بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
الحديثُ يرادفُ الكلامَ في المَعنى ، و إنَّما سُميَ حديثاً لتجدُّدِه و حدوثِهِ شيئاً فشيئاً ، مجمعُ البحرينِ ،ج 2 ، ص 246 ، و القُدسُ هو الطُهر ، و عندما يُنسبُ الحديثُ إلَى القُدسِ يُرادُ منْهُ الكَلامُ الإلَهي المُنزلِ على أنبيائِهِ لَا علَى وجهِ الإعجازِ و التَّحدّي ، لَذا فلَا يُسمى القُرآنُ الكريمِ حَسبَ المُصطلحِ العِلمي حَديثاً قُدسيَّاً رغمَ كونِهِ كَلاماً إلهيَّاً
أمَا كيفيَّة وصولُ الحَديثُ القُدسيِّ إلينَا فيكونُ حكايةً بواسطةِ الأنبياءِ وأوصيائِهِم
قالَ العلاَّمةُ المحقِّقُ آيةُ اللهِ الشَّيخُ جعفرُ السُّبحاني في بيانِ الحَديثِ القُدسيِّ : الحديثُ القُدسيُّ : هوَ كلامُ اللهِ المُنزلِ ـ لَا علَى وجهِ الإعجازِ ـ الّذي حَكاهُ أحدُ الأنبياءِ أو أحدُ الأوصياءِ ، مثلُ ما رُويَ أنَّ اللهَ تَعالَى قالَ : « الصوم لي و أنا اُجزي به » .
مَا هوَ الفَرقُ بينَ الحَديثِ القُدسيِّ وآياتِ القرآنِ الحكيمِ؟
الفرقُ بينهمَا: فَي عِدَّةِ مَسائلٍ، مَنهَا: (التَّحدي).. فإنَّ القُرآنَ الكريمَ مُعجزَةٌ منْ عندِ اللهِ سُبحانَه يَحملُ في طَيَّاتِهِ مَنهجاً مُتكاملاً لِسعادةِ الدُّنيا والآخرةِ ويَشتملُ علَى التَّحدي والإعجازِ، التَّحدي منْ جميعِ الجِهاتِ: العلميَّةِ والبَلاغيَّةِ والإجتماعيَّةِ والإقتصاديَّةِ والسياسيَّةِ والغيبيَّةِ… الخ .
ثم إنَّ التَّحدي ليسَ فقطْ بالقُرآنِ ذاتِهِ وإنَّمَا كذلكَ بالنِّسبَةِ إلَى منْ نزلَ عليهِ القرآنُ وهو النَّبيُّ الأعظمُ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ).
قالَ سُبحانَهُ وتَعالَى: ﴿ قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍۢ ظَهِيرًا ﴾، سُورَةُ الإسراءِ، الآية 88 .
وفي آيةٍ أُخرَى قالَ عَزَّوجَلَّ: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰهُ ۖ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍۢ مِّثْلِهِۦ مُفْتَرَيَٰتٍۢ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴾، سُورَةُ هود ، الآية 13.
وفي آيةٍ ثالثةٍ قالَ جَلَّ وعَلا: ﴿ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾، سُورَةُ البقرة ، الآية 23 .
ومنْ هُنَا تظهرُ صُورةُ الإعجازِ والتَّحدي في القرآنِ الحَكيمِ، حيثُ عجزَ النَّاسُ بأجمَعِهم .
ويبقَى القرآنُ الكريمُ يحملُ هذهِ الصِّفةُ إلَى يومِ القيامَةِ، والتَّحدي كانَ ومازالَ وسَيبقى إلَى ما شاءَ اللهُ .
أما الحَديثُ القُدسيِّ فإنَّهُ صدرَ منَ اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى أيضاً ولكنَّهُ غيرُ مُختصٍّ برسولِ الإسلامِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بلْ شَملَ العديدَ منْ أنبياءِ اللهِ وبالتَّعاقبِ ولمْ يَحملُ صِفةَ التَّحدي والإعجازِ .
