إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عِلَاقَاتٌ مجْتَمَعيَّةٌ:28- عِلَاقَةُ ألأُسرَةِ باللِّقاءِ الأُخرَوي:-

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عِلَاقَاتٌ مجْتَمَعيَّةٌ:28- عِلَاقَةُ ألأُسرَةِ باللِّقاءِ الأُخرَوي:-

    بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
    اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
    السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ

    الإنسانُ المُسلمُ المرتبطُ بأسرتهِ أي عليهِ أنْ يعيشَ هوَ وأسرتِهِ في هذه الحياةِ على أساسِ الأعتقادِ الراسخِ بأنَّ الدُّنيا دارُ ممرٍ والآخرةُ دارُ مقرٍ لقولِهِ تعاَلَى في الكتابِ:
    { يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}، سُورَةُ الشورى20،وأيضاً قالَ أميرُ المؤمنينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( أيّها النّاس ، إنّما الدّنيا دار مجاز ، و الآخرة دار قرار ، فخذوا من ممرّكم لمقرّكم )، نهج البلاغة ،الخطبة ٢٠٣.
    كيف تتم النجاة يوم القيامة؟ هل يحصل ذلك بمجرد الاعتقاد الصحيح أو أن الاعتقاد لا يكفي ما لم يقترن بالعمل؟ ثم ما المقصود بالاعتقاد وما المراد بالعمل؟
    فالإعتقادُ والعَملُ همَا ركنان أساسيان للخلاصِ في يوم القيامةِ ،
    والإعتقادُ هوَ الإيمانُ باللهِ ورسولِهِ وأنبيائهِ والائمةِ الأطهارِ صلواتِ اللهِ عليهم أجمعينَ وكتبهِ واليومِ الآخرِ
    أمّا العملُ فهو الإمتثالُ التَّامُ للتَّكاليِفِ الشَّرعيَّةِ ، وعندَمَا يَستَجمعُ المُكلفُ هذينَ الرُكنينَ فيستَحقُّ أنْ يوصفُ بالمؤمنِ وهو الإيمانُ " أخصُّ منَ الإسلامِ " فليسَ كُلُّ مُسلمٍ مؤمناً ، لقولهِ تعَالَى في كتابهِ المَجيدِ : { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }، سُورَةُ الحُجِراتِ ،الآية 14، والإخلال بهذين الركنين أو بأحدهما يعرّض الإنسان للمساءلة والمؤاخذة إن لم يكن له عذر مخفف كالجهل القصوري أو غيره، وتجدر الإشارة إلى وجود فارق جوهري بين هذين الركنين، وهو أن الاخلال بالركن الأول لا يستوجب الخروج عن دائرة الإيمان فحسب بل عن دائرة الإسلام أيضاً، وأمّا الإخلال بالركن الثاني فهو لا يستوجب الخروج عن الدين إلا لدى فرقة الخوارج كما سيأتي، ولعل من أوضح الآيات القرآنية التي تشير إلى تقوّم الخلاص بهذين الركنين قوله تعالى في سورة العصر:{ وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.. سُورَةُ العصرِ ، الآيات 1-2-3 ، إلى العشرات من الآيات التي تؤكد على ارتباط المغفرة أو الثواب أو الجنة بالإيمان والعمل، وهذا ما أكدّت عليه أيضاً الروايات العديدة، كما في قول أمير المؤمنين(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ):
    ( الإيمان مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ، وإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ )، نهجُ البَلاغةِ، ص 508، إلى غيرِ ذلكَ منَ الرَّواياتِ الّتي يُستفادُ مِنْهَا ربطُ الإيمانِ بالعملِ أو أنَّهُ لا قيمةَ لإيمانٍ دونَ عملٍ أو لعملٍ دونَ إيمانٍ .

