إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محور المنتدى( مداراة الناس نصف الإيمان)485

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محور المنتدى( مداراة الناس نصف الإيمان)485

    • تاريخ التسجيل: 02-02-2014
    • المشاركات: 8733



    #1
    مدارات الناس

    13-01-2017, 11:42 PM



    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اللهم صل على محمد وال محمد
    -----------------------------
    وردت في المداراة أحاديث وروايات كثيرة يظهر منها مدى مكانة المداراة في الإسلام منها:
    ما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله: أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض
    وقوله صلّى الله عليه وآله:بُعثت بمداراة الناس
    وكذلك: ما رُوي عن الامام الحسن المجتبى عليه السلام: مداراة الناس نصف الإيمان

    ويُقصد بالمداراة حسن الخلق وحسن المعاشرة مع الناس وحسن صحبتهم واحتمال أذاهم وعدم مجابهتهم بما يكرهون والرفق بهم...

    والملاينة أي ملاينتهم واحتمالهم لئلا ينفروا عنك

    قال تعالى: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾

    فنحن نعيش في أحياء وقرى ومراكز عمل تتنوّع فيها أمزجة الناس كثيراً لأسباب شتّى وظروف مختلفة، ومصلحة الجميع في التجاوز والرأفة والتحمّل وحسن الظن... ويُترجم ذلك بالمداراة.

    وقد يشتبه على البعض فيقول إن هذا نوع من أنواع النفاق، وليست المداراة من النفاق، لأن النفاق هو أن يكون الإنسان ذا وجهين، يلقى صاحبه بوجه ويغيب عنه بوجه... بينما المداراة هي اللين مع الناس.







    ******************************
    *****************
    ************


    اللّهم صل على محمد وال محمد


    بوركت لحظاتكم وساعاتكم وايامكم

    هانحن ذا نقف مرة اخرى بمحور اسبوعي جديد

    لنكون مع عقولكم وارائكم الواعية


    فكونوا معنا ..









    الصادق
    مشرف ساحة أهل البيت











    مداراة الناس

    26-10-2021, 07:51 AM



    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	photo_2021-10-20_10-40-52.jpg  مشاهدات:	77  الحجم:	76.9 كيلوبايت  الهوية:	927707








    الصادق
    مشرف ساحة أهل البيت










    #1
    من فوائد مداراة الناس!

    13-09-2021, 10:28 AM



    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	photo_2021-09-13_05-34-52.jpg  مشاهدات:	67  الحجم:	105.6 كيلوبايت  الهوية:	924179












  • #2
    *أسس المداراة
    وللمداراة، كما سائر الصفات، أسس وقواعد تُراعى حتى تستقيم، ومنها:

    1- الكلام مع الناس على قدر عقولهم: أن يتحدّث المكلّف بكلام مفهوم من قبل الجميع بلا حاجة إلى استخدام العبارات الغامضة، والمصطلحات غير الواضحة... فيجعل حاجزاً بينه وبين المخاطبين أو المستمعين، وكما كان يفعل سابقاً منذ عقود بعض أصحاب العقائد والأفكار المستوردة عندما خاطبوا الناس بلغة ومصطلحات ماركسية اشتراكية أممية بعيدة عن تاريخنا وأدبياتنا وثقافتنا. فالمخاطبة على قدر العقول شكلاً ومضموناً ترفع الهجنة والحواجز.
    روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: "إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم"(4).
    وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "أحسن الكلام ما زانه حُسنُ النظام، وفهمه الخاص والعام"(5).

    2- مراعاة ظروف الناس: عدم تحميل الناس تكاليف وأعباءً فوق طاقتهم (مراعاة لأحوالهم وظروفهم).
    والمقصود بهذه القاعدة، الناحية العملية، حيث إن إرهاق المحيطين بالتكاليف يضعهم تحت حرج شديد، وعجز دائم، وليس هذا من الرأفة والمداراة في شيء.
    فالعاملون معنا والمحيطون بنا منهم الضعيف والمريض والمحدود في علمه وخبرته.

    3- الاختصار وعدم التطويل: ومن المداراة اختصار الكلام وعدم التطويل المؤدي إلى الملل.
    حيث يهوى البعض الكلام بلا حساب أو مناسبة وكأن المطلوب هو الإسماع فحسب، وهذا مخالف لمداراة الناس تماماً.
    قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الكلام كالدواء قليله نافع وكثيره قاتل"(6).

    4- كشف الحقائق: ومن المداراة كشف الحقائق في حال التشكيك بشخصك.
    ففي كل مجتمع وبيئة حُسَّاد وحاقدون ومتآمرون وخونة وأعداء وصغار النفوس وهواة الفتنة والمستخفّون بالدين.. ولا يُجابه هؤلاء ولا يُدفعون إلّا بإظهار الحقائق كما هي والبرهان والدليل والبيِّنة... وليس السُّباب والشتائم والغموض والشُّبهات.
    عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لمالك الأشتر: "وإن ظنّت الرعيّةُ بك حيفاً، فأصحِر لهم بعُذرك، واعدل عنك ظنونَهم بإصحارك، فإن تلك رياضةٌ منك لنفسك، ورفقٌ منك برعيتك، وإعذارٌ تبلغ فيه حاجتَك من تقويمهم على الحق"(7).

