مشروعية اطفال الانابيب
في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي
في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي
المحامية
ندى جواد كَاطع النوري
عضو اتحاد الحقوقيين العرب
المقدمة :ندى جواد كَاطع النوري
عضو اتحاد الحقوقيين العرب
بسم الله وله الحمد والصلاة والسلام على خير خلقه احمد وعلى آله الغر الميامين صلاة وسلاما دائما سرمدا.
اما بعد .
يعد القرآن الكريم بمثابة دستور خالد للبشرية ، فهو لم يتناول احكام الجزئيات بل تناول الكليات التي تحيط بالجزئيات والمستحدثات مهما كانت غير متناهية وخول الله سبحانه وتعالى العقل البشري ارجاع الجزئيات الى تلك الكليات ،ومن تتبع النصوص الشرعية والقواعد العامة نجد أن معرفة حكم الله فيما لا نص فيه يكون بأتباع طرق معينة .
اما بالنسبة للقواعد القانونية فإنها تناولت هذا الموضوع المهم لتواكب حركة المجتمع ولذلك فإننا نجد ان دولاً عديدة انتشرت فيها عمليات أطفال الانابيب قد تصدت قوانينها الى تنظيم هذه العمليات[1].
سنتناول بايجاز الطرق المستخدمة في الفقه الاسلامي لبيان مشروعية الحالات التي ذكرناها ثم بيان موقف هذا الفقه من هذه الحالات واخيراً نتطرق الى موقف القوانين الوضعية منها وذلك بمطالب ثلاثة:-
المطلب الاول
الطرق العقلية في معرفة الحكم الشرعي
الطرق العقلية في معرفة الحكم الشرعي
تتمثل هذه الطرق في معرفة الحكم الشرعي في المسائل المستحدثة فيما لا نص فيه، بطرق ثلاثة هي: طريقة المصلحة وطريقة دوران الحكم مع علته وجوداً وعدماً وطريقة التحسين والتقبيح العقليين سنلقي كلمة موجزة عن كل طريقة وكما يأتي[2]:-
اولاً:- طريقة استخدام المصالح:
هي طريقة علماء اصول الدين ، وهي استخدام المصالح البشرية لمعرفة احكام الاشياء من التصرفات والوقائع والمستحدثات مما لانص فيه، على اساس أن احكام الله معلله بالاغراض ، وهي مصالح بالنسبة للانسان ومقاصد بالنسبة الى الشريعة الاسلامية ، وهذه المصالح منها ضرورية ومنها حاجية ومنها كمالية ، ومن المصالح الضرورية :حماية الدين ،وحماية الحياة، وحماية المال، وحماية النسل وحماية العقل فهي ضرورية لكل مجتمع فإذا اختلت واحدة منها اختل النظام في المجتمع ومصدر وجوب الاستعانة البشرية قوله تعالى ( وما أرسلناك الا رحمة للعالمين)[3] والرحمة في هذه الآية المصلحة البشرية وهي ذات جانبين: الجانب الايجابي هو المنفعة المستجلبة والجانب السلبي هو المضرة المستدرأة سواء كانت هذه المصلحة مادية أو معنوية، دنيوية أو أخروية.
ثانياً- دوران الحكم مع علته:
هي الطريقة الثانية لاكتشاف أحكام الله فيما لا نص فيه طريقة علماء اصول الفقه(دوران الحكم مع علته وجوداً و عدماً) وكليات القرآن والسنة النبوية منها ما لا يدرك عقل الانسان علتها وحكمتها ، ومنها ما هي معقولة المعنى أي يدرك العقل علتها وهي الغالبة ، وهذه العله اما مذكورة في النص صراحة فتسمى العلة المنصوصة فحكمها حكم النص الصريح في الحجية والالزام ومنها مستنبطة من روح النص ومغزاه فكل جزئي من المستحدثات لم يرد بشأنه نص خاص ولكن تحققت فيه علة حكم كليته فأنه يندرج تحت حكم هذه الكلية على اساس قاعدة (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً) وعلى سبيل المثال ما جاء في قوله تعالى(يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس وأثمهما أكبر من نفعهما)[4] .
