هذه السنة الأولى التي أتعيّن فيها معلمة، بدأت أنمّي تجربتي كمعلمة، وخبرتي في سوح الرؤى الانسانية التي تعلمتها من مديرتنا الناشطة انسانياً، فهي طوعتنا للعمل الانساني، وأذقنا طعم العمل الخيري، وعرفت حينها كم هو سعيد من يعيش مع الناس بالرحمة والمجاملة الحسنة والعطف كقيمة تربوية.
في حياتي كمعلمة، صرت أحمل معي دفتري لتسجيل كل حالة من الحالات التي تشعرني بالسعادة، أدوّن فيه زياراتنا لمستشفيات الأطفال، ونهتم بحالات الأطفال الخاصة كالأيتام، وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وكنا نتبرع لرعاية الكثير من الأمور التي أشعرتنا أن المادة ليست بذي قيمة لو تخلت عن المضمون الانساني، وكنا نشترك جميعنا في ثمن الهدايا، أمر محبّب الى نفسي، صرت أحب وظيفتي بسببها، وأعشق هذه الأعمال الانسانية التي هبت الكثير من معلمات المدارس الاخرى للاشتراك بمثل هذه الزيارات الانسانية الرائعة.
يفرح الانسان كثيراً عندما يعرف أنه أصبح قدوة للآخرين، ولذلك كنت أنقل ما أكتب لطالباتي، فأراهن ينسجمن لهذا الفعل، وهذه الحالة السليمة، لغرس المحبة والعاطفة والعمل الانساني، كنت أحاور في مثل هذه الزيارات هؤلاء الاطفال بشكل يفرحني حين أفرحهم وأفرح قلوبهم، براءة الأطفال لا نجدها إلا عند الأطفال، ولهذا أسجل في دفتري كل كلمة يكتبونها لي أو كلمة أسمعها منهم، اليوم سأقرأ لكم ما سجلت في زيارتنا الأخيرة.
أخبرتنا المديرة الست نجوى ابراهيم أن تكون زيارتنا لمستودع خيري وكان فيه مجموعة من الأطفال الأيتام، سجلنا الأسماء وجمعنا التبرعات، وذهبنا الى هذا المستودع وحدثت المفاجأة التي كنت لا أتوقعها تصدر من وعي طفل صغير رفض استلام الهدايا، وقال: الأيتام أولى مني بها، قلت له: وانت يا حبيبي..؟ نظر في وجهي مبتسماً وقال: أنا لست يتيماً..!
فقلت له: إذن، ما الذي أتى بك الى هنا..؟ قال: هم هكذا يفعلون بنا دائماً، يعتبرون أن أبناء الشهداء أيتام، أبي حي يرزق، وهو لايزال في قلبي حي يرزق، ويتنفسني أبي وأتنفسه، أرجوكم لا تفجعونا في مشاعرنا نحن أولاد الأحياء، لم يبقَ أمامي إلا أن أقبّله وأقبّل فيه روح الشهادة، قلت له وسط دهشة الحضور: ما دمت رفضت هديتنا فاختر لنا هدية بحجم محبتنا، قال: ست، لنقرأ الفاتحة للشهداء، فهي الأجمل والأنقى.
تعليق