إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وهل الإيمان إلا الحب

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وهل الإيمان إلا الحب

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



    في حديث الفضيل بن يسار وهو أحد أصحاب الإمام الصادق (ع). أنه سأل الإمام: "هل الحب من الإيمان؟ قال له الإمام الصادق(ع): "وهل الإيمان إلا الحب"؟
    لقد أراد الإمام سلام الله عليه من هذا الحديث أن يبيِّن الموقع الكبير للحب من الدين، فهو لم يعتبره جزءاً من حقيقة الدين فقط، بل هو أساس الدين، به يقاس الدين، فالدين في أساسه وُجد من أجل أن يعزز الحب في الحياة، أن يزرعه في القلوب والعقول. فحيث يكون الدين لا بد أن يكون الحب، وحيث يكون المتدين لا بد أن يشرق الحب من قلبه على كل من حوله وما حوله، ويدخله في مفاصل حركة الإنسان في الحياة. - والحديث عن الحب ليس ما بات شائعاً من مصطلح الحب الغريزي والحسي والاستهلاكي الذي أخذ من الحب اسمه دون جوهره وعمقه من مصلحة القلب للقلب والروح للروح هو أن يخرج الانسان من أنانياته وذاتياته الى الآخر بكله لا- بمصلحة له- . أحب الآخرعندما يكون لي مصلحة معهُ، ومتى انتهت المصلحة تنتهي المشاعر. هذا ليس حباً، هذا تبادل مصالح.. هو حب لا يبقى حب عابر بل يسيء إلى قداسته وصفائه وطهارته.

    ايها الاحبة: لقد جاء الدين ليبني علاقة سليمة بين الإنسان وربه، وبينه وبين نفسه ومع الناس ومع الحياة. وكل هذه العناوين لا تتم إلا بالحب، فلا يمكن للإنسان أن يبني علاقة سليمة بالله على أساس الخوف والرعب أو المصلحة. فبدون استشعار الحب لله فلن يُعبد الله حق عبادته ولن يطاع حق طاعته ولن يخشى حق خشيته ولن يكون مثالاً وغاية لعباده يتخلقون بأخلاقه. لأن العبادة والطاعة وخشية الخائفين ليست كالمحبين. كما قال أمير المؤمنين(ع):"ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك .. لكني وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك".

    والأمر نفسه مع رسول الله(ص) فلولا الحب الذي غمر كيانه حتى انعكس رفقاً وحناناً على الناس لما بلغ رسول الله هذا الموقع، ولما بلغ رسالته. وإلى ذلك أشار القرآن الكريم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّه لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
    والأمر نفسه يتعلق بالنفس، فلأننا نحب أنفسنا حب الاشفاق لا حب الانانية، نسهر على راحتها وصحتها وأمانها ونعمل على وقايتها من كل ما يسيء إليها.
    أما العلاقة بالناس فهي لا تتحقق بالعنف والقسوة والغلظة، وحده الحب الذي يبني مجتمعاً متوازناً متراصاً وقوياً. وإذا كان من قسوة فلا بد أن تكون كقسوة الجراح ليعالج مريضه، لا لينفس عن حقده أو عن كراهيته.
    وحده المجتمع المتحاب يتوحد ويقف سداً منيعاً في مواجهة التحديات.. لأن كل فرد فيه يشعر بقلبه بأن عليه أن يقف إلى جانب الآخرين.. حب يوحدنا دوماً لأنه نابع من الروح والإيمان.