    5 - المعاملة بالحسنى: وهذه القاعدة هي من أهم المبادئ العالمية اليوم وفي التاريخ، فإن كان الطرف المقابل محسناً جازيناه وإن كان مُسيئاً وعظناه وأيقظناه. فهذا أمير المؤمنين عليه السلام يقول في وصيّته لولده محمد ابن الحنفية: "وأحسِنْ إلى جميع الناس كما تحبّ أن يُحسَن إليك، وارْضَ لهم بما ترضاه لنفسك، واستقبحْ من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وحسِّنْ مع الناس خُلقك حتى إذا غبتَ عنهم حنّوا إليك، وإذا مِتّ بَكَوْا عليك، وقالوا: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا تكنْ من الذين يقال عند موته الحمد لله رب العالمين، واعلمْ أنّ رأس العقل بعد الإيمان بالله عزَّ وجلّ مداراةُ الناس، ولا خير فيمن لا يعاشر بالمعروف مَن لا بدّ مِن معاشرته حتى يجعلَ اللهُ إلى الخلاص منه سبيلاً، فإني وجدتُ جميعَ ما يتعايش به الناسُ وبه يتعاشرون ملءَ مكيالٍ ثلثاه استحسان وثلثه تغافل"

    تعليق


    • #3
      *الأخلاق دين أئمّتنا عليهم السلام
      وأئمتنا عليهم السلام هداتنا في ذلك، حتى إنّ الإمام الحسن عليه السلام كان راكباً ذات يوم على بغلته وحوله أصحابه وإخوانه وأبناؤه وأهل بيته، ومرّ شخص شامي وسأل: من هذا؟ فقيل له: هذا الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
      فبدأ يسبّه ويشتم أباه بدون مناسبة، حتى سار إليه المحيطون بالإمام عليه السلام ليقتلوه، لكن الإمام عليه السلام نهاهم قائلاً: رويداً، والتفت إلى الشامي، وقال له: أظنُّك غريباً فإن كنت جائعاً أطعمناك، وإن كنت عطشان سقيناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت فقيراً أغنيناك، يا غلمان اذهبوا به إلى المنزل فأحسنوا مطعمه ومشربه وملبسه. فذهبوا به والرجل لا يُصدّق ما يرى ويسمع، وبعد أن دخلَ بيتَ الإمام عليه السلام وأكرموه، ووجد الخُلُق العظيم وحسنَ الوفادة، خرج وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته(9).
      ويمكننا تطبيق هذا الأسلوب على كثير من نشاطاتنا الفكرية والعَقَديّة والاجتماعيّة...

      *في الجانب العَقَدي
      وخاصة في الاختلاف المذهبي، حيث أسلوب السبّ والشتم مع الآخرين، بسبب ما يختزنه الإنسان من العداوة والرفض للأشخاص الذين يحترمهم الآخرون، فتظهر الانفعالات بطريقة السبّ واللّعن، أو ما إلى ذلك.

      وهناك أسلوب آخر، وهو أن تعبّر له، بأسلوب هادئ... وهذا الأسلوب نستوحيه من أمير المؤمنين عليه السلام، فعندما سمع الإمام عليه السلام، وهو في طريقه إلى (صفين)، جماعة من جيش العراق يسبّون أهل الشام، وقف فيهم خطيباً، وقال لهم: "إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوبَ في القول وأبلغَ في العذر"... ثم يتابع ليقول: "وقلتم مكان سبّكم إياهم: اللهمّ احقن دماءَنا ودماءَهم، وأصلِح ذاتَ بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرفَ الحقَّ من جَهِلَه، ويرعوي عن الغي والعدوان مَن لَهِجَ به"

      تعليق


      • #4
        الإمام الصادق (عليه السلام) - في قوله تعالى * (وقولوا للناس حسنا) * -: أي للناس كلهم مؤمنهم ومخالفهم، أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه، وأما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى الإيمان، فإنه بأيسر من ذلك يكف شرورهم عن نفسه، وعن إخوانه المؤمنين (6).

        الإمام الصادق (عليه السلام): جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد، ربك يقرئك السلام ويقول لك: دار خلقي (4).
        - رسول الله (صلى الله عليه وآله): مداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش (5).

        تعليق


        • #5
          وقبل بيان أخلاقيات التواصل مع الناس، نرى من الضرورة بمكان بيان الفائدة الكبيرة والأهمية العظيمة، النابعة من التواصل، فهو الذي يجب أن تكون أولوية من أولويات كل إنسان؛ ذلك أن التواصل مع الآخرين يتمتع بالمزايا والفوائد الآتية:

          · يكتسب الفرد خبرة جيدة في الحياة ويعرف معادن الناس بشكل يمكِّنه من التعامل مع مستجدات الأمور التي تطرأ عليه خلال حياته. يمكّن الإنسان من خلال تواصله مع الناس أن يكوّن علاقات اجتماعية تكون سنداً له خلال مسيرته الحياتية.

          · يمكن للفرد أن يستشعر بحب الناس له، الأمر الذي يعطي للنفس طاقة عجيبة من نوعها تكون دافعاً له لإكمال طريقه والوصول إلى ما يطمح إليه.

          · يفيد في عملية تطوير شخصية الإنسان واكتساب مهارات التحدث والنقاش مع مختلف أصناف الناس.

          · مكسباً حقيقياً لكل من لديه فائض كبير من الإنسانية؛ فمعرفة أحوال الناس وكيف يقضون أوقاتهم وكيف يصمدون أمام ما يواجههم من تحديات يعطي الإنسان أملاً كبيراً، ودافعاً للعيش على الأقل لمساعدة المحتاجين منهم.

