ربما صغر سني لم يسمح لي أن افهم الحياة بصورتها البشعة، هذا العمر عمر الجمال كما يقولون، لكن ما مر بي يجعلني حكيم ألم، آلاف الصور المؤطرة بالسواد تمر امام عيني، هذه المأساة صارت جزءا من التأريخ والحياة.
قادني رجل كبير السن الى فسحة خارج البيت الذي هو اشبه بقبر ليريني السماء:ـ انظر الى السماء، نظرت:ـ اريدك ان تقفز اليها، لتدخل الجنة بخطوات فتية يافعة، قلت:ـ وهل قتل الآخرين هو الذي يدخلنا الى الجنة؟! وقلت لأتجرأ اكثر:ـ هل تسمي يا عم هذا الدمار والقتل وقطع الرؤوس وهتك الاعراض وسلب الأموال جهاداً..؟! لم انته من جملتي إلا والجلاد يقودني الى غرفة من غرف التعذيب، كدت اموت لكنهم تركوني أعيش بسلام؛ لكوني مشروعهم القادم..!
أغبياء - هؤلاء الناس - ليس لهم تفكير، كتل بشرية مُعدّة للموت، بأي إحساس يريدوننا ان نجتاز مساحة الحزن الكبيرة، لنعمل تحت اوامرهم لقتل أهلنا، بأي عقلية يطلبون الولاء مني وانا الذي قتلوا أختي معصومة (19) سنة حين تأسرت؛ لأنها لعنتهم ولعنت كبيرهم..!
بأي عقلية يطلبون مني الولاء وهم قتلوا أختي نرجس 13 سنة، بقيت المسكينة تنزف الى ان ماتت، واحتجزوا أمي وأخي في الحويجة ولا أعرف أخبار أبي ويبدو انه استشهد في احدى المواجهات فهو كان رجل قتال، لم يرتض الذلة ولن يقبلها ابدا.
هل فيهم عاقل يدرك ما معنى هذه التضحيات؟ وكيف يمكن لفتى قتلوا اهله ان ينتمي اليهم طمعا بالنجاة.. وأخيراً صدر القرار بتعليمي قسرا على قيادة السيارة؛ لكي يجعلوني اقود عجلة مفخخة يرسلوني الى قوات الحشد الشعبي، ليفجروني عن بعد..!
واستبشروا خيرا حين تعلمت قيادة السيارة، وقرروا دخولي في عالم الجهاد الذي رسموا حدوده، وجلسوا لإعدادي نفسيا لتقبل هذا العالم الذي شيدوه على جثث عائلتي، جهزوا العجلة وفعلا ما ان شغلت السيارة حتى شعرت باني على مقربة من الهدف، ماذا سأفعل؟ هل سأنتحر واقتل بانتحاري أبناء الحشد الذين جاؤوا لإنقاذنا..؟
هل اقف وارفع يدي للحشد علهم يدركون القضية؟ كيف يأتمنون من جاء بعجلة مفخخة ليقتلهم..؟ قلت مع نفسي: لديّ حل غيره، تركت مقود السيارة وفتحت الباب راكضا للحشد، رافعاً لهم يدي صارخا بطلب المساعدة، فجّروا العجلة عن بُعد قبل أن تصل إليهم، ويبدو انها فعلاً أصابتني الشظايا.. واعتقد اني استشهدت..!