بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ): ( مِنْ مُعْجِزَاتِهِ أَنَّهُ لَمَّا غَزَا بِتَبُوكَ كَانَ مَعَهُ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ خَمْسَةٌ وَ عِشْرُونَ أَلْفاً سِوَى خَدَمِهِمْ فَمَرَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) فِي مَسِيرِهِ بِجَبَلٍ يَرْشَحُ اَلْمَاءُ مِنْ أَعْلاَهُ إِلَى أَسْفَلِهِ مِنْ غَيْرِ سَيَلاَنٍ فَقَالُوا مَا أَعْجَبَ رَشْحَ هَذَا اَلْجَبَلِ فَقَالَ إِنَّهُ يَبْكِي قَالُوا وَاَلْجَبَلُ يَبْكِي قَالَ أَتُحِبُّونَ أَنْ تَعْلَمُوا ذَلِكَ قَالُوا نَعَمْ قَالَ أَيُّهَا اَلْجَبَلُ مِمَّ بُكَاؤُكَ فَأَجَابَهُ اَلْجَبَلُ وَ قَدْ سَمِعَهُ اَلْجَمَاعَةُ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ يَا رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) مَرَّ بِي عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ وَ هُوَ يَتْلُو ﴿ نَارٌ وَقُودُهَا اَلنّٰاسُ وَاَلْحِجٰارَةُ ﴾، فَأَنَا أَبْكِي مُنْذُ ذَلِكَ اَلْيَوْمِ خَوْفاً مِنْ أَنْ أَكُونَ مِنْ تِلْكَ اَلْحِجَارَةِ فَقَالَ اُسْكُنْ مَكَانَكَ فَلَسْتَ مِنْهَا إِنَّمَا تِلْكَ اَلْحِجَارَةُ اَلْكِبْرِيتُ فَجَفَّ ذَلِكَ اَلرَّشْحُ مِنَ اَلْجَبَلِ فِي اَلْوَقْتِ حَتَّى لَمْ يُرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اَلرَّشْحِ وَ مِنْ تِلْكَ اَلرُّطُوبَةِ اَلَّتِي كَانَتْ )، بحار الأنوار ج۱۷ ص364.
نستَفيدُ منْ هذهِ الرِّوايةِ بأنَّ الجَبَلَ وهوَ جَمَادٌ لايَعقِلُ علَى الرَغمِ مِنْ كونِهِ يُسَبِحِ اللهَ لِقَولِهِ تَعالَى : ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾، سُورَةُ الإسرَاءِ الآية 44، فَهوَ يتَأثَرُ ويَبكي خوفاً منْ أنْ يكونَ حطَباً لِجَهنمَ ، وأنتَ أُيها الإنسانُ خصوصاً المؤمنُ كيف بكَ إذا كنتَ منْ هذا الوَقودِ نتيجةً لِعَمَلٍ سئٍ أو ذنبٍ أو مَعصيَّةٍ أو ظُلمٍ أو إعتِداءٍ ، لذا عليكَ أنْ تُراجعَ نفسكَ فالآياتُ القرآنيَّة والأحاديثُ الشَّريفةِ حَذَرَتكَ بِشكلٍ واضحٍ وصريحٍ وذَكرَ صاحبُ تَفسيرِ الأمثلِ منْهَا:- ﴿ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾، سُورَةُ البَقَرَةِ، الآيتان 23-24 ، فقالَ صاحبُ الأمثل في تَفسيرِ هاتينِ الآيتينِ :
ظاهرةُ الكُفرِ والنِّفاقِ، الّتي دَارتْ حَولَهَا موضوعاتُ الآياتِ السَابقةِ، تنشأُ أحياناً عنْ عدمِ فهمِ مُحتَوى النُّبوَةِ ومُعجزةِ الرِّسولِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ)، والآياتُ الّتي نَحنُ بِصدَدِهَا تُعالجُ هذهِ المَسألة، وتُركزُ علَى المُعجِزَةِ القُرآنيَّةِ الخَالدَةِ كي تُزيلَ كُلَّ شَكٍّ وتَرديدٍ في رسالةِ نَبيِّ الإسلامِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ)، تقولُ الآيةُ:
وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ، وبهذا الشِّكلِ تَحدَّى القرآنُ كُلَّ المُنكرينَ أنْ يأتوا بسورةٍ مِنْ مثلِهِ، كي يكونَ عَجزُهُم دليلاً واضحاً علَى أصالةِ هذا الوَحي السَّماوي وعلى الجانبِ الإلهي للرِّسالةِ والدَّعوةِ