          · كفيل بأن يذهب الهم والغم عن الإنسان، حيث يجعل الإنسان يبدو بحالة أفضل خاصة إذا ما فرّغ ما بداخله، لكن لمن يثق بهم فقط وليس لأي شخص.

          · يهذب الإنسان ويكسبه الكياسة واللباقة في الحديث، ممّا يحبّب إليه الجميع، ويجعله مرغوباً ومحبوباً من كل من يراه.

          · يجعل الإنسان يقبل على الله أكثر، فالتواصل مع الناس وإجراء الحديث معهم، خاصة أولئك الذين حباهم الله تعالى بالعقول الجميلة القادرة على إدخال مفاهيم الجمال وحب الله تعالى قلوب من يحدثونهم.

          · يُوسِّع آفاق الإنسان، حيث يمكنه زيادة إبداعاته وتحسين تطلعاته وأشواقه، إذ إنّ التواصل بإمكانه أن يكسب الإنسان القدرة على التفكير بشكل أفضل وبالتالي الوصول إلى أفكار خلاقة ومبدعة تساعده على انتشال نفسه ومجتمعه وأمته مما أصابهم جميعاً من المشاكل.

          بعد ان اتضحت الفوائد المرجوة من التواصل مع الناس، نقف على جملة من أخلاقيات التواصل معهم والتي أكدتها التعاليم الإسلامية وحثت المجتمع الإسلامي الى التحلي بها، والتي منها:

          خدمة الناس: أكد النبي = أن مقدار حبّ الله تعالى للإنسان يحدّده عمله في نفع الناس الذي له مصاديق كثيرة, كتأمين لقمة عيش الفقير, وتعليم الجاهل, وإقراض المحتاج, وعلاج المريض, وتزويج العازب, وإعمار الطرقات, وبناء المدارس, … الخ, فعنه=: )الخلق كلهم عيال الله, فأحبهم الى الله عز وجل أنفعهم لعياله)([1]), وفي حديث آخر, سُئل الرسول الأكرم =: أي الناس أحب إلى الله؟ فقال=: )أنفع الناس للناس)([2]).

          · ثواب خدمة الناس: أكدت الاحاديث الشريفة على الثواب الجزيل الذي يقابل به الله تعالى في الاخرة من خدم الناس, وقضى حوائجهم, كقول الرسول الاكرم=: (من قضى حاجة لأخيه, كنت واقفاً عند ميزانه, فإن رجح, والا شفعت له)([3]), وقول الإمام الصادق_: (إن لله عباداً من خلقه, يفزع العباد اليهم في حوائجهم, أولئك هم الآمنون يوم القيامة)([4]), وقول الإمام الباقر_: (من مشى في حاجة لأخيه المسلم حتى يتمّها أثبت الله تعالى قدميه يوم تزل الأقدام)([5]).

          ب: مداراة الناس: مر علينا فيما تقدم من هذا الكتاب موضوع المداراة ضمن “أسباب تقوية الروابط الاجتماعية” ونظراً لأهميتها في أخلاقيات التواصل مع الناس نذكرها هنا لمعرفة الشخصية الأخلاقية المطلوبة في التعامل مع الآخرين فنعرض عناوين خمسة تتوزع بين الناس أثناء تعاملهم مع الآخرين, وهي:

          1- الفظاظة: إن بعض الناس يتصفون بالغلاظة والشدة والفظاظة والخشونة في تعاملهم, بما يُسبِّب نفور الناس منهم, وقد بيّن الله تعالى سلبيّة هذا السلوك بقوله عز وجل: P..وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَo([6]).

          مع الأخذ بنظر الاعتبار ان هذه الغلظة والفظاظة لم يمارسها رسول الله = مع خصومه والمعاندين له! فما بالك فيمن هم تحت ولايته ومحبيهّ فحريّ بنا نحن كمسلمين التأسي برسول الله = في تعاملنا مع مَن نختلف معهم بوجهات النظر أو ممن لنا معهم خصومة من غير فظاظة أو غلظة، إذ ان صفتي (الفظّ، والغلظة) وان كانتا (بمعنى واحد هو الخشونة، إلا أن الغالب استعمال الأولى في الخشونة الكلامية، واستعمال الثانية في الخشونة العملية والسلوكية، وبهذا يشير سبحانه الى ما كان يتحلى به الرسول الأعظم من لين ولطف تجاه المذنبين والجاهلين)([7]).

          2- المداهنة: وفي مقابل الفظاظة, نلاحظ أن بعض الناس يتصرفون مع الآخرين بمسايرة تصل إلى حد المداهنة التي أكدت بعض النصوص سلبيّتها, وسوء فاعلها, فعن الإمام علي _: (شرّ إخوانك من داهنك في نفسك, وساترك عيبك)([8]).

          3- التملّق: وما يشترك مع المداهنة في التعامل السلبي, هو التملق الذي عرّفه الإمام علي _ بقوله: (الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق)([9]), وقد وردت أحاديث عديدة في النهي عنه, فعن أمير المؤمنين _: (ليس من أخلاق المؤمن التملّق)([10]).

          4- الفطنة: المقصود منها الذكاء الحاد والنباهة الشديدة مقابل الغفلة, فالمغفّل في اللغة من لا فطنة له([11]).

