الفصل الأول :
مفهوم الدعاء وعلاقته بالعبادة
مفهوم الدعاء وعلاقته بالعبادة
1 - النداء، يقال: دعوت فلانا، أي ناديته وصحت به، قال تعالى: *(فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم)*(1) أي، ننادي... وقد يستعمل كل واحد من النداء والدعاء موضع الآخر، قال تعالى: *(كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء)*(2).
(هامش)
(1) سورة آل عمران: 3 / 61. (2) سورة البقرة: 2 / 171. (*)
ص 10
2 - الطلب، يقال: دعاه، أي طلبه، قال تعالى: *(وإن تدع مثقلة إلى حملها)*(1)، أي تطلب أن يحمل عنها.
3 - القول، قال تعالى: *(فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا...)*(2)، أي قولهم إذ جاءهم العذاب.
4 - العبادة، قال تعالى: *(لن ندعو من دونه إلها)*(3)، أي نعبد.
5 - الاستعانة، قال تعالى: *(وادعوا شهداءكم من دون الله)*(4)، أي استعينوا واستغيثوا بهم.
6 - الحث على الشيء، قال تعالى: *(قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا)*(5)، أي حثثتهم على عبادة الله سبحانه.
7 - النسبة، قال تعالى: *(ادعوهم لآبائهم هو أقسط)*(6)، أي انسبوهم واعزوهم.
8 - السؤال، قال تعالى: *(قال ادع لنا ربك)*(7) أي سله (8).
(هامش)
(1) سورة فاطر: 35 / 18. (2) سورة الأعراف: 7 / 5. (3) سورة الكهف: 18 / 14. (4) سورة البقرة: 2 / 23. (5) سورة نوح: 71 / 5. (6) سورة الأحزاب: 33 / 5. (7) سورة البقرة: 2 / 69. (8) يراجع في معنى الدعاء، صحاح الجوهري - دعا - 6: 2337. ومعجم مقاييس اللغة - دعو - 2: 279. وأساس البلاغة - دعو - 131. والقاموس المحيط - دعا - 4: 329. ولسان العرب = (*)
ص 11
الدعاء في الاصطلاح: طلب الأدنى من الأعلى: على جهة الخضوع والاستكانة (1). ودعاء العبد ربه جل جلاله: طلب العناية منه، واستمداده إياه المعونة (2). ويقال: دعوت الله أدعوه دعاء: ابتهلت إليه بالسؤال، ورغبت فيما عنده من الخير (3). قال تعالى: *(وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)*(4). ويقول العلامة المجلسي: الأدعية المأثورة على نوعين:
1 - الأوراد والأذكار الموظفة المقررة في كل يوم وليلة المشتملة على تجديد العقائد وطلب المقاصد والأرزاق ودفع كيد الأعداء ونحو ذلك، وينبغي للمرء أن يجتهد في حضور القلب والتوجه والتضرع عند قرائتها، لكن يلزم أن لا يتركها إن لم يتيسر ذلك.
2 - المناجاة، وهي الأدعية المشتملة على صنوف الكلام في التوبة والاستغاثة والاعتذار وإظهار الحب والتذلل والانكسار، وظني أنه لا
(هامش)
- دعا - 14: 257. ومفردات الراغب: 170. والأنباء بما في كلمات القرآن من أضواء 2: 270. (1) عمدة الداعي: 12. (2) تفسير الرازي 5: 97. (3) المصباح المنير 1: 194. (4) سورة غافر: 40 / 60. (*)
ص 12
ينبغي أن تقرأ إلا مع البكاء والتضرع والخشوع التام، وينبغي أن تترصد الأوقات لها. وهذان القسمان من الدعاء ببركة أهل البيت (عليهم السلام) عندنا كثير. فأما القسم الأول فأكثرها مذكورة في مصباحي الشيخ الطوسي والكفعمي، وكتابي التتمات والإقبال لابن طاووس في ضمن التعقيبات وأدعية الأسبوع وأعمال السنة وغيرها. والقسم الثاني أيضا منشورة في عرض تلك الكتب وغيرها، كالأدعية الخمس عشرة، والمناجاة المعروفة بالإنجيلية، ودعاء كميل النخعي وغيرها، والصحيفة الكاملة جلها بل كلها في المقام الثاني (1). علاقة الدعاء بالعبادة: تقدم أن العبادة هي أحد الأمور التي يصدق عليها مفهوم الدعاء اللغوي الواسع، ويدل على ذلك آيات قرآنية كثيرة وردت في هذا السياق، منها قوله تعالى: *(لن ندعو من دونه إلها)* أي لن نعبد إلها دونه، فهذه الآية وغيرها تترجم الصلة اللغوية الدائمة القائمة بين العبادة والدعاء. أما الصلة الاصطلاحية بين العبادة والدعاء، فإن الدعاء في نفسه عبادة، لأنهما يشتركان في حقيقة واحدة، هي إظهار الخشوع والافتقار إلى الله تعالى، وهو غاية الخلق وعلته، قال تعالى: *(وما خلقت الجن
(هامش)
(1) الاعتقادات / المجلسي: 41. (*)
ص 13