والمراد بالإثم في هذه الآية هو الضرر بدليل مقابلته بالنفع. وبناءً على هذه القاعدة القرآنية يكون حكم أطفال الانابيب هو التحريم أذا ثبت ضرره أكثر من نفعه أو كان مساوياً له لان درء المفاسد أولى من جلب المنافع[5].
ثالثاً- التحسين والتقبيح العقليان:-
وهذه الطريقة هي طريقة الفلاسفة المسلمين فهم يقولون لغرض اكتشاف حكم الله فيما لا نص فيه، ينظر الى حسن التصرف وقبحه وأن حسن كل شيئ يبنى على نفعه كما أن قبح كل شيئ يبنى على ضرره وعندهم :
- الواجب هو الذي يكون فعله حسناً وتركه قبيحاً كالعدل والعدالة.
- المحرم هو كل ما يكون فعله قبيحاً وتركه حسناً كالظلم والخيانة.
- المندوب هو ما يكون فعله أحسن من تركه كزيارة المريض.
- المكروه هو ما يكون تركه أحسن من فعله كالتدخل في شؤون الغير.
- المباح هو ما يكون حسنه وقبحه متساويين أو لا يدرك فيه الحسن والقبح .
ويلاحظ من العرض المتقدم أن الطرق الثلاثة متقاربة لأن كل واحدة منها مبنية على اساس نفع الانسان وضرره فإذا ثبت علمياً وعملياً نفع أي مستحدث ومكتشف علمي في الوقت الحاضر والمستقبل ولم يكن هذا النفع مقترناً بضرر أكبر أو مساو فهو مباح والا فهو محرم[6].
المطلب الثاني
موقف الفقه الإسلامي من مشروعية طفل الانابيب
موقف الفقه الإسلامي من مشروعية طفل الانابيب
ابتداءً لم تقتصر دراسة مشروعية طفل الانابيب على ماورد في الفقه الاسلامي رغم شموليته فمثل هذه المسائل تهم الناس عموماً ولذلك نجد ان الاديان الاخرى قد تصدت لهذه المسألة وبالاخص المسيحية ، فقد جاء في رسالة البابا بيوس الثاني عشر الى المؤتمر الطبي المنعقد في روما سنة 1956 أنه: ( يدين التلقيح الصناعي وقد قال ان عقد الزواج لا يمنح الاباء مثل هذا الحق لان غايته ليست الحصول على الولد فقط بل افعال مادية تصلح لانجاب حياة جديدة ،وهي افعال مخصصة لهذا فهو يقول بأن التلقيح الصناعي ينتهك حرمة القانون الطبيعي وهو مخالف للقانون والاخلاق)[7] .
اما على صعيد الفقه الاسلامي وفي ضوء ما ورد في القواعد الفقهية سالفة الذكر وما افتى به علماء المذاهب الاسلامية وآرائهم في هذه المسائل المستحدثة فأننا نتلمس اتجاهات ثلاثة:-
- الاتجاه الاول: يميل الى تحليل القسم الاول المتعلق بحصول الاخصاب في أنبوبة البويضة عائدة للزوجة وبماء الزوج الحي وبشرط قيام الزوجية.
فهذا يعد من قبيل التداوي الذي حث عليه الاسلام بقول الرسول (ص) (تداوو عباد الله فأن الله لم يضع داء الا ووضع له دواء)[8] .
فهو يقع في باب ضرورة حفظ الحياة والنسل شرط اجراء العملية بمنتهى الدقة ، ومن هذا الاتجاه شيخ الازهر الشيخ محمود شلتوت في معرض جوابه على حكم الشريعة الاسلامية من التلقيح الصناعي الانساني أنه أذا كان بماء الزوج لزوجته كان تصرفاً واقعاً في دائرة القانون والشرائع التي تخضع لنظم المجتمعات الانسانية الفاضلة وكان عملاً مشروعاً لا أثم فيه ولا حرج وهو بعد هذا قد يكون سبيلاً للحصول على ولد شرعي يذكر به والداه وبه تمتد حياتهما وتكمل سعادتهما النفسية والاجتماعية فيطمئنان على دوام العشرة وبقاء المودة بينهما[9].
ومن هذا الاتجاه أيضا ما قرره المجتمع الفقهي لرابطة العالم الاسلامي سنة 1985 فهذا القسم من طفل الانابيب سليم من موجبات الشك ولا يلجأ اليه الا في حالة الضرورة القصوى.