          ومن الواضح أن اتّصاف الإنسان بالفطنة أمر جيد ومستحسن, إنما الكلام في حُسن الفطنة في كل الأمور, فهل من الأفضل للإنسان أن يكون ذا فطنة ودقة ونباهة في جميع أنحاء علاقاته بالآخرين؟

          من الواضح أن التعامل مع الآخرين بحدّة ودقة في جميع المجالات هو أمر متعب لكلا الطرفين, لذا وردت عن أئمة أهل البيت ” النصيحة بإعطاء هامش للتغافل, والتسامح في العلاقة بالناس, فعن الإمام الصادق _: (صلاح حال التعايش والتعاشر ملء مكيال ثلثاه فطنة, وثلثه تغافل(([12]).

          إذًا الفطنة, وإن كانت قد تحصل من دون فظاظة, هي مقابل التملّق والمداهنة, إلا أن الإسلام وضع العناوين الأربعة في خانة السلب المطلق أو النسبي, حسب ما نلاحظ مما سبق, ودعا إلى عنوان خامس هو المداراة.

          المداراة: إن المداراة المطلوبة في الإسلام هي المسايرة التي لا تتجاوز الحق, وإلا فإنها تتحول إلى المداهنة المبغوضة, وهذا ما أرشد إليه رسول الله=: )رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس في غير ترك حق(([13]), فإن وقفت عند حدود الحق كانت رأس العقل, وعنوانه, كما في الحديث الوارد عن أمير المؤمنين_: (عنوان العقل مداراة الناس)([14]).

          خلفية المداراة: نلاحظ أن الإنسان عادةً يساير ويداري أهل بيته كأبيه وأمه وأولاده وإخوته بسبب القرب الخاص بينه وبينهم بحيث يتحمل أخطائهم في حين لا يتحملها ان صدرت عن غيرهم ويلين في التعامل معهم في الوقت ذاته الذي قد يقسو في التعامل مع الآخرين وتأتي ثقافة الإسلام لتربي المسلم على أن يتعامل مع المسلمين جميعاً كأنهم أهل بيته فيسايرهم ويداريهم كما يساير ويداري أقرباءه الرحميين فعن الإمام زين العابدين _: (أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك وتجعل صغيرهم بمنزلة ولدك وتجعل تربك منهم بمنزلة أخيك فأي هؤلاء تحب أن تظلم, وأي هؤلاء تحب أن تدعو عليه وأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره وان عرض لك إبليس لعنة الله, بأن لك فضلاً على احد من أهل القبلة فانظر إن كان اكبر منك فقل: سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير مني وان كان تربك فقل: أنا على يقين من ذنبي في شك من أمره فما لي ادع يقيني لشكي …. فانك إن فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك وكثر أصدقاءك وفرحت بما يكون من برهم ولم تأسف على ما يكون من جفائهم)([15]).

          ج- حُسن الظنّ بالناس: من القيم النفسية التي دعا إليها الإسلام (حسن الظن) بالآخرين أي ترجيح الجانب الايجابي أو على الأقل غير السلبي فيما يفعله الناس مما قد يبدو سلبياً بحسب التحليل فعن الرسول الأكرم =: (احسنوا ظنكم بإخوانكم …)([16]).

          ولتوضيح حسن الظن بالآخرين نعرض المثالين الآتيين:

          1- مرَّ أمامي احد زملائي في الجامعة بدون أن يلقي التحية علي, فيبدأ التحليل لماذا فعل ذلك؟ هل هو يتكبر علي؟ هل هو يبغضني؟ أو انه لم يلتفت إلي أثناء مروره؟ إن حسن الظن يقول لي: ابن انه لم يلتفت إليك فلعله شارد الذهن أثناء مروره نحوك.

          2- استدعاني مدير المؤسسة التي اعمل فيها ووبخني على بعض ما فعلته, مع العلم إني لم أكن وحدي, بل كان برفقتي زميل لي, فيبدأ التحليل: هل صاحبي هو الذي نقل ذلك إلى المدير, أو يمكن أن يكون عند المدير مصدر آخر؟ إن حسن الظن يقول لي: ابن على الاحتمال الثاني.

          قد نجد في بعض الحالات صعوبة في تسويغ العمل ومع هذا فقد دعانا النبي = إلى التماس العذر له, والبحث عن محمل حسن لعمله فعن النبي =: (اطلب لأخيك عذراً فأن لم تجد له عذراً فالتمس له عذراً)([17]). وعن الإمام علي _: (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك ولا تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً, وأنت تجد له في الخير محملاً)([18]).

          ويمكن مقاربة هذا النوع من الأحاديث من خلال التأمل في أن المعلومة التي تلقيتها وما ينتج من موقف على أساسها تمر بقناة ذهنية نفسية تؤثر فيها خلفيات الإنسان وتوجهاته الداخلية التي لحياته الخاصة ولبيئته وثقافته اثر بارز فيها, فينعكس هذا الأمر على الموقف المتخذ.

          · حُسن الظن بين التعمية والموضوعية: قد يعتقد بعضهم أن حسن الظن بالناس فيه نوع سلبي من التعمية على الحقيقة فهل هذا الأمر صحيح؟

          الجواب: نحن نسلّم أن حسن الظن فيه نوع من الإغماض، لكنه ايجابي في أمرين: الأول: انه قد يكون موضوعياً أكثر من سوء الظن. الثاني: انه من عوامل سكينة النفس واطمئنان القلب .

