بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
المرتبة الأولى من مراتب الخشوع: حضور القلب:
ما معنى حضور القلب؟ حضور القلب: يعني التوجه إلى الصلاة بإقبال، التوجه إلى الصلاة بانفتاح، هذا هو معنى حضور القلب، نحن ندخل الصلاة ونحن ما زلنا نفكر في العمل، والوظيفة، والأهل، والأولاد، والسيارة وما أشبه ذلك. صلاتنا مشغولة بدنيانا، صلاتنا مشغولة بهمومنا، لا بهموم العبادة، لذلك نحن لا نمتلك حضور القلب، حضور القلب ركيزة أساسية في صلاة خاشعة، النبي يقول لأبى ذر: ليس لك في صلاتك إلا ما أقبلت عليه بقلبك، بمقدار ما تقبل بمقدار ما تحصل على صلاة خاشعة، ليس لك في صلاتك إلا ما أقبلت عليه بقلبك، النبي يقول لأبي ذر: إن العبد إذا قام إلى صلاته وكل الله به ملكا يقف على رأسه فيقول له أيها المصلي: أتدري تقف بين يدي من؟ أتدري أنك تناجي من؟ لو علمت ما ألتفتت وما زلت عن موضعك أبدا. الحسن بن علي ، كان إذا وقف على باب المسجد اصفر لونه، وارتعدت فرائصه، فيقال ما بك يا أبا محمد، قال أتدرون إني أقف بين يدي من؟ قال إني أقف بين يدي جبار الجبابرة، وملك الملوك، جرب نفسك إذا وقفت أمام ملك أو سلطان كيف تقف؟ ألا تقف بتهيئ؟ ألا تقف متواضعا؟ ذليلا مرحبا محيينا، إذا كنت تقف أمام الملوك بتحية وترحيب وإقبال وتواضع، فلماذا لا تقف عشر هذا الوقوف بين يدي ملك الملوك تبارك وتعالى، النبي يقول: إن الصلاة ليقبل نصفها أو ثلثها أو ربعها أو عشرها، وان من الصلاة لما يلف كما يلف الثوب الخلق البالي ثم يضرب بها وجه صاحبها، صلاتنا هكذا صلاتنا ثوب خلق بالي ممزق وسخ يلقانا يوم القيامة كما ورد عن النبي وهو يقول لنا ضيعتني ضيعك الله، أنت كنت تسرق صلاتك.
رأى الإمام أمير المؤمنين رجلا يخلط الركوع في السجود والسجود في القيام، يريد أن يخلص من الصلاة حتى يلحق على مذاكرته أو على عمله أو على جلوسه مع أصدقاءه، كل شيء على حساب الصلاة، المذاكرة على حساب الصلاة، أيام الامتحانات على حساب الصلاة، العمل على حساب الصلاة، الجلوس مع الأصدقاء على حساب الصلاة، كل أعمالنا تؤثر على الصلاة، كل أعمالنا تقدم على الصلاة، آخر عمل نهتم به ونفكر فيه هو الصلاة، كل شيء على حساب الصلاة، رآه يسرق صلاته، فقال أمير المؤمنين: أسرق الناس من سرق صلاته، ذلك الإنسان اللص الذي يهجم على البيوت ويأكل الثروات، ويأخذ الأموال لم يسرق كما سرق هذا الإنسان الذي يدعي أنه مؤمن وهو يسرق صلاته، لأنه يسرق طعم الروح، ذلك يسرق طعم البدن وهذا يسرق طعم الروح، اللص يأكل رزق البدن لكن المسرع في صلاته يأكل رزق الروح، يأكل رزق الروح ويقضي عليه، أسرق الناس من سرق صلاته، نحن كل شيء مقدم عندنا على الصلاة، لذلك تخاطبنا الصلاة يوم القيامة، ضيعتني ضيعك الله.
