ، فَمَا هَي النَّفسُ اللَّوَّامَةِ ؟ وَمَا هَي حَقيقتُهَا؟
إنَّ النَّفسَ اللَّوَّامَةِ هيَ الضَّميرُ الحَيِّ الّذي يَحُولُ بينَكَ وَبينَ الذَّنوبِ، وَهَي السَّوطُ القَويُّ الّذي يُوقِظُكَ حَتَى لَا تَلِجُّ في خِضَمِّ الشَّهواتِ، وَهَي الجَرَسُ الّذي يُنبهَكَ عِندَ الإقترابِ مِنْ حِمَى الشَّبهاتِ، وَمَرَاتِعِ السَّيئاتِ، وهَي السَّبيلُ الأوحَدِ للوصولِ إلَى النَّفسِ المُطمئنَّةِ، الّتي لَا تكونُ النَّجاةُ إلاَّ بِهَا، ولَا يَكونُ الفوزُ إلاَّ بالتَّلَبُسِ بِزِيِّها...
النَّفسُ اللَّوَّامَةُ الّتي أقسمَ اللهُ تَعالَى بِهَا قَائلاً: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} سُورَةُ القِيامَةِ، الآية:2، فَقدْ فَسَّرَهَا قولُ رسولِ اللهِ (صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في وَصيَّتِهِ لِإبنِ مَسعودٍ: ( يا ابنَ مسعود! أَكْثِرْ مِن الصّالحات والبِرّ، فإنَّ المُحسِنَ والمُسيءَ يندمان، يقول المُحسنُ: يا ليتني ازددْتُ مِن الحسنات، ويقولُ المُسيءُ: قصَّرت، وتصديقُ ذلك قولُه تعالى: ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ )بِحارُ الأنوَارِ ج74، ص104. فالنَّفسُ اللَّوَّامَةُ هيَ الّتي تَلومُ صَاحِبَهَا مُؤمناً كانَ أمْ كَافراً، أمَّا المؤمنُ فَتَلُومَهُ عَلَى مَا قَصَّرَ عِندَمَا تَرَى جَزيلَ الثَّوابِ، وأمَّا الكَافرُ فَتَلومَهُ عَلَى إنْحِرَافِهِ وَكُفرِهِ عِندَمَا تَرَى جَحيمَ العِقابِ، فاللَّومُ نتيجةَ العَملِ لَا قَبْلَهُ، وَعلَى الأرجحِ أنْ يكونَ في يومِ الحِسابِ فَقَطْ، وَحتَى لَو كانَ في الدَّنيَا كَمَا في رَأي بَعضِ المُفسِّرينَ، فَهَو بَعدَ العَملِ وليسَ قَبْلَهُ.
إنَّ إرضاءَ جميعُ المُيولِ النَّفسانيَّةِ بِصورةٍ حُرةٍ وبَلَا قَيدٍ أو شَرطٍ أمرٌ مُستحيلٌ . ذَلكَ لأنَّ تَحقيقَ بعضُ الرَغباتِ يَتنَافَى مَعَ إتيانِ الرَغباتِ الأُخرَى ، وفَي الوَاقعِ يُوجدُ تَناقضٌ وَاضحٌ بَينَ كثيرٍ مِنْ ميولِ الإنِسانِ . لَقدْ أوضحَ الإمامُ عَلَيٍّ (عَلِيْهِ السَّلامُ) التناقضَ القائمَ بينَ بَعضِ الميولِ والرَغباتِ بِعبارةٍ قَصيرةٍ وَحكيمةٍ ، إنَّهُ يقولُ :
(لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ هذَا الاْنْسَانِ بَضْعَةٌ هِيَ أَعْجَبُ مَا فِيهِ: وَذلِكَ الْقَلْبُ. وَذلِكَ أَنَّ لَهُ مَوَادَّ مِنَ الْحِكْمَةِ وَأَضْدَاداً مِنْ خِلاَفِهَا; فَإِنْ سَنَحَ لَهُ الرَّجَاءُ أَذَلَّهُ الطَّمَعُ، وَإِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ، وَإِنْ مَلَكَهُ الْيَأْسُ قَتَلَهُ الاْسَفُ، وَإِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشْتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ، وَإِنْ اَسْعَدَهُ الرِّضى نَسِىَ التَّحَفُّظَ وَإِنْ غَالَهُ الخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَرُ وَإِنِ اتَّسَعَ لَهُ الاْمْرُ (الامن) اسْتَلَبَتْهُ الْغِرَّةُ (العزّة)، وَإِنْ أَفَادَ مَالا أَطْغَاهُ الْغِنَى، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ الْجَزَعُ، وَإِنْ عَضَّتْهُ الْفَاقَةُ شَغَلَهُ الْبَلاَءُ، وَإِنْ جَهَدَهُ الْجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ، وَإِنْ أَفْرَطَ بِهِ الشِّبَعُ كَظَّتْهُ الْبِطْنَةُ ، فَكُلُّ تَقْصِير بِهِ مُضِرٌّ، وَكُلُّ إِفْرَاط لَهُ مُفْسِدٌ) شرح نهجُ البلاغةِ ج18 ـ ابنَ أبي الحَديدِ المُعتَزلي .
فلَا بُدَّ للإنسانِ أنْ يختارَ مِنْ بينَ أمرَينَ أحَدُهُمَا : الأمرُ الأوَّلُ أجنبيٌ وأعمَى وطَاغِيَةٌ حَيثُ لَا يُراقبُ إلاَّ التَّنفيذَ دونَ النَّظرَ إلَى القَصدِ والنَّيَّةِ ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ سُورَةُ الفُرقانِ ، الآية : 43. أمَّا الأمرُ الثَاني فَإنَّهُ أليفٌ و محبوبٌ ، صحيحٌ أنَّهُ مُتعبٌ و لَا يَرتَضي بِسرعةٍ لَكنَّهُ يَعرفُ آمالَكُمُ الخَفيَّةِ و يَطَّلِعَ علَى كَيفيَّةِ شَخصيتِكُم ، إنَّهُ يجبُ التوفيقُ بينَ الغرائزِ والوجدانِ الأخلاقي ، يقولُ سُبحَانَهُ: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ سُورَةُ النَازِعاتِ: 40 ـ 41. ، وعَنْ رسولِ اللَّهِ (صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): (أشجَعُ النّاسِ مَن غَلَبَ هَواهُ سفينة ) ، مَعاني الأخبارِ :195 / ۱، وَعَنْ رسولِ اللَّهِ (صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): (إنّ الشَّديدَ لَيسَ مَن غَلَبَ النّاسَ ، ولكِنَّ الشَّديدَ مَن غَلَبَ على نَفسِهِ) تنبيه الخواطر : ۲ / ۱۰.
إنتهى . وآخرُ دَعوَانَا أنْ الحَمدُ للهِ ربِّ العَالَمين .
تعليق