    وقدْ إتَّضَحَ ممّا تَقدمَ أنَّ الخلاصَ الأُخروي لا يَتحركُ بطريقةٍ اعتباطيَّةٍ أو مزاجيَّةٍ، وإنَّمَا يتحركُ وفقَ قانونٍ واضحٍ يرتكزُ على ضرورةِ توافرِ المُكلفِ علَى مبدأي الإيمانِ والعملِ، وهذا القانونُ لا يحدِّدُ أصلَ المثوبةِ أو العقوبةِ فحسب وإنَّمَا يُحدِّدُ درجاتِهِمَا أيضاً، فالمثوبةُ لا تزيدُ أو تتضاعفُ إعتباطاً ودونَمَا سبَّبٍ، وكذلكَ العقوبةُ لا تزيدُ أو تنقصُ إلاّ بسبِّبٍ موجبٍ لذلكَ، ولا شَكَّ أنَّ العملَ المقرونَ بالإيمانِ هو السَبَّبُ أو المؤشرُ الأساسي ـ إن لم يكن الوحيد ـ لارتفاعِ أو إنخفاضِ درجاتِ الثَّوابِ والعقابِ، فكُلَّمَا تَعمقَ إيمانُ المَرءِ أكثرَ وبذلَ جُهدَهُ في العَملِ الخَالصِ لوجهِ اللهِ، كُلَّما عَظُمَ أجرَهُ وإرتفعت مَنزلَتَهُ عندَ اللهِ سُبحانَهُ، وكُلَّمَا إهتَزَّ إيمانُهُ وضَعُفَ عَملُهُ كُلَّمَا سَقطَ منْ عينِ اللهِ وإنحطت منزلتَهُ عندَهُ، فمنازلُ الجَّنَةِ يبنيهَا العَملُ ويُشيدُهَا الإيمانُ، ودركاتُ النَّارِ يُشعِلُها التَّمردُ والعصيانُ
    ويُشارُ إلى أنَّ الّذي يُحدِّدُ العملَ المُقربَ إلى اللهِ أو المُبعدَ عنْهُ هو اللهُ وحدَهُ، وإنْ كانَ هُناكَ أعمالٌ يُدركُ العقلُ حُسنَها أو قُبحَها، وقدْ حدَّدت الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ الأعمالَ المُقربةَ والأعمالَ المُبعدَةَ، ونصّتْ علَى ضوابطِ وشروطِ العملِ المُقرّبِ إلى اللهِ، ومنْ أهمِهَا شَرطُ الإخلاصِ للهِ سُبحانَهُ .
    ومنْ هُنا ننطَلِقُ لتوضيحِ بعضِ الأعمالِ المقَرِبَةِ إلى اللهِ وشَرحِها بشكلٍ مختصر والباقي منَ الأعمالِ على القارئ أنْ يجتهدَ في تحصيلها وتطبيقها في نظامِ أُسرتِه وتصدِيرهَا إلى مجتمعهِ كي تَعُمُّ هذهِ المعرفةِ وينتشرُ خيرَهَا ، فهذا التَّوضيحُ يكون من
    خلالِ وصيَّةِ الإمامِ الكاظمِ(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) لهشامِ بن الحَكَمِ؛ هذه الوصيّةُ الّتي تمثِّلُ وثيقةً فكريّةً ثقافيّةً اجتماعيّة، كما هي وثيقةٌ روحيّةٌ، تُلامسُ القلبَ، وتنفتحُ علَى الحياةِ، على مستوى ما يفكِّرُ فيهِ الإنسانُ لنفسِهِ في رحلتِهِ من الدُّنيا إلَى الآخرةِ، أو في مَا يعيشُهُ الإنسانُ في علاقاتِهِ الإنسانيَّةِ مع الآخرينَ .
