إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

8- مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلامُ) والحَذَرُ مِنَ الشَّيطانِ:-

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • 8- مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلامُ) والحَذَرُ مِنَ الشَّيطانِ:-

    بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
    اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
    السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ



    اَلْقُطْبُ اَلرَّاوَنْدِيُّ فِي قِصَصِ اَلْأَنْبِيَاءِ ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى اَلصَّدُوقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ دُرُسْتَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْهُمْ (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: ( بَيْنَمَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ إِبْلِيسُ وَ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ ذُو أَلْوَانٍ فَوَضَعَهُ وَ دَنَا مِنْ مُوسَى وَ سَلَّمَ فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَنْ أَنْتَ قَالَ إِبْلِيسُ قَالَ لاَ قَرَّبَ اَللَّهُ دَارَكَ لِمَاذَا اَلْبُرْنُسُ قَالَ أَخْتَطِفُ بِهِ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ فَقَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ :أَخْبِرْنِي بِالذَّنْبِ اَلَّذِي إِذَا أَذْنَبَهُ اِبْنُ آدَمَ اِسْتَحْوَذْتَ عَلَيْهِ قَالَ ذَلِكَ إِذَا أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ وَ اِسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ وَ صَغَّرَ فِي نَفْسِهِ ذَنْبَهُ اَلْخَبَرَ مُستدركُ الوسائلِ ، ج۱۱ ،ص۳4۸.
    يُريدُ الشَّيطانُ أنْ يُنْفِذَ رأيَهُ ويُطبقَ مَكرَهُ ويَفرضَ حُكمَهُ علَى بني آدمَ بعدَ تلكَ المُناظَرةَ معَ اللهِ تَعالَى ، فقالَ سُبْحَانَهُ:﴿ قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلًا ﴾، سُورَةُ الإسراءِ ، الآية 62،
    ذهبَ المفسرونَ إلَى أنَّ حرفَ الكَافِ في كلمةِ (أَرَأَيْتَكَ) زائدٌ، أو هوَ حرفٌ لِلخطَابِ وقدْ جاءَ للتَّأكيدِ، وجملةُ (أَرَأَيْتَكَ) بمعنى (أَخْبرنِي) جوابَها محذوفٌ وتقديرُهَا (أَخبرني عنِ هذا الّذي كَرَّمتَهُ عَلَيَّ، لِمَ كَرمتَهُ عَلَيَّ وقدْ خلقتَني منْ نارٍ؟). ولكنْ هُناكَ إحتمالٌ آخرَ، وهوَ أنْ (أَرَأَيْتَ) هيَ في نَفسِ مَعنَاهَا الأصليُّ ولَا يوجدُ محذوفٌ في الجُّملةِ، وبشكلٍ عَامٍ تَعطي هذا المَعنى: هلْ لَاحظتَ هذا الموجودُ الّذي فَضَلْتَهُ عَلَيَّ، فإذا أبقيتَني علَى قيدِ الحَياةِ سَتَرَى بأنَّي سَأضِلُّ أكثرَ أبنائِهِ. (إحتمالُ الثَّاني أوفقُ في تركيبِ الآيةِ ومعنَاهَا).
    يقولُ الشَّيخُ ناصرُ مَكارمِ الشِّيرازي
    " أَحْتَنِكَنَّ " مُشتَقةٌ مِنْ " إحتنَاك " وهي تَعني قَطعُ جُذورِ شئٍ مَا، لِذا فِعندمَا يأكلُ الجَرادُ المزروعاتَ ، تقولُ العَربُ: إحتَنَكَ الجرادُ الزَّرعَ، لِذا فإنَّ هذا القولُ يُشيرُ إلى أنَّ إبليسَ سَيحرِفُ كُلَّ بَني آدمَ عنْ طَريقِ اللهِ وطَاعتِهِ، إلَّا القليلَ مِنْهُم.
    ويُحتَمَلُ أنْ تَكونَ كَلمَةُ
    (أَحْتَنِكَنَّ) مُشتَقةٌ مِنْ (حَنَكَ) وهَي المَنطقَةُ الّتي تحتَ البِلعومِ، فعندَمَا يُوضعُ الحَبلُ في رقبةِ الحيوانِ تقولُ العَربُ (إحْتَنِكَ الدَّابَةِ)، وفي الواقعِ، فإنَّ الشَّيطانَ يُريدُ أنْ يقولَ بأنَّهُ سَيضعُ حبلَ الوَسوَسَةِ في أعناقِ النَّاسِ وَيَجرَهُم إلَى طريقِ الغِوايةِ والضَّلالِ.
    وهكَذا كانَ، فقدْ أُعطيَ الشَّيطانُ إمكانيَّةَ البقاءِ والفعَّاليَّة حتَّى يَتحقَّقُ الإختبارُ للجميعِ، ويكونَ وجودُهُ سَبَّباً لِتمحيصِ وإختبارِ المؤمنينَ الحقِيقِيَّين لأنَّ الإنسانَ يَشتدُّ عَزمَهُ عندمَا تُهاجِمَهُ الحوادثُ ويقوَى عودُهُ في مواجهةِ الأعداءِ، لذلكَ قالتِ الآيةُ: قالَ إذهبْ فمَنْ تَبِعَكَ مِنْهم فإنَّ جَهنمَ جزاؤكُم جزاءاً موفوراً ، وبهذهِ الوَسيلَةِ للإختبارِ يَنكشِفُ الفَاشلَ منَ النَّاجحِ في الإمتحانِ الإلهيِّ الكبيرِ. الأمثلُ في تفسيرِ كتابِ اللهِ المُنزَلِ، ج ٩ ، ص ٤٩.
    قالَ أميرُ المؤمنينَ علَيُّ بنَ أبي طَالبٍ (عَلَيْهِ السَّلامُ) في إحدَى خُطَبِهِ في نهجِ البَلاغةِ: ( فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِإِبْلِيسَ إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ لَا يُدْرَى أَ مِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الْآخِرَةِ عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِهِ كَلَّا مَا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِيُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَكاً إِنَّ حُكْمَهُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ لَوَاحِدٌ وَمَا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ فِي إِبَاحَةِ حِمًى حَرَّمَهُ عَلَى الْعَالَمِينَ)، نهجُ البَلاغةِ، الخُطبة 192 "الخُطبةُ القَاصِعَةُ"،
    ولهذا السبَّبُ كانَ الجوابُ الآلهي قاطعاً وواضحاً لمنْ تَبِعَ دينِ اللهِ ، قالَ تَعالَى في كتابِهِ العزيزِ:
    ﴿ قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا ﴾،
    سُورَةُ الإسراءِ، الآيات 63-65.