ولأجلِ أنْ يؤكدَ هذا التَّحدِّي دَعاهُم أنْ لَا يقوموا بهذا العَملِ مُنفردينَ، بلْ كَمَا قالَ تَعَالَى :﴿ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾
وكلمةُ " شهداء " تُشيرُ إلَى الفئةِ الّتي كانتْ تُساعدَهُم في رفضِ رِسالةِ النَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ)، وعبارةُ منْ دونِ اللهِ إشارةٌ إلَى عجزِ جميعِ البَشرِ عنِ الإتيانِ بسورةٍ قُرآنيَّةٍ ولَو كانَ بَعضُهُم لبعضٍ ظَهيراً، وإلَى قُدرةِ اللهِ وحدَهُ على ذلكَ ، وعبارةُ إنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ تستهدفُ حَثَهُم على قبولِ هذا التَّحدِّي، ومفهومُهَا: لو عَجزتمْ عنْ هذا العَملِ فذلكَ دليلُ كذبِكُم، فأنهضوا إذنْ لإثباتِ إدِّعائِكُم ، وطَبيعةُ التَّحدِّي تَقتضي أنْ يكونَ صَارخاً إلَى أبعدِ حَدٍّ مُمْكِّنٍ، وأنْ يكونَ مُحفِزاً للعدوِ مَهمَا أمكنَ، وبعبارةٍ أُخرى أنْ يُثيرُ الحِميَةَ فيهِ، كي يُجنِدَ كُلَّ طَاقاتِهِ لِعمليةِ المُجابهَةِ، حتّى إذا فَشلَ وأيقنَ بعجزِهِ عَلِمَ أنَّهُ أمامَ ظاهرةٌ إلهيَّةٌ لَا بشريَّة ، منْ هنا فسياقُ الآياتِ التَّاليَّةِ، يركزُ علَى عُنصرِ الإثارَةِ ويقولُ: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ، وهذهِ النَّارُ ليستْ حديثُ مستقبلٍ، بلْ هي واقعٌ قائمٌ: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ
جمعٌ منَ المُفسرينَ قالوا: إنَّ المقصودَ بالحِجارةِ: الأصنامُ الحَجريَّةِ، واستشهدوا لذلكَ بالآيةِ الكَريمةِ: ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَٰرِدُونَ ﴾، سُورَةُ الأنبيَاءِ،الآية 98.
وجمعٌ آخرٌ قالوا: (الحجارة) إشارةٌ إلَى صُخورٍ معدنيَّةٍ كبريتيَّةٍ تفوقُ حَرارَتُهَا حرارةَ الصُّخورِ الأُخرى ، وهناكَ منَ المُفسرينَ منْ يعتقدُ أنَّ المقصودَ منْ هذا التَّعبيرِ، إلفاتُ النَّظرِ إلَى شِدَّةِ حرارةِ جَهنَّمَ، أي إنَّ حرارةَ جهنمَ وحريقَها يبلغُ درجةً تَشتعلُ فيهَا الصُّخورُ والأجسادُ كمَا يشتعلُ الوقودُ ، ويبدو منْ ظاهرِ الآياتِ المَذكورَةِ، أنَّ نارَ جَهنَّمَ تستعرُ منْ داخلِ النَّاسِ والحِجارَةِ،ولَا يَصعبُ فهمَ هذهِ المسألةِ لو عَلمنَا أنَّ العلمَ الحديثَ أثبتَ أنَّ كُلَّ أجسامِ العَالمِ تَنطوي في أعماقِهَا علَى نَارٍ عَظيمةٍ (أو بعبارةٍ أُخرَى علَى طَاقةٍ قَابلَةٍ للتَّبديلِ إلَى نارٍ)، ولَا يلزمُ أنْ نتصورَ نَارَ جَهنَّمَ شبيهةٌ بالنَّارِ المَشهودةِ في هذا العالمِ ، وفي موضعٍ آخرٍ يقولُ تَعالَى: ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ﴾، سُورَةُ الهُمَزَةِ، الآيتان 6-7، خلافاً لنيرانِ هذا العَالمِ الّتي تنفذُ منَ الخَارجِ إلَى الدَّاخلِ . الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١ - ص ١١٨.
تخاطبُ الآياتُ السَّابقةُ جميعَ المؤمنينَ، وتَرسُمُ لَهمُ المَنهجَ الصَّالحَ لتَربيَّةِ الزَّوجاتِ والأولادِ والاُسرةِ بشكلٍ عامٍّ، فهَي تقولُ أوّلاً: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾، سُورَةُ التَّحَريمِ ،الآية 6.
