بـسـم الله الـرحـمـٰن الـرحـيـم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخرج احمد بن حنبل عن ابن عباس أنه قال : وخرج بالناس في غزوة تبوك، قال: فقال له علي: أخرجُ معك؟، قال: فقال له نبي الله: "لا"، فبكى عليُّ، فقال له: "أما
ترضى أن تكون منّي بمنزلة هرون من موسى؟، إلا أنك لست بنبي ، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي"، قال: وقال له رسولِ الله: "أنت وليي في كل مؤمن بعدي" . مسند أحمد ت شاكر ج ٣ ص ٣٣١ رقم الحديث ٣٠٦٢ ، قال : احمد محمد شاكر : إسناده صحيح .
وبذات السند رواه ابن ابي عاصم : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ نَبِيًّا، إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَّا وَأَنْتَ خَلِيفَتِي فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ بَعْدِي» السنة لابن أبي عاصم ج ٢ ص ٥٦٥ رقم الحديث ١١٨٨ .
الحديث يشتمل على لفظ وهو اسم جنس مضاف إلى علم قال : أنت مني بمنزلة هارون ، فكلمة المنزلة اسم جنس مضاف إلى علم وهو هارون ، ثم يشتمل الحديث على استثناء إلا أنه لا نبي بعدي ، فالكلام مشتمل على اسم جنس مضاف إلى علم ، ومشتمل على استثناء باللفظ الذي ذكرناه ، هذا متن الحديث .
ولو رجعنا إلى كتب علم أصول الفقه ، ولو رجعنا إلى كتب علم البلاغة وكتب الأدب ، لوجدناهم ينصون على أن الاستثناء معيار العموم ، وينصون على أن من ألفاظ العموم اسم الجنس المضاف ، والاستثناء أيضا معيار العموم ، فيكون الحديث نصا في العموم ، إذ ليس في الحديث لفظ آخر ، فلفظه : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .
فكل منازل هارون من موسى ثابتة لعلي بن ابي طالب بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه واله ما عدا النبوة ، ولا يبقى امامنا الا ان نعرف ما هي منازل هارون من موسى :
المنزلة الأولى : النبوة قال تعالى : ﴿ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا﴾ (سورة مريم: ٥٣) .
المنزلة الثانية : الوزارة قال تعالى عن لسان موسى : ﴿واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي﴾ (سورة طه: ٢٩ )، وفي سورة الفرقان قال تعالى: ﴿ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا﴾ (سورة الفرقان: ٣٥ سورة القصص: ٣٤)، وفي سورة القصص عن لسان موسى: (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني) (سورة القصص: ٣٤).
المنزلة الثالثة : القرابة القريبة قال تعالى عن لسان موسى: ﴿واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري﴾ (سورة طه: ٣١ ).
المنزلة الرابعة : الأخوة الوزارة قال تعالى عن لسان موسى : ﴿واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي﴾ (سورة طه: ٢٩ )، وفي سورة الفرقان قال تعالى: ﴿ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا﴾ (سورة الفرقان: ٣٥ سورة القصص: ٣٤)، وفي سورة القصص عن لسان موسى: (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني) (سورة القصص: ٣٤).
ولذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. مرقاة المفاتيح للقاري ج 9 ص 938 .
المنزلة الخامسة : الخلافة قال تعالى: ﴿وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين﴾ (سورة الأعراف: ١٤٢).
وهذا ما أشار له ذيل الحديث حيث قال صلى الله عليه واله ( انه لا ينبغي الا وانت خليفتي ) فهو تفسير للشطر الاول من الحديث ، فأنت يا علي منزلتك مني منزلة هارون من موسى عليهما السلام فكما أن هارون كان خليفة لموسى عليه السلام فأنت كذلك خليفتي من بعدي .
المنزلة السادسة : الشراكة قال تعالى عن لسان موسى: ﴿واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري﴾ (سورة طه: ٣١ ).
قال النسفي : {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} اجعله شريكي في النبوة والرسالة . تفسير النسفي ج ٢ ص ٣٦٣ .
وقال السمعاني : قَوله: {وأشركه فِي أَمْرِي} أَي: النُّبُوَّة وَأَدَاء الرسَالَة. تفسير السمعاني ج٣ ص ٣٢٨ .
ولما نفى ان يكون الإمام علي عليه السلام شريكا له في النبوة فهو شريك له في أداء الرسالة لذلك قال ابن الحافظ ابن حجر العسقلاني : وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِبَرَاءَةٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا بَلَغَ ذَا الْحُلَيْفَةِ قَالَ لَا يُبَلِّغُهَا إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَلِيٍّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ يَعْلَى عِنْدَ أَحْمَدَ لَمَّا نَزَلَتْ عَشْرُ آيَاتٍ مِنْ بَرَاءَةٍ بَعَثَ بِهَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ لِيَقْرَأَهَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ أَدْرِكْ أَبَا بَكْرٍ فَحَيْثُمَا لَقِيتَهُ فَخُذْ مِنْهُ الْكِتَابَ فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ فَقَالَ لَا إِلَّا أَنَّهُ لَنْ يُؤَدِّيَ أَوْ لَكِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لَا يُؤَدِّي عَنْكَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ رَجُلٌ مِنْكَ . فتح الباري ج ٨ ص ٣٢٠ .
فهو شريكه الذي يبلغ معه الرسالة وغيره ليس له هذا المقام .
