20من شهر شوال سنة مائة وتسع وسبعون أعتُقل الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام بأمر هارون العباسي
يتبع
لماذا اعتقل الإمام الکاظم عليه السلام | ||
تتلخص الاسباب المباشرة التي دفعت بهارون الرشيد إلى اعتقال الإمام الکاظم(عليه السلام) بالنقاط التالية : 1ـ احتجاج الإمام (عليه السلام) من الأسباب التي حفّزت هارون الرشيد لاعتقال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وزجّه في غياهب السجون، احتجاجه عليه بأنه أولى بالنبي (صلّى الله عليه وآله) من جميع المسلمين، فهو أحد أسباطه ووريثه، وأنه أحق بالخلافة من غيره، وقد جرى احتجاجه معه عند قبر النبي (صلّى الله عليه وآله) وذلك عندما زاره هارون وقد احتفّ به الأشراف والوجوه وقادة الجيش وكبار الموظفين في الدولة، فقد أقبل بوجهه على الضريح المقدّس وسلّم على النبي (صلّى الله عليه وآله) قائلاً: (السلام عليك ابن العم). وبذلك بدا الاعتزاز والافتخار لهارون على غيره برحمه الماسة من النبي (صلّى الله عليه وآله) وإنه نال الخلافة لهذا السبب، قربه من الرسول (صلّى الله عليه وآله). أما الإمام الكاظم (عليه السلام) فتقدم أمام الجمهور وسلّم على النبي (صلّى الله عليه وآله) قائلاً: (السلام عليك يا أبتِ). عندها استولت على الرشيد موجات من الاستياء وكاد يفقد صوابه لأن الإمام (عليه السلام) قد سبقه إلى ذلك المجد، فاندفع قائلاً بصوت مشحون بالغضب: (ثم قلت إنك أقرب إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) منّا؟!). فأجابه الإمام (عليه السلام) بهدوء كعادته وبجواب مفحم لم يتمكن الرشيد من الرد عليه. (لو بعث رسول الله حيّاً وخطب منك كريمتك هل كنت تجيبه إلى ذلك؟ فقال هارون: سبحان الله!! وكنت أفتخر بذلك على العرب والعجم. فانبرى الإمام وبيّن له الوجه الصحيح في قربه من النبي (صلّى الله عليه وآله) دونه قائلاً: (لكنه لا يخطب منّي ولا أزوجه، لأنه والدنا لا والدكم، فلذلك نحن أقرب إليه منكم) وتابع (عليه السلام) مدعماً رأيه ببرهان آخر فقال لهارون: (هل كان يجوز له أن يدخل على حرمك وهنّ مكشفات؟؟) فقال هارون: لا. فقال الإمام (عليه السلام): لكن له أن يدخل على حرمي، ويجوز له ذلك، وهذا يعني أننا اقرب إليه منكم. وبذلك يكون الإمام قد سدّ أمامه كل منافذ الدفاع بحججه الدامغة بعد أن ألبسه ثوب الفشل، وبيّن بطلان ما ذهب إليه، فهو أحق منه بالخلافة لأنه سبطه ووارثه. عندها اندفع هارون حانقاً وأمر باعتقال الإمام (عليه السلام) وزجّه في السجن(1) ثم سأله الرشيد قبل دخوله السجن: لمَ فضلتم علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة بنو عبد المطلب، ونحن وأنتم واحد، إنا بنو العباس، وأنتم ولد أبي طالب وهما عمّا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقرابتهما منه سواء؟ فقال (عليه السلام): نحن أقرب إليه منكم، قال هارون: وكيف ذلك؟ فقال (عليه السلام): لأن عبد الله وأبا طالب لأب وأم، وأبوكم العباس ليس هو من أم عبد الله، ولا من أم أبي طالب. قال هارون: فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي (صلّى الله عليه وآله) والعم يحجب ابن العم، وقبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد توفى أبو طالب قبله. والعباس عمه حيّ؟ فقال (عليه السلام): إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة يسألني عن كل باب سواه يريد. قال: لا، أو تجيب. فقال (عليه السلام): فآمنّي. قال: آمنتك قبل الكلام. فقال (عليه السلام): إن في قول علي بن أبي طالب (عليه السلام): إنه ليس مع ولد الصلب ذكراً كان أو أنثى لأحد سهم إلا الأبوين، والزوج والزوجة، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث، ولم ينطق به الكتاب العزيز والسنّة، إلا إن تيماً وعدياً وبني أمية قالوا: العم والد، رأياً منهم بلا حقيقة ولا أثر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ومن قال بقول علي من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا نوح بن دارج يقول في هذه المسألة بقول علي، وقد حكم به، وقد ولاّه أمير المؤمنين المصرين:الكوفة والبصرة، وقضى به. فأمر هارون الظالم بإحضار من يقول خلاف قوله. منهم: سفيان الثوري وإبراهيم المازني، والفضيل بن عياض، فشهدوا جميعهم أنه قول علي (عليه السلام) في هذه المسألة. فقال لهم: لما لا تفتون وقد قضى نوح بن دارج؟ فقالوا: جسر وجبنا، وقد أمضى أمير المؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن علي أقضانا، وهو اسم جامع، لأن جميع ما مدح به النبي (صلّى الله عليه وآله) أصحابه من القرابة، والفرائض، والعلم، داخل في القضاء. قال هارون: زدني يا موسى. فقال (عليه السلام): المجالس بالأمانات وخاصة مجلسك. فقال هارون: لا بأس. فقال (عليه السلام): النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يورث من لم يهاجر ولا اثبت له ولاية حتى يهاجر. وعمّي العباس لم يهاجر(2). 2ـ تعيينه لفدك(3) وسبب آخر أغاظ نفس هارون على الإمام (عليه السلام) ودعاه إلى اعتقاله، حتى والتخلص منه، تعيينه لفدك بأنها تشمل أكثر المناطق الإسلامية وذلك حينما سأله هارون عنها ليرجعها إليه فلم يرضَ (عليه السلام) إلا أن يأخذها بحدودها، فقال الرشيد: ـ ما هذه الحدود؟ فقال (عليه السلام): إن حددتها لم تردها لنا. فأصرّ الرشيد عليه أن يبينها له قائلاً: بحق جدك إلا فعلت. عند ذلك لم يجد الإمام بداً من إجابته، فقال له: (أما الحد الأول): فعدن. فلما سمع الرشيد ذلك تغيّر وجهه. وأما الحدّ الثاني: (سمرقند). فأربد وجه الحاكم الظالم واستولت عليه موجة من الغضب، لكن الإمام (عليه السلام) بقي مستمراً دون أن يأبه له. والحد الثالث: (إفريقيا). فاسودّ وجه الرشيد وقال بصوت يقطر غيظاً (هيه) ثم عيّن الإمام (عليه السلام) الحد الرابع والأخير قائلاً: والحد الرابع: (سيف البحر ممّا يلي الجزر وأرمينية). فثار الرشيد ولم يملك أعصابه دون أن قال: ـ لم يبق لنا شيء!! ـ فقال الإمام (عليه السلام): (قد علمت أنك لا تردّها). وتركه الإمام (عليه السلام) والكمد يحزّ في نفسه، فأضمر له الشر منتظراً الوقت المناسب للتنكيل به(4). لقد بيّن الإمام (عليه السلام) للرشيد أن العالم الإسلامي بجميع أقاليمه من عدن إلى سيف البحر ترجع سلطته له، وإن الرشيد من سبقه من الخلفاء قبله قد استأثروا وغصبوا الخلافة من أهل البيت (عليهم السلام). |
تعليق