المرتبة الثانية من مراتب الخشوع مرتبة التفهم:
الصلاة تعني الاستحضار، أن تصلي وأنت تفكر فيما تقول، وأنت تفكر فيما تصنع، النبي يقول لأبي ذر رضي الله تعالى عنه: ركعتان مقتصدتان بتفكر خير من فيام ليلة والقلب لاهي، صلاة مع تفكر، صلاة مع التفات، إلى ماذا تقول والى ماذا تعمل، مثلا نحن في الصلاة نرفع أيدينا ونقول ربي اغفر لي وارحمني، وأنت أرحم الراحمين، نحن بين السجدتين نقول: استغفر الله ربي وأتوب إليه، فهل نقولها ونحن صادقون؟ فهل نقولها ونحن نلتفت إلى معناها أم نقولها ونحن مصرون على الذنوب والمعاصي؟ أقول في الصلاة ربي اغفر وارحم وأنا أدري أنني أعيش ازدواجية الشخصية، أعيش شخصية ذات لونين، وذات وجهين، شخصية تصلي، وتطلب المغفرة لكنها مصرة على استماع الأغاني، لكنها مصرة على العلاقة الغير مشروعة مع المرأة الأجنبية، لكنها مصرة على عقوق الوالدين، لكنها مصرة على أكل الحقوق الشرعية، وابتلاع الحقوق الشرعية، إذا بالنتيجة أنا أعيش ازدواجية الشخصية، أعيش لونين، أعيش شكلين، ربي اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، لكنني أقولها بدون تفهم، ولا ألتفت على معناها لأنني مصر على الذنوب والمعاصي، لأن قلبي اسود باسوداد الذنوب، أتدرون أن القلب يسود، القرآن الكريم يقول: قال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
الرين هو الصبغ، القلوب تصبغها الذنوب، عن النبي : إذا أذنب العبد خرج في قلبه نقطة سوداء، فان تاب انمحت، وان عاد عادت، حتى تغلب على قلبه، فلا يفلح بعدها أبدا. يصبح قلبه فحمة سوداء، من كثرة الذنوب وشدة المعاصي قال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ إذا كان قلبي فحمة سواء من كثرة الذنوب فكيف يكون لي حضور في الصلاة، وتفهم في الصلاة، النبي يقول: انه ليغان على قلبي واني لاستغفر الله كل يوم سبعين مرة، الرسول يعلمنا كيف نزيل غبار الذنوب، كيف نحول القلب من فحمة سوداء إلى قطعة بيضاء، أن استغفر يوميا سبعين مرة، عملية تدريبية لتطهير القلب من رين الذنوب ومن صبغ المعاصي، ورد عن النبي أنه قال: ركعتان إذا صليتهما ولم تحدث نفسك فيهما بشيء من الدنيا غفر الله لك جميع ذنوبك، تفريغ القلب لله، لا تفكر إلا في القبر، لا تفكر إلا في الآخرة، لا تفكر إلا في الله، لا تفكر إلا في الطاعة، حاول ولو ركعتين أن تفرغ قلبك من الدنيا كلها، من الزوجة والأهل والأولاد والعمل والمشاكل، فرغ قلبك لله وأنت ستحصل على النتيجة، يغفر لك جميع ذنوبك، كيف أفرغ قلبك لله؟
بمجرد أن تشرع للصلاة تذكر مصيرك، بمجرد أن أدخل الصلاة أتذكر موتي، أتذكر فلبي، أتذكر لحدي، أتذكر آخرتي، أتذكر حشري ونشري ومالي لا أبكي، ولا أدري إلى أين مصيري وقد خفقت فوق رأسي أجنحة الموت، ومالي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر ونكير إياي، أبكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا حاملا ثقلي على ظهري، انظر مرة عن يميني ومرة عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني قال تعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾، هذا هو بداية التفهم، بداية التفهم أن أفكر في مصيري، وأن أفكر في آخرتي، أنت تقرأ في الصلاة قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّين﴾، هل فكرت يوما لماذا قال تعالى مالك يوم الدين؟ الله مالك كل شيء، لماذا يوم الدين؟ لماذا لم تقل الآية مالك كل شيء؟ ما هي الخصوصية في يوم الدين حتى يقال مالك يوم الدين؟ مع أنه تبارك وتعالى هو الخالق لكل شيء فهو المالك لكل شيء قال تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