          إما كونه مقارباً للموضوعية فلأنّ سوء الظن في كثير من الأحيان يكون ناتجاً من فهم خاطئ للموضوع كما في المثالين المتقدمين فقد يكون انشغال الإنسان ببعض همومه هو سبب عدم التفاته وإلقاء التحية وقد يكون للمدير مصدر معلومات غير ذلك الزميل. والاحتمال السلبي الأخر وان كان موجوداً فقد يكون مصدره تلك القناة الذهنية بين تلقي الخبر أو الحديث وبين فهمه .

          أما كونه من عوامل اطمئنان القلب، فهو ما أشار إليه الرسول الأكرم = بقوله: (احسنوا ظنونكم بإخوانكم تغتنموا بها صفاء القلب ….)([19]). كما ورد عن الإمام علي _: (حُسن الظن راحة القلب)([20]).

          · حدود حُسن الظن: إن حسن الظن بالناس رغم ايجابياته الكثيرة. له حدود ينبغي الالتفات اليها منها:

          1- ان حسن الظنّ إنما هو عند الاحتمال في المقابل احتمال آخر وليس عند اليقين بالسوء, فقد يعلم الإنسان علم اليقين بشيء سلبي قام به الآخر, فهنا عليه أن يكون فطناً في ردة فعله ضمن الضوابط الشرعية, وقد عبر عن هذا المطلب أمير المؤمنين _ فيما ورد من قوله: (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك)([21]).

          2- ان حسن الظنّ لا يعني التفريط في التعامل مع الآخرين بثقة مطلقة, فعن الإمام الصادق _: (لا تثقن بأخيك كل الثقة: فان صرعة الاسترسال لا تستقال)([22]).

          كلمة أخيرة: إن أخلاقيات التي دعا إليها الإسلام في التعامل مع الناس تساهم في سكينة النفس واطمئنان القلب. وهما منشأ سعادة الإنسان كما تساهم في بناء مجتمع سليم يحب بعضه بعضاً كما أشار إليه الرسول الأكرم = بقوله: (حُسن الخُلق يثبت المودة)([23])


          تعليق


          • #6
            -المداراة حالة ودّية خُلقية.
            - أهميّة المداراة وقيمتها في الإسلام.
            - الفرق بين المداراة والمداهنة.
            - الرّسول الأعظم قمة المداراة.
            - المداراة تتبع طبيعة المدارى.
            -مظاهر المداراة.
            -بين المداراة والتقيّة.
            -أَوْلى النّاس بالمداراة.

            تصدير
            ورد عن النّبي(ص) أنَّه قال: "أمَرَني ربّي بمداراة النّاس كما أمَرَني بأداء الفرائض"[1].

            المداراة حالة ودّية خُلقية
            المداراة هي فن إدامة العلاقة، وحُسن التصرّف مع الآخر في مختلف الظّروف، ذلك أنَّ البراعة والأصالة الأخلاقية ليست في القدرة على إنشاء العلاقة، بل في القدرة على المحافظة عليها، وهذا المستوى لا يكون إلاّ عند الكاملين من النّاس. قال الله تعالى: {...ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[2].

            أهميّة المداراة وقيمتها في الإسلام
            المداراة حالة أخلاقية راقية، تنتج عن امتزاج الحكمة بالحنكة والحلم والتواضع والإيمان والوعي والإخلاص والصّبر، في نسيج رائع يجعل الإنسان قادرًا على استيعاب المشكلة وضبط الأعصاب، ويُدخله في حالة فريدة من الرّغبة في الآخر، والقيام بحقّ أخوته وبذل الجهد من أجل مرضاتهم.

            وقد ورد في المداراة روايات كثيرة، يظهر منها مدى مكانة المداراة في الإسلام؛ منها ما ورد عن النّبي صلّى الله عليه وآله: «من عاش مداريًا مات شهيدًا»[3].

            وقال: «ما نزل عليّ جبرئيل مرة إلا وأمرني بمداراة الرّجال».

            وقال: «أمرني حبيبـي جبرئيل بمداراة الرّجال»[4].

            وورد عن الإمام علي(ع) أنَّه قال: "رأس الحكمة مداراة النّاس"[5].

            ومنها ما رُوي عن الامام الحسن عليه السّلام: «مداراة النّاس نصف العقل»[6].

            والنّاس كما يختلفون في أشكالهم وألوانهم،كذلك يختلفون في أخلاقهم وأذواقهم، ولا يكاد يوجد إنسان يشبه الآخر في كلّ الجوانب. والمداراة هي واحدة من الجسور التي يمكن عبرها التّأثير في النّاس، وهي تختلف عن المداهنة.

            من هنا، ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال: «لا ترخصوا لأنفسكم فتُدهنوا، ولا تُدهنوا في الحقّ فتخسروا»[7].

            الفرق بين المداراة والمداهنة
            إنّ الفرق الرّئيسي بين المداراة والمداهنة، أنّ المداهنة لا تكون في طريق التّربية والهداية، ومن يُداهن شخصًا يعصي الله تعالى، فغرضه ليس مراعاة الأهمّ والمهمّ، بل كسب رضا العاصي على أيّ حال، فهو يجاريه من أجل مصالح شخصيّة، من قبيل أن يحصل على احترام العاصي أو ودّه، أو يحصل منه على مكسب مادّي ونحوه.

