بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
جوابُ هذا السُؤالِ لَهُ فوائدٌ عديدةٌ وكثيرةٌ نَذكرُ مِنْهَا خَمْسَة:-
1- أنَّ العبادةَ منسجمةٌ مع النظِّامِ التكويني ، أي مع خلقِ الكونِ فإنَّ منَ الطَّبيعي أنْ يتقدمَ العبدُ لسيدهِ الخالق لهُ ولربِّهِ الراعي لهُ بفروضِ العبادةِ والطَّاعةِ ، إعترافاً بفضلهِ ووفاءً لحقِ إلوهيتِهِ وطلباً لرحمتهِ ومزيداً منْ عنايتهِ ، فإنَّ ذلكَ موافقٌ للفطرةِ ، فإنَّنَا نرى أنَّ الإنسانَ بفطرتهِ يشعرُ تجاهَ منْ يتفضلُ عليهِ بنعمةٍ بالإمتنانِ والشكرِ ، فلو مرَّ الإنسانُ بضائقةٍ ماليَّةٍ شديدةٍ أو بمرضٍ معضلٍ فجاءَ شخصٌ وأنقذهُ منْ ذلكَ أو عالجهُ فإنَّهُ يشعرُ بداخلهِ بالإمتنانِ والشكرِ ويودُ أنْ يُعبِّرَ عنِ إمتنانهِ وشكرهِ بوسائل مُتعددةٍ ، لقولهِ تعالى {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴿78﴾ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴿79﴾ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴿80﴾ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ﴿81﴾ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴿82﴾} سُورَةُ الشُّعَرَاءِ ، وهُنا لابُدَّ أنْ تكونَ تلكَ الوسائلَ الّتي تليقُ بجلالهِ للتعبيرَ عنْ شكرنا لهُ ، فأرشدنا وعلَّمَنا تلكَ الوسائلَ من خلالِ تلكَ العباداتِ المذكورةِ .
2- أنَّ للجنَّةِ درجاتٌ وللجحيمِ دركاتٌ في يومِ القيامةِ تتناسبُ معَ درجةِ طَاعةِ العبادِ للهِ تعالى وتمردِ العبيدِ ، وأرادَ اللهُ تعالى أنْ يكشفَ لنا درجاتنا ومقامنا في الدُّنيا لكي نعرفَ أنَّ اللهَ تعالى إذا وضعَ بعضنا في أعلى الدَّرجاتِ وأنزلَ بعضنا –والعياذُ باللهِ- أسفلَ الدَّركاتِ وجعلَ بعضنا بينَ ذلكَ إنَّ هذا كُلُّهُ بإستحقاقنا وحسبَ درجةِ إعترافنا بإلوهيتهِ وطاعتنا لسيادتِهِ ، والشاهدُ على ذلك قولهِ تعالى {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} سُورَةُ الإسْراءِ آية 71، فإذا رأينا علياً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) في الغُرفِ العالياتِ فإنَّ نفوسنا ستطمئنُ بأنَّ هذا هوَ العدلُ ولا نتَّهمُ اللهَ تعالى بأنَّهَ ظلمَنا لأنَّهُ لمْ يجعلنا بمنزلةِ عليٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، لأنَّنا في الدُّنيا عرفنا طاعةَ عليٍّ وعبادتهِ .
وإذا رأينا يزيدَ عليه اللَّعنةُ ومنْ شاكلهم وسَّولَ لهُ في أسفلِ الدَّركاتِ وفي عذابٍ شديدٍ فلا نتَّهمُ اللهَ تعالى بالقسوةِ والظُّلمِ لأنَّنا علِمنا في الدُّنيا تمردَ هؤلاءِ وفظاعةَ ما ارتكبوهُ وعِظَمَ ما عصوهُ.
3- أنَّ لهذا النظِّامِ الكوني مفاتيحٌ لنيلِ الخيرِ والنِعَمِ ومهالكٌ تُوردُ الإنسانَ الشَّرَ والتعاسةَ ، ولأنَّ هذه المفاتيحُ منَ الغيبِ أرادَ اللهُ تعالى أنْ يعَرِّفَنا ذلكَ ، رحمةً بنا وتفضلاً علينا لأنَّهُ يُريدُ الخيرَ بنا ويُريدُ الخيرَ لنا ، فأرشدنا إلى تلكَ العباداتِ كي نعرفَ السُبلَ والطُّرق ِ لنيلِ الخيرِ، لقولهِ تعالى {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا } سُورَةُ النِّسَاءِ آية 69، روى جَابِر عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: (قَالَ لِي : يَا جَابِرُ أَ يَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَننْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ! فَوَاللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَ أَطَاعَهُ .
