بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ سُورَةُ العَصْرِ ،آية 2اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
يقولُ الإمامُ عليٌّ بنَ مُحَمَّدِ الهَادي (عَلَيْهِ السَّلامُ): (الدُّنْيَا سُوقٌ رَبِحَ فِيهَا قَوْمٌ وَ خَسِرَ آخَرُونَ ) تحف العقول، ص 361
عَنْ أبي عبدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلامُ): (مَنْ قَرَأَ وَالْعَصْرِ فِي نَوَافِلِهِ بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُشْرِقاً وَجْهُهُ، ضَاحِكاً سِنُّهُ قَرِيراً عَيْنُهُ، حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ) بحار الأنوار ، العلامة المجلسي ، ج ٧ ، ص ٢٩٨،
والمرادُ مِنَ الخُسرانِ هو مُضي أثمنُ شيءٍ لَديِهِ وهو عُمرُهُ، فالاِنسانُ في كُلِّ لحظةٍ يَفقدُ رأسَ مَالَهُ بنحوٍ لا يُعوَّضُ بشيءٍ أبداً، وهذهِ هيَ سُّنةُ الحياةِ الدُّنيويَّةِ حيث ينصرمُ عمرُهُ ووجودُهُ بالتدريجِ، كَمَا تنصرمُ طَاقاتِهِ إلَى أنْ يهرمُ ويموتُ، فأيُّ خُسرانٍ أعظمُ مِنْ ذَلكَ!!!
وأُسسُ معرفةِ الإنسانِ الّتي يَصدقُ بِهَا القرآنُ، هو أنَّ الإنسانَ يختلفُ اختلافاً جوهرياً وأصيلاً عَنْ كُلِّ الكائناتِ الحيَّةِ وغيرِ الحَيَّةِ، سواءٌ أكانتْ دُنيويَّةً طبيعيَّةً أمْ مِمَّا وراءَ الطَّبيعةِ أو فوقَهَا، وهذا الاختلافُ هو أنَّ الإنسانَ كائنٌ يولدُ في هذهِ الدُّنيَا بالقوَّةِ، لَا بالفعلِ . فمَا معنَى هذا؟ إذا نظرنَا إلَى الإنسانِ عندَ ولادَتِهِ نَجدُهُ كَائناً كَاملاً مِنْ حيث أجهزِتِهِ وأعضائِهِ (أي إنَّهُ وُلدَ مَصنوعاً) إذْ أنَّهُ قبلَ أنْ يُولدُ مِنْ أُمِهِ، يتكاملُ عندَهُ جهازُ البَصرِ، وجهازُ السَّمعِ، جهازُ التَّنفُّسِ، وجهازُ الدَّورةِ الدَّمويَّةِ، ويداهُ، ورجلاهُ ويَكمُلُ كُلُّ هيكلِهِ، مِثلُ السِّيارةِ الّتي تخرجُ مِنَ المصنعِ، إلاَّ أنَّ الإنسانَ بإنسانيَّتَهِ، لَا بكمالِ أعضائِهِ. إنَّهُ إنسانٌ لَهُ شَخصيَّتَهُ، وهذه الشَّخصيَّةُ هيَ الّتي تبدأُ بالتكونِ، أي أنَّها تشرعُ بالتكاملِ ابتداءً مِنْ بدءِ صناعتِهِ. فالإنسانُ منْ حيث شخصيَّتَهُ أضعفُ الحيواناتِ ، فالإنسانُ ليسَ بالصُّورةِ الخَارجيَّةِ، ولذلكَ تجدُ الفرقَ أحياناً بينَ إنسانٍ وإنسانٍ ما بينَ السَّماءِ والأرضِ، خُذِ النَّبيَّ وأبَا جهلٍ مِنْ حيث الهيئةِ الخارجيَّةِ للمقارنةِ، فهلْ كانَ للنَّبيِّ قلبانٌ ولأبي جهلٍ قلبٌ واحدٌ؟ كَلَا ليسَ بينَهُما مِنْ حيث الأعضاءِ فرقٌ بالمرَةِ، إلاَّ أنَّ موسى مِنْ حيث أنَّهُ مُوسى، وفرعونُ مِنْ حيث أنَّهُ فرعونُ، يختلفانِ، أي أنَّ الفرقَ بينَ الشَّخصيَّةِ الموسويَّةِ والشَّخصيَّةِ الفرعونيَّةِ مِثلَ الفرقَ بينَ السَّماءِ والأرضِ، خُذِ أبا ذرٍ ومعاويةَ وقارنْ بينَهُمَا. كانَ كَلاهمَا إذا دخلَا مَجلساً لمْ يعرفهُمَا أحدٌ، فهلْ لو نظرَ أحدٌ إلى جبينِ أبي ذرٍ وجدَ اسمَهُ منقوشاً عليْهِ؟ كلَا، بلْ لعلَ النَّاسَ كانوا يخلطونَ بينهُمَا، ولا يعرفونَ مَنْ مِنهمَا هذا ومَنْ مِنهمَا ذاكَ. ولكنْ كانَ أبا ذرٍ كأنَّهُ مِنْ طينةِ ومعاويةَ مِنْ طينةٍ أُخرى، وهذا اختلافٌ يتصلُ بالشَّخصيَّةِ، وعليه فإنَّ الإنسانَ هوَ المسؤولُ عنْ نفسِهِ، عَنْ صيرورتِهِ إنساناً، وعنْ بقائِهِ إنساناً ،