الفرقُ بينَ الحَديثِ القُدسيِّ والحَديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ :
إنَّ المَقصودَ منَ الحديثِ النَّبويِّ: هوَ الحديثُ الّذي يَحكَي قولَ النَّبيُّ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) أو فعلَهُ أو تَقريرَهُ .
أما الحديثُ القٌدسيِّ:هوَ الكَلامُ المُنزلُ بألفاظٍ بعثَهَا في تَرتِيبِهَا بعينِهِ لَا لغرضِ الاعجازِ.
أمَا وجهُ إضافةِ الحديثِ القُدسيِّ الَى القُدسِ، فلأنَّها الطَّهارةُ والتنزيهُ, والَى الإلهِ والربِّ، لأنَّهُ صادرٌ منْهُ وهو المُتكلمُ بهِ والمُنشئُ لَـُه, وإنْ كانَ جميعُهَا صَادراً بوحيٍ إلهيٍ, لأنَّ الرَسولَ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾، سُورَةُ النَّجمِ ، الآيتان 3 و 4 )، ومنْ هُنَا كانَ منْ أسرارِ الوحي .
وقدْ جمعَ بعضُ العُلماءُ مجموعةً منْ هذهِ الأحاديثِ القُدسيَّةِ في كُتبِهِم:
مثلُ العلاَّمُةُ المَجلسي (قُدِسَ سِّرُهُ) في كتابِهِ القَيِّمِ (بحارُ الأنوارِ)، وفي بعضِ مؤلفاتِهِ الأُخرى أيضاً .
وقد أفردَ بعضُ العُلماءِ كُتباً خاصةً بالأحاديثِ القُدسيَّةِ ، فجمعَ فيهَا مَجموعةً مِمَّا اختارَهُ أو تمكَّنَ منْ جَمعِهِ من الأحاديثِ القُدسيَّةِ ، و منْ جُملةِ هؤلاءِ العُلماءِ :
شيخُ المُحدثينَ مُحَمَّدُ بنَ الحَسنِ بنَ عَليٍّ الحُسينِ الحُرِّ العَاملِي ( قدَّسَ اللهُ نفسَهُ الزَّكيَّةِ ) المُتوفى سنة : 1104هجرية ، ألَّفَ كتاباً في الأحاديثِ القُدسيَّةِ أسماهُ بـ " الجواهرِ السَّنيَّةِ في الأحاديثِ القُدسيَّةِ " و قد طُبعَ الكِتابُ سنة : 1405هجرية / 1984 ميلادية بمؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان .
الشَّهيدُ آيةُ اللهِ السَّيدُ حسن الشيرازي المُستشهدُ سنة : 1400 هجرية ، ألّفَ كتاباً جمعَ فيهِ مجموعةً من الأحاديثِ القُدسيَّةِ أسماهُ بـ " كلمة الله " و قد طبعتُهُ مؤسسةُ الوفاءُ ببيروتٍ .
أمَّا كلمةُ (القُدسيِّ)( انظر "لسان العرب": مادة "قَدَسَ")، فإنَّهَا تعني (المُنَزّه) أي الّذي ليسَ فيه عيبٌ أو نقصٌ، فالحديثُ القُدسيُّ: هو الحديثُ المُنَزّهُ والخَالي من العيوبِ والنواقصِ .
والأحاديثُ القُدسيَّةُ علَى قسمينِ :
بعضُهَا قويَّةُ السَّندُ، أي تكونُ مرويةً عنْ رسولِ اللهِ والأئمةِ الأطهارِ (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وذلكَ بسندٍ صحيحٍ والّتي يَنقُلُها عنْهُم ثقاةُ الرُّواةِ .
والبعضُ الآخرُ منَ الأحاديثِ مُرسَلَةُ السَّندِ، أي مقطوعةُ السَّندِ ويكونُ مُرسلُها ضَعيفاً .
فمَا كانَ منْها منَ القِّسمِ الأوَّلِ فهوَ موردُ القَبولِ والإعتمادِ عندَ العُلماءِ .
