(عَمِونَ):
قال تعالى: ((بَلِ ادَّارَكَ عِلمُهُم فِي الآخِرَةِ بَل هُم فِي شَكٍّ مِّنهَا بَل هُم مِّنهَا عَمِونَ)) {النمل/66} جاء في كتاب التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي (قدس سره): لما أخبر الله تعالى عن الكفار أنهم لا يشعرون متى يحشرون يوم القيامة، وانهم ساخرون في ذلك، أخبر انهم يعلمون حقيقة ذلك يوم القيامة حين يبعثهم الله، وانه لا ينفعهم علمهم في ذلك الوقت مع شكهم في دار الدنيا.
وأخبر انهم في شك من البعث في دار الدنيا، وأنهم عمون عن معرفة حقيقته. وهو جمع (عمى) وشبه جهلهم بذلك بالعمى؛ لأن كل واحد منها يمنع بوجوده من ادراك الشيء على ما هو به؛ لأن الجهل مضاد العلم، والعمى مناف للرؤية.
وجاء في كتاب تفسير الأمثل للسيد مكارم الشيرازي، ثمّ يتكلم القرآن عن عدم علم المشركين بيوم القيامة وشكهم وجهلهم، فيقول: ((بَلِ ادَّارَكَ عِلمُهُم فِي الآخِرَةِ بَل هُم فِي شَكٍّ مِّنهَا بَل هُم مِّنهَا عَمِونَ)).
«ادَّارَكَ» في الأصل «تدارك» ومعناه التتابع أو لحوق الآخر بالأوّل، فمفهوم جملة: ((بَلِ ادَّارَكَ عِلمُهُم فِي الآخِرَةِ...)) أنّهم لم يصلوا إلى شيء بالرغم ممّا بذلوه من تفكير، وجمعوا المعلومات في هذا الشأن، لذلك فإنّ القرآن يضيف مباشرة بعد هذه الجملة ((... بَل هُم فِي شَكٍّ مِّنهَا بَل هُم مِّنهَا عَمِونَ)).
لأنّ دلائل الآخرة ظاهرة في هذه الدنيا، فعودة الأرض الميتة إلى الحياة في فصل الربيع، وإزهار الأشجار وإثمارها مع أنّها كانت في فصل الشتاء جرداء..! ومشاهدة عظمة قدرة الخالق في مجموعة الخلق والوجود، كلها دلائل على إمكان الحياة بعد الموت، إلاّ أنّهم كالعُمي الذين لا يبصرون كل شيء..!
وبالطبع، فإنّ هناك تفاسير أخر للجملة أعلاه، منها أنّ المراد من ((بَلِ ادَّارَكَ عِلمُهُم فِي الآخِرَةِ...)) أن أسباب التوصل للعلم في شأن الآخرة متوافرة ومتتابعة، إلاّ أنّهم عمي عنها.
وقال بعضهم: إنّ المراد منها أنّهم عندما تُكشف الحجب في يوم الآخرة، فإنّهم سيعرفون حقائق الآخرة بشكل كاف.
(الخَبْءَ):
قال تعالى: ((أَلَّا يَسجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخفُونَ وَمَا تُعلِنُونَ)) {النمل/25} كلمة «خَبْء» على وزن (صبر) معناها كل شيء خفي مستور، وهي هنا إشارة إلى إحاطة علم الله بغيب السماوات والأرض، أي: لِمَ لا يسجدون لله الذي يعلمُ غيب السماوات والأرض وما فيهما من أسرار؟!
وما فسّره بعضهم بأن الخبء في السماوات هو الغيث، والخبء في الأرض هو النبات، فهو - في الحقيقة - من قبيل المصداق البارز.
والطريف في الآية أنّها تتكلم أوّلاً عما خفي في السماوات والأرض، ثمّ تتكلم عن أسرار القلوب..! إلاّ أنّه لِمَ استند الهدهد من بين جميع صفات الله إلى علمه بغيب العالم وشهوده كبيره وصغيره؟!
لعل ذلك لمناسبة أن سليمان - بالرغم من جميع قدرته - كان يجهل خصائص بلد سبأ، فالهدهد يقول: ينبغي الاعتماد على الله الذي لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض.
أو لمناسبة أنّه - طبقاً لما هو معروف - للهدهد حس خاص يدرك به وجود الماء في داخل الأرض، لذلك يتكلم عن علم الله تعالى الذي يعلم بكل خافية في عالم الوجود. وأخيراً يختتم الهدهد كلامه هكذا: ((اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ)) {النمل/26}.
(أَوْزِعْنِي):
قال تعالى: ((قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعمَلَ صَالِحًا تَرضَاهُ وَأَصلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ {الأحقاف/15} جاء في كتاب التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي: ((قال رب أوزعني)) أي ألهمني ما يمنع من ذهاب الشكر عني بما أنعمت به عليّ وعلى والديّ، ووفقني أن أعمل صالحا ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين كالأنبياء ومن يجري مجراهم ممن يعمل الأعمال الصالحة، ولا يرتكب شيئاً من القبائح.
(فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يمنعون من التفرق ويحبسون ويكفون، يقال: وزعت الرجل إذا منعته، ومنه قول الحسن لابد للناس من وزعة وقوله (اوزعني) أي الهمني.
وجاء في التفسير الاصفى للفيض الكاشاني: ((قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ...)، اجعلني أزع شكر نعمتك عندي، أي: أكفه وارتبطه، بحيث لا ينفلت عني، ولا أنفك عنه، وأدرج ذكر والديه تكثيرا للنعمة.
(يَعْمَهُونَ):
قال تعالى: ((وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)) {المؤمنون/75} قال تعالى: ((ولو رحمناهم)) في الآخرة ورددناهم إلى دار الدنيا، وكلفناهم فيها ((للجوا في طغيانهم يعمهون)) كما قال: ((وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ)) وقيل يريد في الدنيا أي ((وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ)) وجوع ونحوه ((للجوا في طغيانهم)) أي في غوايتهم ((يعمهون)) أي يترددون.
وقال الفيض الكاشاني (قدس سره): (يعمهون): يتحيرون، والعمى في البصيرة كالعمى في البصر. ((أُولَئِكَ الَّذِينَ اشتَرُوُا الضَّلاَلَةَ بِالهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهتَدِينَ)) {البقرة/16} قال: "باعوا دين الله واعتاضوا منه الكفر بالله". (فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُم) قال: "ما ربحوا في تجارتهم في الآخرة؛ لانهم اشتروا النار وأصناف عذابها بالجنة التي كانت معدة لهم لو آمنوا". ((وما كانوا مهتدين)) قال: "إلى الحق والصواب".
تعليق