    يقولُ الإمامُ الكاظم (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( يَا هِشَامُ أَفْضَلُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ اَلْعَبْدُ إِلَى اَللَّهِ بَعْدَ اَلْمَعْرِفَةِ بِهِ اَلصَّلاَةُ وَ بِرُّ اَلْوَالِدَيْنِ وَ تَرْكُ اَلْحَسَدِ وَ اَلْعُجْبِ وَ اَلْفَخْرِ يَا هِشَامُ أَصْلَحُ أَيَّامِكَ اَلَّذِي هُوَ أَمَامَكَ فَانْظُرْ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ وَ أَعِدَّ لَهُ اَلْجَوَابَ فَإِنَّكَ مَوْقُوفٌ وَ مَسْئُولٌ وَ خُذْ مَوْعِظَتَكَ مِنَ اَلدَّهْرِ وَ أَهْلِهِ فَإِنَّ اَلدَّهْرَ طَوِيلَةٌ قَصِيرَةٌ فَاعْمَلْ كَأَنَّكَ تَرَى ثَوَابَ عَمَلِكَ لِتَكُونَ أَطْمَعَ فِي ذَلِكَ وَ اِعْقِلْ عَنِ اَللَّهِ وَ اُنْظُرْ فِي تَصَرُّفِ اَلدَّهْرِ وَ أَحْوَالِهِ فَإِنَّ مَا هُوَ آتٍ مِنَ اَلدُّنْيَا كَمَا وَلَّى مِنْهَا فَاعْتَبِرْ بِهَا تحف العقول عن آل الرسول (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)،ج۱، ص۳۸۳.
    في البداية، إعتبرَ الإمامُ(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)أنَّ أعلى الحالاتِ الرّوحيّةِ الّتي يمكن أن يعيشها الإنسانُ في علاقةِ العقلِ والقلبِ، هي المعرفةُ باللهِ؛ لأنَّ المعرفة بالله تعالى تطوف بالإنسان على الكون كلّه، ذلك أنّك عندما تعرف الله تعالى في مواقع عظمته، فلا بدَّ من أن تقوم بجولة علميَّة على كلِّ أسرار العظمة في الخلق، لأنّه هو الخالق، وإذا كنت تعرف أنَّ الله هو المنعم، والجواد، والكريم، والرّحمن، والرّحيم، فلا بدَّ لك من أن تطلّ على كلّ مواقع النّعمة الَّتي أفاضها الله تعالى على الإنسان وسائر المخلوقات. وقد جاء في الحديث النَّبوي الشَّريف، قَالَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( تَخَلَّقُوا بِأَخْلاَقِ اَللَّهِ )، بحارُ الأنوارِ، ج 58، ص 130.
    ومن هنا، نعرف قيمة الأدعية الَّتي تشتمل على صفات الله تعالى، مثل دعاء الجوشن الكبير، أو دعاء أبي حمزة الثّمالي، أو غيرهما، فإنّنا نجد في كلِّ مفرداتها الكثير من صفات الله سبحانه وتعالى، في تعامله مع عباده، وفي فيوضاته مع كلِّ خلقه.
    وبهذا، تمثّل الأدعية وسيلةً لتنمية الروحيّة في كياننا ،

    ثمّ تأتي الصَّلاة في الدرجة التالية للمعرفة، والصّلاة تمثِّل العبادة التي يحلّق الإنسان من خلالها ليعرج بروحه إلى الله سبحانه وتعالى، باعتبار أنّ المصلّي يتكلَّم مع الله، ويخشع بين يديه، ويخضع له، ويناجيه، ويذكر آياته، حيث يشعر الإنسان هنا بأنّه يرتبط بالله بشكل مباشر، من دون حواجز أو وسائط. وهذه هي العقيدة التوحيديّة الخالصة الحقيقيّة، لأنَّ الله سبحانه وتعالى أرادنا أن نخاطبه، وأن نعبده بشكلٍ مباشر، قال تعالى: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }، سُورَةُ يس، الآيتان 60-61، أو كما في قوله تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }، سُورَةُ الجِنِّ، الآية 18،
    والصَّلاة تربّي في الإنسان الشّعور بعظمة الله سبحانه، ففي الأذان، يُقال (الله أكبر) أربع مرّات في بدايته، واثنتين في نهايته، وفي الإقامة مرّتين في البداية، ومرّتين في النّهاية، ثم تبدأ الصَّلاة بالتّكبير، وبالتّكبير، ينتقل المصلّي من عملٍ إلى عمل آخر، ولعلّه من هنا، تفترقُ الصَّلاةُ عنْ سائرِ العباداتِ؛ حيثُ إنَّهَا لا تُترَكُ بحالٍ، فإذا لم يقدر الإنسان على الصَّلاة قائماً، صلّى جالساً، وإلا فمستلقياً، وإذا لم يقدر على تحريك أعضائه، أومأ إلى الركوع والسّجود، بينما نجد أنَّ الصَّوم يُترَك إذا لم يقدر عليه، ليُقضى في وقت آخر، وكذلك الحجّ؛ لأنَّ الصَّلاة مرتبطة بحركيّة التّوحيد في حياة الإنسان اليوميَّة، مما لا يُمكن للإنسان أن يعيش الغفلة عنه أبداً .