كما ذهب الى هذا الاتجاه العديد من فقهاء الامامية منهم سماحة السيد علي السيستاني[10] وروح الله الخميني[11] والشيخ جواد التبريزي[12] والسيد محمد سعيد الحكيم[13] .
2- أما بشأن القسم الثاني: من صور أطفال الانابيب المتعلق بتلقيح البويضة في رحم إمرأة أخرى تعود للزوج ففي هذا القسم ظهر خلاف فقهي فأتجه فريق من الفقهاء ممثلاً بالمجمع الفقهي بمكة المكرمة الى تحريم هذه الوسيلة مطلقاً لأنها تثير مشاكل بين صاحبة البويضة وصاحب السائل المنوي خاصة اذا رفض الزوجان تسليم طفلهما بعد ميلاده من رحم الامرأة الاخرى تطبيقًا للقاعدة الفقهية ( درء المفاسد أولى من جلب المنافع)[14] .
أما علماء الامامية فهم ليسوا متفقين على رأي واحد فذهب فريق منهم الى جواز ذلك دون التفريق في المرأة الاخرى أن كانت أختاً للزوجة او ضرة لها او أجنبية
بينما ذهب فريق اخر الى جوازه مع الأولى تركه احتياطا[15] .
كما قصر فريق اخر العملية بأجرائها على الزوجة الثانية للزوج (الضرة) دون غيرها[16] .
3- اما القسم الثالث: من صور اطفال الانابيب المختلفة فقد اجمع علماء المذاهب على عدم جوازه مطلقاً باستثناء فتوى للسيد عبد الاعلى السبزواري وهو من علماء الامامية وبصدد حالة الاحتفاظ بمني الزوج بثلاجة في فرنسا فأجاب أذا كانت الزوجة مؤمنة ولم تتزوج بعد وفاة زوجها ولم يدخل بها أحد ، وكان المني محفوظاً ولم يشتبه بغيره يلحق المولود بالرجل المتوفي أما الأرث فلا يرثه لان المستفاد من الايات القرآنية المباركة أن الوارث لابد ان يكون موجوداً حملاً أو وجوداً خارجياً حال انتقال التركة الى الوارثين[17].
المطلب الثالث
الموقف القانوني من الصور المختلفة لأطفال الانابيب
الموقف القانوني من الصور المختلفة لأطفال الانابيب
تصدت قوانين الدول المختلفة لهذا الموضوع المستحدث مثلما فعلت الشرايع السماوية وهذه القوانين ايضا اتجهت الى اتجاهات ثلاثة بين الجواز والحظر والتفصيل بالرغم من وجود قوانين تحرم اللجوء اطفال الانابيب مطلقا ، فالقانون الايطالي مثلاً لا يقر بها واعتبر اللجوء الى اطفال الانابيب جريمة يعاقب عليها الزوجان بالحبس مدة عام ولو كان بموافقتهما[18] .
ويبدو ان هذا الموقف المتشدد وهو تأثيرات الكنيسة التي حظرت اللجوء الى هذه التقنية والاقتصار على الافعال المادية التي يتطلبها الزواج الحقيقي، الا أن الاتجاهات الغالبة هي ما ذكرناه فالأتجاه الأول من التشريعات يميل الى الجواز ولكن بشروط منها قيام الزوجية وبأشراف طبي مختص ومن هذا الاتجاه القانون الاسباني حيث تكثر مثل هذه العمليات في اسبانيا والقانون الامريكي والقانون الفرنسي.
