بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
الإنسانُ مُنذُ وجودَهُ يُحاولُ أنْ يمارسَ حياتهُ بِحُريَّةٍ تامَةٍ منْ خلالِ الفطرةِ الّتي يمتَلِكَهَا وهو يَعلمُ بأنَّ اللهَ خلقَهُ وباقي الخلقِ ، ومعرفَتَهُ باللهِ سواءلٌ كانت فطريَّةٌ أو عنْ طريقِ الأنبياءِ بحُكمِ العقلِ السَّليمِ تُحَتِمُ عليهِ أنْ يعيشَ ويتصرفَ وفقَ النِّظامِ الكوني ، بأنْ يَجعَلَ الإستفادةَ الشَّخصيَّةَ مُحدَّدةٌ بإستفادةِ الآخرِ وعدمِ الَّضررِ لهُ ، لكنْ بوجودِ الشَّيطانِ ووسوستهِ بدأَ الإنحِدارُ نحوَ الظُّلمِ للآخرِ والإستشعارِ بأنَّ الحُريَّةَ مُطلَقَةٌ لهُ وليسَ لها ضوابطٌ إلَّا ضابطةِ المَصلَحَةِ الشَّخصيَّةِ والنَسَبيَّةِ والقَبلِيَّةِ ، وأوَّلَ منْ تصرفَ وفقَ المصلحةِ الشَّخصيَّةِ منَ النَّاسِ هو قابيلُ معَ أخيه هابيلَ وَلَدَي النبِّيِّ آدمَ (عَلَيهِ السَّلام) فأستَغلَّ مدلولَ الحريَّةِ لقتلِ أخيهِ ، لقَولِهِ تعالَى في كتابهِ الكريمِ : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ }، سُورَةُ المائدةِ ، آية 27، فلمْ يَمتَثلُ للقانونِ الإلهي والّذي سَمِعَهُ منْ أبيهِ بإعتبارِ أنَّ حُريَّةَ الإنسانِ مُقَيَّدَةٌ بالقانونِ الإلهيِّ حفاظاً عليهِ كي لا يقومُ بأعمالٍ تُرضي رغباتهِ وشهواتِهِ ويتطورُ الأمرُ لديهِ فيقومُ بسنِّ القوانينِ الوضعيَّةِ وفقَ هذهِ الرغَباتِ والشهواتِ والميولِ الشَّخصيِّةِ والنتيجَةُ أنَّها هيَ الحاكمةُ فينتَشرُ الظُّلمُ في بقاعِ الأرضِ مثلَمَا اليومَ.
فالحريَّةُ بمعناهَا العامُ : هيَ نفيُ سيطرةُ الغَيرِ ، وهذا المفهومُ نجدهُ في الحضارتينِ الإسلاميَّةِ والحضارةِ الرأسماليَّةِ وإنِ إختَلفتُ القاعدةُ الفكريَّةُ في كُلٍّ منهما وإختلفَ الإطارُ العامُ ، فهُناكَ فروقٌ جوهريَّةٌ بينَ الحريَّةِ الّتي حملَ لواءهَا الإسلامُ وكَفَلَها للمجتمعِ الّذي صَنَعَهُ وقَدَّمَ فيهِ تَجرُبَتهِ على مسرحِ التأريخِ ، وبينَ الحُريَّةِ الّتي مارسها المجتمعُ الرأسماليُ ، فهما حُريَّتانِ تَحمِلانِ طابِعاً حضاريَّاً ينتمي اليهَا ، ويوجدُ إلتقاءٌ معَ مفاهيمِ الحضارتينِ عنِ الكونِ والحياةِ .
فالحضارةُ الرأسماليَّةِ كانتْ شكَّاً في مفاهيمِ الحياةِ وتحَولَ هذا الشكُّ في إمتدادهِ الثَّوري منْ خلالِ ( الثَّورةُ الصِّناعيَّةِ في أوروبا ) إلى إيمانٍ مذهبيٍ بالحُريَّةِ ، في حينِ الحضارةِ الإسلاميَّةِ : تَستَمِدُّ منَ الإيمانِ باللهِ بيقينٍ ثابتٍ ثوريَّةِ الحريَّةِ ونتيجةً لهذا الرسوخِ الثابتِ في نفسِ المسلمِ المؤمنِ لليقينِ في حياتهِ تتضاعفُ الطاقاتُ الثوريَّةُ في تلكَ الحُريَّةِ ،
و الحُريَّةُ الرأسماليَّةُ ذاتُ مدلولٍ إيجابيٍّ ظاهراً لكنَّهُ مشوشٌ باطناً ،
فهيَ تُعتَبرُ : أنَّ كُلَّ إنسانٍ هو الّذي يملكُ نفسهُ ويستَطيعُ أنْ يتَصرفَ كما يحلو لهُ ، دونَ الخضوعَ لسلطةٍ خارجيَّةٍ ولهذا المؤسساتُ الإجتماعيَّةِ تستمدُ حقَها المشروعُ في السَّيطرةِ على كُلِّ فردٍ منَ الأفرادِ أنفسهم لإنَّها ذاتُ نفوذٍ في حياتهِم ، وهذا خلاف ما عن الإمام علي (عَلَيهِ السَّلام): ( أيها الناس إنَّ آدم لم يلد عبداً ولا أمة، وإنَّ الناس كلهم أحرار )، الكافي، ج8، ص 79 .