والإنس إلا ليعبدون)*(1)، وقال تعالى: *(قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم)*(2). فالدعاء والعبادة يعكسان الفقر المتأصل في كيان الإنسان إلى خالقه تعالى مع إحساسه العميق بالحاجة إليه والرغبة فيما عنده. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الدعاء هو العبادة التي قال الله: *(إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)*) (3) يعني أن الدعاء هو معظم العبادة وأفضلها، وذلك كقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الحج عرفة) أي الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم (4). ويؤيد ذلك حديث الإمام الباقر (عليه السلام): (أفضل العبادة الدعاء) (5). وما رواه سدير عنه (عليه السلام)، قال: قلت لأبي جعفر الباقر (عليه السلام): أي العبادة أفضل؟ فقال (عليه السلام): (ما من شيء أفضل عند الله عز وجل من أن يسأل ويطلب مما عنده) (6). وإذا قيل: إن الدعاء لا يصح إطلاقه على العبادة الشرعية التكليفية، فإن الصيام مثلا لا يسمى دعاء لغة ولا شرعا، وعليه فليس كل عبادة شرعية دعاء.
(هامش)
(1) سورة الذاريات: 51 / 56. (2) سورة الفرقان: 25 / 77. (3) الكافي 2: 339 / 7، والآية من سورة غافر: 40 / 60. (4) تفسير الرازي 5: 99. (5) الكافي 2: 338 / 1. (6) الكافي 2: 338 / 2. (*)
ص 14
نقول: (الدعاء من العبد لربه: هو عطف رحمته وعنايته إلى نفسه بنصب نفسه في مقام العبودية والمملوكية، ولذا كانت العبادة في الحقيقة دعاء، لأن العبد ينصب فيها نفسه في مقام المملوكية والاتصال بمولاه بالتبعية والذلة ليعطفه بمولويته وربوبيته إلى نفسه، وهو الدعاء) (1). وإلى ذلك يشير قوله تعالى: *(وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)*(2)، فالآية تدعو إلى الدعاء وتحث عليه وتعد بالإجابة، وتزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء عبادة، فقد عبرت أولا بالدعاء (ادعوني) ثم عبرت عن الدعاء بالعبادة (عن عبادتي) أي عن دعائي، بل (إن الآية تجعل مطلق العبادة دعاء، حيث إنها تشتمل على الوعيد لترك الدعاء بالنار، والوعيد بالنار إنما هو على ترك العبادة رأسا، لا على ترك بعض أقسامها دون بعض، فأصل العبادة إذن دعاء) (3). وإذا تأملنا في قوله تعالى: *(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)*(4). نلاحظ أنه (كما يشتمل على الحكم وهو إجابة الدعاء، كذلك يشتمل على علله، فكون الداعين عبادا لله تعالى هو الموجب لقربه منهم، وقربه منهم هو الموجب لإجابته المطلقة لدعائهم) (5).
(هامش)
(1) تفسير الميزان 10: 38. (2) سورة غافر 40: 60. (3) تفسير الميزان 2: 33. (4) سورة البقرة: 2 / 186. (5) تفسير الميزان 2: 32. (*)
ص 15
فإخلاص العبودية لله تعالى هو علة القرب منه تعالى والارتباط به، والقرب منه هو مظنة الإجابة، وهو يكشف عن الصلة الموضوعية بين حقيقة الدعاء وحقيقة العبادة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (عليكم بالدعاء، فإنكم لا تقربون بمثله) (1). الدعاء مخ العبادة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الدعاء مخ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد) (2) هذا الحديث المبارك يكشف لنا عن جوهر العبادة وحقيقتها التي تتجلى في إقبال العبد المحتاج على المعبود الغني *(يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)*(3). وهذا الاقبال هو التعبير الحي عن الصلة الموضوعية بين الخالق والمخلوق، وعن شعور الإنسان بحاجته الدائمة إلى ربه تعالى في جميع أموره واعترافه الخاضع بالعبودية له تعالى، والتي تتجسد في الشعور بالارتباط العميق بالله سبحانه، فجوهر العبادة إذن هو تحقيق الارتباط والعلاقة بين الخالق والمخلوق، والدعاء هو أوسع أبواب ذلك الارتباط وتلك العلاقة، فهو إذن مخ العبادة وحقيقتها وأجلى صورها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أفضل العبادة الدعاء، وإذا أذن الله لعبد في الدعاء فتح له أبواب الرحمة، إنه لن يهلك مع الدعاء أحد) (4).