    وفي آيةٍ أُخرى : قالَ تَعالَى : ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا ۖ لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾، سُورَةُ الأعرافِ ، الآيات 11-18،
    هذه الآياتُ تُبيِّنُ أنَّ الشَّيطانَ طَلَبَ منَ اللهِ سُبحانَهُ وتعالَى أنْ يُمهِلَهُ، فهلْ طَلبَ أنْ يُمْهِلَهُ لِيسكبَ عبراتِ الحَسرةِ والنَّدامةِ على مَا فعَلَهُ منْ قَبلَ، أمْ أنَّهُ طَلبَ مُهلةً لإصلاحِ عِصيانِهِ القَّبيحِ؟ والجوابُ : كلا، إنَّهُ طلبَ من البارئِ عَزَّ وجَلَّ أنْ يُمْهِلَهُ إلَى يومِ يُبعثونَ كَي ينتقمَ منْ أبناءِ آدمَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) ويدفعَهُم جميعاً إلَى طَريقِ الضَّلالِ، رغمَ عِلمِهِ بأنَّ إضلالَهُ لِكُلِّ إنسانٍ سوفَ يُضيفُ لذنوبِهِ حِملا ثَقيلاً جديداً منَ الذُّنوبِ، ويُغرِقَهُ في مُستنقعِ الكُفرِ والعِصيانِ، كُلُّ ذلكَ بسبَّبِ اللَّجاجةِ والتَّكبرِ والغرورِ والحَسَدِ، فمَا أكثرَ المَصائبَ الّتي تَتولدُ للإنسانِ منْ هذهِ الصِّفاتِ الذَّميمةِ ، وفي الحَقيقَةِ، إنَّهُ كانَ يُريدُ الإستمرارَ في إغواءِ بَني آدمَ حتَّى آخرَ فُرصةٍ مُتَاحَةٍ لَهُ، لأنَّ في يومِ البَعثِ تَسقطُ التَّكاليفُ عنِ الإنسانِ، ولَا معنَى هناكَ للوَسَاوسِ والإغواءاتِ، إضافةً إلَى هذا فقدْ طَلَبَ منَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ أنْ يُبقيَهُ حياً إلَى يومِ القيامةِ، رغمَ أنَّ كُلَّ الموجودينَ في العَالَمِ يموتونَ في هذهِ الدُّنيَا.
    وهذا الإحتناكُ وهذهِ الغوايَةُ يكونانِ منْ خلالِ تزيينِ الدُّنيا في عينِ وقلبِ الإنسانِ المُتمثلُ بالبُرْنُسٌ ذُو أَلْوَانٍ ، فيرَى الإنسانُ الدُّنيا بأنَّها جميلةٌ لطيفةٌ رغيدةٌ مُزيَّنةٌ ،
    إنَّ الزِّينةَ مَحلٌ لإختبارِ الشَّخصيَّةِ: وفقَ مَا وردَ أيضاً في قولِهِ تَعالَى:﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾، سُورَةُ الكَهفِ،الآية 7، وهذا يعني أنَّ الزِّينَةَ يُمكنُ أنْ تَنبِهِرُ الشَّخصيَّةُ بِهَا فَتغفلُ عنْ أداءِ وظيفتِهَا العِباديَّةِ بحيثْ تجرُّهَا إمَا لوقوعٍ في مَا هو مُحرمٌ منْهَا:كَمَا لوإكتسبَ الثَّروةَ بالطُّرقِ غيرِ المَشروعَةِ أو تَقعَ في المَكروِهِ مِنْهَا، أو حتَّى المُباحَ مِنْهَا: في حَالةِ إنشِغَالِ الشَّخصيَّةِ بِهَا وَصرفِهَا عنْ أداءِ الأحسنِ مِنَ العملِ ،وهذا مَا يُجَسِدُه قَولُهُ تَعالَى :
    ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾، سُورَةُ يُونُسَ ، الآية 24 ، وأيضاً أميرُ المؤمنينَ تحْذِيرُهُ واضحٌ وصريحٌ لكي لايَغتَرَّ بِهَا الإنسانُ ويصبحَ مَطيَّةً وأداةً للشَّيطانِ فقالَ(عَلَيْهِ السَّلامُ):
    ( أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُ اَلدُّنْيَا فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ وَ تَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ وَ رَاقَتْ بِالْقَلِيلِ وَ تَحَلَّتْ بِالآْمَالِ وَ تَزَيَّنَتْ بِالْغُرُورِ لاَ تَدُومُ حَبْرَتُهَا { سرورها ونعمتها} وَ لاَ تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ حَائِلَةٌ {متغيرة} زَائِلَةٌ نَافِدَةٌ {فانية} بَائِدَةٌ {هالكة} أَكَّالَةٌ غَوَّالَةٌ {مهلة} لاَ تَعْدُو إِذَا تَنَاهَتْ إِلَى أُمْنِيَّةِ أَهْلِ اَلرَّغْبَةِ فِيهَا وَ اَلرِّضَاءِ بِهَا)، نهج البلاغة، خطبة 109
    ومن الطَّبيعِيِ أنَّ الإنسانَ يُحِبُ البَقاءَ في المَكانِ الآمنِ، فهَو إذا مَا أوشَكَ علَى سفرٍ إلَى بلدةٍ مَا، وعلِمَ بأنَّهُ مكانٌ مَجهولٌ، ومنَ المُمكِنِ أنْ تَكْتنِفَهُ المَخاطرُ والأعداءُ؛ فَقَطْعاً سَيستَنكِفُ عنْ هذا السَّفرِ.. وقدْ وردَ في بعضِ الرِّواياتِ -ما مضمونُهُ-: بأنَّ الإنسانَ عندمَا يموتُ ينتقلُ إلَى الآخرةِ بآخرِ مَا كانَ مَشغولاً بِهِ، فالإنسانُ المُتعَلِقُ قلبُهُ -مثلاً- ببناءِ منزلٍ، وكُلُّ هَمِهِ وغَمِهِ أنْ يُنَجِّزَهُ؛ فإنَّهُ عندمَا يموتُ، يذهبُ للآخرةِ بهذا الهَمِّ الّذي كَانَ في جَوفِهِ.. فإذنْ، إنَّ الجَهلَ بعواقبِ المَوتِ، وعدمِ المَعرِفَةِ لِمَا سيؤولُ إليهِ أمَرُهُ منْ بواعثِ الخَوفِ ، يقول أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلامُ): ( وَأُحَذِّرُكُمُ اَلدُّنْيَا فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَةٍ {ليست بمستوطنة وثابتة} وَ لَيْسَتْ بِدَارِ نُجْعَةٍ {طلب الكلأ في موضعه، أي ليست محط الرحال ولا مبلغ الآمال} قَدْ تَزَيَّنَتْ بِغُرُورِهَا وَ غَرَّتْ بِزِينَتِهَا دَارٌ هَانَتْ عَلَى رَبِّهَا فَخَلَطَ حَلاَلَهَا بِحَرَامِهَا وَ خَيْرَهَا بِشَرِّهَا وَ حَيَاتَهَا بِمَوْتِهَا وَ حُلْوَهَا بِمُرِّهَا لَمْ يُصْفِهَا اَللَّهُ تَعَالَى لِأَوْلِيَائِهِ وَ لَمْ يَضِنَّ بِهَا عَنْ عَلَى أَعْدَائِهِ خَيْرُهَا زَهِيدٌ وَ شَرُّهَا عَتِيدٌ وَ جَمْعُهَا يَنْفَدُ وَ مُلْكُهَا يُسْلَبُ وَ عَامِرُهَا يَخْرَبُ)، نهجُ البَلاغَةِ، خطبة 113، لِهذا