اما على صعيد القضاء الفرنسي فهو لم يقر بمشروعية هذه الحالة وكل حالات اطفال الانابيب فقد جاء في قرار محكمة استئناف ليون أن (عجز الزوج جنسياً لا يبرر الحاح زوجته عليه باللجوء الى تلقيحها منه اصطناعياً لاشباع غريزة الامومة فيها لان موافقته في ذلك ضعف في طبعه نشأ عن قبوله بهذه الوسيلة المهينة لكرامته)[19]
كما ذهبت الى الاتجاه ذاته المحكمة المدنية في بوردو التي أوضحت بأن الطبيب الذي قام بهذا التلقيح أنما قام بعمل غير مشروع لان هذه الوسائل يستقبحها القانون الطبيعي وانه يتعارض مع كرامة الزوج[20]
اما عن موقف القوانين من النوع الثاني من صور اطفال الانابيب المتعلقة بوضع اللقيحة في رحم زوجة اخرى للزوج فمثل هذا القسم يثير بعض المشاكل القانونية فيما لو أنحل الزواج بينهما بعد تلقيح صاحبة الرحم الثاني وحالة رفض الزوجان تسلم طفلهما بعد ميلاده من الام الثانية ومع هذه الاشكالات لم تتعرض القوانين لبيان مشروعية هذا القسم من عدمه ومع ذلك عرضت قضية أمام القضاء الامريكي بهذا الصدد بشأن احقية أم بيولوجية لمولودها ونزاعها مع الام الحاضنة التي قبلت ادخال النطفة في رحمها ، نظرت محكمة كاليفورنيا بالدعوى واستندت الأم البيولوجية الى أنه من حقها الاحتفاظ بالطفل وتأكدت المحكمة من ذلك وقضت بحقها في ضم الطفل ولم تسمح للام الحاضنة حتى بحق الزيارة وتأيد ذلك بحكم محكمة الاستئناف[21] .
اما الحالات المفروضة في القسم الثالث فلم نعثر على قوانين تنص على جواز أو حظر اللجوء اليها في حل مشاكل العقم.
أما عن موقف القانون العراقي فأنه لم يتطرق الى هذه الحالات مطلقاً ولكن بالرجوع الى المادة الاولى/الفقرة الثانية من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 والتي نصت على: ( اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادى الشريعة الاسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون).
نجد أن نص المادة المذكور يشير الى أمكانية الرجوع الى فقه الشريعة الاسلامية لبيان مشروعية الحالات والحصول على استفتاء بذلك وربط هذا الاستفتاء مع اوراق الدعوى وجعله سبباً من اسباب الحكم.
[1] الشيخ جواد التبريزي ، منها ج الصالحين ج2 ،ص300.
[2] ابو القاسم الخوئي ، منهاج الصالحين ، 1972 ، ص173 .
[3] القران الكريم ، سورة الانبياء ، الاية 117 .
[4] القران الكريم ، سورة البقرة ، الاية 219 .
[5] د.كارم السيد غنيم، الاستنساخ والانجاب بين تجريب العلماء وتشريع السماء ، القاهرة ،دار الفكر العربي،ط 1،سنة 1998، ص 317.
[6] د.كارم السيد غنيم، نفس المصدر السابق ،سنة 1998، ص 317.
[7] مجلة طبيبك اللبنانية، العدد 78 في أيلول سنة 1978 ، ص16.
[8] صحيح البخاري ج7/ص158.
[9] مجلة طبيبك اللبنانية، العدد 78 في أيلول سنة 1978 ، ص16.
[10] السيد علي السيستاني ، المستحدثات في المسائل الشرعية، لندن :مؤسسة الامام علي/سنة 1996، ص76.
[11] السيد روح الله الموسوي الخميني، تحرير الوسيلة ج2 ،ص621.
[12] الشيخ جواد التبريزي ، منها ج الصالحين ج2 ،ص300.
[13] السيد محمد سعيد الحكيم ، رسالة أبوية ومسائل فقهية تهم المغتربين ،بيروت ،لبنان،مؤسسة المرشد،سنة2003،ص70.
[14] السيد عبد الاعلى السبزواري، مهذب الاحكام في الحلال والحرام،ج3،ص327.
[15] السيد علي السيستاني ، المستحدثات في المسائل الشرعية،لندن :مؤسسة الامام علي/سنة 1996، ص76.
[16] الشيخ نوري حسن الهمداني وكذلك الشيخ لطف الله الصافي .
[17] رأي عبد الحميد السائح وعلي الطنطاوي وبدر المتولي من علماء الازهر الشريف وناصر مكارم شيرازي.
[18] د.كارم السيد غنيم، الاستنساخ والانجاب بين تجريب العلماء وتشريع السماء ، القاهرة ،دار الفكر العربي،ط 1،سنة 1998، ص 317.
[19] مجلة العربي الكويتية، العدد 542، ص53.
[20] المصدر نفسه ،ص54.
[21] صدر هذا الحكم في 22 تشرين أول سنة 1990 منشور في مجلة زهرة الخليج ، السنة الثانية عشر ، سنة 1996.