    ومن هنا تأتي كلمة رسول الله(ص):
    «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذَا اشْتَكَى شَيْئًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»
    إننا لولا هذا الحب الذي نتمثله في كل مفاصل الحياة لما كان للحياة أن تزدهر وتنمو وما كان لها من معنى. إن الحب هو الذي يمد الحياة بكل الطاقات الايجابية، هومنبع الخير والعطاء، فبدونه لن تتحمل الأم معاناة حملها والشقاء من أجل تربية أطفالها.
    ولن يشقى الأب ويتعب في الليل والنهار من أجل قوت أولاده.
    ولن يساعد الأغنياء الفقراء. ولن يتقن العامل عمله. ولن يعدل الحاكم في حكمه ويقوم بمسؤوليته. ولن يقدم المجاهد على بذل أغلى ما عنده من أجل حماية وطنه من الأعداء بدافع من حب الارض والوطن.
    بالحب أيها الأعزاء قامت الحياة وبه تستمر، وبه تنعم الحياة بالعفو والتراحم والتسامح. بالحب قام الكون وبه يستمر. فالله أوجد الحياة بكل هذا الجمال والتنوع والأبداع لأنه ودود لخلقه وعباده.
    لقد جاء الدين لينمي مشاعر حب الله بالدرجة الأولى، حب لله لا ينبغي أن يوازيه حب: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}.
    وقد ورد في الحديث القدسي: "لا يكون العبد مؤمناً حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ومن ولده وماله وأهله" أي الحب الذي لا نستبدل به غيره.. جاء في أحد الأدعية: "الهي من الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلاً وَمَنْ ذَا الَّذِي أَنِسَ بِقُرْبِكَ، فَابْتَغَى عَنْكَ حِوَلاً".

    اذاً حب الله هو الاساس ومنه ينطلق كل حب: " اللهم أسالك حبك وحب من يحبك " لقد دعانا الدين أن نحب كل الذين أحبوا الله حباً له، أن نحب أهل طاعته،واولياءه وعباده الصالحين. إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً، فانظر إلى قلبك فإن كان يحب أهل طاعته ففيك خير. {قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}. أن نحب والدينا وأرحامنا وجيراننا وأولادنا، أن يفيض الزوج بالحب لزوجته والزوجة لزوجها، فلا حياة زوجية مستقرة بدون هذه المودة وذلك الحب.
    وهذا الحب ينبغي أن تتوسع دائرته ليشمل كل الناس، ليشمل الذين يلتقي الإنسان معهم في الدين أو المذهب أو الخط الفكري والسياسي، وحتى الذين نختلف معهم.. أن يفيض عليهم من قلبه.. أن يعيش الحب حتى لأولئك الذين يحملون الكراهية والحقد والعداوة له.. ليصل إلى قلوبهم وينزع منها كل عناصر الشر.. كما هو حب رسول الله لقومه حين كانوا يرمونه بالحجارة.. كان يقول: «اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإنَّهُمْ لا يعْلَمُونَ».. فهو بحبه لهم بلغ عقولهم وقلوبهم ودخل إلى حياتهم.

    أيها الأحبة:
    إن أغلب ما نعاني منه في حياتنا من فقدان للطمأنينة والأمل والاستقرار، ومن هذا التوتر النفسي الذي نعيشه، ومن سيطرة حالات الإحباط واليأس والتفكك الأسري والاجتماعي، أو مظاهر القسوة والقتل التي يشهدها عالمنا وواقعنا الداخلي، هو نتاج الجدب العاطفي وفقدان مشاعر المحبة في القلوب، حتى بات الجفاف في مشاعر الحب يمتد إلى الآباء والأمهات الذين كانوا يعطون من دون حساب حيث أخذوا يتخففون من هذه العلاقة، ناهيك عن تبلد عواطف الكثيرين إزاء ما يحدث لبلادهم أو للناس من حولهم.

    إن العلاج لكل قضايانا حيث لغة القسوة والأحقاد والبغضاء هي الحاكمة، أن نستعيد لغة المحبة، أن نعيد للدين مضمونه وجوهره، فنعرف أن لا معنى لإيمان بدون حب، فلا يمكن أن تكون مؤمناً وأنت تحقد، لأنك قد تختلف مع الآخر دينياً أو مذهبياً أو سياسيا، لكنك لا تكرهه، قد تكره عملاً قام به أو فكرة يفكر بها، او موقفاً يتخذه، لكنك لا تكرهه كإنسان.إننا نعاني في واقعنا من الحقد المقدس والكراهية، ليفرغ ثقافة الحب من أنفسنا ووجداننا. أن نجعل العلاقة مع الله تقوم على الحب.. الحب لله والحب لمخلوقاته والحب للناس.. أن نكون على صورة اهل الجنة {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}.




المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X