            والمداهنة مذمومة ويحاسَب الإنسان عليها؛ ولذلك رُوي فيما أوحى الله تعالى إلى النبيّ شعيب: «إني معذّب من قومك مئة ألف، أربعين ألفًا من شرارهم وستّين ألفًا من خيارهم، فقال: يارب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عزّوجلّ إليه: داهَنوا أهل المعاصي فلم يغضبوا لغضبـي»[8].

            أمّا المداراة فهي من الدّراية والعلم والمعرفة والتوسّل بطرق الهداية لجلب الإنسان إلى الحقّ أو إبقائه عليه، وعليه فالمداراة أن يكون موقف الإنسان تجاه النّاس موقفًا يخدم في جلب النّاس وهدايتهم إلى خطّ الإسلام والأخلاق والفضيلة بشتّى السّبل المشروعة.

            تعليق


            • #7
              الرّسول الأعظم قمّة المداراة
              إنّ من يتتبّع سيرة الرّسول الأعظم، يجده صلّى الله عليه وآله، قمّة في مداراة النّاس على مختلف طوائفهم ومذاهبهم، حتّى أنّه صلّى الله عليه وآله، قلّما كان يستعمل كلمة «حرام» في وصف ما يجب اجتنابه، بل كان يستبدلها بكلمات أخرى من قبيل: «إنّي لا أفعل ذلك»، و«إنّي أكره..» لخفّة وقعهما على السّامع، فكان النّاس يعرفون الحرام من خلال هذه التّعبيرات، دون أن يحصل لهم أيّ ردّ فعل على ذلك. ومن الأمثلة على مداراة النّاس في منهاج الرّسول صلّى الله عليه وآله، عدم قتله لمنافقين كانوا يستحقّون القتل؛ لئلّا يُساء فهم الإسلام من بعض النّاس، فيتركوه.

              ولا شكّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لا يُقدم على قتل أحد إلّا إذا كان مستحقًّا للقتل، لأنّ القتل أمر دائر بين الواجب والحرام، حسب تعبير الفقهاء، ولا يوجد قتل مستحبّ أو مكروه أو مباح، كما هو الحال في الفرائض كالصّوم مثلًا، فهناك صوم واجب، وحرام، ومستحبّ ومكروه، أمّا القتل فليس فيه غالبًا سوى الوجوب كمن هُدِر دمه، أو الحرمة كمن عصم دمه، لذا فقوله صلّى الله عليه وآله: «لضُرِبت أعناق كثير...»[9]، يعني لاستحقاقهم القتل بالحكم الأوّلي، غير أنّ النّبي(ص) لم يُجرِ الحكم لأمر أهمّ، وهو عدم لحوق تهمة بالإسلام قد تؤدّي إلى ابتعاد النّاس عنه.

              وهذا يوضّح ما للمداراة من أهميّة في الشّريعة، فكما أن ّالإنسان يتعامل في الأمور الماديّة والشخصيّة على أساس التّرجيح بين الأهمّ والمهمّ، كأن يعطي تارة مبلغًا كبيراً من المال لأحد ولا يعطي مثله لغيره، وذلك بحسب ما يراه من الأهميّة، أو تارة يُنفق من وقته ساعات لشخص، ولا يُنفق إلّا دقائق في مواقف أخرى، فكذلك الحال في المداراة، حيث ينبغي النّظر إلى الأهمّ والمهمّ وتقديم الأوّل على الثّاني، وهذه سيرة الأنبياء والرّسل[10]، وبالأخصّ سيرة نبيّنا وأهل بيته المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والأولياء والعلماء والصّلحاء.

              يُروى أنّه بعد رجوع النّبي (ص) من غزوة حنين ، وقد نصره الله تعالى على المشركين بعد فتح مكّة، جاء بالغنائم فنزل بالجعرانة[11] بمن معه من النّاس، وقسّم ما أصاب من الغنائم في المؤلّفة قلوبهم من قريش وسائر العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء قليل ولا كثير، قال محمّد بن إسحاق: فأعطى أبا سفيان بن حرب مئة بعير، ومعاوية ابنه مئة بعير، وحكيم بن حزام من بني أسد بن عبد العزّى مئة بعير... قال: وغضب قوم من الأنصار لذلك وظهر منهم كلام قبيح، حتى قال قائلهم: لقي الرّجل أهله وبني عمّه، ونحن أصحاب كلّ كريهة، فلمّا رأى رسول الله (ص) ما دخل على الأنصار من ذلك، أمرهم أن يقعدوا ولا يقعد معهم غيرهم، ثمّ أتاهم شبه المغضب يتبعه علي (سلام الله عليه)، حتى جلس وسطهم، فقال: ألم آتكم وأنتم على شفا حفرة من النّار فأنقذكم الله بي؟... إلى أن قال: بل لو شئتم قلتم: جئتنا طريدًا مكذَّبًا فآويناك وصدّقناك، وجئتنا خائفًا فآمناك، فارتفعت أصواتهم، وقام إليه شيوخهم فقبّلوا يديه ورجليه وركبتيه، ثمّ قالوا: رضينا عن الله وعن رسوله وهذه أموالنا أيضًا بين يديك، فاقسمها بين قومك إن شئت.