(هامش)
(1) الكافي 2: 339 / 6. (2) بحار الأنوار 93: 300. (3) سورة فاطر: 35 / 15. (4) عدة الداعي: 35. (*)
ص 16
الدعاء في البلاء والرخاء: الدعاء باعتباره عبادة تسمو بالنفس وتشرق بالروح وتوصل الإنسان بربه بارئ الكون، يجب أن لا ينحصر في وقت الشدة والاضطرار بل يجب أن يكون في جميع الأحوال، نابعا من التسامي النفسي والانفتاح الروحي والكمال الإنساني. الدعاء في البلاء: إن علاقة الإنسان بربه علاقة ذاتية متأصلة في نفس الإنسان، ولكل امرئ طريق من قلبه إلى خالقه، وثمة باب في القلوب يفتح إلى من بيده مجريات الأحداث وهو بكل شيء محيط، فحتى أشقى الأشقياء نجده عند الابتلاء بالمصائب والمحن، وعندما توصد في وجهه الأبواب، وتنقطع به العلل والأسباب، يفزع إلى خالقه وينقطع إليه ضارعا منكسرا، وهذا أمر ذاتي يتساوى فيه الناس مهما كانت اتجاهاتهم وميولهم، قال تعالى: *(وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه)*(1). وقال تعالى: *(وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون)*(2). وقال تعالى: *(وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا)*(3)، والآيات في هذا المعنى
(هامش)
(1) سورة يونس: 10 / 12. (2) سورة الروم: 30 / 33. (3) سورة الإسراء 17: 67. (*)
ص 17
كثيرة، وكلها تدل على أن التوجه إلى الله تعالى في حال الشدة والاضطرار أصيل في فطرة الإنسان وطبيعي في وجوده. قال رجل للإمام الصادق (عليه السلام): يا بن رسول الله، دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني، فقال له: (يا عبد الله، هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم. قال (عليه السلام): فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم، قال (عليه السلام): فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: نعم. قال الإمام الصادق (عليه السلام): فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث) (1). لقد جعل الإمام الصادق (عليه السلام) الرجل يعرف الله تعالى عن طريق قلبه، لقد دله الإمام (عليه السلام) على ذلك الطريق الذي يوصل بين القلب والخالق القادر، إن هذا الاتجاه الفطري الذي يتجلى عند تقطع الأسباب ويتوجه إلى القدرة القاهرة الغالبة على الأسباب والعلل الظاهرة، هو الدليل على وجود تلك القدرة، ولولا وجودها لما وجدت تلك الفطرة في قلب الإنسان. إن التوجه إلى الله تعالى في حال الشدة والاضطرار والتضرع إليه بالدعاء، أمر غير مرئي بالحواس، ويمكننا أن نشبهه بتوجه غريزي مرئي ومعروف، ذلك هو ميل الطفل إلى ثدي أمه، هو غريزة تنشأ معه منذ ولادته، فإذا جاع تحركت فيه هذه الغريزة وهدته إلى البحث عن ثدي أمه الذي لم يره ولم يعرفه ولم يتعود عليه، فلولا وجود ثدي ولبن يناسبان
(هامش)
(1) بحار الأنوار 3: 41 / 16. (*)
ص 18
معدة الطفل لما أرشدته الغريزة إليهما، وكذلك حال الغرائز الأخرى في الإنسان، فلولا وجود تلك القدرة القاهرة لما وجدت تلك الفطرة وذلك التوجه الغريزي في ذات الإنسان. إن هذا الأمر الأصيل في وجود الإنسان، قد تغطيه حجب الإثم والشقاء بعد ما يظهر للعيان بنداء الفطرة، فيتراءى للإنسان أنه قد استغنى، فيطغى ويعرض عن خالقه متعلقا بالأسباب التي هي دونه، قال تعالى: *(كلا إن الإنسان ليطغى * إن رآه استغنى)*(1)، وقال تعالى: *(فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه)*(2)، وقال تعالى: *(فلما نجاكم إلى البر أعرضتم)*(3). فإذا اقتصر الإنسان على الدعاء في حال الاضطرار والشدة، فإن ذلك لا يمثل كمالا إنسانيا ولا إخلاصا عباديا، بل هو جفاء وقسوة وابتعاد عن رحاب الرحمة والمغفرة. الدعاء في الرخاء: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) موصيا الفضل بن العباس: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) (4) يعني أدع الله في الرخاء ولا تنسه حتى يستجيب لدعائك في الشدة ولا ينساك، ولا تكن من الذين نسوا الله فنسيهم، وذلك لأن من نسي ربه