السبَّبِ على الإنسانِ أنْ يَعلَمَ بأنَّ الحياةَ الدُّنيا لَيستْ إلَّا أياماً قَلائلَ والمَوتُ وراءَهُ ثُمَّ الرُّجوعَ إلينَا للحسابِ فلَا يُصِدُّنُّكُم زينةُ الحياةِ الدُّنيا وهيَ زينةٌ فانيَةٌ عنِ التَّهيؤِ لِلِقاءِ اللهِ بالإيمانِ والعملِ ففيهِ السَّعادةِ الباقيَّةِ وفي الحِرمانِ مِنْهُ هلاكٌ مؤبدٌ مُخلَّدٌ ،
    يقولُ شيخُ الطَّائفةِ الطُّوسيِّ : وقولُهُ تَعالَى : ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا....﴾، سُورَةُ الكَهفِ ، الآية 46 ، إخبارٌ منْهُ تَعالَى أنَّ كثرةَ الأموالِ الّتي يَتمَوَلُها الإنسانُ ويملِكُهَا في الدُّنيا، والبنينَ الّذين يَرزقَهُم اللهُ زينةَ الحياةَ الدُّنيا، أي جَمالُ الدُّنيا وفخرُهَا ﴿....وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾، سُورَةُ الكَهفِ ، الآية 46، يعني الطَّاعاتُ للهِ تَعالَى، لأنَّهُ يُبقي ثَوابَهَا أبداً، فهَي خيرٌ منْ نفعٍ مُنقطِعٍ لَاعاقبةَ لَهُ، والبَاقياتُ يفرحُ بِهَا ويدومُ خيرُهَا، وهيَ صَالحاتٌ بدُعاءِ الحَكيمِ اليهَا وأمرُهُ بِهَا. التِّبيانُ في تفسيرِ القُرآنِ، الطَّوسيِّ،ج7، ص50
    إذنْ البنونُ كالمالِ بمثابةِ رأسُ مالٍ في الحياةِ الدُّنيا، كَمَا هو حالُ النَّباتاتِ ففي بُرهةٍ منَ الزَّمنِ تُعدُّ سبباً لِجمالِ الأرضِ ويَتباهَى بِهَا الإنسانُ أحياناً، لكنَّهَا ممَّا لَا يَنبغي الوثوقُ بِهَا، ولَا ممَّا تُسبِّبُ إنقاذِ الانسانِ ونجاتِهِ في الدُّنيا وفي الآخرةِ ،
    فالباقياتُ الصَّالحَاتُ الرَّصيدُ الّذي يُمكنُ الإعتمادُ عليهِ والّذي يُعَدُّ ذُخراً حَسَناً عِندَ اللهِ تَعالَى هو الأعمالُ الصَّالحةُ البَاقيَةُ الّتي عبَّرَ عنْهَا اللهُ عَزَّ وجَلَّ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، فالأعمالُ الصَّالحَةُ والقِّيَّمُ الثَّابتَةُ تُعَدُّ رَصيداً يُعتمدُ عليهِ، فهي ذاتُ صِبغةٍ خالدةٍ ولَا موسمَ خريفٍ فيهَا ولا موتَ.

    وعَليهِ لَمَّا يعرفُ الإنسانُ حقيقةُ هذهِ الزِّينَةِ لّا يتَعَلقُ بهَا بلْ يَتعلَقَ بِالآخرةِ ويُكرسُ عمَلَهُ لإجلهَا ، ويُفشِلُ مُخَططاتَ وعَمَلَ الشَّيطانِ ويكونُ مصداقاً لنهايةِ الحواريةِ بينَ اللهِ والشَّيطانِ ، في قولهِ تَعالَى : ﴿ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ، سُورَةُ ص ، الآيات 77-85.

    التعديل الأخير تم بواسطة الاشتر; الساعة 18-06-2022, 05:35 PM.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X