والإنسانُ يصنعُ نفسَهُ بعملِهِ، يكونُ إنساناً بنوعِ عملِهِ، فثمَّةَ أعمالٌ تُبعَّدُ الإنسانَ عنِ الإنسانيَّةِ، وأُخرى تُقربَهُ مِنها، هذه الفكرةُ يَطرحُها القرآنُ قبلَ أربعةَ عشرَ قَرناً طرحاً كاملاً، ، ولكنَّ القرآنَ ينظرُ إلى إنسانيَّةِ الإنسانِ مِنْ جانبينَ: جانبُ الإيمانِ وجانبُ العملِ، والإيمانُ هو نفسُهُ ركنٌ وقاعدةٌ، إنَّ فلسفاتِ هذا العصرِ لَا تُثمِّنُ الإيمانِ تثميناً ذاتياً ولا تثميناً أصيلاً، صحيحٌ إنَّها تقولُ بلزومِ الفكرِ الجيَّدِ والإيمانِ الجيَّدِ، ولكنَّها ترجعُهُمَا إلى ذهنيَّةِ الإنسانِ، وتقولُ إنَّ قيمةَ الذهنيَّةِ تكمنُ في مِقدارِ حَثِهَا الإنسانَ على العملِ، أي أنَّ للتَّقويمِ مُقدمةٌ، كانَ هذا هو رأيُ بعضِهم في صدرِ الإسلامِ، ومنهم الخوارجُ ، لاشَكَ أنَّ رأيَ القرآنِ مختلفٌ، فمعرفةُ اللهِ في القرآنِ لازمةٌ بقطعِ النظرِ عما ينتجُ منها من عملٍ (وهي لا ريبَ منشأُ كُلَّ عملٍ) فلو فرضنَا أنَّ معرفةَ اللهِ منفصلةٌ عن أيِّ عملٍ، فإنَّها بحدِّ ذاتِها نصفُ الإنسانيَّةِ، إنْ لمْ نَقُلْ كُلُّهَا، الإيمانُ باللهِ، الإيمانُ بالأوَّلِ، الإيمانُ بالمعادِ، الإيمانُ بالآخرةِ، الإيمانُ بالوسطِ (الدُّنيا)، تُرى مَا دَورُهَا في العملِ، وما الموضعُ الّذي ينبغي أنْ نتخذَهُ في هذهِ الدٌّنيا؟ إنَّ معرفةَ هذه الأمورِ في نظرِ القرآنِ تتلخصُ في القرآنِ بأنَّ الإيمانَ والعملَ لا يُمكنُ الفصلُ بينَهُمَا، ألَا تَرى كمْ يرد في القرآنِ {آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} ،سُورَةُ البقرةِ ،آية 25 إنَّ آياتٍ كهذهِ تتكررُ بحيث أنَّ المرءَ كُلَّمَا قرأ ﴿آمَنُواْ﴾ انتظرَ أن يرى وراءَها {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} ليسَ صحيحاً القولُ بأنَّ على الإنسانِ أن يكونَ ذا إيمانٍ قويٍّ ثابتٍ، ولَا يَهمُ بعدَ هذا إنْ كانَ يعملُ أولا يعملُ. {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} سُورَةُ الحِجْرِ آية ،99، أي ثابرْ على عبادةِ اللهِ إلى أنْ تبلغَ مرحلةَ اليقينِ في الإيمانِ، فإذا بَلغتْ هذه المرحلةُ، يبدأُ الشَّيطانُ يوسوسُ لكَ قائلاً: ما لكَ وللعملِ وما نَفعُهُ لكَ؟ وفي إزاءِ هذه يوجدُ أُناسٌ (كالخوراجِ في صدرِ الإسلامِ) يعتقدونَ بضرورةِ العَملِ، بصرفِ النظرِ عن إيمانِهم وعدمِ إيمانِهم. ولهذا يقولونَ أنَّهُ إذا وُجدَ في أيِّ مكانٍ منَ العالمِ أُناسٌ يعملونَ مِثلَمَا يعملُ المُسلمونَ، حتى وإنْ لمْ يكونوا يعرفونَ اللهَ، وحتى لو لمْ يؤمنوا بالمعادِ، فإنَّهم، بعملِهِم الصَالحِ، يكونونَ قدْ وصلَوا إلَى ما كانَ الرسولُ يدعوهُم إليهِ، ووصَلوا إلى سعادةِ الدُّنيا والآخرةِ، ولا فرقَ بينَهم وبينَ المسلمينَ، فمَا الإيمانُ إلاَّ مقدمةٌ! ولكنَّ الإيمانَ ليسَ مُقدمةٌ البَتَّةَ، لَا الإيمانُ مقدمةٌ ولَا العملُ، بلْ هُما رُكنا سعادةِ الإنسانِ . جعلنا اللهُ وإياكم منَ السُعَداءِ منْ خِلالِ الإيمانِ والعملِ الصالحِ .
تعليق