    وبعدها يأتي، برّ الوالدين الّذي يرتبطُ بجانبِ العلاقةِ الإنسانيّةِ في عمقها الإنساني، على أساسِ قولِهِ تَعالَى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً سُورَةُالإسْرَاءِ، الآيتان 23-24، حيث تستحضر في نفسك كلَّ التربية التي قام بها الوالدان حتّى أصبحت كبيراً .
    وكذلكَ، فإنّ من الأمور التي تقرّب من الله، ترك إعجاب الإنسان بنفسه، وقد ورد في الحديث ، قَالَ أمیرُالمؤمنینَ(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( إِعْجَابُ اَلْمَرْءِ بِنَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ عَقْلِهِ الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 27، لأنَّ الإعجاب هو تعاظم الإحساس بما لدى الإنسان من بعض الصّفات، أو بعض الملكات، أو بعض الأعمال، وهذه المسألة تنشأُ من عدم وعي الإنسان لطبيعة العمل، لأنَّ العمل، أيَّ عمل، ولا سيَّما العمل العباديّ، يحتِّم أن ينظر الإنسان دائماً إلى الجانب الإيجابيّ منه، مقارَناً بالجانب السّلبيّ .
    ومنَ الأمورِ المُقَرِبَةِ إلى اللهِ ، قضيَّة الفخر تتأتَّى من خلال قضيَّة العجب، ولكنَّها قد تمتدّ إلى فخر الإنسان بآبائه، وهذا ما نقرأه في دواوين الحماسة العربيَّة، حيث إنَّ أغلب الشّعراء يتحدّثون عن الفخر بالآباء والأجداد، ينشدون بذلك محاسنهم وصفاتهم وما إلى ذلك، ولكن ماذا أنت؟ ينبغي أن لا تكون مشاعرك وأحاسيسك، مشاعر الإنسان الَّذي يفخر بما عنده، بل عليه أن يعمل على تنمية ما عنده، وأن ينظر في نقاط الضّعف فيما عنده، وأن يقارن ما عنده بما لدى الآخرين، وقد ورد في دعاء مكارم الأخلاق: "واعصمني من الفخر"
    و مِمَّا يتقرَّب به الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى تركُ الحَسَدَ، لأنَّ الحسد ـ عندما ندرسه ـ فيه جانب عدوانيّ، والحسد هو أن تتمنّى أن يزيل الله أيَّ نعمة تجدها لدى غيرك. وهذا ينطلق من عقدةٍ نفسيّة ضدَّ ما يملك الإنسان الآخر من فرصٍ يمكن أن تنمّي شخصيّته، أو تسدّ حاجته، أو تؤكّد أصالته الإنسانيّة. وإضافةً إلى ذلك، يستبطن الحسد الاعتراض على الله تعالى، لأنّك عندما تتمنّى زوال النّعمة عن غيرك، فكأنّك تقول: يا ربي، لماذا أعطيته؟ ولماذا لم تعطني أنا؟ وذكرَ القرآنُ الكريمِ ذلكَ في قول إبليس(عليه اللَّعنةُ): {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍسُورَةُ ص،الآية 76، وقد انطلق في ذلك من جانب الحسد، وكأنّك تقول له إذا أردتَ أن تصحِّح الأمر في ذلك، فلا بدَّ من أن تعطيني ما أعطيته، وتسلب النِّعمة عنه، وهذا ينافي عبوديّتك لله، وخضوعك له، واستسلامك له، ورضاك بقضائه وقدره .