(هامش)
(1) سورة العلق: 59 / 6 - 7. (2) سورة يونس: 10 / 12. (3) سورة الإسراء: 17 / 67. (4) من لا يحضره الفقيه 4: 296 / 896. (*)
ص 19
في الرخاء أذعن باستقلال الأسباب في الرخاء، ثم إذا دعا ربه في الشدة، كان معنى عمله أنه يذعن بالربوبية في حال الشدة وحسب، وليس هو تعالى على هذه الصفة، بل هو رب في كل حال وعلى جميع التقادير. عندما يكون الإنسان في حال رخاء واطمئنان، يجب أن يعلم بأن ما هو فيه من نعمة مزجاة هي من الله، وأنه هو القادر على أن يسلبه إياها كما هو القادر على أن يزيده منها، وذلك لأنه خالق الكون والإنسان والحياة، وأنه اللطيف بعباده الرؤوف بهم. ولهذا نجد أن الأنبياء والأوصياء والصالحين يتوجهون إلى ربهم بنفس متسامية مشرقة حتى عندما يكونون في رخاء وبحبوحة عيش، يدعون ربهم ويتوسلون به ليديم عليهم نعمته ويزيدهم من فضله: *(وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين)*(1). إن الله تعالى يستجيب لهم وينظر إليهم بعين رحمته في حال رخائهم، ويسرع إلى نجدتهم ورفع البلاء عنهم في حال المحنة والابتلاء كما يسرعون إلى استدعاء رحمة ربهم، وقد ورد في الروايات ما يدل على استحباب التقدم بالدعاء في الرخاء قبل نزول البلاء. فعن الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه كان يقول: (ما من أحد ابتلي وإن عظمت بلواه أحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء) (2).
(هامش)
(1) سورة الأنبياء: 21 / 89 - 90. (2) من لا يحضره الفقيه 4: 285 / 853. وأمالي الصدوق: 218 / 5. ونهج البلاغة - الحكمة (302). (*)
ص 20
وعن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) أنه كان يقول: (لم أر مثل التقدم في الدعاء، فإن العبد ليس تحضره الإجابة في كل ساعة) (1). وعن الإمام أبي الحسن (عليه السلام): (إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحوا من دعائه في الشدة، ليس إذا أعطي فتر، فلا تمل الدعاء، فإنه من الله عز وجل بمكان) (2). فالدعاء الاضطراري الذي يمثل نداء الفطرة والغريزة لا تتخطاه الإجابة، لأنه يقع ضمن دائرة الرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء، والدعاء الاختياري الذي يصدر عن منطقة الوعي ونداء العقل وينبض بحركة الروح والشعور في الذات وحركة القلب المنقطع إلى ربه المتخلي عن جميع الأسباب في الشدة والرخاء، هو الآخر لا تتخطاه الإجابة، وهو مخ العبادة وجوهرها النقي، وهو الذي وصف به المتقون: (ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غيرة الخاشعين) (3). والدعاء بالمعنى الأخير عبادة حية متحركة لا تخضع للزمان والمكان المعينين ولا للأفعال الخاصة والكلمات المحددة، بل ينطلق فيها الإنسان حرا في المكان الذي يقف فيه، والوقت الذي يختاره، واللغة التي يتحدث بها، والكلمات التي يعبر بها، والمضمون الذي يريده. اقتران الدعاء بمظاهر العبادة: لقد اهتم الشارع المقدس بالدعاء لأنه أحب الأعمال إلى الله تعالى في
(هامش)
(1) الإرشاد: 259. (2) 2: 354 / 1. وقرب الإسناد: 171. (3) نهج البلاغة: الخطبة (121). (*)
تعليق