أمَّا الحريَّةُ الإسلاميَّةِ : أوَّلُ عملٍ لها هو تحريرُ الإنسانَ منْ سيطرةِ الأصنامِ المُصطنعةِ منْ قِبَلِ البشرِ أو همْ كانوا أصناماً فعَبدوا النَّاسَ لأجلِ السَّيطرةِ عليهم ، فتعملُ هذهِ الحريَّةُ وفقَ مبدأُ الإيمانِ باللهِ على تحريرِ الإنسانيَّةِ منْ قيودِ الصَّنميَّةِ ، فالعبوديَّةِ للهِ هيَ السِّلاحُ الّذي يُحَطِمُ بها الإنسانُ كُلَّ سيطرةٍ وكُلَّ عبوديَّةٍأُخرى ، لأنَّ العبوديَّةَ للهِ في معناها الرفيعِ تُشعِرهُ بأنَّهُ سيقفُ وسائرَ القوى الأُخرى الّتي يُعايشها على صعيدٍ واحدٍ ، أمامَ ربِّ واحدٍ ، فلا يحقُ لأيِ أحدٍ في الكونِ أنْ يتحكمَ بحياتهِ ولا يتصرفَ في مصيرهِ ، فالحريَّةُ هُنا إرتباطٌ وثيقٌ بالعبوديَّةِ لله تعالى وهو لايسمحُ للإنسانٍ أنْ يتنازلَ عنْ حريَّتهِ ويستكينَ ويستذلَ للآخرِ ، فيقولُ أميرُ المؤمنينَ(عَلَيهِ السَّلام): ( أَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً وَلَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللَّهُ حُرّاً وَمَا خَيْرُ خَيْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِشَرٍّ وَيُسْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِعُسْرٍ وَإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَّمَعِ فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ )، نهج البلاغة: الكتاب ٣١، فالإنسانُ مسؤولٌ عنْ حُريَّتهِ في الإسلامِ وليست الحريَّةُ حالةَ إنعدامِ المسؤوليَّةِ ، في حينَ الحضارةُ الرأسماليَّةُ تقولُ أنَّ الحريَّةَ حقٌّ طبيعيٌ للإنسانِ ولهُ أنْ يتنازلَ عنهُ متى شاءَ ، فالبنتُ مثلاً عندهم حقُّها الطبيعي البكارةُ ولها أنْ تتنازلَ عنها متى ما شاءت ومعَ منْ تشاءُ ، في حين ا،نَّ البنت المسلمةَ حقُّها الطبيعي موجودٌ لكنَّهُ ليسَ مبتَذلٌ وإنَّما مُقيَّدٌ بقيدِ الشرعِ المقدَّسِ منْ خلالِ موافقة ولي أمرها بعقدٍ شرعيٍّ بعدَ موافقتها ، فهناك أبنتهم مبتذلةٌ وهنا إبنتُنا أميرةٌ وملكةٌ لايستطيعُ أيٌّ كانَ أنْ يتجاوزُ عليها حفاظاً على وجودها في هذهِ الحياة ، فعلى أساسِ حريَّةِ الحضارةِ الرأسماليَّةِ تذوبُ كُلُّ القواعدُ الأخلاقيَّةُ والمُثلُ والقيَّمُ الّتي كانتْ تُحدِّدُ سلوكَ الإنسانِ ، لأنَّ الأخلاقَ مرتبطةٌ بالدِّينِ وإذا فقدت رصيدها الدّيِني الّذي يَمُدَها بالقيِّمةِ الحقيقيَّةِ وبعالمِ الغيبِ وعالمِ الجزاءِ الدُّنيويِّ والأُخرويِّ أصبحت ضريبةٌ لا مبررَ لها ، فالرسالةُ السَّماويَّةُ منْ أهمِ أهدافها تحطيمُ المدلولَ السَّلبيِّ للحريَّةِ لقولهِ تعالى في الكتابِ العزيزِ : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }، سُورَةُ الأعرافِ ، آية 157.
إذنْ ياربَّ الأُسرةِ وأفرادهَا عليكم التعاطي معَ الحريَّةِ من خلالِ التشريعِ الإلهي المقدسِ والإلتزام بهِ تكونونَ منَ الناجينَ والفائزينَ .