فهذه المقامات ( الوزارة ، القرابة القريبة ، الأخوة والوزارة ، الخلافة ، الشراكة في أداء الرسالة ) كلها ثابتة لعلي عليه السلام .
لذلك روى أَبو بكر بن مردويه، وأبو بكر الخطيب، وأبو القاسم ابن عساكر عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإزاء ثبير وهو يقول: "أَشْرِقْ ثُبَيْرُ، أَشْرِقْ ثُبَيْرُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك بِما سَأَلَكَ أَخِي مُوْسَى أَنْ تَشْرَحَ لِي صَدْرِي، وَأَنْ تُيَسِّرَ لِي أَمْرِي، وَأَنْ تَحُلَّ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يفْقَهْ قَولِي، فَاجْعَلْ لِي وَزِيْرًا مِنْ أَهْلِي، عَلِيًّا اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيْرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيْرًا، إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيْرًا" (رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤٢/ ٥٢). وكذا رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (٢/ ٦٧٨) ).
وبلغ من شدة الشبه بين موسى عليه السلام والامام علي عليه السلام أنه حتى لما ولد الحسن والحسين عليهما السلام سماهم باسماء ولدي هارون عليه السلام! فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ: «إِنِّي سَمَّيْتُ ابْنَيَّ هَذَيْنِ بِاسْمِ ابْنَيْ هَارُونَ شَبَرٌ وَشُبَيْرٌ» المصنف لابن أبي شيبة ت الحوت ج ٦ ص ٣٧٩ رقم الحديث ٣٢١٨٥ ، موارد الظمآن ت حسين أسد ج ٧ ص ١٧٨ - ١٧٧ رقم الحديث ٢٢٢٧ .
وأخرج ابن المغازلي بسنده : عن عيد بن ثابت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقال: ((إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن ابن لي مسجداً طاهراً لا يسكنه إلا موسى، وهارون، وابنا هارون، وإن الله أوحى إلي أن ابن لي مسجداً طاهراً لا يسكنه إلا أنا، وعلي، وابنا علي)). مناقب علي لابن المغازلي ص ٣٢٠ رقم الحديث ٣٠١ .
ورواه بلفظ : : ((إن الله عز وجل أوحى إلى موسى عليه السلام أن ابن مسجداً طاهراً لا يكون فيه غير موسى وهارون، وابني هارون شبر وشبير، وإن الله أمرني أن ابن مسجداً طاهراً لا يكون فيه غيري، وغير أخي علي، وغير ابني الحسن والحسين عليهما السلام)). مناقب علي لابن المغازلي ص ٣٦٢ رقم الحديث ٣٤٣ .
قال السيوطي : وَأخرج الزبير بن بكار فِي اخبار الْمَدِينَة عَن أبي حَازِم الْأَشْجَعِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله امْر مُوسَى ان يَبْنِي مَسْجِدا طَاهِرا لَا يسكنهُ إِلَّا هُوَ وَهَارُون وَأَن الله أَمرنِي أَن ابْني مَسْجِدا طَاهِرا لَا يسكنهُ إِلَّا أَنا وَعلي وابنا عَليّ . الخصائص الكبرى ج٢ ص ٤٢٤ .
ولعل في كل ذلك إشارات أن ما يتعرض له الإمام علي عليه السلام هو نفس ما تعرض له هارون عليه السلام من بعد غياب موسى عليه السلام ولذلك ورد عن علي عَنْ عليه السلام قَالَ : " إِنَّ مِمَّا عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِي بَعْدَهُ .
قال الحاكم : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» وتعقبه الذهبي بقوله : صحيح . المستدرك ط العلمية ج ٣ ص ١٥٠ رقم الحديث ٤٦٧٦ ، وصححه ابن كثير في كتابه معجزات النبي صلى الله عليه وآله ٣٠٢ .
وقال علي عليه السلام على المنبر : وَاللَّهِ إِنَّهُ لَعَهْدُ النبيِّ الأميِّ: "إن هذه الأمة ستغدر بي". المطالب العالية لابن حجر العسقلاني ج ١٦ ص ٦٦ ، حكم محقق الكتاب بأنه حسن .
وفي هذا تصديق لقول رسول الله صلى الله عليه وآله : (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شبراً بشبر وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ). قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قال: (فمن). صحيح البخاري ت البغا ج ٦ ص ٢٦٦٩ رقم الحديث ٦٨٨٩ .
ولذلك لما حصل ما حصل للامام علي عليه السلام قال نفس مقالة هارون لأخيه موسى عليه السلام ( يا ابن ام إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) .
فبعد تلك الأحداث العصبية بعد شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله يروي ابن قتيبة الدينوري ان الإمام علي لحق بقبر رسول الله يصيح ويبكي وينادي : يا ابن ام إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني .الإمامة والسياسة ١ / ٣٠.
وقد جاء في صحيح البخاري أنه سيرد أقواما من الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وآله فيخرج رجل يأخذ بهم الى النار ! فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله اصحابي اصحابي فيقول ذلك الرجل انك لا تدري ما احدثوا بعدك انهم لا يزالون منقلبين على الاعقاب منذ ان فارقتهم فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله سحقا لمن بدل بعدي .
وهذا الرجل كما جاء في مصادر أخرى هو علي بن ابي طالب عليه السلام فهو الشاهد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {.. وَیَتۡلُوهُ شَاهِد مِّنۡهُ ... } [ هُودٍ: ١٧] .
تعليق