              فقال: يا معشر الأنصار، أوجدتم في أنفسكم إذ قسمت مالاً أتآلف به قومًا، ووكلتكم إلى إيمانكم، أما ترضون أن يرجع غيركم بالشّاة والنّعم، ورجعتم أنتم ورسول الله في سهمكم...؟ [12]

              لقد نبّههم رسول الله صلّى الله عليه وآله بما غفلوا عنه، وذكّرهم ما نسَوه، وأعلمهم أنّ ما قام به من إعطاء المال الكثير لأولئك النّاس وخصّهم بالغنائم دون الأنصار، إنّما كان لغاية تأليف قلوبهم للإسلام، ولإظهار عظمة الإسلام لئلّا يُرى فقيرًا قليل العطاء، ولكي يكسر حالة العداء فيهم، فلا يعود أمثال أبي سفيان وابنه معاوية وغيرهما من المنافقين لتنفيذ مؤامرتهم ضدّ الإسلام، وفي الوقت نفسه استثار صلّى الله عليه وآله عواطف الأنصار بقوله ألا ترضون أن يكون رسول الله في سهمكم.

              المداراة تتبع طبيعة المدارى
              يرى المتتبّع لسيرة النّبي الأعظم (ص)، أنّه كانت له سيرة بعدما اجتمع حوله نفر من المسلمين، وأخرى بعدما جاء مهاجرًا إلى المدينة حتى شكّل الدّولة الإسلاميّة، وثالثة بعدما نهض في توسيع رقعة الدّولة ومحاربة الكفر والطّغيان لنشر تعاليم السّماء. لقد كان في بداية دعوته صلّى الله عليه وآله، يأتي النّاس في أيّ مكان يراهم فيه، سواءً على الصّفا ،أو المروة، أو المسجد الحرام، أو الطّرقات والأسواق أيّام الحجّ يدعوهم مناديًا: «أيها النّاس قولوا لا إله إلا الله تُفلِحوا»، أمّا بعد أن اجتمع حوله عدد أكثر من النّاس، وازداد المسلمون، صارت سيرته صلّى الله عليه وآله وفق ما يتناسب وعدد المسلمين، واختلف الأمر أيضًا عندما هاجر إلى المدينة، لأنّه في البداية_ عندما لم يكن معروفًا بنبوّته_ كان عليه أن يدعو النّاس إلى توحيد الخالق وعبادته، وبعدما هاجر إلى المدينة وكثُر أتباعه الّذين آمنوا به، فضلًا عن شيوع أمر نبوّته، أخذ يسير في نشر أحكام الشّريعة بين المسلمين، وهكذا.

              لذا، فإنّ الأمور الاجتماعيّة كثيرًا ما تتحكّم في هذه الأمور، وهذا ليس معناه أنّ الحلال يصبح حرامًا وبالعكس، بل اللّازم ملاحظة مدى استعداد النّاس وقبولهم الحق؛ وإرجاء الحكم الشّرعي لا يعني إبداله أو إبطاله بأيّ حال من الأحوال.
              رُوي عن الإمام الصّادق سلام الله عليه، أنّه دخل عليه رجل فقال له: «أصلحك الله ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونرى عليك اللّباس الجيّد».

              فقال له الإمام (ع) إنّ علي بن أبي طالب كان يلبس ذلك في زمان لا يُنكر، ولو لبس مثل ذلك اليوم لشُهّر به، فخير لباس كلّ زمان لباس أهله، غير أنّ قائمنا أهل البيت إذا قام لبس لباس عليّ وسار بسيرته»[13].

              يتبيّن لنا من خلال هذه الرّواية أنّ المداراة تتطلّب معرفة طبيعة المجتمع وعاداته وتقاليده في اختيار ما يتناسب معها، فأسلوب هداية النّاس لا يعني السّكوت عن الحرام أو ترك الواجب، بل التدرّج في مراحل بيانه ونحو ذلك، لكيلا يقع المداري والمدارى كلاهما في حرام أهمّ منه وأشدّ. وبما أنّ النّاس بما فيهم المؤمنون ليسوا كلهم عدولًا، فضلًا عن عدم علمهم لجملة ممّا له مدخلٌ في الأمور؛ لذا يلزم على من يريد هدايتهم أن يتحلّى بأعلى قدر من المداراة في تعامله معهم.

              إنّ الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ليرحمَهم، فيلزم على من يريد هدايتهم أن يكون مدارياً لهم إلى آخر لحظة، ليتمكّن من توجيههم نحو الله تعالى، فيكون قوله وفعله جامعًا للنّاس وهاديًا لهم، لأنّه مسؤول على أن لا ينفر النّاس من الحقّ.

              ورد فيه عن رسول الله (ص): «من عاش مداريًا مات شهيدً

              تعليق


              • #8
                مظاهر المداراة
                تتمثّل المداراة في الأمور الآتية:
                أ- الحرص على إدامة المودّة بمثل المدح والهديّة والزيارة ونحوها.
                ب- البُعد عن كلّ ما يُزعج الآخر من الأقوال والأفعال.
                ج- تجنّب العتاب والملامة قدر الإمكان، بنحو يَظهر منه عدم المبالاة بالهفوات الّتي تصدر عادة من كلّ إنسان.
                د- جعل التّسامح ورحابة الصّدر أساسًا في كلِّ علاقة.
                عن الإمام علي(ع) أنَّه قال: "دارِ النّاس تستمتع بإخائهم، وألفِهِم بالبِشْر تُمتْ أضغانهم"[15].

