بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
إنَّ مِنْ أبرزِ الآياتِ الّتي نستحضرُهَا دوماً في سياقِ حديثِنَا عنْ أولوياتِ الإصلاحِ وأصولِ الفَسادِ هيَ قولُهُ تَعالَى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ سُورَةُ الرَّعد، آية 11، غيرَ أنَّهُ مِنَ النادِرِ أنْ نتساءلَ عنْ كيفيَّةِ تغييرِ النَّفسِ وحقيقتِهَا وأصنافِهَا وكيفيَّةِ معالجةِ أحوالِها وتقلباتِهَا .
لقدْ ذُكرَتْ النَّفسُ في القرآنِ الكريمِ في عِدَّةِ مواضعٍ مِنْ بَينِهَا: ﴿سبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ سُورَةُ يس، آية 36، ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ سُورَةُ الأنبياءِ، آية 35، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ سُورَةُ البَقرَةِ، آية 48، وبعيداً عَنِ الجَدَلِ القَائمِ حَولَ الفَرقِ بينَ النَّفسِ والرُّوحِ وهلْ هُمَا كَيانٍ واحدٍ أمْ مُختَلِفٍ، فإنَّ النَّفسَ تَعرِّفُ باعتبارِهَا: الجانبَ المُحَرِكَ والمُوجِهَ والمسؤولَ عَنْ سلوكياتِ الإنسانِ وأفكارِهِ ونزواتِهِ وأخلاقِهِ وانفعالاتِهِ وتوجهاتِهِ خيراً أمْ شراً، وقدْ أكدَ القرآنُ هذهِ الحقيقةَ بقولِهِ تَعالَى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا *﴾ سُورَةُ الشَّمسِ ، الآيات 7-10.
فقد حذّرَتْ رواياتُ أهلِ بيتِ العِصمَةِ (عَلِيْهِم السَّلامُ) منها، فعن الإمام أمير المؤمنين (عَلِيْهِ السَّلامُ) قال: (إنّ النَّفسَ لَأمّارَةٌ بالسُّوءِ و الفَحشاءِ ، فمَنِ ائتَمَنَها خانَتهُ ، و مَنِ استَنامَ إلَيها أهَلَكَتهُ ، و مَن رَضِيَ عَنها أورَدَتهُ شَرَّ المَوارِدِ) مُستدركُ الوسائلِ 11/140.
ويقولُ الشاعرُ: والنَّفسُ راغبَةٌ إذا رَغَّبتَهَا ..................................... وإذا تُرَّدُ إلى قليلٍ تقنَعُ
النَّفسُ ألَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ: وهيَ النَّفسُ الحريصَةُ علَى دفعِ صاحبَهَا نحوَ مُخالطَةِ المَعاصي، وتزيينِ الشَّهواتِ والإيقاعِ بِهِ في المُهلِكاتِ، ومثلِهَا مَا ذَكرَهُ اللهُ علَى لِسانِ امرأةِ العزيزِ: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ سُورَةُ يُوسُفَ ، آية 53، وهذهِ أسوءُ أنْفِسِ الآدميينَ ، وبهذا الخصوصِ يقولُ :الإمامُ عليٌّ (عَلِيْهِ السَّلامُ) (النَّفسُ الأمّارةُ المُسَوِّلَةُ تَتَملَّقُ تَمَلُّقَ المُنافِقِ ، وتَتَصَنَّعُ بشِيمَةِ الصَّديقِ المُوافِق ، حتّى إذا خَدَعَت وَمَكَّنَت تسَلَّطَت تَسَلُّطَ العَدُوِّ ، وتَحَكَّمَت تَحَكُّمَ العُتُوِّ ، فأورَدَت مَوارِدَ السُّوءِ) ،غُرَرُ الحِكَمِ : 2106
لقدْ ضَربَ لنَا القُرآنُ عِدَّةَ نَماذجٍ حولَ تَقلباتِ الأُممِ والأفرادِ وإرتباطِ مَصائرِهِم بِمَا كسبَتْ أَنفَسَهُم خيراً أو شَراً، ومِنْ هذهِ النماذجِ نذكرُ:
1- قِصةُ إخوةِ يُوسُف: ففي بِدايةِ أمرِهِم كَادوا لأخيِهِم يُوسُفَ وآذوا أبَاهُم يعقوبَ، ثُمَّ لَمَّا أدْرَكوا خِطْئَهُم تَابوا وأصلَحوا نُفوسَهُم فَقَبِلَ اللهُ مِنْهُم بَعدَ أنْ تابوا لقوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِين * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *﴾ سُورَةُ يُوسُفَ، الآيتين 97-98.
2- قِصةُ امرأةِ العزيزِ: فبعدَ سعيهَا لإغواءِ يُوسُفَ والإيقاعِ بِهِ، تَابَتْ واعترَفَتْ بذنبِهَا ونَدمَتْ عليهِ وقالتْ: لقولِهِ تعالَى في كتابِهِ الكريمِ :﴿ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وما أبرئ نفسي ِإنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إن ربي غفور رحيم *﴾ سُورَةُ يُوسُفَ، الآيتين 52-53، فصلُحَ حَالُهَا بعدَ ذلكَ واستقامتْ سيرتُهَا وسريرَتُهَا.