    " يَا هِشَامُ أَصْلَحُ أَيَّامِكَ اَلَّذِي هُوَ أَمَامَكَ "، يعني عليك أن تهتمّ بالمستقبل، لأنَّ الماضي، سواء كان ماضياً مشرقاً أو مظلماً، قد مضى وانتهى، لا علاقة له بك، ولا علاقة لك به، وعليك ـ من الناحية الدينيّة ـ أن تستغفر الله مما أذنبته في الماضي، وإذا كنت قد عملت خيراً، فاشكر الله على ذلك، واطلب منه الزّيادة من ذلك، وعندما تحاول أن تدرس أخطاء الماضي وسلبيّاته، فعليك أن تأخذ من الماضي درساً للحاضر وللمستقبل، لأنَّ الهمَّ الأساس لا بدَّ من أن يكون في ما يُصلح لك مستقبلك، لأنه هو الذي يمثِّل حركتك في مسألة المصير، لأنَّ الماضي مات كزمنٍ، ومات كعملٍ، أمّا ما أنت فيه، فهو الأيّام الّتي تستقبلها، لأنها هي الّتي يمكن لها أن تؤصِّل مصيرك في خطِّ الخير الّذي تعمل له وتقبل عليه ،
    ثمّ يتابع(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): "
    فَانْظُرْ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ ؟"، كيف يكون هذا اليوم بما تملأه من أعمال الخير وانطلاقات المعرفة، " وَ أَعِدَّ لَهُ اَلْجَوَابَ "، لأنّك ستسأل عمَّا صنعته في هذا اليوم، " فَإِنَّكَ مَوْقُوفٌ وَ مَسْئُولٌ " أمام الله، كما قال تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}، سُورَةُ الصَّافاتِ، الآية 2، " وَ خُذْ مَوْعِظَتَكَ مِنَ اَلدَّهْرِ وَ أَهْلِهِ "، أيْ ادرس التّاريخ، وادرس كلَّ حركة الدّهر، منذ أن بدأ الزّمن وبدأ النّاس يعيشون فيه، دراسة الإنسان الَّذي يعظه التّاريخ، لا دراسة الإنسان الذي يلهو بالتّاريخ، أو الّذي يحاول أن يعيش التّاريخ كمفرداتٍ لا تمنحه شيئاً من الوعي لما يريد أن يصنعه من تاريخ جديد.
    "
    فَإِنَّ اَلدَّهْرَ "في أيامه" طَوِيلَةٌ قَصِيرَةٌ"، يعني أنَّ أيّامه طويلة في امتدادها، وقصيرة في ما تتضمَّنه أو في ما تتحرّك فيه في عمرك الَّذي سوف ينتهي في مدًى معيَّن.
    "
    فَاعْمَلْ كَأَنَّكَ تَرَى ثَوَابَ عَمَلِكَ "، كأنَّك تنتظر جائزةً بعد عملك مباشرة، " لِتَكُونَ أَطْمَعَ فِي ذَلِكَ "، حتى تتشجَّع، " وَ اِعْقِلْ عَنِ اَللَّهِ "، يعني اعقل عن الله آياته ومواعظه ونصائحه، وما إلى ذلك، " اُنْظُرْ فِي تَصَرُّفِ اَلدَّهْرِ وَ أَحْوَالِهِ "، أي انظر كيف تتقلَّب شؤون الدَّهر، كيف يكون خيراً في هذا اليوم، ويكون شرّاً في الغد، كيف تكون اليوم هزيمة، وغداً يكون انتصار، وما إلى ذلك، " فَإِنَّ مَا هُوَ آتٍ مِنَ اَلدُّنْيَا كَمَا وَلَّى مِنْهَا فَاعْتَبِرْ بِهَا تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص 391، يقول لك الإمام(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): حاول أن تقيس الحاضر بالماضي، وتقيس المستقبل بالحاضر والماضي، باعتبار أنَّ القانون الأساس الَّذي وضعه الله سبحانه وتعالى لحركة الإنسان، قد تختلف مفرداته، ولكنَّ خطوطه العامَّة لا تختلف، ولذلك قيل: إنَّ التّاريخ يعيد نفسه، وهو يختلف ـ بطبيعة الحال ـ في أشخاصه، وفي بعض أوضاعه، ولكنَّ القانون الإلهيّ الَّذي وضعه الله سبحانه وتعالى للسّنن التاريخيّة للإنسان، كما هي السنن الكونيّة للإنسان، لا يتغيَّر .

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X