لان يوم الدين هو يوم ظهور مالكيته تبارك وتعالى، الإنسان في الدنيا يغفل عن مالكية الله يظن إن الوجود مستقل عن الله، لكن اليوم الذي تظهر فيه مالكية الله بشكل واضح هو يوم الدين، علماء العرفان يقولون: الوجود بين قوسين، قوس النزول وقوس الصعود، قوس النزول عندما أفيض الوجود من قبله سبحانه، عندما أفاض الله الوجود، نزل الوجود على شكل كثرات متفرقة، صار سماء، صار أرض، صار شمس، صار قمر، صار انسان، صار حيوان، صار نبات، صار بكر، صار زيت، صار خالد، كلها كثرات، نزل الوجود منه هو الواحد الأحد، وفيضه واحد، لأن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد، لكن فيضه عندما نزل صار كثيرا، صار متفرقا، صار أسماء كثيرة، وأنا مشغول بهذه الأسماء، مشغول بزوجة وأولاد ووظيفة وراتب، مشغول بالكثرة، إذا جاء يوم القيامة جاء قوس الصعود، قوس النزول كان كثرات، أما قوس الصعود فهو توحد، بعد الكثرة وحدة وبعد التفرق اجتماع، جميع الموجودات تخرج من الكثرة الى الوحدة، ومن الافتراق الى الاجتماع ترتفع الى الله وهي تجتمع تحت ظل الوجود، قال تعالى «ويوم نجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن»، يوم قوس الصعود، يوم توحد الموجودات في لون الوجود، وتحت نور الوجود، فإذا اجتمع الوجود بشكل واحد ولون واحد ونور واحد، وانتفت الكثرة في الوحدة وذاب التفرق في اجتماع، يوم إذ ظهرت مالكية الله وصار مالك يوم الدين.
المرتبة الثالثة من مراتب الخشوع مرتبة التعظيم لله تبارك وتعالى:
التعظيم تعني المقارنة بين النفس وبين الله، الصلاة ثنائية اسمها أنا وأنت، أما قرأت دعاء الحسين يوم عرفة يركز على الثنائية أنا وأنت، أنا الذي تعمدت، أنا الذي أخطأت، أنا الذي أسأت، أنا الذي اقترفت، أنا الذي جهلت، أنا الذي عملت، أنا الذي فعلت، ثم يقول وأنت الذي أغنيت، وأنت الذي أقنيت، وأنت الذي فعلت وأنت أنت وأنت وأنت، الدعاء ثنائية أنا وأنت، الصلاة مقارنة ثنائية بين أنا وأنت وإذا قمت بالمقارنة بين أنا وأنت سأكتشف العظمة الإلهية، من أنا، أنا مخلوق حقير لا حول له ولا قوة، ما لابن آدم من الفخر وأوله نطفة وآخره جيفة، أوله نطفة قذرة آخره جيفة مذرة، وهو ما بينهما يحمى العذرة تقتله الشرقة، تنتنه العرقة، تألمه البقة.
هذا هو الإنسان الحقير، أما أنت، فأنت الحياة كلها، أنت العطاء كله، أنت الوجود كله، أنت مصدر القوة كلها، أنا لا شيء وأنت كل شيء تباركت وتعاليت، إذا قمت بالمقارنة بين أنا وأنت اكتشفت عظمة الله تبارك وتعالى، ورد عن النبي : إذا قمت واقفا بين يدي ربك فقف مطأطأ رأسك، لماذا؟ متواضعا ذليلا، وتذكر وقوفك بين يدي الله، عندما تحاسب وعندما تناقش في أعمالك وسيئاتك، وعندما تركع، تنحني وتمد رقبتك، المصلي يستحب أن يمد رقبته، مد رقبتك كالمقتول يمد رقبته للسياف، خاضعا ذليلا مستسلما وقل آمنت بك وعبدتك ولو قطعت عنقي، هكذا يقوا النبي ، أنا لا أترك عبادتك حتى لو هددت بالموت، وان هددت بالقتل، أو فقدان الحياة وقل آمنت بك وعبدتك ولو ضربت عنقي.