أمَّا القِّسمُ الثَّانيُّ: فانْ كانت تَحملُ في طَيَّاتِهَا نوعاً من الحِكمةِ والوعظِ والإرشادِ بمَا يعودُ علَى الإنسانِ بالنَّفعِ والخيرِ، أو حكماً غيرَ إلزاميٍّ فتَشملُهُ قاعدةُ التَّسامحِ في أدِّلةِ السُّننِ ومَا أشبَهُ.. ولِذا فهَي موردُ قبولٍ أيضاً .
هذا بالإضافةِ إلى أنَّ العديدَ منْهَا قدْ تَلَقَّاهَا المَشهورُ بالقَّبولِ وتَلَقِّي المَشهورَ وعَملِهِم جابرٌ علَى مَا بيَّنَ في الأصولِ، خاصةً معَ عَدمِ تَرتُبِ حُكمٍ شَرعيٍ عليْهَا، إذ أنَّ الأحاديثَ القُدسيَّةِ غالباً مَا تأتي في بابِ الأخلاقِ والآدابِ والحَكمِ والسُّننِ الإجتماعيَّةِ والإرشادِ إلَى بعضِ المَصالحِ والتَّحذيرِ منْ بعضِ المَفاسدِ الكَونيَّةِ والإجتماعيَّةِ والأخلاقيَّةِ ونحوَ ذلكَ .
أوحى اللهُ تعالَى إلى داود(عَلَيْهِ السَّلَامُ) : « قل لعبادي : لم أخلقكم لأربح عليكم ، و لكن لتربحوا عليَّ »، كتاب كلمة الله : 169 .
قالَ مُوسى (عَلَيْهِ السَّلَامُ): « ياربِّ ، أيُّ الأعمالِ أفضلُ عندَكَ ؟
قال : حُبّ الأطفال ، فإني فطرتُهُم على توحيدي ، فان أمَتُّهُم أدخلتُهُم برحمتي جَنَّتي »، كلمة الله : 23
قالَ النَّبيُّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): يَقُولُ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ: « أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ وَمَنْ أَشْرَكَ مَعِي شَرِيكاً فِي عَمَلِهِ فَهُوَ لِشَرِيكِي دُونِي لِأَنِّي لاَ أَقْبَلُ إِلاَّ مَا خَلَصَ لِي عَبْدِي خَلَقْتُ اَلْأَشْيَاءَ لِأَجْلِكَ وَخَلَقْتُكَ لِأَجْلِي، وَهَبْتُكَ اَلدُّنْيَا بِالْإِحْسَانِ وَاَلْآخِرَةَ بِالْإِيمَانِ» ، كلمة الله : 169
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) : قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: « إِذَا أَرَدْتَ أَنْ أَجْمَعَ لِلْمُسْلِمِ خَيْرَ اَلدُّنْيَا وَ خَيْرَ اَلْآخِرَةِ جَعَلْتُ لَهُ قَلْباً خَاشِعاً، وَ لِسَاناً ذَاكِراً، وَ جَسَداً عَنِ اَلْبَلاَءِ صَابِراً، وَ زَوْجَةً مُؤْمِنَةً تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا وَ تَحْفَظُهُ إِذَا غَابَ عَنْهَا فِي نَفْسِهَا وَ مَالِهِ »، كلمة الله : 191.
ما روي عنِ النَّبيُّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): « مَن لم يَرضَ بقَضائي ولم يَشكُرْ لِنَعمائي ولم يَصبِرْ على بَلائي فَلْيَتَّخِذْ رَبّاً سِواي»، مختصرُ البَصائر، ص 381.
وروي عنه(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): « إِنَّ بُيُوتِي في أَرْضِي المَسَاجدُ وإنَّ زُوَّاري فيهَا عُمَّارُهَا، فَطُوبى لعَبْدٍ تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ، ثُمَّ زَارَني في بَيْتِي، فَحَقٌ عَلَى المَزُوِر أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَه »، عدة الداعي ونجاح الساعي،ابن فهد الحلي، ص 55.
وروي عنه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): « يَا مُوسَى سَلْنِي كُلَّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ حَتَّى عَلَفَ شَاتِكَ وَ مِلْحَ عَجِينِكَ »،عدُّةُ الدَّاعي ونجاحُ السَّاعي، ابن فهد الحلي ، ص 133.