وذلكَ بَحفظِ النَّفسِ منَ الذُّنوبِ وعدمِ الإستسلامِ للشَّهواتِ والأهواءِ، وحفظِ العائلةِ منَ الإنحرافِ بالتَّعليمِ والتَّربيَّةِ والأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عنِ المُنكرِ، وتهيئةِ الأجواءِ الصَّالحةِ والمُحيطِ الطَّاهرِ منْ كُلِّ رذيلةٍ ونقصٍ ، وينبغي مُراعاةِ هذا البَرنامَجِ الإلهي مُنذُ الَّلحظاتِ الاُولى لبناءِ العَائلَةِ، أي مُنذُ أوّلِ مُقدّماتِ الزَّواجِ، ثُمَّ معَ أوّلِ لَحظةٍ لولادةِ الأولادِ، ويُراعَى ويُلاحظُ بدقّةٍ حتّى النَّهايَةِ ، وبعبارةٍ اُخرى: إنَّ حقوقَ الزَّوجةِ والأولادِ لَا تقتصرُ علَى توفيرِ المَسكنِ والمَأكلِ، بلْ الأهمُّ تربيَّةُ نُفوسِهم وتغذيتِهَا بالاُصولِ والتَّعاليمِ الإسلاميَّةِ وتنشئتِهَا نشأةً تربويَّةً صَحيحةً ، وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أسلم قَالَ: ( تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} فَقَالُوا: يَا رَسُول الله كَيفَ نقي أهلنا نَارا قَالَ: تأمرونهم بِمَا يُحِبهُ الله وتنهونهم عَمَّا يكره الله )، الدر المنثور في التفسير بالماثور، ج : 8 ص : 225 ، والتعبيرُ بـ «قوا» إشارةً إلَى أنّ تَركَ الأطفالِ والزَّوجاتِ دونَ أيّةِ مُتابعَةٍ أو إرشادٍ سيؤدّي إلى هَلاكِهم ودخولِهم النَّارَ شِئنَا أمْ أبَينَا. لِذا عَليكُم أنْ تَقُوهُم وتحذِّروهُم منْ ذلكَ .
والوقودُ: هو المادّةُ القابلةُ للإشتعالِ مثلَ (الحطب) وهو بِمعنى المُعطي لِشرارةِ النَّارِ كالكبريتِ ـ مثلاً ـ فإنَّ العربَ يطلقونَ عليه (الزِّناد) .
وبناءً علَى هذا فإنّ نارَ جهنّمَ ليسَ كنيرانِ هذا العَالم، لأنَّها تَشتعلُ منْ داخلِ البَشرِ أنفسِهِم ومنْ داخلَ الصُّخورِ وليسَ فقطْ صُخورِ الكِبريتِ الّتي أشارَ إليهَا بعضُ المُفسّرينَ، فإنّ لفظَ الآيةِ مُطلقٌ يَشملُ جميعَ أنواعِ الصُّخورِ ،
وقد اتّضحَ في هذا العَصرِ أنّ كُلَّ قِطعةٍ منَ الصُّخورِ تحتوي علَى ملياراتِ الملياراتِ منَ الذَرّاتِ الّتي إذا مَا تحرّرتِ الطَّاقةُ الكَافيَّةُ فيها فسينتجُ عنْ ذلكَ نارٌ هائلةٌ يَصعبُ على الإنسانَ تَصوّرَها .
وقالَ بعضُ المُفسّرينَ: إنّ «الحجارة» عبارةٌ عنْ تلكَ الأصنامُ الّتي كَانوا يعبدونَها
ويضيفَ القرآنُ قائلاً: ﴿ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ ، وبهذا لَا يبقى طريق للخلاص والهروب، ولن يؤثّر البكاء والإلتماس والجزع والفزع ، ومن الواضحِ أنَّ أصحابَ الأعمالِ والمكلّفينَ بتنفيذِهَا، ينبغي أنْ تكونَ مَعنوياتُهم وروحيّتُهم تنسجمُ معَ تلكَ المهامِّ المكلّفينَ بتنفيذِهَا. ولهذا يجبُ أنْ يتّصفَ مسؤولو العذابِ والمشرفونَ عليه بالغِلظَةِ والخُشونَةِ، لأنَّ جهنّمَ ليستْ مكاناً للرَّحمةِ والشَّفقةِ، وإنَّمَا هي مَكانُ الغَضبِ الإلهي ومحلِّ النِّقمَةِ والسَخَطِ الإلهيين ،ولكنْ هذهِ الغِلظَةِ والخُشونَةِ لَا تُخرِجُ هؤلاءِ عنْ حدِّ العِدالةِ والأوامرِ الإلهيَّةِ إنّما:﴿ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ دونَ أيّةِ زيادةٍ أو نُقصانْ .