اللهم صل على محمد وال محمد
المرتبة الأولى من مراتب الخشوع: حضور القلب:
ما معنى حضور القلب؟ حضور القلب: يعني التوجه إلى الصلاة بإقبال، التوجه إلى الصلاة بانفتاح، هذا هو معنى حضور القلب، نحن ندخل الصلاة ونحن ما زلنا نفكر في العمل، والوظيفة، والأهل، والأولاد، والسيارة وما أشبه ذلك. صلاتنا مشغولة بدنيانا، صلاتنا مشغولة بهمومنا، لا بهموم العبادة، لذلك نحن لا نمتلك حضور القلب، حضور القلب ركيزة أساسية في صلاة خاشعة، النبي يقول لأبى ذر: ليس لك في صلاتك إلا ما أقبلت عليه بقلبك، بمقدار ما تقبل بمقدار ما تحصل على صلاة خاشعة، ليس لك في صلاتك إلا ما أقبلت عليه بقلبك، النبي يقول لأبي ذر: إن العبد إذا قام إلى صلاته وكل الله به ملكا يقف على رأسه فيقول له أيها المصلي: أتدري تقف بين يدي من؟ أتدري أنك تناجي من؟ لو علمت ما ألتفتت وما زلت عن موضعك أبدا. الحسن بن علي ، كان إذا وقف على باب المسجد اصفر لونه، وارتعدت فرائصه، فيقال ما بك يا أبا محمد، قال أتدرون إني أقف بين يدي من؟ قال إني أقف بين يدي جبار الجبابرة، وملك الملوك، جرب نفسك إذا وقفت أمام ملك أو سلطان كيف تقف؟ ألا تقف بتهيئ؟ ألا تقف متواضعا؟ ذليلا مرحبا محيينا، إذا كنت تقف أمام الملوك بتحية وترحيب وإقبال وتواضع، فلماذا لا تقف عشر هذا الوقوف بين يدي ملك الملوك تبارك وتعالى، النبي يقول: إن الصلاة ليقبل نصفها أو ثلثها أو ربعها أو عشرها، وان من الصلاة لما يلف كما يلف الثوب الخلق البالي ثم يضرب بها وجه صاحبها، صلاتنا هكذا صلاتنا ثوب خلق بالي ممزق وسخ يلقانا يوم القيامة كما ورد عن النبي وهو يقول لنا ضيعتني ضيعك الله، أنت كنت تسرق صلاتك.
رأى الإمام أمير المؤمنين رجلا يخلط الركوع في السجود والسجود في القيام، يريد أن يخلص من الصلاة حتى يلحق على مذاكرته أو على عمله أو على جلوسه مع أصدقاءه، كل شيء على حساب الصلاة، المذاكرة على حساب الصلاة، أيام الامتحانات على حساب الصلاة، العمل على حساب الصلاة، الجلوس مع الأصدقاء على حساب الصلاة، كل أعمالنا تؤثر على الصلاة، كل أعمالنا تقدم على الصلاة، آخر عمل نهتم به ونفكر فيه هو الصلاة، كل شيء على حساب الصلاة، رآه يسرق صلاته، فقال أمير المؤمنين: أسرق الناس من سرق صلاته، ذلك الإنسان اللص الذي يهجم على البيوت ويأكل الثروات، ويأخذ الأموال لم يسرق كما سرق هذا الإنسان الذي يدعي أنه مؤمن وهو يسرق صلاته، لأنه يسرق طعم الروح، ذلك يسرق طعم البدن وهذا يسرق طعم الروح، اللص يأكل رزق البدن لكن المسرع في صلاته يأكل رزق الروح، يأكل رزق الروح ويقضي عليه، أسرق الناس من سرق صلاته، نحن كل شيء مقدم عندنا على الصلاة، لذلك تخاطبنا الصلاة يوم القيامة، ضيعتني ضيعك الله.