                بين المداراة والتقيّة
                إنَّ المداراة لا تعني أنَّ الآخر سيّء العِشرة فتُداريه تلافيًا لشرّه، بل هي – في أصلها- موافقة الآخر في مزاجه ومسايرته في نمط عيشه، حرصًا على استقرار الصّداقة ودوامها، إذ إنَّ اختلاف الأمزجة وأنماط العيش حقيقة إنسانيّة لا يمكن تدارك سلبياتها من قبل الطّرفين إلّا بالمداراة، أمَّا إذا كان الّذي تُداريه سيّئ العِشرة رديء الأفعال، فيُخاف من بواثقه ويُخشى شرّه، فإنَّ ذلك يخرج بالمداراة عن كونها علاقة أخويّة لتصير نوعًا من التقيّة وحماية الذّات من شرّ الآخر وخضوعًا قهريًّا لرغباته، وهو ذلك الذي اعتبره الإسلام (شرّ النّاس).

                إذ ورد عن النّبي(ص) أنَّه قال: “شرّ النّاس عند الله يوم القيامة الذين يُكرَمون اتّقاء شرّهم”[16].

                أولى النّاس بالمداراة
                إنَّ أولى النّاس بالمداراة هم أهل الإنسان وعياله، من والدَيه وزوجته وأولاده وأرحامه، فإنَّ كثرة المعاشرة لهم واختلاف أمزجتهم، يجعلهم أحوج ما يكون إلى مداراة بعضهم للبعض الآخر، والعمل من أجل استرضائه وسعادته.

                تعليق


                • #9
                  المداراة
                  إنّ المداراة المطلوبة في الإسلام، والمدعوّ إليها هي المسايرة التي لا تتجاوز الحقّ، وإلاّ فإنّها تتحوّل إلى المداهنة المبغوضة، وهذا ما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس في غير ترك حقّ"11، فإنْ وقفت عند حدود الحقّ كانت رأس العقل، وعنوانه، كما في الحديث الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "عنوان العقل مدارة الناس"12، وكانت زميلة الفرائض في الأمر الإلهيّ، فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "أمرني ربّي بمداراة الناس، كما أمرني بأداء الفرائض"13.

                  خلفيَّة المداراة
                  نلاحظ أنّ الإنسان عادةً يساير ويداري أهل بيته كأبيه وأمّه وولده وأخيه بسبب القرب الخاصّ بينه وبينهم، بحيث إنّه يتحمّل أخطاءً تصدر عنهم، قد لا يتحمّلها إن صدرت عن غيرهم، ويلين في التعامل معهم، في الوقت نفسه الذي قد يقسو في التعامل مع الآخرين.

                  وتأتي ثقافة الإسلام لتربّي المسلم على أن يتعامل مع المسلمين جميعاً كأنّهم أهل بيته، فيسايرهم ويداريهم، كما يساير ويداري أقرباءه الرحميّين، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "وما عليك أن تجعل
                  المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، وتجعل صغيرهم بمنزلة ولدك، وتجعل تربك منهم بمنزلة أخيك، فأيّ هؤلاء تحبّ أن تظلم؟ وأيّ هؤلاء تحبّ أن تدعو عليه؟ وأيّ هؤلاء تحبّ أن تهتك ستره؟ وإنْ عرض لك إبليس لعنه الله بأنّ لك فضلاً على أحد من أهل القبلة فانظر إنْ كان أكبر منك، فقل: سبقني بالإيمان والعمل الصالح، فهو خير مني، وإنْ كان تربك، فقل: أنا على يقين من ذنبي، وفي شكٍّ من أمره، فما لي أدع يقيني بشكّي ... فإنّك إنْ فعلت ذلك سهّل الله عليك عيشك، وكثّر أصدقاءك، وقلّ أعداؤك، وفرحت بما يكون من برّهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم"
                  14.

                  هذه القاعدة منطلَق للدعوة إلى التحبّب إلى الناس، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "رأس العقل بعد الإيمان بالله عزّ وجلّ التحبّب إلى الناس"15، وعن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بطلاقة الوجه، وحسن اللقاء"16

                  تعليق


                  • #10
                    ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ1.

                    لمعرفة الشخصيّة الأخلاقيّة المطلوبة في التعامل مع الآخرين نعرض عناوين خمسة تتوزَّع بين الناس أثناء تعاملهم مع الآخرين، وهي:
                    الفظاظة
                    إنّ بعض الناس يتّصفون بالغلاظة والشدّة والفظاظة والخشونة في تعاملهم، بما يُسبِّب نفور الناس منهم، والآية السابقة توضِّح ذلك بشكل جليّ. فلو كان النبيّ فظًّا غليظ القلب، لانفضَّ المسلمون من حوله، وَلَمَا تمكَّن من نشر دعوة الإسلام فيهم.

                    المداهنة
                    وفي مقابل الفظاظة، نلاحظ أنّ بعض الناس يتصرّفون مع الآخرين بمسايرة تصل إلى حدّ المداهنة التي أكَّدت بعض النصوص سلبيَّتها، وسوء فاعلها، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "شرُّ اخوانك من داهنك في نفسك، وساترك عيبك"2.

                    وعن الإمام الباقر عليه السلام: "أوحى الله عزّ وجلّ إلى شعيب عليه السلام: إنّي معذّب من قومك مائة ألف، أربعين ألفًا من شرارهم، وستّين ألفاً من خيارهم، فقال عليه السلام: يا ربّ، هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: داهَنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي"3.

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X