وَ مَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ ، وَ التَّخَشُّعِ ، وَ الْأَمَانَةِ ، وَ كَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ ، وَ الصَّوْمِ ، وَ الصَّلَاةِ ، وَ الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ ، وَ التَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَ أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَ الْغَارِمِينَ وَ الْأَيْتَامِ ، وَ صِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ ، وَ كَفِّ الْأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ ، وَ كَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ .
قَالَ جَابِرٌ فَقُلْتُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا نَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَداً بِهَذِهِ الصِّفَةِ .
فَقَالَ : يَا جَابِرُ لَا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ ، حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ عَلِيّاً وَ أَتَوَلَّاهُ ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالًا ، فَلَوْ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ فَرَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ثُمَّ لَا يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ وَ لَا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَ بَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ .
يَا جَابِرُ : وَاللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَّا بِالطَّاعَةِ وَمَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَ لَا عَلَى اللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ ، مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ ، وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ ، وَمَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ) الشيخُ الكليني، الكافي، ج2، ص 74.
4- أنْ يكونَ الإنسانُ على صِّلةٍ بربَّهِ دائمُ الذِّكرِ لهُ ، فإنَّ مشاغلَ الحياةِ الدُّنيا تُلَّهي الإنسانَ عن ذلكَ ، فجعلَ اللهُ العباداتِ تذكيراً للإنسانِ بربَّهِ فإذا شعرَ الإنسانُ بوجودِ ربِّهِ تصّرفَ وفقَ ذلكَ فصارَ يعملُ وفقَ هذه الحقيقةِ ، لقولهِ تعالى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} سُورَةُ البَقَرةِ آية 152 ، أمَّا إذا غفلَ عنْ ذلكَ فأنكرهُ صارَ يتخبطُ في الظَّلامِ كالأعمى فيعتدي على هذا في مخالفةِ نظامِ الكونِ فيرتطمُ بالحقائقِ ويتعرضُ للمهالكِ، لقولهِ تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} سُورَةُ طه آية 124 .
5- أيضًا لبعضِ العباداتِ فوائدٌ دنيويَّةٌ وأُخرويَّةٌ تختلفُ بعضها عن البعضِ الآخرِ ، فالصلاةُ تُعلِّمُ الإنسانَ الصلَّةَ باللهِ وتعلِّمَهُ التواضعَ والأدبَ في دعاءِ اللهِ إذا أرادَ أنْ يطلبَ حاجةً منهُ ، والصومُ يُعلِّمُ الإنسانَ الإيثارَ وعدمَ التعلقِ بالأموالِ ومواساةَ الفقراءِ والإعترافَ بأنَّ المُلكَ للهِ ، والحجُ فيه تعليمٌ للإنسانِ أنَّ في سفر الدُّنيا إنَّما يسعى إلى الآخرةِ إلى بيتِ اللهِ وجوارهِ وأنَّ في هذا في السفرِ عقباتٍ لابُدَّ أنْ يُحسنَ التعاملَ معها ليتجنبَ الهلاكَ وينالَ الفوزَ الأعظمَ ، لقولهِ تعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} سُورَةُ المؤمنونَ من الآية1 إلى الآية 11.
، وقبلَ هذا وذاكَ فإنَّ ولايةَ أهلُ البيتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) تجسيدٌ حيٌّ لطاعةِ اللهِ والإخباتِ لأمرهِ ويحفظُ نظامَ الملَّةِ والشَّريعةِ بإتباعِ منْ أمرَنَا اللهُ تعالى إتِّباعَهُم وأخذِ الأحكامِ منهم ، لقولهِ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} سُورَةُ النِّسَاءِ آية 59 ، وفي الأحاديثِ (عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي حَدِيثٍ قَالَ: ذِرْوَةُ الْأَمْرِ وَسَنَامُهُ وَمِفْتَاحُهُ وَبَابُ الْأَشْيَاءِ وَرِضَى الرَّحْمَنِ الطَّاعَةُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ أَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَامَ لَيْلَهُ وَصَامَ نَهَارَهُ وَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَحَجَّ جَمِيعَ دَهْرِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ وَلَايَةَ وَلِيِّ اللَّهِ فَيُوَالِيَهُ وَيَكُونَ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ بِدَلَالَتِهِ إِلَيْهِ مَا كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ حَقٌّ فِي ثَوَابِهِ وَلَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَان) الشيخُ الكليني، الكافي: ج2، ص 19 ، وهكذا التشريعات . وآخر دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين .
تعليق