المرتبة الثانية من مراتب الخشوع مرتبة التفهم:
الصلاة تعني الاستحضار، أن تصلي وأنت تفكر فيما تقول، وأنت تفكر فيما تصنع، النبي يقول لأبي ذر رضي الله تعالى عنه: ركعتان مقتصدتان بتفكر خير من فيام ليلة والقلب لاهي، صلاة مع تفكر، صلاة مع التفات، إلى ماذا تقول والى ماذا تعمل، مثلا نحن في الصلاة نرفع أيدينا ونقول ربي اغفر لي وارحمني، وأنت أرحم الراحمين، نحن بين السجدتين نقول: استغفر الله ربي وأتوب إليه، فهل نقولها ونحن صادقون؟ فهل نقولها ونحن نلتفت إلى معناها أم نقولها ونحن مصرون على الذنوب والمعاصي؟ أقول في الصلاة ربي اغفر وارحم وأنا أدري أنني أعيش ازدواجية الشخصية، أعيش شخصية ذات لونين، وذات وجهين، شخصية تصلي، وتطلب المغفرة لكنها مصرة على استماع الأغاني، لكنها مصرة على العلاقة الغير مشروعة مع المرأة الأجنبية، لكنها مصرة على عقوق الوالدين، لكنها مصرة على أكل الحقوق الشرعية، وابتلاع الحقوق الشرعية، إذا بالنتيجة أنا أعيش ازدواجية الشخصية، أعيش لونين، أعيش شكلين، ربي اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، لكنني أقولها بدون تفهم، ولا ألتفت على معناها لأنني مصر على الذنوب والمعاصي، لأن قلبي اسود باسوداد الذنوب، أتدرون أن القلب يسود، القرآن الكريم يقول: قال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
الرين هو الصبغ، القلوب تصبغها الذنوب، عن النبي : إذا أذنب العبد خرج في قلبه نقطة سوداء، فان تاب انمحت، وان عاد عادت، حتى تغلب على قلبه، فلا يفلح بعدها أبدا. يصبح قلبه فحمة سوداء، من كثرة الذنوب وشدة المعاصي قال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ إذا كان قلبي فحمة سواء من كثرة الذنوب فكيف يكون لي حضور في الصلاة، وتفهم في الصلاة، النبي يقول: انه ليغان على قلبي واني لاستغفر الله كل يوم سبعين مرة، الرسول يعلمنا كيف نزيل غبار الذنوب، كيف نحول القلب من فحمة سوداء إلى قطعة بيضاء، أن استغفر يوميا سبعين مرة، عملية تدريبية لتطهير القلب من رين الذنوب ومن صبغ المعاصي، ورد عن النبي أنه قال: ركعتان إذا صليتهما ولم تحدث نفسك فيهما بشيء من الدنيا غفر الله لك جميع ذنوبك، تفريغ القلب لله، لا تفكر إلا في القبر، لا تفكر إلا في الآخرة، لا تفكر إلا في الله، لا تفكر إلا في الطاعة، حاول ولو ركعتين أن تفرغ قلبك من الدنيا كلها، من الزوجة والأهل والأولاد والعمل والمشاكل، فرغ قلبك لله وأنت ستحصل على النتيجة، يغفر لك جميع ذنوبك، كيف أفرغ قلبك لله؟
بمجرد أن تشرع للصلاة تذكر مصيرك، بمجرد أن أدخل الصلاة أتذكر موتي، أتذكر فلبي، أتذكر لحدي، أتذكر آخرتي، أتذكر حشري ونشري ومالي لا أبكي، ولا أدري إلى أين مصيري وقد خفقت فوق رأسي أجنحة الموت، ومالي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر ونكير إياي، أبكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا حاملا ثقلي على ظهري، انظر مرة عن يميني ومرة عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني قال تعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾، هذا هو بداية التفهم، بداية التفهم أن أفكر في مصيري، وأن أفكر في آخرتي، أنت تقرأ في الصلاة قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّين﴾، هل فكرت يوما لماذا قال تعالى مالك يوم الدين؟ الله مالك كل شيء، لماذا يوم الدين؟ لماذا لم تقل الآية مالك كل شيء؟ ما هي الخصوصية في يوم الدين حتى يقال مالك يوم الدين؟ مع أنه تبارك وتعالى هو الخالق لكل شيء فهو المالك لكل شيء قال تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