3- قصةُ قومِ يُونسَ: بعدمَا أَيِسَ يونسُ منْ إيمانِ قومِهِ عزَمَ علَى مفارقتِهم وأخبرَهُم أنَّ العذابَ سينزُلُ عليهِم في ثلاثةِ أيامٍ،فلمَا رأوا إرهاصاتَ العذابِ وأيقنوا أنَّهُ قدْ حاقَ بِهِم،خرجوا معَ أهليهِم وغلمانِهم وأنعامِهم وجعلوا الرَّمادَ علَى رؤوسِهشم والشَّوكَ في أرجلِهِم ولبسوا الصُّوفَ وأخذوا يجأرونَ ويدعونَ ويبكونَ فعلِمَ اللهُ صدقَهُم فتابَ عليْهِم، وقالَ فيْهشم: ﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ سُورَةُ يُونُسَ ، آية 53.
4- قصةُ سَحرةِ فرعونَ: لقدْ أعلنَ السَّحرةُ توبتَهُم في اللَّحظةِ الّتي تَكشفتْ لَهُم فيهَا عظمةُ اللهِ، فبعدَ أنْ كانوا أعواناً لفرعونَ في طغيانِهِ، أيقَنوا أنَّ ما جاءَ بِهِ مُوسى هوَ الحقُّ وليسَ منْ قبيلِ السِّحرِ الّذي يأتونَهُ، فاخترقَ الإيمانُ شغافَ قلوبِهِم وصدحوا في لحظةِ استفاقةٍ وصدقٍ ، لقولِهِ تَعالَى:﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ*﴾ سُورَةُ الأعرافِ ، الآيتين47-48.
5- قصةُ العربِ في جاهليتِهِم وبعدَ إسلامِهِم: لقدْ كانَ العربُ في جاهليَّةٍ جَهلاءٍ وضلالةٍ عمياءٍ، وعلَى وضعٍ أخلاقيٍ ودينيٍ وإنسانيٍ بئيسٍ ، غيرَ أنَّهُ لمَّا صَدَّقتْ منهم طائفةٌ فآمنتْ وأخلصتْ وتزكتْ نفوسُهَا، انتقلوا مِنْ عبادةِ العبادِ إلَى عبادةِ ربِّ العبادِ ومنْ ضيقِ الدُّنيا إلَى سَعةِ الدُّنيا والآخرةِ ومنْ سيءِ الأخلاقِ والمعتقداتِ إلِى أحسنِها، فأصبحَ مِنْهم سادةٌ وقادةٌ، حتّى وصفَهُم القرآنُ بقولِهِ :﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ سُورَةُ آلِ عمرانَ، آية 110.
6- الأقوامُ معَ أنبيائِهم: أمَّا بقيَّةُ الأممِ والأفرادِ الّذينَ ثبتوا علَى الكُفرِ والفَسادِ ولمْ يغيروا ما بأنفُسِهم كقومِ شُعيبٍ ولوطٍ وعادٍ وفرعونَ والنمرودَ، وصاحبِ الجنَّتينِ، فقدْ أذاقَهُم اللهُ سوءَ العذابِ وكانتْ عاقبةُ أمرِهِم خُسرا ، لقوله تعالى: ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم﴾ سُورَةُ الأنفالِ آية 53.
وبتأملِ أحوالِ النَّفوسِ وتقلباتِهَا وعواقبِهَا نلاحظُ أنَّها علَى ثلاثِ أحوالٍ:
أ- فهناكَ من تغيَّرَتْ أنفسَهُم منَ الفَسادِ إلَى الصَّلاحِ، فاستقامَ حالَهُم وكانتْ لَهُم العاقبةُ الحَسنةُ.
ب- وهناكَ منْ تغيَّرَتْ نُفوسَهُم مِنَ الصَّلاحِ إلى الفَسادِ، فجَحَدوا نِعمَ اللهِ وكفروا بِهِ فكانَ لَهمُ المَصيرُ الأسوءُ في الدُّنيا والآخرةِ.
ت- وهناكَ نفوسٌ أصَرتْ علَى فسَادِهَا ورَفضتْ دعوةَ الأنبياءِ وتنكبتْ الصِّراطَ المُستقيمَ، فكانَ عاقبةُ أمرِهَا خُسرا.
ومنْ كانتْ نَفسُهُ في هذهِ المَرتِبَةِ، فإنّه يكونُ مُنهمِكاً في الذَّنوبِ، مُتّبعاً للشَّهواتِ، مُستجيباً لَها استجابةً تامّةً، غافلاً عنْ اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى وعنِ الآخرةِ، وهَي الّتي أشارَ إليهَا الإمامُ زينُ العابدينَ (عَلِيْهِ السَّلامُ) في مناجاته المعروفة بمُناجاةُ الشّاكين بقوله: ( اِلـهي اِلَيْكَ اَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ اَمّارَةً، وَاِلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تَسْلُكُ بي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُني عِنْدَكَ اَهْوَنَ هالِك، كَثيرَةَ الْعِلَلِ، طَويلَةَ الاْمَلِ، اِنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَاِنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، مَيّالَةً اِلَى اللَّعِبِ وَالَلَّهْوِ مَمْلُؤةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ، تُسْرِعُ بي اِلَى الْحَوْبَةِ وَتُسَوِّفُني بِالتَّوْبَةِ، اِلـهي اَشْكُو اِلَيْكَ عَدُوّاً يُضِلُّني، وَشَيْطاناً يُغْويني، قَدْ مَلاَ بِالْوَسْواسِ صَدْري، وَاَحاطَتْ هَواجِسُهُ بِقَلْبي، يُعاضِدُ لِيَ الْهَوى، وَيُزَيِّنُ لي حُبَّ الدُّنْيا وَيَحُولُ بَيْني وَبَيْنَ الطّاعَةِ وَالزُّلْفى) الصَحيفةُ السّجاديّةُ، ص 403
فصلاحُ الحَالِ والمآلِ منوطٌ بصلاحِ نفوسِ الأفرادِ والمجتمعاتِ، فكيفَ يتحققُ ذلكَ؟
تعليق