لان يوم الدين هو يوم ظهور مالكيته تبارك وتعالى، الإنسان في الدنيا يغفل عن مالكية الله يظن إن الوجود مستقل عن الله، لكن اليوم الذي تظهر فيه مالكية الله بشكل واضح هو يوم الدين، علماء العرفان يقولون: الوجود بين قوسين، قوس النزول وقوس الصعود، قوس النزول عندما أفيض الوجود من قبله سبحانه، عندما أفاض الله الوجود، نزل الوجود على شكل كثرات متفرقة، صار سماء، صار أرض، صار شمس، صار قمر، صار انسان، صار حيوان، صار نبات، صار بكر، صار زيت، صار خالد، كلها كثرات، نزل الوجود منه هو الواحد الأحد، وفيضه واحد، لأن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد، لكن فيضه عندما نزل صار كثيرا، صار متفرقا، صار أسماء كثيرة، وأنا مشغول بهذه الأسماء، مشغول بزوجة وأولاد ووظيفة وراتب، مشغول بالكثرة، إذا جاء يوم القيامة جاء قوس الصعود، قوس النزول كان كثرات، أما قوس الصعود فهو توحد، بعد الكثرة وحدة وبعد التفرق اجتماع، جميع الموجودات تخرج من الكثرة الى الوحدة، ومن الافتراق الى الاجتماع ترتفع الى الله وهي تجتمع تحت ظل الوجود، قال تعالى «ويوم نجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن»، يوم قوس الصعود، يوم توحد الموجودات في لون الوجود، وتحت نور الوجود، فإذا اجتمع الوجود بشكل واحد ولون واحد ونور واحد، وانتفت الكثرة في الوحدة وذاب التفرق في اجتماع، يوم إذ ظهرت مالكية الله وصار مالك يوم الدين.
المرتبة الثالثة من مراتب الخشوع مرتبة التعظيم لله تبارك وتعالى:
التعظيم تعني المقارنة بين النفس وبين الله، الصلاة ثنائية اسمها أنا وأنت، أما قرأت دعاء الحسين يوم عرفة يركز على الثنائية أنا وأنت، أنا الذي تعمدت، أنا الذي أخطأت، أنا الذي أسأت، أنا الذي اقترفت، أنا الذي جهلت، أنا الذي عملت، أنا الذي فعلت، ثم يقول وأنت الذي أغنيت، وأنت الذي أقنيت، وأنت الذي فعلت وأنت أنت وأنت وأنت، الدعاء ثنائية أنا وأنت، الصلاة مقارنة ثنائية بين أنا وأنت وإذا قمت بالمقارنة بين أنا وأنت سأكتشف العظمة الإلهية، من أنا، أنا مخلوق حقير لا حول له ولا قوة، ما لابن آدم من الفخر وأوله نطفة وآخره جيفة، أوله نطفة قذرة آخره جيفة مذرة، وهو ما بينهما يحمى العذرة تقتله الشرقة، تنتنه العرقة، تألمه البقة.
هذا هو الإنسان الحقير، أما أنت، فأنت الحياة كلها، أنت العطاء كله، أنت الوجود كله، أنت مصدر القوة كلها، أنا لا شيء وأنت كل شيء تباركت وتعاليت، إذا قمت بالمقارنة بين أنا وأنت اكتشفت عظمة الله تبارك وتعالى، ورد عن النبي : إذا قمت واقفا بين يدي ربك فقف مطأطأ رأسك، لماذا؟ متواضعا ذليلا، وتذكر وقوفك بين يدي الله، عندما تحاسب وعندما تناقش في أعمالك وسيئاتك، وعندما تركع، تنحني وتمد رقبتك، المصلي يستحب أن يمد رقبته، مد رقبتك كالمقتول يمد رقبته للسياف، خاضعا ذليلا مستسلما وقل آمنت بك وعبدتك ولو قطعت عنقي، هكذا يقوا النبي ، أنا لا أترك عبادتك حتى لو هددت بالموت، وان هددت بالقتل، أو فقدان الحياة وقل آمنت بك وعبدتك ولو ضربت عنقي.